العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ندوة مناسك الحج 1429هـ، الحلقة(7): الدِّماءُ في الَحجِّ [عرض ومناقشة أقوال أهل العلم]

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
الدِّماءُ في الَحجِّ
للشيخ العلامة محمد إبراهيم شقره ـ حفظه الله تعالى ـ

يقول :
من يقرأُ الفقهَ على المذاهب كلِّها ، يروعه كثرةُ الدماءِ التي تُفرَضُ على كل مخالفة قد يرتكبها المسلم أثناء إحرامه ، وتأْديته مناسكه .

ونحن إذا أَمعنا النَّظر ، وتجرَّدنا من العصبية المذهبية ، وتقصَّينا الأدلة التي جاءت في القرآن ، أو صحَّت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أنَّ هذه الكثرة من الدِّماءِ ليستْ مشروعةً ،

وأَنَّ المشروع منها خمسة فقط :

الأول : دمُ التمتع والقران ، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبَّى بعمرة متمتعاً بها إلى الحج ، أو لبَّى بحج وعمرة قارناً بينهما .

الثاني : دم الفدية ، الذي يجب على الحاج إذا حلق شعره لمرض أو شيءٍ مؤْذٍ .

الثالث : دمُ الجزاءِ ، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيداً برِّياً ، أما صيد البحر فلا شيءَ منه عليه .

الرابع : دمُ الإحصار ، ويكون بسبب انحسابه عن إتمام المناسك لمرض أو عَدُوٍّ أو غير ذلك ، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه ، أي لم يقل عند تلبية بالحج: اللهم مِحَليِّ حيث حبستني .

الخامس : دمُ الوطءِ ، وهو دم يُفرض على الحاج إذا وطىءَ أثناء حجه ، فإن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر فعليه بدنة ، مع بطلان حجهِّ ، وإن كان وطىءَ بعد الرمي وقبل طواف الافاضه فعليه شاة .

ومثل الرجل في هذه المرأة سواءً بسواءٍ ، غير أَنها إذا كانت مكرهةً في وطئِها فلا هدي عليها ، وأيضاً فإن حجَّها صحيح بخلاف زوجها الواطىءِ ، إن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة .

ولا يجب على الحاج دمٌ غير هذه الدماءِ ، إذ ليس على ذلك دليل يصلح للاعتماد عليه ، وقد اعتمد الفقهاءُ قديماً وحديثاً في كثرة الدماءِ التي يوجبونها في مخالفات الحج ، على أَثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور وهو : " من نسي من نُسُكِهِ شيئاً أو تركه فليُهْرِقْ دماً " .

وهذا الأثر فضلاً عن كونه مُصادماً لصريح السُّنة كما سنبين ، فهو قد تفرد به ابن عباس رضي الله عنهما ، فيُصْبح رأْياً ارتآه ابن عباس وحده ، مصادماً لصريح السُّنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلكم : " أَن رجلاً جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمِّخٌ بطيب ، فقال : يارسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضَمَّخَ بطيب ؟ . فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً ، فجاءه الوحي ، ثم سُرِّيَ عنه فقال : أَين الذي سألني عن العمرة آنفاً ، فالْتُمِسَ الرجلُ فجيءَ به فقال : أَمَّا الطِّيبُ الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجُبَّة فانزِعها ، ثم اصنع في العمرة كلَّ ما تصنع في حجَّك " .

فهذا الحديث ، يدلُّ دلالةً صريحة ، على أَن من أتى مخالفةً أو محظوراً من محظورات الإحرام ، فليس عليه إلا أن يدعه فقط ، لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لا بس الجبَّة المتضمخ بطيب النِّساء ـ وهو الخلوق كما جاء في رواية أخرى ـ إلا أن ينزع الجبَّة ويغسل الطيب ، ولم يأْمره بذبح هدي الجزاء ، ولوكان واجباً لأَمره به ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجه ، والحاجة قائمة هنا ، والوحي قد نزل بالحكم الفصل .

والصحابي مهما بلغ من منزلة وعلم ، فأثره لا يُقَدَّم على سنَّةٍ صحيحة صريحة من سنن الرسول صلوات الله عليه .

إذاً فمن الحق أن يقال :إنَّ ابن عباس ـ رضي الله عنه ، على جلالة قدره في العلم ـ اجتهد رأْيه ، فلربما لم يبلغه هذا الحديث الصحيح ، واختلاف الصحابة مشهور لا يخفى ، وهو مبنيٌّ على هذا الأْصل ، ألا وهو : خفاءُ السنن ، وعلى تفاوتهم في العلم .

ولا يقال هنا :إن الصحابة لم ينكروا عليه ، فعدم معرفتنا بذلك لا يعني أن الصحابة لم ينكروا ، غاية ما يقال :إنه لم يصلنا .

ولا ننسى أنَّ كثرة الدماءلم تؤد إلى أَلتساهُلِ في المناسك فحسب ، بل إلى الأستهانة بأداءِ مناسِكِ الحج ، وإتمامها على مثل ما بينَّ الرسول عليه السلام ، وهذا أَخطر مافي التدميم .

نقلاً من كتاب " إرشاد الساري إلى عبادة الباري ـ القسم الثاني الحج " (ص 42 ـ 44) .
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول ابن دقيق العيد في شرح العمدة :
"ونقل عن أحمد أنه إنه إن قدم بعض هذه هذه الأشياء [أعمال يوم العيد] على بعض فلا شيء عليه، إن كان جاهلا، وإن كان عامداً ففي وجوب الدم روايتان.
وهذا القول في سقوط عن الجاهل والناسي دون العامد قوي، من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: "خذوا عني مناسككم".
وهذه الأحاديث المرخصة في التقديم لما وقع السؤال عنه إنما قرنت بقول السائل "لم أشعر" فيخصص الحكم بهذه الحالة. وتبقى حالة العمد على أصل وجوب اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج.
ومن قال بوجوب الدم في العمد والنسيان عند تقدم الحلق على الرمي فإنه يحمل قوله عليه السلام "لا حرج" على نفي الإثم في التقديم مع النسيان ، ولا يلزم من نفي الإثم نفي وجوب الدم."


قلت:

ظاهر أن الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله لا يناقش مسألة وجوب الدم، وإنما يناقش وجوبه في مسألة معينة وهي الإخلال بترتيب أعمال يوم العيد، وهل يجب الدم مطلقا لمن أخل، عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً، ويكون نفي الحرج نازلاً على نفي الإثم فقط، أم يجب على العامد فقط، ويعمل حينئذ وصف "لم أشعر" في الحديث بإسقاط الدم والإثم عن الناسي، فالقاعدة أن الحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه، وعدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة،
وهذه الطريقة هي طريقة الإمام أحمد وقواها ابن دقيق العيد رحم الله الجميع.

أما الصنعاني في حاشيته الموسومة بالعدة على شرح ابن دقيق العيد: فإنه نازع في أصل وجوب الدم ، فقال:

اعلم أن إيجاب الدم في هذه الأفعال والتروك في الحج لم يأت به نص نبوي، إنما روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم، وبه قال سعيد بن جبير والحسن والنخعي وأصحاب الرأي قاله القرطبي، قال ابن حجر: وفي سند ذلك إلى النخعي وأصحاب الرأي نظر فإنهم لا يقولون به إلا في بعض المواضع.
فالعجب إطباق المفرعين على إيجاب الدم في محلات كثيرة، والدليل كلام ابن عباس، وعلى أنه لم يثبت عنه فإنه أخرج حديثه ابن أبي شيبه، وفيه إبراهيم بن المهاجر وفيه مقال.
كما علق الصنعاني على قول ابن دقيق العيد: "وتبقى حالة العمد على أصل وجوب رسول الله صلى الله عليه وسلم"
فقال: وهذا حسن إلا أن إيجاب الدليل ما نهض دليله كما عرفت."

قلت:


قد يعترض على الصنعاني بأن الأثر الذي أورده إنما هو في التقديم والتأخير، وهو أثرٌ ضعيف، وقد ثبت الأثر عن ابن عباس على إهراق الدم لمن ترك شيئا من نسكه.



لكنهذا في الحقيقة إنما يرد على المحل الذي نزل إليه في المناقشة ، لا على طريقته فيالاستدلال، فهو إنما بنى حكمه على أنه لم يأت به نص نبوي، ثم بين أن الذي جاء إنماهو أثر عن ابن عباس ولم يثبت عنه.


وبما أنه قد ظهر ثبوت أثر آخر عن ابن عباس في إهراق الدم على من ترك شيئا من نسكه فإنعلى من رام تقرير هذا الحكم على الصنعاني أن يسلك أحد طريقين:



* أن يقرره بناء على أصل الصنعاني، وذلك بإنهاض الحكم بأصلنبوي.


* أن يقرر عليه أصل حجية قول الصحابي.


 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في موطأ الإمام مالك:
(باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا )
مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس
قال: ( من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما)
قال أيوب: لا أدري قال ترك أو نسي
يقول ابن عبد البر في الاستذكار:
ليس في هذا الباب معنى إلا وقد تقدم مجودا والحمد لله وفيه أن من أسقط شيئا من سنن الحج جبره بالدم لا غير إلا ما أتى فيه الخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما.
هذا حكم سنن الحج
وأما فرائضه:
فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخير العمل عن موضعه ونحو ذلك مما قد مضت وجوهه واضحة والحمد لله.
ويقول في التمهيد (17 / 263):
(أجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رخص لهم ليالي منى بمنى من شعائر الحج ونسكه والنظر يوجب على كل مسقط لنسكه دما قياسا على سائر شعائر الحج ونسكه.)

وعلَّق الباجي في المنتقى على قول الإمام مالك:
(أستحب في مثل هذا أن يهرق دما ...ذلك أن عبد الله بن عباس قال : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما)
فقال [وهو يستشكل اعتباره لاستحباب إهراق الدم مع استدلاله عليه بأثر ابن عباس]:
احتجاجه على ذلك بقول عبد الله بن عباس يحتمل:
1- أن يريد به أنه قول قد قاله غيره فجاز له أن يذهب إليه بوجه من الاجتهاد ويقتضي ذلك أن النسيان والعمد عنده في ذلك سواء.
2- أو لأنه إذا كان عليه أن يهريق دما في نسيانه مع عذر النسيان فبأن يكون ذلك عليه في العمد والجهل أولى.
ولما احتج على ذلك بقول ابن عباس من نسي من نسكه شيئا اقتضى أن يكون الحلاق عنده نسكا وإلا لم يتناوله الدليل وفي ذلك وجه آخر وذلك أن ما قاله عبد الله بن عباس يقتضي وجوب الهدي لأن من نسي من نسكه شيئا كالمبيت بالمزدلفة أو رمي الجمار فقد وجب عليه الهدي وإن كان فيها ما يستحب فيه الهدي
لكن لما احتمل قول ابن عباس الوجوب والندب واشتمل على المعنيين تعلق به الندب لأنه متناول له.
3- ويجوز أن يكون مالك رحمه الله يريد بقوله أستحب له أنه يستحب إيجابه عليه ويكون قول من أوجب ذلك أحب إليه من قول من لم يوجبه فيكون الهدي على هذا القول واجبا والله أعلم .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قول الشافعي في الأم (1 / 328) في جملة سياقه لمناظراته:


(لا تنازع عمر ولا تتأول معه بل تتبعه وتتبع ابن عباس في قوله: " من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " ....)



ثم قال مبينا المنهج المستبين في اطراد العالم في أصوله واستدلالاته وأقواله:
إذا كان معك قول ابن عباس وتروى عن علي رضي الله عنه في امرأة المفقود خلاف عمر وتحتج به عليه وترى لك فيه حجة على من خالفك
ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر وعددا من أصحابرسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة أقاويلهم وأفعالهم
وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس
ثم تخطئ القياس
أرأيت لا يمكن أحدا في قول واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا ومعهم دلائل السنة التي ليس لأحد خلافها؟

وقال أيضاً في موضع آخر مؤكِّداً على هذه الحقيقة في بعض مناظراته مع بعض أصحاب الإمام مالك [ الأم (7 / 252)]:


( أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت.


قال مالك:
من جهل أن يكون آخرعهده الطواف بالبيت لم يكن عليه شيء إلا أن يكون قريبا فيرجع.



يقول الشافعي:
فلا أنتم عذرتموه بالجهالة فلا تردونه من قريب ولا بعيد
ولا أنتم اتبعتم قول عمر وما تأول صاحبكم من القرآن أن الوداع من نسيه فيجعل عليه دما وهو قول ابن عباس (من نسى من نسكه شيئا فليهرق دما)


وهو يقول في مواضع كثيرة بقول ابن عباس وحده (من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما)


ثم تتركونه حيث شئتم وتدعونه ومعه عمر وما تأولتم منالقرآن.)

وقال أيضاً الأم (7 / 258):
والعجب له:



أن يقول في عكرمة ما يقول
ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله
ويسميه مرة ويروى عنه ظنا
ويسكت عنه مرة فيروى عن ثور بن يزيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره
وسكت عن عكرمة وإنما حدث به ثور عن عكرمة.


وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها:
فيأخذ بقول ابن عباس (من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرقدما) فيقيس عليه ما شاء الله من الكثرة ويترك قوله في غير هذا منصوصا لغيرمعنى)
============================

لنتصفح عبارات الشافعي السابقة و المستلة من جملة كلامه العريض، والذي رأينا فيها كيف استطاع بأثر ابن عباس أن يبين عدم اطراد بعض الناس سواء كانوا من الآخذين به أو ممن لم يعتبروه.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول الدكتور محمد سعد اليوبي حفظه الله شرح كتاب الحج من عمدة الفقه :
(يقول المؤلف - رحمه الله تعالى - :
ومن ترك واجباً جبره بدم .
وهذه قاعدة عند العلماء ، وأصلها ما ثبت في الموطأ عن ابن عباس - رضي الله عنه - :
(( أن من نسي نسكه أو تركه فليهرق دماً )) فهذا أصل هذا القول .
والظاهر - والله أعلم - أن قول أبن عباس - رضي الله عنه - لا يخلو من حالين :
الحالة الأولى : إما أن يكون مما لا مجال للرأي فيه فيكون حكمه الرفع ، فهنا يجب الأخذ به
الحالة الثانية : أن يقال إنه اجتهاد صحابي وفتوى صحابي ، فمن يأخذ بقول الصحابي
يأخذ به .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول الشيخ حمد الحمد في شرح زاد المستقنع:
قال : ( ومن ترك واجباً فعليه دم )
من ترك واجباً سواء كان ذلك سهواً أو جهلاً فإن عليه أن يجبره بدم عند جماهير العلماء .
ودليل ذلك:
ما تقدم عن ابن عباس أنه قال : ( من نسى من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً )
ولا خلاف من أحد من الصحابة لابن عباس فلا يعلم له مخالف ، وحيث كان ذلك فقوله حجة ، ولأن مثل ذلك له حكم الرفع فإنه لا يعقل أن ابن عباس يوجب الدماء في مسائل كثيرة من مسائل الحج في واجباته من غير أن يكون عن نص من النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما لا يدرك بالاجتهاد وحيث كان كذلك فإنه له حكم الرفع وهذا الأثر اشتهر عن ابن عباس ولا يعلم له مخالف فيه فيكون حجة وإجماعاً .
فإذن :
من ترك واجباً من واجبات الحج ساهياً أو جاهلاً أو متعمداً فإن عليه دم ، هذا إن لم يتمكن من الفعل ، فإن تمكن فعليه أن يفعل فإن لم يفعل فعليه دم .
أما من ترك واجباً من الواجبات عاجزاً عنه معذوراً شرعاً في تركه كمن لم يتمكن من المبيت بمزدلفة لازدحام الناس أو نحو ذلك:
فإنه لا شيء عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب ذلك وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع .
إن قال قائل:
لم فرقنا بين هذه المسألة ومسألة سابقة وهي مسألة الفدية فقلنا : أن من فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه وهنا نقول من ترك واجباً ناسياً أو جاهلاً فعليه دم ؟
فالجواب :
أنا فرقنا بمفرق وهو أن هذه واجبات وهذه محرمات فهذه أوامر وهذه نواهي فالأوامر مازال المكلف مطالباً بها وأما النواهي فإنها إن وقعت منه فقد وقع في المنهي عنه فكما لو لم يقع منه حيث كان ناسياً أو جاهلاً ، وأما الأوامر فإنه لا يزال مطالباً بها فحينئذ يجبر هذا بالدم .
فمن فعل أمراً محرماً منهياً عنه ليس كمن ترك واجباً .
ولذا فرقنا في مسألة سابقة بين من صلى وعليه نجاسة فقلنا : صلاته صحيحة ، وبين من صلى ولا وضوء عليه فقلنا : صلاته باطلة لأن هذا من باب الأوامر وهذا من باب النواهي .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رواية... ودراية "من نسي من نسكه شيئاً فليرق دما..." الاربعاء 28 ذو القعدة 1429 الموافق 26 نوفمبر 2008

أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
حديث ابن عباس هذا اعتمد عليه كثير من طلاب العلم في فتاوى الحج فألزموا الناس بما لم يلزمهم الله به ولا رسوله حين أفتوا في كل مخالفة تقع بإهراق دم ومع أن أدلة التيسير في الحج أظهر منها في سائر أحكام الإسلام وهذا الفقه لا يتفق مع النصوص الشرعية الأخرى من القرآن والسنة كقوله تعالى: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" [البقرة:286].
فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عند هذه الآية: "قال: الله قد فعلت".
وقوله تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" [البقرة:185].
وقوله صلى الله عليه وسلم في أعمال يوم العيد: وفيها معظم أعمال الحج لمن قدم منها شيئاً أو أخره: "أفعل ولا حرج".
وقال أيضاً: "خذوا عني مناسككم" ولم يقل حجوا كما حججت كما قال في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي". والفرق بين هذين الحديثين التيسير في الحج ظاهر جلي لكل متأمل فيهما.
ثم حديث ابن عباس لفظ (النسك) يشمل مناسك الحج كلها: الأركان والواجبات والسنن. وتخصيصه بالواجبات!! دون الأركان والسنن تخصيص بغير مخصص. مع تصميم الشارع رفع الحرج عن الجميع.
الرواية:
1- ذكره مالك من الموطأ (1/366) وذكره في رواية محمد بن الحسن صـ(168).
2- وابن عبد البر الاستذكار (13/325).
3- وذكره الدار قطني في سننه (2/244).
4- وذكره الكاند هلوي في أوجز المسالك (8/132) وذكره الباجي في المنتقى (3/71).
5- وابن أبي شيبه في مصنفه (4/416).
6- والقرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم (3/408).
7- والحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (2/229-256).
8- وابن جرير الطبري في مسند ابن عباس (1/299).
9- وأبو محمد علي بن حزم في كتابه المحلي (7/263).
10- وأبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/238)
وذكره بدون إسناد كل من:
ابن الملقن في الإعلام في فوائد عمدة الأحكام (6/351).
وحسين المغربي في البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/48).
وابن المنذر في الإشراف (3/369).
والشوكاني في نيل الأوطار (5/79).
وابن عبد البر في التمهيد (7/277).

رواية الموطأ:
- قال: حدثني يحي بن مالك عن أيوب ابن أبي تميمة السختاني عن سعيد بن جبير عن عبد الله ابن عباس قال: من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دما. قال أيوب لا أدري قال: ترك أو نسي.. قال مالك ما كان من ذلك هديا فلا يكون إلا بمكة وما كان من ذلك نسكاً فهو يكون حيث أحب صاحب النسك.

وفي سنن الدار قطني:
- قال حدثني أبو طالب أحمد بن نصر حدثنا هاشم بن يونس نبأنا كاتب الليث نبأنا يحيى بن أيوب بن سعيد وإسماعيل بن أمية وابن جريج حدثوه عن الليث السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: (من نسي شيئاً من نسكه أو تركه فليهرق دما) وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وسفيان الثوري وغيرهم عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
- ونبأنا الحسين بن إسماعيل نبأنا محمد بن إسماعيل السختياني نبأنا ابن نمير نبأنا عبيد الله ابن عمر عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله.
- نبأنا محمد بن مخلد نبأنا محمد بن هارون الفلاس الحافظ حدثنا محمد بن يونس أبو عبد الله نبأنا حماد بن خالد عن عبد الله بن عمر العمري عن أيوب السختياني عن عكرمة ابن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من ترك من نسكه شيئاً فليهرق دما.

وفي مصنف أبي شيبة:
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا سالم عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال: من قدم شيئاً من حجه أو آخره فليهرق لذلك دما. وروى أيضاً مثله عن جابر بن زيد وسعيد بن جبير.

وفي المفهم للقرطبي:
- وحكي عن ابن عباس فيمن قدم شيئاً من النسك المذكور عليه الدم بالثابت عنه. وروي نحوه عن ابن جبير وقتادة والحسن والنخعي وكان هؤلاء حملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا حرج): أي لا أثم، ورتبوا على من أخل بشيء من سنن الحج على (إرم ولا حرج) قال فما سئل رسول الله عن شيء قدم وأخر إلا قال إفعل ولا حرج.

الدراية:
- رواية الحسن في الموطأ قال: وبالحديث الذي روي عن النبي تأخذ أنه لا حرج في شيء من ذلك. وقال أبو حنيفة لا حرج في شيء من ذلك ولم ير في شيء يوجب كفارة إلا في خصلة واحدة المتمتع والقارن إذا حلق قبل الذبح قال عليه دم.
- وقال الحافظ بن حجر في الفتح (3/571) وفي نسبة ذلك للنخعي عن عبد الله بن مسعود وأصحاب الرأي نظر. لأنهم لا يقولون بذلك أي (عدم التقديم) ولا في بعض الوقائع.
- وقال صاحب الهداية (3/62): ولأبي حنيفة حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "من قدم نسكاً على نسك فعليه دم" وعلق عليه الزيلعي في نصب الراية (3/219) قال هكذا هو غالب النسخ ويوجد في بعضها ابن عباس وهو أصح رواة ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس وبن جبير وجابر بن زيد وأبي الشحناء من حديث ابن عباس. قال الحافظ بن حجر في التخليص الجبير: حديث ابن عباس روى موقوفاً عليه ومرفوعاً (من ترك نسكا فعليه دم) أما الموقوف فرواه مالك في الموطأ والشافعي عن أيوب عن سعيد بن جبير عنه بلفظ "من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليرق دما" وأما المرفوع فرواه بن حزم في المحلى من طريق علي بن الجعد عن ابن عُلية عن أيوب به وأعله بالراوي أحمد بن علي بن سهل المروزي وعلي بن أحمد المقدسي قال أنهما مجهولان.
وقال في موضع آخر من التلخيص: بحثت عن المرفوع في المحلى فلم أجده قلت: الموجود في مسند علي بن أنجعد (2/736) هو الموقوف فلعل الحافظ وهم في ذلك وإنما هو عند ابن حزم في غير المحلى.
وقال الحافظ بن حجر أيضاً في تخريج أحاديث الدراية عن حديث ابن مسعود (2/41) قوله عن ابن مسعود: "من قدم نسكاً على نسك من طريق مجاهد عن ابن عباس: (من قدم شيئاً من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما" لم أجده عن ابن مسعود وإنما هو عن ابن عباس وكذا هو في بعض النسخ وأخرجه بن أبي شيبه بإسناد حسن من طريق مجاهد عن ابن عباس: "من قدم شيئاً من حجه أو أخره فليرق لذلك دما".
وأخرج الطحاوي من وجه آخر أحسن منه عنه ويعارضه ما ثبت في الصحيحين عن علي بن أبي طالب عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر فما سئل رسول الله عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قيل: أفعل ولا حرج.
- وممن ذكر قول بن عباس بوجوب الهدي على من قدم نسكاً على آخر وبدون إسناد: ذكره ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام. وحسين المغربي في البدر التام شرح بلوغ المرام وابن المنذر في كتابه الإشراف. وابن عبد البر في كتابيه الاستذكار والتمهيد. والشوكاني في نيل الأوطار.
- وقال محمد بن جرير الطبري في تهذيب الآثار من مسند بن عباس (من قدم شيئاً من سنك حجه أو أخره فلا حرج عليه ولا فدية ولا جزاء وذلك أن الفدية والجزاء في النسك إنما هو عوض من تقصير في واجب وتضييع للازم قد فات عمله وخرج بتضييعه وأثم بتقصيره. وفي إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه لا حرج عليه فيما فعل من ذلك ولا فدية إذ كان من زال عنه الحرج زائلاً عنه البدل الذي كان لازماً له أو كان حرجاً وهي الفدية والكفارة والجزاء).
وما روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة فقد خالفهم من أهل القدوة وذكر بعضهم كمجاهد وطاووس وعطاء بن أبي رباح وابن جريح وابن أبي نجيح.
وقال أبو محمد علي بن حزم في كتابه (المحلى) بعد أن ذكر جمهرة من السلف قالوا بجواز التقديم والتأخير في مناسك الحج دون أثم أو كفارة قال (وقد روي عن بعض السلف غير هذا وذكر قول بن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وجبار بن زيد ثم قال: (قال أبو محمد أما الرواية عن ابن عباس فواهية لأنها عن إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف وأما قول إبراهيم وجبار بن زيد في أن من حلق قبل الذبح والنحر فعليه دم أو فدية واحتجاجهم بقوله تعالى: "وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ" [البقرة:196]. فغفلة ممن احتج بهذا لأن محل الهدي هو يوم النحر بمنى أو بمكة فإذا دخل يوم النحر والهدي بمنى أو مكة فقد بلغ محله فحل الحلق. ولم يقل الله تعالى: "حتى تنحروا أو تذبحوا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ذلك مباح ولا حجة في قول أحد سواه عليه السلام".
- ثم قال بعد ذكره حكاية أقوال لبعض الفقهاء في الفدية لمن حلق قبل الذبح (كل هذه الأقوال في غاية الفساد لأنها كلها دعاوى بلا دليل لا من القرآن ولا من السنة ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا رأي سديد).
- وقال أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار (قصد ابن عباس أنه يجب على من قدم شيئاً من نسكه أو أخره دما وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر من أمر الحج إلا قال (إفعل ولا حرج) فلم يكن معنى ذلك عنده معنى الإباحة في تقديم ما قدموا ولا في تأخير ما أخروا مما ذكرنا إذ كان يوجب ذلك دما ولكن معنى ذلك عنده على أن الذي فعلوه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم كان على الجهل منهم بالحكم فيه كيف هو فعذرهم بجهلهم وأمرهم في المستأنف أن يتعلموا مناسكهم).
- أما شراح الموطأ كالباجي والزرقاني وزكريا الكاندهلوي فراحوا لتبرير الفدية في كلام ابن عباس في التقديم والتأخير الذي رواه مالك في الموطأ بأن قسموا أعمال الحج إلى ثلاثة أنواع: أركان وواجبات وسنن فالأركان لا يصح الحج إلا بها والواجبات تجبر بدم والسنن لا شيء فيها وحملوا قول ابن عباس على الواجبات وهذا التصنيع منهم حماية على المذهب لا غير في حين أن أعمال الحج التي جرى فيها إباحة التقديم والتأخير ورفع الحرج كما في الحديث الصحيح وعن ابن عباس نفسه –فيها الركن كطواف الإفاضة وهو ركن والحلق والنحر وهما واجبان والترتيب بين أفعال الحج سنة.

وفي الاستذكار:
- قال ابن عبد البر: (لا أعلم لأهل العلم جواباً في "المتعمد" في تقديم أو تأخير أنساك يوم العيد في ذلك شيئاً ولو كان "المتعمد" مخالفاً للجاهل والساهي لفرقوا بينه في أجوبتهم وفي كتبهم إلا أن ابن عباس روى عنه أنه قال (من قدم نسكه شيئاً أو أخره فليهرق دما) ولم يفرق بين ساه ولا عامد. وليست الرواية عنه بالقوية).
- وقال ابن عبد البر في (التمهيد) والقرطبي في (المفهم): (روى عن ابن عباس ولم يثبت عنه: أن من قدم شيئاً على شيء فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن).
- وذهب السلف والخلف في أن قوله (لا حرج) ظاهر في رفع الإثم والفدية معا لأن اسم الضيق يشملهما، قال الطحاوي: ظاهر الحديث يدل على التوسعة في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض إلا أنه يحتمل أن يكون قوله (لا حرج) أي لا أثم في ذلك الفعل لمن كان ناسياً أو جاهلاً أما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية وتعقب الحافظ ابن حجر قول الطحاوي هذا: بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كانت واجبة لبينها الرسول حينئذ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وقال الطبري: لم يسقط النبي الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذا لو لم يجزئ لأمره بالإعادة قلت (كما أمر المسيء صلاته بالإعادة) لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسياً لكن تجب عليه الإعادة. من دون فدية.
وقال الحافظ ابن حجر: (والعجب ممن يحمل قوله (ولا حرج) على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجباً يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج).
وأما قوله (لم أشعر) يطلق الشعور بمعنى العلم ويطلق بمعنى النسيان يقال لم أشعر بكذا أي لم أفطن وشعرت بالشيء إذا فطنت له.
- وعند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حلقت قبل أن أذبح فقال أذبح ولا حرج وسأله آخر فقال نحرت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج) قال الترمذي وفي الباب عن علي وجابر وابن عباس وابن عمرو وأسامة بن شريك.
- وفي السنن الكبرى للنسائي (2/446): عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي فجعل يقول: (لا حرج).
- وفيها أيضاً: عن جابر أن رجلاً قال: يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي قال: (إرم ولا حرج) قال آخر: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج) قال آخر: طفت بالبيت يا رسول الله قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج).
- وفيها أيضاً: عند عبد الله بن عمرو وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته بمنى فأتاه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت أرى أن الحلق قبل الذبح فحلقت قبل أن أذبح قال: (اذبح ولا حرج) ثم جاءه آخر فقال: يا رسول الله: إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي فذبحت قبل أن أرمي قال: (أرم ولا حرج) فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل إلا قال: (افعل ولا حرج) وفي رواية: (لم أشعر) فنحرت قبل أن أرمي قال: (أرمي ولا حرج).
- ولفظ الحديث عند ابن ماجة قال: (قعد رسول الله بمنى يوم النحر للناس فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج ثم جاه آخر فقال يا رسول الله إني نحرت قبل أن أرمي قال: لا حرج فما سئل يومئذ عن شيء قدم قبل شيء إلا قال لا حرج).
- وحديث علي عند أحمد قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني رميت الجمرة وأفضت ولبست ولم أحلق قال: فلا حرج فأحلق ثم آتاه آخر فقال إني رميت وحلقت ولبست ولم أنحر قال: لا حرج فأنحر).
- وحديث أسامة بن شريك عند أبي داود (.. فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك).

حكم التقديم والتأخير:
وقد اختلف العلماء في تقديم وتأخير مناسك يوم العيد –وهي معظم أعمال الحج: الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف بالبيت مع اتفاقهم على ترتيب ما عداها فلا يتقدم بشيء من هذه على الإحرام (الدخول بالنسك) أو الوقوف بعرفة أو المبيت بمزدلفة أو طواف الوداع.
فذهب الجمهور من العلماء من السلف والخلف إلى جواز تقديم هذه المناسك بعضها على بعض مستدلين بأدلة منها:
1- قول الرسول بأكثر من رواية (أفعل ولا حرج) وقالوا إن (لا) نافية للجنس فتشمل نفي الدم والإثم معاً.
2- قالوا: حديث ابن عباس في الموطأ (من ترك أو نسي من نسكه شيئاً فليهرق دما) فاختلف في رفعه إلى الرسول أو وقفه على ابن عباس وعارضه في الحالين ما هو أصح منح كحديث علي وعبد الله بن عمرو وجابر وابن عباس نفسه وكلها في الصحيحين والسنن.
3- وحديث ابن عباس في الموطأ الصحيح أنه موقوف على ابن عباس وإذا تعارض قول الراوي مع روايته فالعبرة بروايته لا برأيه.
4- ولو كان الدم واجباً على من قدم نسكاً على آخر من أنساك يوم العيد لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ولا يجوز لأحد أن يوجب ما لم يوجبه الله ورسوله.
5- لفظ (نسك) يطلق على كل ما شرعه الله من أعمال الحج من الأركان والواجبات والسنن كلها داخلة في معنى (النسك) في قول الرسول (خذوا عني مناسككم) وإذا كانت كذلك فإن ترك الأفعال أو نسيان هذه الأفعال في درجة واحدة فإن ترك الركن لا يجبر بالدم بل لابد من الإتيان به وسنة النسك لا دم على تاركها.
6- ثم ما تركه الناسي خطأ أو نسياناً قد عفا الله عنه بنص القرآن والسنة قال تعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا" قال الله قد فعلت وفي الحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقول ابن عباس بإيجاب الدم على من نسي أو ترك شيئاً من نسكه تعارضه الآية والحديث الصحيح الذي رواه هو كما عند البخاري برفع الحرج عن من قدم نسكاً أو أخره يوم العيد.
7- وكلمة (شيئاً) نكرة في سياق الشرط تفيد عموم المناسك كلها والسنن ولا قائل بوجوب الدم على تارك السنة لا من السلف ولا من الخلف.
مذهب أبي حنيفة ورواية في مذهب أحمد والمذهب القديم للشافعي:
أن من قدم أو أخر شيئاً من أنساك يوم العيد يلزمه دم وتمسكوا بظاهر الرواية كجملة (..لم أشعر) (.. وكنت أحسب أن كذا وكذا وقيل كذا وكذا) وأولوا قول الرسول (أفعل ولا حرج) بأن الحرج المنفي هو الإثم فقط أما المتعمد فعليه الفدية لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب أعمال الحج ومنها أعمال العيد وقال: (خذوا عني مناسككم) وحديث عبد الله بن عمرو وغيره في جواز التقديم والتأخير مطلق فيحمل المطلق على المقيد فيستفيد التقييد.
وأيضاً حملوا الاستثناء في قوله (فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال أفعل ولا حرج) على أن الاستثناء والحصر إضافيان غير حقيقيين وأوجبوا الفدية على المتعمد فيمن ترك واجباً أو نسي ركناً كالإحرام لم ينعقد نسكه أصلا. ومن ترك الوقوف بعرفة ونحوها من الأركان إنه لا يزال محرماً أما (السنة) فالإجماع منعقد أنه لا شيء على تاركها.
وقفات مع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:
ونظر لما في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين (.. أفعل ولا حرج) من التيسير أردت أن أقف معه عدة وقفات وبه يتبين رد قول ابن عباس:
الوقفة الأولى: هذا الحديث أصل بنيت عليه قواعد التيسير في الشرع وهو تفسير ويبان لقوله تعالى: "وما جعل الله عليكم في الدين من حرج" و"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".
الوقفة الثانية: الحديث نص على رفع الإثم والكفارة (الفدية) عمن قدم أو أخر أو نسي نسكاً من أنساك حجه عدا الإحرام (نية الدخول) والوقوف بعرفة ومزدلفة لانعقاد الإجماع على فرضها وترتيبها وكذلك طواف الوداع ليكون آخره عهده بالبيت الطواف.
الوقفة الثالثة: جملة (فما سئل عن شيء قدم ولا أخر...) لا مفهوم لها فلا فرق في عدم الترتيب بين العمد والنسيان والخطأ حيث جاءت على سبب لبيان الحال والواقع وهو ن الرسول جلس في منى عند الجمرة يسأله الناس والقاعدة عند الأصوليين أن الوصف أو القيد إذا جاء على سبب وكان لبيان الحال أو الواقع فإنه ليس له مفهوم يوقف عنده بدليل أن الرسول أجاز غير هذه الأعمال الأربعة (الرمي والحلق والذبح والطواف) فلما سئل عن تقديم السعي على الطواف أجازه وأجاز عدم المبيت بمنى لما استأذنه عمه العباس ليقوم بساقيه الحاج بمكة.
الوقفة الرابعة: تنقيح المناط في حديث (أفعل ولا حرج) وتنقيح المناط عند العلماء هو إضافة الحكم إلى سببه وذلك أن الرسول جلس للناس في منى يسألونه عن أفعال حجهم التي اخطئوا فيها فيصوبهم وقال (أفعل ولا حرج) فكون الرسول قعد للناس في منى أو غير منى لا أثر له في الحكم أو كونه واقفاً أو جالساً أو على ناقة أو حمار لا معنى للحكم فيه وكذا لو كان السائل رجل أو امرأة وكذا لو شعر السائل بفعله أو لم يشعر للنسيان أو الخطأ في الترتيب كل هذه الأمور لا أثر لها في الحكم الذي هو (الإثم والفدية) فلا يتوقف الحكم على أفعال (الذبح والحلق والرمي) بل يتعداها إلى غيرها كالطواف والسعي والمبيت بمزدلفة وبمنى أيام التشريق.
الوقفة الخامسة: ألفاظ الحديث المشار إليها هي من (المطلق) وليست من ألفاظ (العموم) والمطلق عند الأصوليين هو: (ما تناول واحداً غير معين كلفظ "رقبة" و"ولي" في قوله تعالى: "فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا" وقول رسول الله (لا نكاح إلا بولي) فيتناول واحداً غير معين من جنس الرقاب والأولياء. وجملة (فما سئل عن شيء يومئذ قدم أو أخر إلا قال أفعل ولا حرج) يتناول كل فعل من أفعال الحاج يوم العيد قدم أو أخر أو نسي. وليست هذه الجملة من ألفاظ العموم لأن اليوم مقيد وموصوف بأنه يوم العيد وأما (لا) في قوله (لا حرج) فهي نافية للجنس المعنوي (الإثم) والمادي (الفدية).
الوقفة السادسة: في الحديث دلالة على قاعدة (ترك الأستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم بالقول) وذلك أن الرسول لم يستفصل هل فعل الرجل ذلك عمداً أو سهواً وما الذي حمله على ذلك: فكأنه قال حكماً واحداً. فقوله (أفع ولا حرج) دليل يؤكد ذلك. وصلى الله على نبينا محمد.
المصدر:
======================
ملاحظة:
واضح أن البحث يفتقر إلى وحدة الموضوع، وبمعنى آخر إلى تحديد المسألة المراد بحثها، فهو تناول مسألتين ، ولم يفصلهما، وهما:
1- لزوم الدم على من ترك واجباً.
2- لزوم الدم على من أخل بترتيب أعمال يوم العيد.
وسبب هذا التداخل:
هو أن هناك روايتين لابن عباس أتتا على هاتين المسألتين، فظن أنهما مسألة واحدة.
وإلا فيجوز - وهو واقع أيضاً - أن يذهب ذاهبٌ إلى عدم لزوم الدم على من أخل بترتيب أعمال يوم العيد، ومع هذا فهو قائلٌ بلزوم الدم على من ترك واجباً.
وليس واجباً لمن التزم القول بوجب الدم لمن أخل بالنسك أن يكون ذاهباً إلى لزوم الترتيب يوم العيد.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
خلاصة المسألة:

الذي يبدو لي والعلم عند الله في مسألة لزوم الدم على من ترك شيئا من نسكه هو ما أفتى به ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، عبد الله ابن عباس:
وهو أن من ترك شيئا من نسكه الواجب فإن عليه دما.
وذلك لما يلي:
1- أن هذا القدر من الأثر وهو الترك هو اليقين، أما زيادة النسيان فقد شك فيها أيوب، وقد رويت بدونها، وهي مشكلة على بعض الأصول.
2- أن تقييد النسك المتروك بالنسك الواجب، هو ما فهمه أهل العلم.
3- ويبدو كذلك أن النسك الواجب هو المقصود من أثر ابن عباس، وإنما أهمله لأحد أمرين :
- لوضوحه.
- أو أن الأنساك عنده لا تطلق إلا على العزائم في الحج كالمبيت في مزدلفة ومني ورمي الجمار ونحو ذلك.
وظهر لي في أمثلة متعددة:
عدم صحة إعمال أحرف الصحابة على غرار النصوص النبوية؛ لأن الثاني مصدره الوحي، وهو مسدَّد، ومحصَّنٌ من الخطأ، والثاني قد يعتريه ما يعتري البشر من قصور، وإن كانوا – رضي الله عنهم – في المقام الأرفع، والمحل الأسمى لغة وفصاحة وبيانا.
4- الأثر يحتمل تعديته إلى من ترك النسك المستحب أو ما وقع على صورة النسيان أو الجهل باعتبار أن إهراق الدم هو إكمالٌ للنسك، وهو مشروع لكل حاج مطلقا، ويتأكد عند حصول موجبه، وهو حصول الخلل، والخلل قد يقع فيما رفع الشارع عنه المؤاخذة.
5- تتأكد في فتوى ابن عباس بإلزام الدم على من أخل بنسك واجب في الحج بالرواية الأخرى عن ابن عمر في فتواه بلزوم الدم على مَن نفر مِنْ منى قبل الزوال.
6- انعقدت فتاوى أهل العلم على الإلزام بالدم لمن أخل بشيء من نسكه الواجب، من لدن أصحاب رسول الله عليه وسلم إلى علماء الأمصار من التابعين ، إلى أئمة المذاهب الأربعة، إلى مدونات أهل الإسلام في قرون متطاولة.
وما على المنازِع إلا أن يتصفَّح في المصنفات والمدونات، من فتاوى التابعين ومن بعدهم، وبهذا نعرف أن طريقة الشيخ عبد العزيز الطريفي في خرم هذا الإجماع بأن من فتاوى عطاء أنه لم يلزم بالدم فيمن ترك بعض الواجبات لا تصح، لأنه يكفي في تحقيق هذا الإجماع أن ننقل عن عطاء إلزامه بالدم في ترك بعض الواجبات، وهذا أشهر من أن يقرر هنا، ثم نحيل ما لم يفت به عطاء بالدم في ترك بعض الواجبات إلى بعض المحال المختلف فيها.
7- أن المخالف في هذه المسألة متأخر جداً، وفي محل ناءٍ عن معقد الإجماع، فهو الإمام ابن حزم رحمه الله، وهو من أهل القرن الخامس، إلى الإمام الصنعاني، إلى جماعة من المعاصرين.
8- ما من فقيه إلا وقد رخص في ترك ما هو من الأنساك المستحبة، ومن غير إلزام بالدم، وبهذا لا يكون هناك إجماعٌ في من أخل بشيء من الأنساك المستحبة، وقل مثل ذلك فيمن كان ناسياً أو جاهلاً، ولك أن تقول: وأيضا في بعض الواجبات التي اختلف في عدِّها من الأنساك، ومن ثَّم في لزوم الدم في حصول الإخلال بها، ومثل ذلك أيضاً ما يحصل من جنس الأعذار التي رخص فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلزم فيها دماً.

9- وبناء على ما سبق، فيكون مستند الحكم بلزوم الدم على من أخل بالنسك الواجب هو ما يلي:
1- أثران عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ولا مخالف لهما من الصحابة.
2- إجماع الأمة العملي على الفتوى بلزوم الدم على من أخل شيئا بنسكه.
3- قبول الأمة لهذا الحكم من سلفهم إلى خلفهم.
10- ما فسر به أثر ابن عباس يرجع إلى اعتبارين:
أ‌- أنه مما لا يقال بالرأي فله حكم الرفع.
ب‌- أنه مما يدخله الاجتهاد.
وفسر هذا الاجتهاد بأمور:
1-قياساً على دم المحصر.
[كما هي طريقة د. إبراهيم الصبيحي، وهو قياسٌ مدخول، والنصوص التي ساقها عن الفقهاء:
- إما أنها تفيد عموم الحصر بأي شيء حصل الحصر، وليس المقصود منها عموم ما حصر عنه، فهو عموم في المانع لا في الممنوع منه.
- وإما أنها نصوصٌ تفيد تصور الفقهاء لأحوال حصر الحاج، فإذا حصر عن عرفة تعلق به حكم الحصر الخاص من الهدي، وإذا حصر عن واجب من واجبات الحج، تعلق به مقتضاه وهو لزوم الدم، وإذا حصر عن مستحب لم يلزمه شيء، فهو تصوير لأحوال ما يمكن أن يحصر عنه الحاج، لا حكم الحصر الخاص، كما أنه ليس في النصوص التي ساقها ما يفيد استدلال الفقهاء بآية الحصر على لزوم الدم لمن أخل بالواجب، بل إن جملة ابن قدامة التي ذكر أنه استدل بآية الحصر على وجوب الدم لمن ترك واجبا، قد نص فيها ابن قدامة نفسه أن الحكم كذلك لو كان من غير حصر، مما يؤكد أنه لا أثر للحصر على الحكم إنما هو في حصول صورة الحصر فحسب. ]
2-قياساً على دم المتمتع.
[كما قررها الشيخ المختار الشنقيطي، من جهة أن دم التمتمع والقارن إنما وجبا على الأفاقي الذي ترفه بسقوط أحد السفرين عنه، وكان الأصل أن يهل لكل من حجه وعمرته من الميقات، فهو دمٌ لجبران ترك الواجب الذي سمح به الشارع، وهو قياسٌ مدخولٌ أيضاً من جهة الفرق بين أحكام الدمين فأحدهما دم شكر، والآخر دم جبران، وأحدهما يؤكل منه والآخر لا يؤكل منه....]
3-قياساً على الدم في فدية المحظور.
[وبيانه: أن ابن عباس رضي الله عنهما قاسه على أكمل الثلاثة في فدية الأذى لأنه هو الأصل، وهو الذي يحصل به البراءة.
وهذا في الحقيقة معنىً لا يشفع لتمرير هذا القياس المعين مع ما حصل فيه من هذا الفرق المؤثر، وهو التخيير في فدية الأذى، ولزوم الدم في ترك الواجب، والذي يتعذر معه إجراء هذه العملية القياسية حسب التراتيب الأصولية]

وبما سبق:
فإن المتأمل يجد أن كل هذه القياسات لا تخلو من نظر، وإنما ألهم ابن عباس هذا الحكم، ووقع في قلبه، ووافقته الأمة عليه من بعده لما يلي:
· لمجموع هذه القياسات، بعضها مع بعض، مع أن أفرادها لا تخلو من نظر.
· لمكانة الدم في الحج [في لزومه للمتمتع وللقارن، واستحبابه للمفرد، بل واستحباب تعدده، بل تعداه إلى ما يحصل من مشاركة غير الحاج فيما يشبه هذا النسك، وهو المسمى في الشريعة بالأضحية]
· ولما هو معلومٌ من لزوم التكفير في كثير من العبادات اللازمة، وعادة الشارع التكفير بالشيء من جنسه، أما وقد وقع هذا في الحج نفسه كما هو حاصلٌ في فدية الأذى، وكما حصل أيضاً في من أحصر عن البيت الحرام، ناهيك عما جاء في وصف أعمال الحج بالنذور التي يجب على الحاج أن يوفي بها في محلها، ومنها الدماء.
فإن فتوى ابن عباس بناء على كل ما سبق:
نجد أنها تؤيدها الأصول القريبة في الحج، فمن تعمد الإخلال بشيء من أنساك الحج وفاته تداركه فإن أقل ما يمكن عمله هو تقريب الدم إليه سبحانه، فإلزام الدم بذلك رحمة له وسعة، بل إن حكمه للمحرم قريب وهو الاستحباب لعموم الحاج، بل واستحباب تعدده، وإنما ارتقى هنا إلى الوجوب نظراً إلى الخلل الحاصل في حجه.
يقول سبحانه:
o { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }
o { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ }
o {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ }
فكيف وقد جاء في النص نظيره في فدية الأذى وفي المحصر، وكان لازما للمتمتع والقارن.
فكيف وقد شاركه في فتواه هذه ابن عمر رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة.
كيف قد انعقدت فتاوى أهل الإسلام على ذلك، ودونت بها مصنفاتهم، وإنما حصل الخلاف بأخرة، وهو لا يضر لأنه خلافٌ لم يقع في محل صالح، فقد سبقه الإجماع وانفضَّ أهلُه.
كيف وقد سلَّم أشهر من نازع في الوجوب من المعاصرين وهو الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن أحوال الناس لا تنضبط إلا به، فأعمله سياسةً، وإن نازعه دلالة.
يقول محمد محمد بن جرير الطبري في تهذيب الآثار من مسند بن عباس [السفر الأول ص229]:
(من قدم شيئاً من نسكحجه أو أخره فلا حرج عليه ولا فدية ولا جزاء
وذلك أن الفدية والجزاء في النسك إنما هو:
عوض من تقصير في واجب وتضييع للازم قد فات عمله وخرج بتضييعه وأثم بتقصيره. وفيإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه لا حرج عليه فيما فعل من ذلك ولا فدية إذكان من زال عنه الحرج زائلاً عنه البدل الذي كان لازماً له أو كان حرجاً وهي الفديةوالكفارة والجزاء.)
تنبيه:
هذا الحكم يبقى من حيث الجملة، وهو تحصيل مقدار متفق عليه، ويبقى ما عداه من حيث التفصيل محل اجتهاد ونظر.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ:
[...من عادة بعضهم أنه إذا سُئل عن خطأ وقع فيه بعضُ الحجاج، ويَسألُ هذا المخطئُ: "عليه دم أم لا؟"؛ فيجيبه بما يراه؛ إما أن يقول: "ليس عليك دم"، أو: "عليك دم".
الذي أراه؛ مع عدم وجود أدلة صحيحة ـ في السنة فضلاً عن القرآن الكريم ـ ملزمة للحاجّ بدم على كل خطأ، أو ذهول، أو نسيان يقع منه؛ على الرغم من عدم وجود مثل هذا (الإيجاب للدم)؛
فينبغي قبل أن يجيبَ المسؤولُ السائلَ القائلَ: "هل عليه دم أم لا؟"؛ سواء كان الجواب: (إيجابًا) أو: (لا)؛ عليه أن يقول:
Ÿ "إنَّ ما فعلتَهُ إنْ كان خطأً منك؛ فـ: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(1)
وكما أكد ذلك عليه الصلاة والسلام؛ في الحديث الصحيح: ((وُضع))، والرواية المشهورة في بعض كتب الفقه: ((رُفِعَ)): هذه روايةٌ مرجوحة.
والرواية الثابتة إنما هي:
((وُضِعَ عنْ أُمتِي: الخطأُ والنسيانُ وما اسْتُكْرِهوا عليه)).
فإذا كان الذي أخلَّ بنسُك من مناسك الحج؛ وقع ذلك منه عن نسيان؛ قلنا بأن المؤاخذة عن الناس مرفوعة.
Ÿ وإذا كان: عامدًا! متكاسلاً! مهملاً للاهتمام لأداء مناسك الحج؛ كما أمر بذلك عليه الصلاة والسلام في: (حَجَّة الوادع)؛ في حديثه المشهور:
((خُذُوا عني مناسكَكُم؛ فإني لا أدْرِي لعلّي لا ألقاكُمْ بعد عامِكُمْ هذا))؛ تطبيقًا لهذا الحديث:
يجب على كل حاجٍّ أن تكون عنايته متوجهة بكلّ طاقاته، وبكلّ جهده أن يأتي بها أقرب ما تكون إلى حَجَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
ومن البداهة بمكان أن نعترف أننا مهما حرصنا أن نتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته كلِّها؛ في صلاته؛ في حَجَّته؛ فلن نستطيع أن نقارب صلاته! ولكنّ الأمر كما قيل:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم.......إن التشبه بالكرام فلاح.
فنحن علينا فقط: أن نجتهد أن تكون حَجَّتنا كحَجَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وبالكاد أن نقاربها! وأن ندنو منها!
فإذا تعمد الإنسان أن يُخِلَّ بشيء من مناسك الحج؛ فيجب على: (المسَتفْتَى) أن يلفت نظره بأنك: (آثم)! وألا يكتفي بقوله: "عليك دم"؛ لأن الناس اليوم وبخاصة إذا كانوا من الأغنياء الذين يسر الله عليهم الأموال؛ فمن السهل عليه أن يقدِّم دمًا؛ لكن المهمّ أن يوجِّهَ نظر هذا المخطئ عامدًا؛ إلى أنه: (آثم)! وأنه خالف أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
بعد ذلك إن كان يرى أنّ علَى فعْلِهِ ـ متأثِّمًا ـ دمٌ؛ أجاب على ذلك، وإلا: فلا.
Ÿفالذي أريد أن أنبه عليه هو:
أنه يجب على: (المسؤولين) دائمًا أن يدندنوا حول:
هل عليه: (إثم) أم: (لا)؟ حتى ما يقع مرة ثانية في مثل هذا الإثم؛ بحجة أن كفارته معروفة! على حد قول العامّة ـ في بعض البلاد العربية ـ:
"هَلِّي بتعرف ديته اقتله"!.. "هَلِّي بتعرف ديته"؛ الذي تعرف ما هي ديته اقتله؛ ما يهمك مادام إنت باستطاعتك أن تقدم الدية! هذا حض على الإجرام!
فقولنا: "عليك دم"؛ معناها: بيمشي الحال مهما ارتكب من مخالفة! مادام أن الدم يكَفِّر تلك المخالفة... لا!... ينبغي أن نلفت النظر بأنه:
ـ (آثم) إن كان متعمدًا، أو:
ـ (لا إثم عليه)؛ إن لم يكن متعمدًا].(2)
انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وجزاه عن المسلمين خيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): [سورة: البقرة:286].
(2): فرغته حسب ما اتضح لي سماعه من موقع: "الإمام محمد ناصر الدين الألباني" ـ رحمة الله عليه ـ؛ من الرابط التالي:
http://www.alalbany.net/fatawa_view.php?id=3342
بدءًا من الثانية: 21؛ تقريبًا.
===========
وهذا التغريغ مشهور في المنتديات ولا أعرفه مصدره الأصلي، ولكن ما دام أنه وثق التفريغ بالشريط فإنه مما يطمئن إليه إن شاء الله.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تفصيل محل لزوم الدم لمن أخل بالنسك

- نصت المذاهب الفقهية الأربعة على أن من ترك واجباً في الحج فإن عليه دماً([1] وقيدوا ذلك بما لم يمكن تداركه مثل فوات زمن الواجب، أما إذا أمكن تداركه فإن الواجب هو أداء هذا الواجب([2]) أو إعادته إذا أداه ناقصاً([3])، وبناء على ما سبق فلا يتصور أن يفوته السعي لأنه متى ما علم أو تذكر أو قدر سعى، إلا أن بعض أهل العلم استثنوا مما يمكن تداركه ما لو رجع إلى أهله فإنه يجزئ عنه الدم. ([4])
- حصل بين أهل العلم نزاع وخوضٌ في من فاته الواجب لعذر كإحصار، أو مراهق([5] أو عجز أو غير ذلك...
فاختلفوا هل يسقط هذا العذرُ الدمَ، أم أن العذر يرفع المؤاخذة فحسب، ويلزم المعذورَ بدلُ الواجب وهو الدم؛ لأن الواجب لا يسقط إذا كان له بدل.
أم أن العذر يختلف؛ فيفرق بين ما كان العذرُ فيه عاماً وبين ما كان العذر فيه خاصاً، أو بين ما ورد فيه النص وبين ما لم يرد فيه شيء([6] أو بين ما كان العذر من جهة العباد فلا يسقط الدم وبين ما لم يكن من جهتهم([7]).
أم أنه يفرق بين الواجبات الأصلية المستقلة: [الوقوف بمزدلفة، المبيت بمنى، رمي الجمار...]
وبين الواجبات التابعة: [وهي الأمور التي يجب مراعاتها في أداء ركن أو واجب في الحج، كعدد الجمار، ومقدار المبيت والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس.....]([8])
كلها أقوالٌ عند أهل العلم، لاسيما مع اختلافهم في عدِّ الواجبات، وفي مقدار ما يحصل به ترك الواجب [مثل مقدار ما يحصل به ترك الواجب في المبيت في منى هل يلزم الدم بترك ليلة واحدة أو الثلاث ليال، وكذلك في الجمرات هل هو على ترك الرمي كله أو على كل جمرة.]
وفي الجملة:
فقد أطلق جمهورُ أهل العلم من المالكية والشافعية([9]) والحنابلة لزومَ الدم على من ترك واجباً سواء كان بعذر أو بغير عذر
بينما قيد الأحنافُ وجوبَ الدم بما إذا كان لغير عذر ، فإن كان لعذر فلا شيء عليه([10])، وإن كانت المذاهب الأربعة قد اتفقت على أن من ترك الوقوف بالمزدلفة لعذر أنه لا فداء عليه.
كما اختلفوا فيمن عجز عن الدم هل يسقط عنه أم أن له بدلاً؟
الجمهور من المالكية([11]) والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أن حكمه حكم دم المتمتع فمن عجز عنه صام عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
بينما ذهب الأحناف إلى أن الدم لا يسقط، بل يبقى في ذمته إلى ميسرة.([12])
وأخيراً :
فقد نص جماعة من أهل العلم إلى أنه قد يجب الدم على من أخل ببعض سنن الحج، فقد قال ابن نجيم في البحر الرائق مخرجاً لزوم الدم على من طاف محدثاً بناء على القول بسنية الطهارة:
" لا يمتنع أن تكون سنة ، ويجب بتركها الكفارة ، ولهذا قال : محمد فيمن أفاض من عرفة قبل الإمام يجب عليه دم ؛ لأنه ترك سنة الدفع ."([13])
وفي المذاهب الأخرى ما يشبه هذا.
===========================

([1]) قَالَ مَالِكٌ في المدونة : "كُلُّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ الدَّمُ. "، ويقول ابن نجيم في البحر الرائق : (المكتبة الشاملة7 / 220): "تجب شاة بترك واجب من واجبات الحج، ويقول ابن تيمية في شرح العمدة 3/602 "واجبات الحج هي عبارة عما يجب فعله، ولا يجوز تركه إلا لعذر، وإذا تركه كان عليه دم يجبر به حجه."، وانظر: الموسوعة الكويتية: ترك واجبات الحج

([2]) يقول ابن تيمية في شرح العمدة 3/637: "أفعال الحج على قسمين: مؤقت وغير مؤقت، فالمؤقت إما أن يفوت بفوات وقته أو يجبر بدم، لكون وقته إذا مضى لم يمكن فعله، وأما غير المؤقت إذا كان واجباً فلا معنى لنيابة الدم عنه لأنه يمكن فعله في جميع الأوقات والطواف والسعي ليسا بمؤقتين في الانتهاء." وقال في موضع آخر 3/654،655: " وأما الواجب فإذا تركه فعليه أن يأت به ما لم يفت وقته إن كان مؤقتا كالمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار والإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، وطواف الوداع، إذا خرج إلى مسافة القصر فإنه قد تعذر فعل هذه الواجبات فاستقر الدم...وأما السعي فمن قال إنه واجب فقوله مشكل لأنه لا يفوت بالتأخير فكيف يجزؤه إخراج الدم، وهو بدل عن الواجب مع قدرته على أداء الواجب وبعده عن البلد ليس عذراً إذا كان متمكناً من العود.

([3]) نص على هذا الأحناف.

([4]) قَالَ عَطَاءٌ : مَنْ نَسِيَ مِنْ النُّسُكِ شَيْئًا , حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ , فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا، و يقول ابن نجيم في البحر الرائق (المكتبة الشاملة 7 / 199): الواجب بمعنى شيئين إما لزوم الشاة أو الإعادة ، والإعادة هي الأصل ما دام بمكة ليكون الجابر من جنس المجبور فهي أفضل من الدم ، وأما إذا رجع إلى أهله ففي الحدث الأصغر اتفقوا أن بعث الشاة أفضل من الرجوع. وانظر حاشية ابن عابدين (3/508).

([5]) [المالكية يجب عندهم طواف القدوم ويسقط عن المراهق الذي خشي أن يفوته الوقوف بعرفة]

([6]) حاشية ابن عابدين (3/508

([7]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (7 / 223) حاشية ابن عابدين (3/508

([8]) يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1 / 471): "إذا ترك الواجب الذي هو صفة في الطواف للعجز فهذا محل اجتهاد، هل يلحق بمن ترك شيئا من نسكه، أو يقال: هذا فيمن ترك نسكا مستقلا." وانظر: الموسوعة الكويتية: واجبات الحج.


([9]) يقول النووي في المجموع 8/245:
وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا لَزِمَهُ الدَّمُ , وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ , وَسَوَاءٌ تَرَكَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنَّ الْعَامِدَ يَأْثَمُ"

([10]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (المكتبة الشاملة7 / 220، 223)، حاشية ابن عابدين (3/508) انظر: الموسوعة الكويتية: الإخلال بواجبات الحج. درر الحكام شرح غرر الأحكام - (3 / 210)

([11]) المدونة (1 / 415)، الذخيرة (3/351)، القوانين الفقهية (ص163)، مغني المحتاج (1/530)، حاشية الروض المربع لابن قاسم (4/205).

([12]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق – المكتبة الشاملة(7ا /148، 173)، حاشية ابن عابدين 3/523

([13]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (المكتبة الشاملة ( 7 / 197)
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إضافتان:
الأولى: تتعلق بالمبحث السابق.
والثانية: مبحثٌ مضاف، يذيَّل به الباحث السابق.
--------------
الإضافة الأولى:
[وبما سبق: فإن المتأمل يجد أن كل هذه القياسات لا تخلو من نظر، وإنما ألهم ابن عباس هذا الحكم، ووقع في قلبه، ووافقته الأمة عليه من بعده لما يلي:
· لمجموع هذه القياسات، بعضها مع بعض، وإن كانت آحادها لا تخلو من نظر:
فإن مجموعها أوجب للأمة قبولها لفتوى ابن عباس، فقد رتَّبَ الشارعُ كثيراًَ من الأحكام التي يقع فيها الإخلال بصورة النسك بالدم مع ما يقع فيها من العذر كما في فدية الأذية، أو فساد النسك كما في حال المجامع، أو أن يكون محصوراً عن البيت الحرام بأمرٍ ليس بيده كما في دم المحصر، أو حتى في أمرٍ سمحَ به الشارع، وحثَّ عليه إلا أنه ألزم الدم لما حصل فيه من الإخلال بصورة النسك وهو الإهلال بنسكين اثنين في سفرة واحدة، كما هو حال المتمتع والقارن.

· لمكانة الدم في الحج:
[في لزومه للمتمتع وللقارن، واستحبابه للمفرد، بل واستحباب تعدده في الأنساك الثلاثة كلها، ولما جاء في الآيات المتوالية في سورة الحج في ربط الدم بأنه من شعائر الله، وأنه من تقواه، وأنه نسك هذه الأمة، ونسك الأمم من قبلها، وأن محلها إلى البيت العتيق، فاستجاب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه الحي، فقد كان خلقه عليه الصلاة والسلام القرآن، فساق مائة من الهدي، ولما سئل عن سبب امتناعه من التحلل كما تحلل الناس في مكة: أجاب بأنه ساق هديه ولبَّد رأسه، ثم علَّق تحلله بالنحر فقال: "فلا أحل حتى أنحر"، فتأمل كيف جعل سوقه للهدي هو أحد علتي امتناعه من التحلل، ثم لم يكتف حتى أناط تحلله بنحر هديه، صلى الله عليه وسلم.
بل تعدى اهتمام الشارع بالدم إلى ما يحصل من مشاركة غيرالحاج فيما يشبه هذا النسك، وهو المسمى في الشريعة بالأضحية].
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الإضافة الثانية: مبحثٌ مضاف، يذيَّل به الباحث السابق.
--------------
.


تفصيل محل لزوم الدم لمن أخل بالنسك

نصت المذاهب الفقهية الأربعة على أن من ترك واجباً في الحج فإن عليه دماً([1])، وقيدوا ذلك بما لم يمكن تداركه مثل فوات زمن الواجب، أما إذا أمكن تداركه فإن الواجب هو أداء هذا الواجب([2])، أو إعادته إذا أداه ناقصاً، وبناء على ما سبق فلا يتصور أن يفوته السعي؛ لأنه متى ما علم أو تذكر أو قدر سعى، إلا أن بعض أهل العلم استثنوا مما يمكن تداركه ما لو رجع إلى أهله فإنه يجزئ عنه الدم وقتئذ. ([3])
ثم حصل بين أهل العلم نزاع وخوضٌ:
في من فاته الواجب لعذر كإحصارٍ عن واجب، أو مراهق([4])، أو عجزٍ، أو غير ذلك...فاختلفوا هل يسقط هذا العذرُ الدمَ، أم أن العذر يرفع المؤاخذة فحسب، ويلزم المعذورَ بدلُ الواجب وهو الدم؛ لأن الواجب لا يسقط إذا كان له بدل.
أم أن العذر يختلف؛ فيفرق بين ما كان العذرُ فيه عاماً وبين ما كان العذر فيه خاصاً، أو أنه يفرق بين ما ورد فيه النص وبين ما لم يرد فيه شيء([5])، أو بين ما كان العذر فيه من جهة العباد فلا يسقط الدم وبين ما لم يكن من جهتهم([6]).
أو يفرق بين:
الواجبات الأصلية المستقلة: [الوقوف بمزدلفة، المبيت بمنى، رمي الجمار...]
وبين:
الواجبات التابعة: [وهي الأمور التي يجب مراعاتها في أداء ركن أو واجب في الحج، كعدد الجمار، ومقدار المبيت والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس.....]([7])
كلها أقوالٌ عند أهل العلم:
لاسيما مع اختلافهم في عدِّ الواجبات، وفي مقدار ما يحصل به ترك الواجب [مثل مقدار ما يحصل به ترك الواجب في المبيت في منى هل يلزم الدم بترك ليلة واحدة أو الثلاث ليال، وكذلك في الجمرات هل هو على ترك الرمي كله أو على كل جمرة.]
وفي الجملة:
فقد أطلق جمهورُ أهل العلم من المالكية والشافعية([8]) والحنابلة:
لزومَ الدم على من ترك واجباً سواء كان بعذر أو بغير عذر
بينما قيد الأحنافُ وجوبَ الدم:
بما إذا كان لغير عذر ، فإن كان لعذر فلا شيء عليه([9])
وإن كانت المذاهب الأربعة قد اتفقت: على أن من ترك الوقوف بالمزدلفة لعذر أنه لا فداء عليه، ثم اختلفوا في مسائل أخر في الإعذار.
كما اختلفوا فيمن عجز عن الدم هل يسقط عنه؟ أم أن له بدلاً؟
الجمهور من المالكية والشافعية([10]) والحنابلة:
ذهبوا إلى أن حكمه حكم دم المتمتع فمن عجز عنه صام عشرة أيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. ([11])
واستدل له ابن قدامة من جهة موقعه من النص، بالقياس على بدل دم المتعة.([12])
بينما ذهب الأحناف :
إلى أن الدم لا يسقط، بل يبقى في ذمته إلى ميسرة.([13])
وهناك قول ثالث، وهو وجه لدى الشافعية وهو:
أن الدم في ترك المأمور دم ترتيب([14]) وتقدير([15])، فإذا عجز عن الدم اشترى بقيمة الشاة طعاما وتصدق به، فإن عجز صام عن كل مد يوما، وصحح هذا الوجه النووي والغزالي.([16])
وللشافعية: وجهان آخران ، وصفوهما بأنهما شاذان ضعيفان، {وكفى الله المؤمنين القتال}.([17])
وبقي مما نقصد نذكره مسألتين اثنتين:
المسألة الأولى:
نص جماعة من أهل العلم إلى أنه قد يجب الدم على من أخل ببعض سنن الحج لإساءته:
1- فقد قال ابن نجيم في البحر الرائق مخرجاً لزوم الدم على من طاف محدثاً بناء على القول بسنية الطهارة: "لا يمتنع أن تكون سنة ، ويجب بتركها الكفارة ، ولهذا قال : محمد فيمن أفاض من عرفة قبل الإمام يجب عليه دم ؛ لأنه ترك سنة الدفع ."([18])
2- ويقول ابن عبدالبر في الاستذكار:"من أسقط شيئا من سنن الحج جبره بالدم لا غير إلا ما أتى فيهالخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما. هذا حكم سنن الحج، وأمافرائضه: فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخيرالعمل عن موضعه."([19])
3- ولما قال الإمام مالك:( أستحب في مثل هذا أن يهرق دما ...ذلك أن عبد الله بن عباس قال : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما)
استشكل ذلك الباجي وهو اعتبار الإمام مالك استحباب إهراق الدم مع استدلاله عليه بأثر ابن عباس، فذكر أربع احتمالات أحدها:
"أن ما قاله عبد الله بن عباس يقتضي وجوب الهدي لأن من نسي من نسكه شيئا كالمبيت بالمزدلفة أو رمي الجمار فقد وجب عليه الهدي وإن كان فيها ما يستحب فيه الهدي لكن لما احتمل قول ابن عباس الوجوب والندب واشتمل على المعنيين تعلق به الندب لأنه متناول له."([20])
وفي المذاهب الأخرى ما يشبه هذا.
المسألة الثانية:
في كل المذاهب الفقهية ما يفيد تغليظ الكفارة إذا عظم حصول الإخلال بالنسك: كإيجاب البدنة على من أفسد حجه بالجماع بالقول المنتشر عن الصحابة والذي لم يظهر خلافه([21])، أو تعيين الدم في فدية الأذى إذا كان ارتكاب المحظور عن عمد([22])، كما أنهم قد ينزلون إلى الإطعام إذا لم يترك الواجب كله، أو أنه أخره أو إن كان المتروك واجباً تابعاً لا أصليا مستقلاً، وقد لا ينتهوا في النزول حتى يسقطوا الكفارة إن كان تركُ الواجب موجبَه عذرٌ سمح به الشارع، أو كان بسببٍ ليس من جهته.
====================================

([1]) قَالَ مَالِكٌ في المدونة : "كُلُّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ يَجِبُ بِهِ عَلَيْهِ الدَّمُ. "، ويقول ابن نجيم في البحر الرائق : (المكتبة الشاملة7 / 220): "تجب شاة بترك واجب من واجبات الحج، ويقول ابن تيمية في شرح العمدة 3/602 "واجبات الحج هي عبارة عما يجب فعله، ولا يجوز تركه إلا لعذر، وإذا تركه كان عليه دم يجبر به حجه."، وانظر: المغني 5/449،المجموع 8/245 الموسوعة الكويتية: ترك واجبات الحج

([2]) يقول ابن تيمية في شرح العمدة 3/637: "أفعال الحج على قسمين:
1- مؤقت. 2- وغير مؤقت.
1- فالمؤقت: إما أن يفوت بفوات وقته أو يجبر بدم، لكون وقته إذا مضى لم يمكن فعله.
2- وأما غير المؤقت: إذا كان واجباً فلا معنى لنيابة الدم عنه؛ لأنه يمكن فعله في جميع الأوقات والطواف والسعي ليسا بمؤقتين في الانتهاء." وقال في موضع آخر 3/654،655: " وأما الواجب فإذا تركه فعليه أن يأت به ما لم يفت وقته إن كان مؤقتا كالمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار والإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، وطواف الوداع، إذا خرج إلى مسافة القصر فإنه قد تعذر فعل هذه الواجبات فاستقر الدم....وأما السعي فمن قال إنه واجب فقوله مشكل لأنه لا يفوت بالتأخير فكيف يجزؤه إخراج الدم، وهو بدل عن الواجب مع قدرته على أداء الواجب وبعده عن البلد ليس عذراً إذا كان متمكناً من العود.

([3]) قَالَ عَطَاءٌ : مَنْ نَسِيَ مِنْ النُّسُكِ شَيْئًا , حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ , فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا، و يقول ابن نجيم في البحر الرائق (المكتبة الشاملة 7 / 199): الواجب بمعنى شيئين إما لزوم الشاة أو الإعادة ، والإعادة هي الأصل ما دام بمكة ليكون الجابر من جنس المجبور فهي أفضل من الدم ، وأما إذا رجع إلى أهله ففي الحدث الأصغر اتفقوا أن بعث الشاة أفضل من الرجوع. وانظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (5 / 9)، حاشية ابن عابدين (3/508).

([4]) [المالكية: يجب عندهم طواف القدوم ويسقط عن المراهق الذي خشي أن يفوته الوقوف بعرفة].

([5]) حاشية ابن عابدين (3/508).

([6]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7 / 223) حاشية ابن عابدين (3/508).

([7]) يقول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (1 / 471): "إذا ترك الواجب الذي هو صفة في الطواف للعجز فهذا محل اجتهاد، هل يلحق بمن ترك شيئا من نسكه، أو يقال: هذا فيمن ترك نسكا مستقلا." وانظر: الموسوعة الكويتية: واجبات الحج.

([8]) يقول النووي في المجموع 8/245: "وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا لَزِمَهُ الدَّمُ , وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ , وَسَوَاءٌ تَرَكَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنَّ الْعَامِدَ يَأْثَمُ"

([9]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (المكتبة الشاملة7 / 220، 223)، حاشية ابن عابدين (3/508) انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (3/210)، الموسوعة الكويتية: الإخلال بواجبات الحج.

([10]) صححه النووي في الروضة وذكر أنه قطع به العراقيون وكثيرون، كما صححه الشربيني في مغني المحتاج. روضة الطالبين (المكتبة الشاملة1 / 346)، إعانة الطالبين (2 / 371)، شرح الوجيز (8 / 729).

([11]) المدونة (1 / 415)، الذخيرة (3/351)، القوانين الفقهية (ص163)، مغني المحتاج (1/530)، المغني (5/449)، حاشية الروض المربع لابن قاسم (4/205).

([12]) المغني (5/449)، وننبه هنا: إلى أن القياس الصحيح هو معنى النص، فهو ليس شيئا خارجاً عن النص، أما يعبر عنه الشافعي وغيره بأن القياس إنما يلجأ إليه ضرورة فليس هو من هذا الباب، وإنما هو شيء يعز على الفقيه الدلالة عليه من لفظ النص ومعناه، فيلحقه ضرورة بما يشبهه، وهذا منتهى طاقة المجتهد.

([13]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (المكتبة الشاملة 7ا /148، 173)، حاشية ابن عابدين 3/523

([14]) بمعنى: أنه يلزمه الذبح ولا يجوز العدول إلي غيره إذا عجز عنه. مغني المحتاج (1/530).

([15]) ويقال تعديل أيضاً، والمعنى: أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص. روضة الطالبين (المكتبة الشاملة1 / 346).

([16]) مغني المحتاج (1/530).

([17]) روضة الطالبين (المكتبة الشاملة1 / 347)، شرح الوجيز (8 / 72).

([18]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (المكتبة الشاملة ( 7 / 197)

([19]) الاستذكار (4 / 390).

([20]) المنتقى شرح الموطأ 3/33.

([21]) المغني (5/449).

([22]) انظر مثلاً كلام الأحناف في إيجاب الكفارة على من أخل بشرط الطهارة في الطواف: تبيين الحقائق (الشاملة 5 / 10، 11، 12).
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
وبقي مما نقصد نذكره مسألتين اثنتين:
المسألة الأولى:
نص جماعة من أهل العلم إلى أنه قد يجب الدم على من أخل ببعض سنن الحج لإساءته:
1- فقد قال ابن نجيم في البحر الرائق مخرجاً لزوم الدم على من طاف محدثاً بناء على القول بسنية الطهارة: "لا يمتنع أن تكون سنة ، ويجب بتركها الكفارة ، ولهذا قال : محمد فيمن أفاض من عرفة قبل الإمام يجب عليه دم ؛ لأنه ترك سنة الدفع ."([18])
2- ويقول ابن عبدالبر في الاستذكار:"من أسقط شيئا من سنن الحج جبره بالدم لا غير إلا ما أتى فيهالخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما. هذا حكم سنن الحج، وأمافرائضه: فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخيرالعمل عن موضعه."([19])
3- ولما قال الإمام مالك:( أستحب في مثل هذا أن يهرق دما ...ذلك أن عبد الله بن عباس قال : من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما)
استشكل ذلك الباجي وهو اعتبار الإمام مالك استحباب إهراق الدم مع استدلاله عليه بأثر ابن عباس، فذكر أربع احتمالات أحدها:
"أن ما قاله عبد الله بن عباس يقتضي وجوب الهدي لأن من نسي من نسكه شيئا كالمبيت بالمزدلفة أو رمي الجمار فقد وجب عليه الهدي وإن كان فيها ما يستحب فيه الهدي لكن لما احتمل قول ابن عباس الوجوب والندب واشتمل على المعنيين تعلق به الندب لأنه متناول له."([20])
وفي المذاهب الأخرى ما يشبه هذا.
.

إضافة:
يقول الونائي صاحب كتاب عمدة الأبرار [ ط. الكتبي. ص 76 ]:
يسن الدم في ترك كل مندوب، في وجوبه خلاف، كما في ركعتي الطواف، والجمع بين الليل والنهار من عرفة قبل الإمام، وصلاة الصبح بمزدلفة، وترك الإحرام لمن دخل الحرم لغير نسك.[1]

[1] ) النقل بواسطة محقق رفع الأستار عن دماء الحج والاعتمار في إحدى حواشيه على الكتاب ص 62
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
استدراك:

النص المستدرك عليه:
[نص جماعة من أهل العلم إلى أنه قد يجب الدم على من أخل ببعض سنن الحج لإساءته:
يقول ابن عبدالبر في الاستذكار:"من أسقط شيئا من سنن الحج جبره بالدم لا غير إلا ما أتى فيهالخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما. هذا حكم سنن الحج، وأمافرائضه: فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخيرالعمل عن موضعه."([19])
3uote]

هذا المثال ليس في محلة فبعد تنبيه أحد الإخوة حفظه الله، وبعد الرجوع إلى كتابي ابن عبد البر: التمهيد والاستذكار
فبان أن ابن عبد البر رحمه الله يطلق السنة في المناسك ويريد بها الواجب الذي لا بد منه وأن تاركه يلزمه الدم
وإن قصد بالسنة غير الواجبة قيدها بما يدل على ذلك.
وعليه فهذا النقل لا يصلح أن يكون مثالاً على الإفتاء بالدم على من أخل ببعض سنن الحج غير الواجبة.
ولعلي أكفر عن الخطأ في إيراد هذا المثال بكفارة من جنس ما وقعت فيه من الخلل.
فقد أورد ابن عبد البر نفسه قصة من طريق :
" عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن زيد بن ثابت وابن عباس تماريا في صدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت
فقال ابن عباس : تنفر
وقال زيد: لا تنفر
فدخل زيد على عائشة فسألها: فقالت تنفر
فخرج زيد وهو يتبسم ويقول: ما الكلام إلا ما قلت."
ثم قال ابن عبد البر:
هكذا يكون الإنصاف وزيد معلم ابن عباس فما لنا لا نقتدي بهم والله المستعان.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في الموسوعة الكويتية:

الْجَبْرُ بِالدَّمِ :
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ : مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ كَالإِْحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الإِْتْيَانِ بِهِ ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَبْرُ بِالدَّمِ ، وَلاَ يُجْبَرُ بِالدَّمِ إِلاَّ مَا كَانَ وَاجِبًا .
أَمَّا أَرْكَانُ الْحَجِّ فَلاَ تُجْبَرُ إِذَا تُرِكَتْ ، وَأَمَّا تَفْصِيل مَا يُعْتَبَرُ وَاجِبًا يُجْبَرُ بِالدَّمِ ، وَاخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ ، وَنَوْعُ الْجَبْرِ ، فَيُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ : ( حَجٌّ ) .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
جزاك الله خيراً أخي الحبيب وبارك لك.. نفَس فقيــه..
أسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله، وأن ينفع بما تكتب
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: ندوة مناسك الحج 1429هـ، الحلقة(7): الدِّماءُ في الَحجِّ [عرض ومناقشة أقوال أهل العلم]

جزاك الله خيرا، ولك بمثل ما دعوت.
كل ما أقرأ في مسائل الحج، وأرجع إلى أقوال أهل العلم في المسألة أزداد قناعة بهذا القول، فالمسألة لم تكن يوماً محل خلاف أو تردد، الخلاف إنما يقع بينهم في التفاصيل، أما وجوب الدم على من أخل بالنسك فهو موطن إجماع منعقد، وهو من أقوى ما يمكن أن يحكى من الإجماع فهو إجماع قولي، وليس سكوتياً، فكلهم نطقوا بإيجاب أنواعٍ من الفدية على من أخل بالنسك.
أعرف أن كثيراً من الإخوة تشكل عليهم المسألة من حيث البحث عن الدليل، وللوقوف على ماهية الدليل لا بد من معرفة عدة مقدمات في فقه السلف للدليل، فالاستفادة النصية المباشرة إنما هو شأن أهل الظاهر، ولهذا فقد ولد هذا القول في محلى ابن حزم المتوفى عام 456هـ.
ولا أتعجب من ظاهري يأخذ بهذا القول لاسيما عند من لا يبالي بالإجماع، ويرفض الاحتجاج به، ولهذا كان ابن حزم مطردا في أخذه بهذا القول بحسب قواعده الظاهرية، ولكن أعجب من أصحابنا القياسيين والمقاصديين؛ كيف أصبح ابن حزم أستاذهم في "الدليل المباشر"، وفي "عدم الاحتجاج بالإجماع"!
والمسألة لها نظائر كثيرة، فالامتداد الظاهري يضرب بجذوره في "المقاصدية المعاصرة"، وهي ثنائية تدعو إلى الدراسة والتأمل: "الإفراط الظاهري والإفراط المعنوي" في قالب واحد.
 
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: ندوة مناسك الحج 1429هـ، الحلقة(7): الدِّماءُ في الَحجِّ [عرض ومناقشة أقوال أهل العلم]

يرفع للمناسبة
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ندوة مناسك الحج 1429هـ، الحلقة(7): الدِّماءُ في الَحجِّ [عرض ومناقشة أقوال أهل العلم]

يرفع للمناسبة ..
 
أعلى