رد: اختلاف أقوال الإمام النووي
أنقل لكم ما كتبته في هذا الصدد، مع ملاحظة أن المتأخرين مجمعون على تقديم النووي على الرافعي، فمن أفتى بقول الرافعي، فيعتبر إفتاؤه خروجا عن معتمج المذهب :
* تقديمُ النوويِّ على الرافعيِّ:
هذا المفهوم وُجِدَ بعد النوويِّ بفترةٍ يسيرةٍ ، كما يدلُّ على ذلك اهتمامُ العلماءِ بذكر ترجيحاتِ النوويِّ رديفةً لترجيحاتِ الرافعيِّ وتقديمُه عليه ، فهذا التاج السبكيُّ(ت771هـ) يقول في ترجمة والده :
(القسمُ الثاني : ما صحَّحَهُ من حيثُ المذهبُ وإن كان الرافعيُّ والنوويُّ رجَّحا خلافَه ، أو كان النوويُّ وحده رجَّح خلافَه ، فنحن نذكر في هذا القسمِ ما كان من هذا النَّمَطِ ، ولا نذكر شيئاً وافق فيه النوويَّ وإن خالف الرافعيَّ لظهورِ ذلك ، ولأن العمل على قولِ النوويِّ فيه ، لا سيَّما إذا اعتضدَ بتصحيحِ الشيخِ الإمامِ ).
فهو يجعلُ العملَ في الخلافِ بين الشيخينِ على قول النوويِّ .
وهذا الإسنويُّ(ت772هـ) وهو من أشَدِّ المعترضينَ على النوويِّ ، اشتُهِرَ عنه بأنه كان يُفتِي بما في «
الروضةِ» وإن ضعَّفَه في «
مُهمّاته» [SUP](
[1])[/SUP].
ولكن لم تكن هذه قاعدةً مُطَّرِدَةً ، بل كانَ هناك من لا يتقيَّد بترجيحِهما ، أو يرجِّحُ قولَ الرافعيِّ ، كما مر في قول اليافعيِّ(ت768هـ) :
(وقد اختلفَ الناسُ فيما اختلفَ فيه هو والإمامُ الرافعيُّ ، والفقهاءُ في بعض الجهاتِ يرجِّحُون قول الرافعيِّ ، وفي بعضها يُرجِّحون قولَه)[SUP] (
[2])[/SUP]
.
وفي ترجمة ابنِ عقيلٍ النحويِّ(ت769هـ )[SUP] (
[3])[/SUP] :
(وصنف في الفقه مختصراً من «الرافعي» لم يَفُته شيءٌ من مسائلِه ولا من خلافِ المذهبِ، وضمَّ إليه زوائدَ «الروضةِ» والتنبيهَ على ما خالفَ النَّووِيَّ)[SUP] ([4])[/SUP].
وهناك من العلماءِ من لا يتقيَّد بترجيحاتِهما ، كما في ترجمة العلاءِ السبكيِّ(ت794هـ) [SUP](
[5])[/SUP] :
(وكتب شرحا على «التنبيه» في أربع مجلدات ، وصنف كتاباً آخرَ اختارَ فيه ترجيحاتٍ مخالفةً لما رجَّحه الرافعيُّ والنوويُّ)[SUP] ([6])[/SUP].
ثم أخذ الاهتمام ينصبُّ على كتب النوويِّ نظراً لاستقرار تقديمِه على الرافعيِّ ، بدأ ذلك في القرنِ التاسعِ الهجريِّ ، ومن شواهدِ ذلك :
قول الشمس السخاوي(ت902هـ) في «
الضوء اللامع» في ترجمة الشيخ أبي السعادات المصري المدني(ت886هـ) [SUP]([/SUP]
[7][SUP])[/SUP]:
(وأَذِنَ له في الإقراء والإفتاء بشرطِ أن لا يخرج عن ترجيحِ الشيخين ، فإن اختلفَ عليه ترجيحُهما فلا يخرجُ عن ترجيح النووي)[SUP] ([/SUP]
[8][SUP])[/SUP]
وقول السيوطيِّ(ت911هـ) الذي حكاه عنه تلميذُه الشاذليُّ(ت935هـ)[SUP] ([/SUP]
[9][SUP])[/SUP] في «
بهجةِ العابدين» :
(ولما بلغتُ درجةَ الترجيح لم أخرجْ في الإفتاءِ عن ترجيح النوويِّ ، وإن كان الراجحُ عندي خلافَه ، ولما بلغتُ درجةَ الاجتهاد المطلقِ ، لم أخرجْ في الإفتاءِ عن مذهبِ الشافعيِّ ، رضي الله عنه ، كما كان القفَّالُ وقد بلغ درجةَ الاجتهادِ يُفتي بمذهبِ الشافعيِّ رضي الله عنه لا باختيارِه ، يقول : السائلُ إنما كان يسأَلُني عن مذهبِ الشافعيِّ لا ما عندي ، مع أني لم أختر شيئا خارجَ المذهبِ إلا يسيراً جداً ، وبقيَّةُ ما اخترته من المذهبِ إما قولٌ آخرُ للشافعيِّ جديدٌ أو قديمٌ ، أو وجهٌ في المذهبِ لبعضِ أصحابه ، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى المذهبِ وليس بخارجٍ عنه )[SUP] ([/SUP]
[10][SUP])[/SUP]
.
وقول الشيخ بامزروع (ت913هـ)[SUP] ([/SUP]
[11][SUP])[/SUP] في «
فتاواه» : (وعلى الجملةِ فما صحَّحهُ النوويُّ هو المعتمدُ ، فقد صار عُمدَةً في تحقيقِ المذهبِ ، وهو المعوَّلُ عليه في الترجيحِ)[SUP] ([/SUP]
[12][SUP])[/SUP]
.
وقولُ الشيخِ ابن حجرٍ الهيتميِّ (ت974هـ) :
(وسُئِلَ رضي الله عنه عما إذا اختلفَ الرافعيُّ والنوويُّ في مسألةٍ ولم نعلم الراجِحَ فأيُّهما نعمَلُ بقوله ؟
فأجاب بقولِه : العبرَةُ بما صححه النوويُّ رحمه الله وجزاهُ عن أهلِ المذهبِ خيراً ، فإنه الحبرُ الحُجَّةُ المُطَّلِعُ المحرِّرُ باتِّفاقِ جميعِ مَن جاء بعده ، وحينئذٍ فلا يُعدَل عما رَجَّحه )[SUP] ([/SUP]
[13][SUP])[/SUP]
.
وقول عبدالقادر العيدروس(ت1038هـ)[SUP] ([/SUP]
[14][SUP])[/SUP] في «
النور السافر »[SUP] (
[15])[/SUP] أثناء كلامه على «
العبابِ» للمزجَّد الزبيديِّ (ت930هـ) [SUP](
[16])[/SUP]:
(نعم ، عيبَ عليه فيه قوله: خلافاً للشيخَينِ في مواضعَ مُتعَدِّدةٍ ، وقد تقرَّرَ أن الذي عليه الفتوى الآن في مذهبِ الإمام الشافعيِّ هو ما اتَّفَقَ عليه الشيخانِ الرافعيُّ والنوويُّ ، فإن اختلفا فالنوويُّ ، لأنه مُتَعَقِّبٌ ، وربما ظهرَ له ما خَفِيَ على الأوَّلِ ، إلا ما اتفقَ المتأخرون قاطبةً على أنه سهوٌ أو غلطٌ وما عداه لا عبرةَ بمن خالف فيه ).
* أسبابُ تقديمِ النوويِّ على الرافعيِّ :
من خلال البحث لم أجد من تحدث عن أسباب هذا التقديم وحيثيّاته ، بل أكثر من يتحدث عن ذلك يعزوه إلى إجماع محققي الفقهاء أو المتأخرين ، فمثلاً يقول ابن حجر في مقدمة «
التحفة» : (
وإلا فالذي أطبقَ عليه مُحقّقو المتأخرين ، ولم تزل مشايِخُنا يوصون به وينقلونه عن مشايخِهم وهم عمَّن قبلَهم وهكذا أن المعتمدَ : ما اتَّفَقا عليه - [ أي : الشيخانِ النوويِّ والرافعيِّ] - أي : ما لم يُجمِع مُتَعَقِّبو كلامِهما على أنه سَهوٌ ... فإن اختلفا فالمُصَنِّفُ [أي: النوويُّ].. فإن وُجِدَ للرافِعِيِّ ترجيحٌ دونَهُ فَهُوَ )[SUP] (
[17])[/SUP]
.
وقال تلميذُه زينُ الدين المليباريُّ(ت987هـ) في «
فتحِ المعين» [SUP](
[18])[/SUP]:
(تنبيهٌ ثانٍ : اعلم أن المعتمدَ في المذهبِ للحكمِ والفتوى ما اتَّفقَ عليه الشيخانِ، فما جزم به النوويُّ، فالرافعيُّ ، فما رجَّحَهُ الأكثرُ فالأعلمُ فالأورعُ ، قال شيخُنا : هذا ما أطبق عليه محقِّقو المتأخرين).
* تقديمُ النوويِّ على الرافعيِّ:
هذا المفهوم وُجِدَ بعد النوويِّ بفترةٍ يسيرةٍ ، كما يدلُّ على ذلك اهتمامُ العلماءِ بذكر ترجيحاتِ النوويِّ رديفةً لترجيحاتِ الرافعيِّ وتقديمُه عليه ، فهذا التاج السبكيُّ(ت771هـ) يقول في ترجمة والده :
(القسمُ الثاني : ما صحَّحَهُ من حيثُ المذهبُ وإن كان الرافعيُّ والنوويُّ رجَّحا خلافَه ، أو كان النوويُّ وحده رجَّح خلافَه ، فنحن نذكر في هذا القسمِ ما كان من هذا النَّمَطِ ، ولا نذكر شيئاً وافق فيه النوويَّ وإن خالف الرافعيَّ لظهورِ ذلك ، ولأن العمل على قولِ النوويِّ فيه ، لا سيَّما إذا اعتضدَ بتصحيحِ الشيخِ الإمامِ ).
فهو يجعلُ العملَ في الخلافِ بين الشيخينِ على قول النوويِّ .
وهذا الإسنويُّ(ت772هـ) وهو من أشَدِّ المعترضينَ على النوويِّ ، اشتُهِرَ عنه بأنه كان يُفتِي بما في «
الروضةِ» وإن ضعَّفَه في «
مُهمّاته» [SUP](
[1])[/SUP].
ولكن لم تكن هذه قاعدةً مُطَّرِدَةً ، بل كانَ هناك من لا يتقيَّد بترجيحِهما ، أو يرجِّحُ قولَ الرافعيِّ ، كما مر في قول اليافعيِّ(ت768هـ) :
(وقد اختلفَ الناسُ فيما اختلفَ فيه هو والإمامُ الرافعيُّ ، والفقهاءُ في بعض الجهاتِ يرجِّحُون قول الرافعيِّ ، وفي بعضها يُرجِّحون قولَه)[SUP] (
[2])[/SUP]
.
وفي ترجمة ابنِ عقيلٍ النحويِّ(ت769هـ )[SUP] (
[3])[/SUP] :
(وصنف في الفقه مختصراً من «الرافعي» لم يَفُته شيءٌ من مسائلِه ولا من خلافِ المذهبِ، وضمَّ إليه زوائدَ «الروضةِ» والتنبيهَ على ما خالفَ النَّووِيَّ)[SUP] ([4])[/SUP].
وهناك من العلماءِ من لا يتقيَّد بترجيحاتِهما ، كما في ترجمة العلاءِ السبكيِّ(ت794هـ) [SUP](
[5])[/SUP] :
(وكتب شرحا على «التنبيه» في أربع مجلدات ، وصنف كتاباً آخرَ اختارَ فيه ترجيحاتٍ مخالفةً لما رجَّحه الرافعيُّ والنوويُّ)[SUP] ([6])[/SUP].
ثم أخذ الاهتمام ينصبُّ على كتب النوويِّ نظراً لاستقرار تقديمِه على الرافعيِّ ، بدأ ذلك في القرنِ التاسعِ الهجريِّ ، ومن شواهدِ ذلك :
قول الشمس السخاوي(ت902هـ) في «
الضوء اللامع» في ترجمة الشيخ أبي السعادات المصري المدني(ت886هـ) [SUP]([/SUP]
[7][SUP])[/SUP]:
(وأَذِنَ له في الإقراء والإفتاء بشرطِ أن لا يخرج عن ترجيحِ الشيخين ، فإن اختلفَ عليه ترجيحُهما فلا يخرجُ عن ترجيح النووي)[SUP] ([/SUP]
[8][SUP])[/SUP]
وقول السيوطيِّ(ت911هـ) الذي حكاه عنه تلميذُه الشاذليُّ(ت935هـ)[SUP] ([/SUP]
[9][SUP])[/SUP] في «
بهجةِ العابدين» :
(ولما بلغتُ درجةَ الترجيح لم أخرجْ في الإفتاءِ عن ترجيح النوويِّ ، وإن كان الراجحُ عندي خلافَه ، ولما بلغتُ درجةَ الاجتهاد المطلقِ ، لم أخرجْ في الإفتاءِ عن مذهبِ الشافعيِّ ، رضي الله عنه ، كما كان القفَّالُ وقد بلغ درجةَ الاجتهادِ يُفتي بمذهبِ الشافعيِّ رضي الله عنه لا باختيارِه ، يقول : السائلُ إنما كان يسأَلُني عن مذهبِ الشافعيِّ لا ما عندي ، مع أني لم أختر شيئا خارجَ المذهبِ إلا يسيراً جداً ، وبقيَّةُ ما اخترته من المذهبِ إما قولٌ آخرُ للشافعيِّ جديدٌ أو قديمٌ ، أو وجهٌ في المذهبِ لبعضِ أصحابه ، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى المذهبِ وليس بخارجٍ عنه )[SUP] ([/SUP]
[10][SUP])[/SUP]
.
وقول الشيخ بامزروع (ت913هـ)[SUP] ([/SUP]
[11][SUP])[/SUP] في «
فتاواه» : (وعلى الجملةِ فما صحَّحهُ النوويُّ هو المعتمدُ ، فقد صار عُمدَةً في تحقيقِ المذهبِ ، وهو المعوَّلُ عليه في الترجيحِ)[SUP] ([/SUP]
[12][SUP])[/SUP]
.
وقولُ الشيخِ ابن حجرٍ الهيتميِّ (ت974هـ) :
(وسُئِلَ رضي الله عنه عما إذا اختلفَ الرافعيُّ والنوويُّ في مسألةٍ ولم نعلم الراجِحَ فأيُّهما نعمَلُ بقوله ؟
فأجاب بقولِه : العبرَةُ بما صححه النوويُّ رحمه الله وجزاهُ عن أهلِ المذهبِ خيراً ، فإنه الحبرُ الحُجَّةُ المُطَّلِعُ المحرِّرُ باتِّفاقِ جميعِ مَن جاء بعده ، وحينئذٍ فلا يُعدَل عما رَجَّحه )[SUP] ([/SUP]
[13][SUP])[/SUP]
.
وقول عبدالقادر العيدروس(ت1038هـ)[SUP] ([/SUP]
[14][SUP])[/SUP] في «
النور السافر »[SUP] (
[15])[/SUP] أثناء كلامه على «
العبابِ» للمزجَّد الزبيديِّ (ت930هـ) [SUP](
[16])[/SUP]:
(نعم ، عيبَ عليه فيه قوله: خلافاً للشيخَينِ في مواضعَ مُتعَدِّدةٍ ، وقد تقرَّرَ أن الذي عليه الفتوى الآن في مذهبِ الإمام الشافعيِّ هو ما اتَّفَقَ عليه الشيخانِ الرافعيُّ والنوويُّ ، فإن اختلفا فالنوويُّ ، لأنه مُتَعَقِّبٌ ، وربما ظهرَ له ما خَفِيَ على الأوَّلِ ، إلا ما اتفقَ المتأخرون قاطبةً على أنه سهوٌ أو غلطٌ وما عداه لا عبرةَ بمن خالف فيه ).
* أسبابُ تقديمِ النوويِّ على الرافعيِّ :
من خلال البحث لم أجد من تحدث عن أسباب هذا التقديم وحيثيّاته ، بل أكثر من يتحدث عن ذلك يعزوه إلى إجماع محققي الفقهاء أو المتأخرين ، فمثلاً يقول ابن حجر في مقدمة «
التحفة» : (
وإلا فالذي أطبقَ عليه مُحقّقو المتأخرين ، ولم تزل مشايِخُنا يوصون به وينقلونه عن مشايخِهم وهم عمَّن قبلَهم وهكذا أن المعتمدَ : ما اتَّفَقا عليه - [ أي : الشيخانِ النوويِّ والرافعيِّ] - أي : ما لم يُجمِع مُتَعَقِّبو كلامِهما على أنه سَهوٌ ... فإن اختلفا فالمُصَنِّفُ [أي: النوويُّ].. فإن وُجِدَ للرافِعِيِّ ترجيحٌ دونَهُ فَهُوَ )[SUP] (
[17])[/SUP]
.
وقال تلميذُه زينُ الدين المليباريُّ(ت987هـ) في «
فتحِ المعين» [SUP](
[18])[/SUP]:
(تنبيهٌ ثانٍ : اعلم أن المعتمدَ في المذهبِ للحكمِ والفتوى ما اتَّفقَ عليه الشيخانِ، فما جزم به النوويُّ، فالرافعيُّ ، فما رجَّحَهُ الأكثرُ فالأعلمُ فالأورعُ ، قال شيخُنا : هذا ما أطبق عليه محقِّقو المتأخرين).