العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المطلب الثاني: التطبيق على قاعدة: "المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟!"

إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فهذه القاعدة من القواعد التي اختلف فيها الشافعية، أوردتها في هذا الموضوع تتمة لموضوع سابق لي في هذا القسم، وكان بعنوان: ’’اختلاف الشافعية في "حكم إعطاء الزكاة للغارم إذا كان الدين الذي عليه مؤجلاً": هل يُعطى أم لا؟!‘‘.. اشتمل -الأول- على مطلبٍ في التطبيق على قاعدة من القواعد المختلف فيها عند الشافعية، ونحن هاهنا نذكر تطبيقًا على قاعدة أخرى -كما هو موضح بالعنوان أعلاه-، نسأل الله التوفيق والسداد، نبدأ بعون الله تعالى:

المطلب الثاني: في التطبيق على قاعدة: ’’المانع الطارئ هل هو كالمقارن؟!‘‘،،
هذه القاعدة أوردها الزركشي [في "المنثور" (2/ 349، 350)]، والحصني [في "قواعده" (2/ 195)]، والعلائي [في "المجموع المذهب" (1/ 334، 335 - وما بعدها)] باللفظ السابق، وذكر السيوطي أن صور هذه القاعدة تأتي على أربعة أقسام.
قال السيوطي -رحمه الله- في القواعد المختلف فيها: ولا يطلق الترجيح لاختلافه في الفروع؛ القاعدة العشرون: المانع الطائي هل هو الكمقارن؟ فيه اختلاف، والترجيح مختلف في الفروع. اهـ. ["الأشباه"، للسيوطي: (1/ 400، 401)].
وقال العلائي في المجموع المذهب (1/ 334 - وما بعدها): "المانع على ثلاثة أقسام:
1- قسم يمنع ابتداء الحكم واستمراره إذا طرأ في أثنائه.
2- وقسم يمنع الابتداء وإذا طرأ في الأثناء لا يقطعه.
3- وقسم اختلف فيه وهو -أيضًا- على ضربين:
أحدهما/ ما صحح فيه أنه من القسم الأول.
والثاني/ ما صحح فيه أنه من القسم الثاني. فهذه أربعة أقسام". انتهى.
ومعني القاعدة:
المراد بالطارئ: مِنْ طرأ بمعنى: نزل وحصل فجأة. [الموسوعةا لفقهية، د. محمد البورنو (6/ 297-298)].
إذا طرأ شيء على تصرف أو على شيء، فهل يأخذ المانع الطائي حكم المقارن للأصل؟ فيه خلاف، والترجيح مختلف فيه، ويعبر عن أحد شقي هذه القاعدة بقاعدة: "يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء". [المجموع المذهب (1/ 334 - وما بعدها)، والأشباه للسيوطي (1/ 401)، والقواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي للدكتور محمد الزحيلي (ص 688)].
الاستدلال للقاعدة:
قال العلائي في المجموع المذهب (1/ 335): "استنبط بعض الفضلاء قاعدة: ((أن الطائي في الدوام كالمقارن في الابتداء)) من قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاْلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ اْلنَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاْللهِ وَاْلْيَوْمِ اَلْآخِرِ) [البقرة: 264]، ففي الآية أن طريان المن والأذى بعد الصدقة، كمقارنة الرياء لها في الابتداء.
ثم إن الله تعالى ضرب مثالين:
أحدهما/ للمقارن المبطل في الابتداء بقوله: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا) [البقرة: 264] الآية، فهذا فيه أن الوابل الذي نزل، قارنه الصفوان -وهو الحجر الصلد- وعليه التراب اليسير فأذهبه الوابل، فلم يبق محل يقبل الثبات وينتفع بهذا الوابل، فكذلك الرياء وعدم الإيمان، إذا قارن إنفاق المال.
والثاني/ للطارئ في الدوام أنه يفسد الشيء من أصهل، بقوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ لإأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاْحْتَرَقَتْ) [البقرة: 266]، فمعنى الآية: أن هذه الجنة لما تعطل النفع بها بالاحتراق عند كبر صاحبها وضعفه وضعف ذريته، فهو أحوج ما يكون إليها، فكذلك طريان المن والأذى، يحبطان أجر المتصدق وأحوج ما يكون إليه يوم فقره وفاقته". انتهى كلام العلائي -رحمه الله-.
  • التطبيقات:
والكلام في المسائل التي هي من الأقسام الأربعة التي ذكرها العلائي فيما تقدم.
_أما القسم الأول: وهو ما قطع بأن الطارئ في الدوام كالمقارن.
فمن صوره: الحدث، يمنع صحة ابتداء الصلاة والطواف، وإذا طرأ عمده عليهما قطعهما.
ومنها: الردة تمنع صحة الكناح ابتداء، وإذا وقعت في أثنائه قطعته، إما على الفور قبل الدخول، أو بعد انقضاء العدة إذا كان الدخول.
ومنها:
الرضاع المحرم يمنع صحة النكاح ابتداء، وإذا طرأ قطعه.
_القسم الثاني: ما قطع فيه بأن الطارئ في الدوام ليس كالمقارن في الابتداء، وفيه صور [المجموع المذهب (1/ 336، 337)، والأشباه للسيوطي (1/ 401)]، منها: الإحرام يمنع صحة النكاح ابتداء، ولو طرأ عليه لم يقطع بالإجماع.
ومنها: توقيت النكاح يمنع صحة ابتدائه، وإذا طرأ في أثنائه لم يمنعه، بأن يقول: أنت طالق بعد شهر أو سنة.
ومنها: رؤية الماء مانعة من ابتداء الصلاة بالتيمم وإذا رآه في أثنائها، لم يبطلها إذا كانت الصلاة مما يسقط فرضها بالتيمم.
_القسم الثالث: ما فيه خلاف، والراجح أن الطارئ كالمقارن، وفيه أيضًا مسائل [المجموع المذهب (1/ 388)، والأشباه للسيوطي (1/ 401)]:
منها: الاستعمال في الماء تدفعه الكثرة ابتداء، وهل تدفعه في الدوام إذا بلغ قلتين؟ فيه وجهان، والأصح أنه يعود طهورًا. [القلة: الجَرَّة الضخمة، وتقدر القلة (250) رطلاً عراقيًّا، فعند الحنفية: (406,5 × 250 = 101,56) كيلو جرام. وعند الجمهور: (382,5 × 250 = 95,625) كيلو جرام. راجع: حاشية ابن عابدين (2/ 365)، والمبدع في شرح المقنع لابن مفلح (1/ 59)، وحاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج للمحلي (1/ 24) والمكاييل والموازين الشرعية، د. علي جمعة محمد (ص 46)، الناشر: القدس للإعلان - القاهرة، (1421 هـ)].
ومنها: إذا أحرم المرتد بحج أو عمرة لم يصح إحرامه، ولو طرأت الردة على الإحرام؟ فيه خلاف، والراجح أنه يبطل حتى لو أسلم لم يبن على ما مضى.
ومنها: لو أنشأ السفر مباحًا، ثم صرفه إلى معصية في ثاني الحال، قال في الروضة: الأصح أنه لا يترخص [روضة الطالبين للنووي (1/ 388)، والمجموع المذهب (1/ 338)]، فجعل طارئ المعصية على الأصح كالمقارن.
_القسم الرابع: ما فيه خلاف، والراجح أن الطارئ ليس كالمقارن، وفيه أيضًا مسائل [الأشباه، للسيوطي (1/ 400)]:
منها: طريان القدرة على الماء في أثناء الصلاة، ونية التجارة بعد الشراء، فلا تبطل الصلاة [وذلك إذا كانت صلاته مغنية عن القضاء؛ كصلاة المسافر. انظر: روضة الطالبين (1/ 115)]، ولا تجب الزكاة [وهو الذي قطع به الجماهير، وقال الكرابيسي: يصير مال تجارة. انظر: روضة الطالبين (2/ 266)].

هذا، والله أعلم.
 
أعلى