العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

إنضم
6 سبتمبر 2014
المشاركات
15
الكنية
ابو عمر
التخصص
بريد
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
مع الدليل
بسم الله الرحمن الرحيم

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن بضلل فلا هادي له وأشهد ان لا اله الا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد:
فإن اصدق الحديث كتاب الله تعالي وخير الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
وبعد

فهذا بحث بسيط في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة هل يجزئ احدهما عن الأخر أم لا بد أن يغتسل لكل منهما غسلا خاصا به ؟
وفيه مسائل
أولا : اتفق أهل العلم علي أن من اغتسل للجنابة والجمعة غسلا واحدا أن ذلك الغسل يجزئه عن هما بشرط أن ينويهما جميعا .
بل ونقل بن عبد البر الإجماع علي هذا فقال رحمه الله تعالي ((وَأَجْمَعُوا أَنَّ مَنِ اغْتَسَلَ يَنْوِي الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْجُمُعَةِ جَمِيعًا فِي وَقْتِ الرَّوَاحِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَضُرُّهُ اشْتِرَاكُ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ شَذُّوا)) التمهيد 14/153
ونفي الخلاف في هذه الحالة بن قدامة وبن رجب رحمهما الله تعالي
قال بن قدامة ((فإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما، أجزأه، ولا نعلم فيه خلافا)) المغني 2/257
وقال الحافظ بن رجب ((أما إن نواهما بالغسل، فإنه يحصل له رفع حدث الجنابة وسنة غسل الجمعة بغير خلافٍ بين العلماء.)) فتح الباري لأبن رجب 8/91
وقال الدكتور وهبة الزحيلي ((ومن اغتسل لجنابة أو نحوها كحيض، مع غسل جمعة أو عيد، أجزأه الغسل عنهما إذا نوى الجنابة وأتبعها الجمعة باتفاق المذاهب، كما لو نوى الفرض وتحية المسجد عند الشافعية، وكما اغتسل لفرضي جنابة وحيض اتفاقا.)) الفقه الإسلامي و أدلته للزحيلي 1/542
أدلتهم في هذا
1- قول النبي صلي الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى » متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ووجه الدلالة أنه نواهما معاً ، والأعمال بالنيات .
2- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَسَلَ وَاغْتَسَلَ وَغَدَا، وَابْتَكَرَ، وَدَنَا فَاقْتَرَبَ وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ قِيَامِ سَنَةٍ وَصِيَامِهَا»
ووجهه علي قول بعض أهل العلم أن معناه جامع واغتسل، فكانا غُسلين في غُسل واحد .قاله بن قدامة وحكاه عن احمد وجماعة .
قال بن قدامة رحمه الله تعالي بعد قوله المتقدم ((وقد ذكرنا أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من غسل واغتسل» أي: جامع واغتسل، ولأنهما غسلان اجتمعا، فأشبها غسل الحيض والجنابة)) 2/257،258
قال بن عثيمين رحمه الله تعالي ((فقول: (غسل واغتسل) بعض العلماء يقول: غسل الأذى ونظف بدنه، واغتسل اغتسال الجنابة المعروف، وبعضهم يقول: من غسل: أي من جامع زوجته؛ لأن جماعه إياها يستلزم أن تغتسل وهذا يدل على أن الغسل الواحد يكفي )) فتاوي بن عثيمين 16/138
3- لِأَنّه أشبه اجتماع غسل الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ. قال النووي رحمه الله تعالي (فان كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة اجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض)) المجموع 4/533
المسألة الثانية
فيمن اغتسل للجنابة والجمعة غسلا واحدا بنية غسل الجنابة وحده ولم ينوي غسل الجمعة هل يجزئه هذا الغسل عنهما ؟
قدمنا اتفاق أهل العلم علي إجزاء الغسل الواحد بجمع النيتين للجنابة والجمعة
واختلفوا فيمن اغتسل يوم الجمعة بنية الجنابة فقط ولم ينوي غسل الجمعة هل يجزئه هذا الغسل عنهما جميعا
فاتفقوا علي إجزائه عن الجنابة قال النووي (ولو نوى الغسل للجنابة حصل بلا خلاف وفي حصول غسل الجمعة قولان.) المجموع 4/535
فاتفقوا علي حصول الجنابة واختلفوا في حصول الجمعة علي قولين :
القول الأول أن هذا لا يجزئه عن غسل الجمعة ((وهو المشهور عن مالكٍ، وروي نحوه عن الأوزاعي، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي وأحمد، ونص عليه أحمد في رواية الشالنجي.)) فتح الباري لأبن رجب 8/91
أدلة أصحاب هذا القول
1- قول النبي صلي الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى » متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . والمغتسل لم ينوي غسل الجمعة وإنما نوي الجنابة فقط
2- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي وَأَنَا أَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لِلْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ جَنَابَةٍ. قَالَ: أَعِدْ غُسْلًا آخَرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ فِي طَهَارَةٍ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» أخرجه بن خزيمة (2/129/1760) والطبراني في الأوسط (8/130/8180) والبيهقي في السنن (1/446/1424) والحاكم في المستدرك (1/419/1044) والحديث حسنه الألباني رحمه الله تعالي في صحيح الترغيب ( 1/172/704) وفي الصحيحة (5/413/2321)
القول الثاني : أن هذا الغسل يجزئه عن غسل الجمعة ((وهو أحد قولي الشافعي، وقول أشهب المالكي، وهو نص الشافعي، وقول أبي حنيفة وإسحاق، مع كون أبي حنيفة يعتبر النية لنقل الطهارة، وحكاه ابن عبد البر عن عبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والشافعي والليث بن سعد والطبري )) فتح الباري لأبن رجب 8/91
وأدلة أصحاب هذا القول هي نفس أدلة المسألة الأولي ويزاد عليها حديث طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ، وإن لم تَكُونُوا جُنُبًا، وَمَسُّوا مِنَ الطِّيبِ».قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ. البخاري 2/4/884
قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ((قَوْلُهُ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا مَعْنَاهُ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا لِلْجُمُعَةِ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجَنَابَةِ يُجْزِئُ عَنِ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ نَوَاهُ لِلْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ بُعْدٌ نَعَمْ روى بن حبَان من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا وَهَذَا أَوْضَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَكِنَّ رِوَايَةَ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ أصح")) فتح الباري 2/373
وقال بن حبان رحمه الله ((قَوْلُهُ: "إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ يُجْزِئُ عَنِ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ )) صحيح بن حبان 7/22
وبه قال بدر الدين العيني (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن الِاغْتِسَال يَوْم الْجُمُعَة للجنابة يجوز عَن الْجُمُعَة، سَوَاء نَوَاه للْجُمُعَة أَو لَا) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني ( 6/177)
وكذلك أن المقصود بغسل الجمعة هو النظافة وقد حصلت بغسل الجنابة قال بن رشد (وأما قوله: " إنه يجزئ غسل الجنابة من غسل الجمعة إذا كان عند الرواح فهو صحيح؛ لأن غسل الجمعة ليس لرفع حدث، وإنما هو لما شرع لها من التنظف وقد حصل التنظف لها بالغسل للجنابة) البيان والتحصيل 1/59
وبهذا قالت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة ((غسل الجنابة يكفي عن غسل الجمعة؛ لأن المقصود بغسل الجمعة: التنظف وإزالة الروائح الكريهة من الجسم، وهذا يحصل بالغسل من الجنابة. ولكن يشرع أن ينوي دخول غسل الجمعة في غسل الجنابة ليحصل له الأجر في ذلك.)) فتاوي اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ بن باز وعضوية كلا من الشيخ بكر أبو زيد والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ عبد الله بن غديان المجموعة الثانية 4/153
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالي ((إذا اجتمعت عبادتان فهل يُكتفى بإحداهما عن الأخرى؟ إن كانت العبادة مقصودة بذاتها فإنها لا تجزئ عن الأخرى، لابد من فعل الثنتين جميعاً، وإذا كانت غير مقصودة بذاتها، وإنما المقصود حصول هذا الفعل بأي وصف وصفناه، اكتُفي بواحدة عن الأخرى، فمثلاً الغسل يوم الجمعة عن جنابة ومن أجل الجمعة نقول: المقصود بغسل يوم الجمعة هو: الطهارة والتنظف، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام للصحابة الذين يأتون من العوالي ومن أمكنة بعيدة ويكون فيهم العرق والرائحة قال: (لو أنكم تطهرتم يومكم هذا) فهنا المقصود والتطيب لكن بأمر الرسول به صار عبادة.
نقول الآن: إذا نوى بغسل الجنابة كفى عن غسل الجمعة، كما تكفي الفريضة عن تحية المسجد )) لقاء الباب المفتوح رقم 136 في ظلال تفسير آيات من سورة (ق) دروس صوتية قام بتفريغها الشبكة الإسلامية
قلت والراجح في هذه المسألة والله أعلم هو القول الأول القائل بعدم إجزاء الغسل بنية الجنابة وحدها عن غسل الجمعة وذلك لأن غسل الجمعة عبادة مستقلة لابد لها من نية وحيث لا نية فلا عمل وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى » متفق عليه .
وهذا المغتسل للجنابة وحدها دون الجمعة لم ينوي فكيف يجزئ عنه هذا الغسل في عبادة أخري لم ينوها .

قال بن عبد البر رحمه الله تعالي ((الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُ طَهَارَةٌ لِلصَّلَاةِ إِلَّا بِنِيَّةٍ لَهَا وَقَصْدٍ إِلَيْهَا لِأَنَّ الْمُفْتَرَضَاتِ لَا تُؤَدَّى إِلَّا بِقَصْدٍ وَإِرَادَةٍ وَلَا يُسَمَّى الْفَاعِلُ فَاعِلًا حَقِيقَةً إِلَّا بِقَصْدٍ مِنْهُ إِلَى الْفِعْلِ وَمُحَالٌ أَنْ يتأدى عَنِ الْمَرْءِ مَا لَمْ يَقْصِدْ إِلَى أَدَائِهِ وَيَنْوِيهِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّهُ لَا تَكُونُ قُرْبَةٌ إِلَّا مِنْ مُتَقَرِّبٍ بِهَا قَدِ انْطَوَى ضَمِيرُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . الاستذكار 1/265



قال النووي ((ولو نوى الغسل للجنابة حصل بلا خلاف وفي حصول غسل الجمعة قولان (أصحهما) عند المصنف في التنبيه والأكثرين لا يحصل لأن الأعمال بالنيات ولم ينوه (وأصحهما) عند البغوي حصوله والمختار أنه لا يحصل )) المجموع 4/535
قال بن عبد البر((ولو لم يذكر الجمعة في غسله للجنابة لم يكن مغتسلا للجمعة ولا يضر ذلك بجمعته )) الكافي 1/165


وقال بن الجوزي رحمه الله تعالي في تعليقه علي حديث إنما الأعمال بالنيات قال(وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث أَن الشَّرْع إِنَّمَا يعْتد بِالْعَمَلِ الَّذِي فِيهِ النِّيَّة ) كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/8
وقال النووي رحمه الله تعالي (فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الأعمال تحسب بنية ولا تحسب إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أن الطهارة وهى الوضوء والغسل والتيمم لاتصح إلا بالنية وكذلك الصلوة والزكاة وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالِاعْتِكَافُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ ) شرح النووي علي مسلم 13/54
وقال بن حجر رحمه الله تعالي في قوله صلي الله عليه وسلم وإنما لكل إمرئ ما نوي (مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ )) فتح الباري 12/372
ولا شك أن الغسل للجمعة من العبادات فلا بد له من نية .
قال بن قدامة رحمة الله تعالي ((ويفتقر الغسل إلى النية لأنه عبادة محضة فافتقر إلى النية كتجديد الوضوء)) 2/275
قلت وكما أن النية شرط من شروط صحة الوضوء كذلك النية شرط من شروط صحة الغسل وهذا المغتسل للجنابة وحدها دون الجمعة لم ينوي فكيف يجزئ عنه هذا الغسل في عبادة أخري لم ينوها .
وقد درست في أصول الفقه في مبحث الصحة والبطلان أن الأعمال حتي يحكم بصحتها لابد أن تكون مستوفية الشروط ومكتملة الأركان وإلا كانت باطلة ولم يترتب عليه أثرها الشرعي مطلقا

قال الدكتور عبد الكريم زيدان ( أفعال المكلفين إذا وقعت مستوفية أركانها وشروطها حكم الشارع بصحتها وإذا لم تقع علي هذا الوجه حكم الشارع ببطلانها) الوجيز 1/65
قلت وهذا فقد شرط وهو النية فلا يجزئ
ويشهد له حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي وَأَنَا أَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لِلْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ جَنَابَةٍ. قَالَ: أَعِدْ غُسْلًا آخَرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ فِي طَهَارَةٍ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» تقدم تخريجه
فهذا أبي قتادة رضي الله عنه لا يري إجزاء غسل الجنابة عن غسل الجمعة بل طلب من ابنه أن يعيد غسلا أخر للجمعة .
وأما الاستدلال بحديث( من غسل واغتسل ) وحديث ( إلا أن تكونوا جنبا ) فلا حجة لهم فيهما فحديث (من غسل واغتسل) ليس المراد منه ما ذكروا من أن المعني المراد جامع زوجته واغتسل من الجنابة وإنما معني الحديث من غسل رأسه واغتسل وهذا من تفسير السنة بالسنة فعن عن أوس الثقفي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ............ الحديث » رواه ابو داود في السنن 1/95/349 وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/2/346
وأما حديث (إلا أن تكونوا جنبا ) فقد تقدم كلام الحافظ بن حجر في أن الاستدلال به علي هذا المعني فيه بعد فقال رحمه الله تعالي (وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ بُعْدٌ نَعَمْ روى بن حبَان من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا وَهَذَا أَوْضَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَكِنَّ رِوَايَةَ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ أصح")) فتح الباري 2/373
سلمنا أن معني الحديثين كما ذكرتم فليس لكم فيهما حجة أيضا فليس في الحديثين دليل علي جواز الاقتصار علي غسل واحد للجنابة دون نية الجمعة وإنما غايتهما الاستدلال بجواز الاقتصار علي غسل واحد يجمع النيتين وقد قدمت الاتفاق علي هذا .اما كلام بن رشد وبن عثيمين وغيرهما في أن غسل الجمعة قصد به النظافة وقد حصلت بغسل الجنابة فيرد عليهم بن دقيق العيد بقوله

(بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ)) تحفة الاحوذي 5/232
والمقصود من كلام بن دقيق العيد رحمه الله تعالي أننا ننظر الي حصول الأجر والثواب وخلو وبراءة الذمة بالعمل هل يحصل ام لا
وخلاصة هذه المسألة أن الاغتسال للجنابة يوم الجمعة بنية رفع الجنابة فقط إنما يجزئ عن الجنابة فقط ولا يجزئ عن الغسل الجمعة . والله تعالي اعلم
المسألة الثالثة
فيمن كان جنبا ونوي غسل الجمعة فقط ولم ينوي غسل الجنابة
اختلف أهل العلم في هذه المسألة علي ثلاث أقوال
الأول
أنه لا يجزئه عن غسل الجنابة ويجزئه عن غسل الجمعة وهو قول جمهور أهل العلم قال النووي رحمه الله تعالي في المجموع (ولو نوى غسل الجمعة لم تحصل الجنابة على المذهب وبه قطع المصنف والجمهور)
((وسئل مالك عن رجل قام من الليل فاحتلم فأصبح ولم يشعر، وكانت ليلة جمعة، فحضرت الصلاة فاغتسل للجمعة ثم راح وصلى، ثم علم بذلك فوجده في ثوبه، فقال: أرى أن يغتسل الثانية ويعيد الصلاة ظهرا أربعا. فقيل له: ألا ترى غسل الجمعة يكفيه؟ قال: لا، «إنما الأعمال بالنية») البيان والتحصيل 1/58
قال الشافعي ((" وإن نوى بالغسل الجمعة والعيد لَمْ يُجْزِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَ مِنَ الْجَنَابَةِ ")).الحاوي الكبير 1/3
قال الماوردي ((أَنْ يُجْزِئَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ الَّتِي نَوَاهَا دُونَ الْجَنَابَةِ الَّتِي لَمْ يَنْوِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَإِنَّمَا لِكُلِ امرئٍ مَا نَوَى ".)) الحاوي الكبير 1/376
قال بن رشد (لأن الذي اغتسل للجمعة وهو لا يعلم بالجنابة لم يقصد إلى رفع حدث الجنابة؛ إذ لم يعلم بها، وإنما اغتسل للجمعة غسل سنة لا لرفع حدث ) البيان والتحصيل 1/58
والثاني
يجزئه عن الجمعة والجنابة جميعا ((وَمِمَّنْ قَالَ بهذا من أصحاب مالك بن وهب وأشهب وبن نافع وبن كِنَانَةَ وَمُطَرِّفٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ)) بن عبد البر في الاستذكار 1/265
وقالوا ((لِأَنَّهُ اغْتَسَلَ لِلصَّلَاةِ وَاسْتَبَاحَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ حَدَثَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُجْزِئُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ)) المصدر السابق
والثالث
لا يجزئه عن الجمعة ولا عن الجنابة ((فيه وجهان لأصحابنا(يقصد الحنابلة ) والشافعية)) بن رجب الحنبلي فتح الباري 8/92
وهو قول ابْنُ الْمَاجِشُونِ من المالكية (الذخيرة للقرافي 1/307)
قلت و الراحج في هذه المسألة والله اعلم القول الأول بحصول الجمعة دون الجنابة
لقوله صلي الله عليه وسلم («إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ») متفق عليه وهذا قد نوي الجمعة ولم ينوي الجنابة
قال الشيخ بن عثيمين رحمة الله تعالي ((وإذا نوى غسل الجمعة لم يكفه عن غسل الجنابة، لماذا؟ لأن غسل الجمعة واجبٌ عن غير حدث، وغسل الجنابة واجبٌ عن حدث، فلابد من نية ترفع هذا الحدث.)) فتاوي بن عثيمين 16/138ويؤيد هذا القول أن الرجل لو اغتسل يوم الجمعة ثم أجنب فلا يلزمه إعادة غسل الجمعة بل يكفيه الغسل بنية الجنابة قال النووي رحمة الله تعالي ((ولو اغتسل بعد الفجر ثم أجنب لم يبطل غسل الجمعة عندنا قال الماوردي وبه قال العلماء كافة إلا الأوزاعي فإنه أبطله: دليلنا أن غسل الجمعة يراد للتنظيف فإذا تعقبه غسل الجنابة لم يبطله بل هو أبلغ في النظافة )) المجموع
2/201


خلاصة البحث


اتفق العلماء علي كون إجزاء غسل واحد بنيتين عن غسل الجنابة وغسل الجمعة ونقل الإجماع علي هذا بن عبد البر ونفي الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم .
اختلفوا فيمن نوي الجنابة ولم ينوي الجمعة فإتفقوا أولا علي حصول الجنابة واختلفوا في حصول الجمعة والراجح كما تقدم عدم حصولها بلا نية .
اختلفوا فيمن نوي الجمعة دون الجنابة والراجح فيها حصول الجمعة دون الجنابة كما تقدم .
هذا مايسره الله لي في هذه المسألة فما كان من توفيق فهو من الله وحده وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان وأسأل الله العظيم أن يجعله خالصا لوجهه وأن ينفع به من قرأه ويبارك فيه .

هذا والله اعلم ورد العلم إليه اسلم .

وكتبه
احمد محمد بريقع
كفرالمرازقة / قلين / كفر الشيخ
 
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
166
التخصص
فقه وتشريع
المدينة
الضفة الغربية
المذهب الفقهي
مذهب الائمة الاربعة (اذا صح الحديث فهو مذهبي)
رد: بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

بارك الله فيك ...
وهذا الموضوع وهو الجمع في النية في العبادات موضوع يجب التحرز فيك والتحوط ، فهي عبادات، ففيما عدا الامور المجمع عليها كما هنا لا يجوز الجمع باكثر من عبادة في نية واحدة اللهم ان كان الجمع بالنية على سبيل الجمع الصوري اي ينو اغتسال الجنابة ثم اغتسال الجمعة بعده بان يسكب الماء على جسمه مرة اخرى بعد اكمال غسل الجنابة مباشرة وهذا اعتقد احوط وأبرأ مع جواز الاغتسال مرة واحدة عن غسلين هنا للاجماع المذكور هنا فقط ولهذه الحالة فقط .والله اعلم
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

هل ينطبق الأمر على غسل الجنابة وغسل الحيض؟ أي الجمع بينهما بنية واحدة؟

 
إنضم
27 سبتمبر 2012
المشاركات
332
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
رأس العين
المذهب الفقهي
المالكي
رد: بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

قال النووي رحمه الله تعالى: (فان كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة اجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض)) المجموع 4/533
 

كمال يسين المسلم

:: مطـًـلع ::
إنضم
30 أبريل 2009
المشاركات
104
الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الإعلام الآلي
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مسلم
رد: بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

اتفق العلماء علي كون إجزاء غسل واحد بنيتين عن غسل الجنابة وغسل الجمعة ونقل الإجماع علي هذا بن عبد البر ونفي الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم .
بارك الله فيك
هل يمكن أن نقول أن نفي الخلاف في هذا أمر مبالغ فيه؟بل هو غير صحيح.
هل أصحاب هذا القول يجيزون لمن نسي صلاة الظهر حتى دخل عليها العصر أن يصلي صلاة واحدة و ينويهما جميعا؟
فإن كانوا لا يجيزون هذا, فما هو الفرق بين المسألتين؟
و بارك الله فيكم
 
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
166
التخصص
فقه وتشريع
المدينة
الضفة الغربية
المذهب الفقهي
مذهب الائمة الاربعة (اذا صح الحديث فهو مذهبي)
رد: بحث في مسألة اجتماع غسل الجنابة وغسل الجمعة

هل يمكن أن نقول أن نفي الخلاف في هذا أمر مبالغ فيه؟بل هو غير صحيح.
هل أصحاب هذا القول يجيزون لمن نسي صلاة الظهر حتى دخل عليها العصر أن يصلي صلاة واحدة و ينويهما جميعا؟
فإن كانوا لا يجيزون هذا, فما هو الفرق بين المسألتين؟
و بارك الله فيكم

اخي كمال اعتقد ان التمسك بالاصل اولى والوارد استثناء خلاف الاصل كما هنا الاجماع هو استثناء لا يقاس عليه فنحن نتكلم في الامور التعدية فهي توقيفية... ولا يجوز الجمع بين اكثر من عبادتين بنية واحد معا هذا الاصل كما في الصلاة مثلا . وايضا في الاغسال، لكن ما اجيز على خلاف الاصل كما هو المنقول بالاجماع عليه هنا- ان صح الاجماع- لا مانع به مع ان الاولى العمل بالاصل فهو أبرأ وأنقى للقلب.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
أعلى