رد: الفَرْقُ بَيْنَ غَسْلِ بَوْلِ الجَارِيَةِ، وَنَضْحِ بَوْلِ الغُلامِ
- (سبقت)
- المَسْأَلَةُ الثَّانِيْةُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِيْ نَضْحِ بَوْلِ الغُلامِ أَوْ غَسْلِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ.
- القَوْلُ الأَوَّلُ: يُجْزِئُ النَّضْحُ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ إِذَا لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ؛ مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ([1])، وَالحَنَابِلَةُ([2])، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ([3])، وَهُوَ اخْتِيَارُ العَلاَّمَةِ ابْنِ القَيِّمِ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-([4]).
وَاسْتَدَلُّوْا بِمَا يَلِيْ:
- حَدِيْثُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: (كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُوْ لَهُمْ، فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ؛ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ)([5]).
- حَدِيْثُ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصَن -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: (أنَّها أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيْرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَجْلَسَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيْ حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ)([6]).
- حَدِيْثُ لُبَابَةِ بِنْتِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (كَانَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِيْ حِجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْبَاً وَأَعْطِنِيْ إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلْهُ؛ قَالَ: [SUB](([/SUB]إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى، وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ[SUB]))[/SUB])([7]).
- حَدِيْثُ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-: (أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِيْ بَوْلِ الغُلامِ الرَّضِيْعِ: [SUB](([/SUB]يُنْضَحُ بُوْلُ الغُلامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَاريَةِ[SUB]))[/SUB]، قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا؛ فَإِذَا طَعِمَا غُسِلا جَمِيْعَاً)([8]).
- حَدِيْثُ أَبِيْ السَّمْحِ -رضي الله عنه- قَالَ: (كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: [SUB](([/SUB]وَلِّنِيْ قَفَاكَ[SUB]))[/SUB]، فَأَوْلَيْتُهُ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ، فَقَالَ: [SUB](([/SUB]يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الجَاريَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بُوْلِ الغُلامِ[SUB]))[/SUB])([9]).
- وَأَمَّا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ -رضوان الله عليهم-:
فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ ابْنُ حَزْمٍ –رَحِمَهُ اللهُ-: (وَمِمَّنَ فَرَّقَ بَيْنَ بَوْلِ الغُلامِ وَبَوْلِ الجَارِيَةِ: أُمُّ سَلَمَةَ: أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِيْ طَالِبٍ، وَلا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم-)([10]).
وَقَدْ صَحَّ الإِفْتَاءُ بِذَلِكَ؛ وَلَمْ يَأْتِ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلافُهُمَا، وَنُقِلَ الإِجْمَاعُ بِذَلِكَ([11]).
فَبَمَا أُثِرَ عَنْ إِمَامَيْنِ جَلِيلَيْنِ، هُمَا:
- الإِمَامُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ –رَحِمَهُ اللهُ- حَيْثُ قَالَ: (مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَشَّ عَلَى بَوْلِ مَنْ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ مِنَ الصِّبْيَانِ)([12]).
- الإِمَامُ إِسْحَاق بْنُ رَاهَويه –رَحِمَهُ اللهُ- حَيْثُ قَالَ: (مَضَتِ السُّنَّةُ مِنء رَسُوْلِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ يُرَشَّ بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِيْ لَمْ يَطْعَمِ الطَّعَامَ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ طَعِمَتْ أَمْ لَمْ تَطْعَمْ)([13]).
- القَوْلُ الآخَرُ: يُغْسَلُ بَوْلُ الغُلامِ كَالجَارِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الحَنَفِيَّةِ([14])، وَالمَالِكِيَّةِ فِيْ المَذْهَبِ([15]).
وَاسْتَدَلُّوْا بِمَا يَلِيْ:
- بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بين بَوْلِ الصَّبِيِّ وَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ في النَّجَاسَةِ؛ فَهُمَا نَجِسَانِ فَهُمَا سَوَاءٌ في وُجُوبِ الْغَسْلِ([16]).
وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ: بِأَنَّهُ (يُبْعِدُهُ ما وَرَدَ في الْأَحَادِيثِ من التَّفْرِقَةِ بين بَوْلِ الْغُلامِ وَالْجَارِيَةِ)([17])؛ قال ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: اتَّبَعُوا في ذلك الْقِيَاسَ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا ولم يَغْسِلْهُ أَيْ غَسْلًا مُبَالَغًا فيه؛ وهو خِلَافُ الظَّاهِرِ([18]).
- وَأَجَابُوا عن أَحَادِيثِ الْبَابِ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِيهِمَا الْغَسْلُ فإنه قد يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ قد يُذْكَرُ الرَّشُّ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ([19]).
وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ: بِأَنَّ حَدِيْثَ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ ليس الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلَ؛ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وهو كما تَرَى؛ فَجَوَابُهُمْ بِأَنَّ ما جاء في هذا الْبَابِ مِنَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ مَحْمُولٌ على الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ([20]).
* الترجيح في فروق المسألة:
- وَبِنَاءً عَلَى دِرَاسَةِ مَسْأَلَتَي الفَرْقِ يَتَبَيَّنُ القَوْلُ بِقُوَّةِ الفَرْقِ؛ وَأَنَّهُ الرَّجِحُ؛ فَصِحَّةُ الفَرْقِ ظَاهِرَةٌ، وَالأَدِلَّةُ عَلَيْهِ مُتَظَافِرَةٌ؛ مِنَ السُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ -رضوان الله عليهم- وَالأَثَرِ، وَدِلالَةِ النَّظَرِ؛ وَلِذَا كَانَتْ عَلَيْهَا فَتْوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْبُحُوْثِ العِلْمِيَّة وَالإِفْتَاءِ بِرِيَاسَةِ سَمَاحَةِ شَيْخِنَا الإِمَامِ: عَبْدِالعَزِيْزِ بْنِ بَازٍ –عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللهِ-: وَهَذَا نَصُّهَا: (يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلامِ مَا لَمْ يَتَغَذَّ بِالطَّعَامِ؛ فَإِذَا تَغَذَّى بِهِ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ، وَأَمَّا الجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يُغْسَلُ بَوْلُهَا مُطْلَقَاً؛ طَعِمَتْ أَوْ لَمْ تَطْعَمْ) ([21]).
([1]) يُنظر: الأم (1/55)، المجموع (2/567).
([2]) يُنظر: المغني (1/55).
([3]) يُنظر: المحلى (1/113).
([4]) يُنظر: تحفة المودود ص(187).
([5]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (11/155)، كتاب الدعوات، باب الدُّعاء للصِّبيان بالبركة ومسح رؤوسهم، ح(6355).
([6]) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (1/390)، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، ح(223).
([7]) أخرجه الإمام أبي داود في سننه (1/261-262)، كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، ح(375).
([8]) أخرجه الإمام التِّرمذي في جامعه (2/509-510)، كتاب الصلاة، باب ما ذُكر في نضح بول الغلام الرَّضيع، ح(610)، وقال: (هذا حديثٌ حسنٌ صحيح).
([9]) أخرجه الإمام أبي داود في سننه (1/262)، كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، ح(376).
([10]) المحلى (1/114).
([11]) يُنظر: إعلام الموقعين (1/694)، تحفة المودود ص(187).
([12]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/356)، ح(27049)، وقال محقِّقه: (إسناده صحيحٌ على شرط الشَّيخين).
([13]) ذكره الإمام ابن القيِّم في تحفة المودود ص(187).
([14]) يُنظر: حاشية ابن عابدين (1/318).
([15]) يُنظر: المدونة (1/131).
([16]) يُنظر: شرح معاني الآثار (1/92)، حاشية ابن عابدين (1/318).
([17]) نيل الأوطار (1/58).
([18]) يُنظر: نيل الأوطار (1/58)، تحفة الأحوذي (1/199).
([19]) يُنظر: شرح معاني الآثار (1/92)، حاشية ابن عابدين (1/318)، تحفة الأحوذي (1/199).
([20]) يُنظر: تحفة الأحوذي (1/199).
([21]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5/403-404).