العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تفصيل الكلام في حجية قول الصحابي

إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فلقد كان للصحابة -رضي الله عنهم- أثر بالغ في نقل هذا الدين وفهمه؛ لنزول القرآن بلغتهم، وعلى أسباب عرفوها وأدركوا معانيها. كما أثمرت ملازمتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقهًا وورعًا. فقد كان لسليقتهم ومجاورتهم التشريع دورًا عظيمًا في الإلمام بخطاب الشارع، منطوقه، عامه، خاصه، ناسخه ومنسوخه.
قال أبو عبيدة: "لم ينقل أنّ أحدًا من الصحابة رجع في معرفة شيء من القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" -انظر: مجاز القرآن 1/8 بتصرف-، ذلك لأنّهم أخذوا بناصية البيان فلم يحتج ما نزل على لسانهم إلى بيان.
كما انعقدت لهم الإمامة في الورع فكانوا -كما في قوله تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، لهذا لم يختلف النّاس في عدالتهم، بل استصحبوا هذه المزيّة وأخذوا بها في تلقي الشريعة عنهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم...) -رواه البخاري (6429)، ومسلم (2533): عن عبدالله. وأبو داود (4657)، والترمذي (2221)، والنسائي (3840)، وابن ماجه (2362)-.
ولكن هل القول بعدالتهم يقتضي ثبوت العصمة لهم؟
قال الأبياري -نقلًا عن البحر المحيط (6/ 186)-: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة، وطلب التزكية". وانظر: إحكام الفصول (303)، المستصفى (1/ 164)، شرح مختصر الروضة (2/ 67).
إذًا فما كان من اختلاف في حجية مذهب الصحابي فذلك لا يطعن في عدالته وتزكيته. ولبيان هذه الحقيقة سأستعرض أقوال العلماء في بيان الحجية بعد تحرير محل النِّزاع، والتعريف بالصحابيّ.

-تعريف الصحابي:
هو: "من اجتمع -مؤمنًا- بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وصحبه مدةً محددةً بالعرف، روى عنه أو لا" - انظر: البحر المحيط (6/ 190)، مسلم الثبوت لابن عبدالشكور (2/ 158) .
ومنهم من يشترط الرواية عنه وطول الصحبة. قال ابن السمعاني -نقلًا عن البحر المحيط (6/ 190، 191)-: "والظاهر (في حدّ الصحابي) أنّه من طالت صحبته مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكثرت مجالسته له، وينبغي أن يطيل المكث معه على طريق التبع له، والأخذ عنه، ولهذا يوصف من أطال مجالسة أهل العلم بأنّه من أصحابه". وانظر: الأصل الجامع في إيضاح الدرر المنظومة (2/ 86)، المستصفى (1/ 165)، شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 67).
وهذا الذي ذهب إليه ابن السمعاني ظاهر في العرف؛ لأنّ الصاحب هو المعاشر، ولا تكون العِشرةُ إلّا بطول المخالطة.
بل هو مذهب جمهور الأصوليين في تعريف الصحابي حيث قالوا: "الصحابي هو من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ولازمه زمنًا طويلًا". انظر: شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 165).
أما عند جمهور المحدثين: "فهو من لقيه مؤمنًا به، ومات على الإسلام سواء طالت صحبته أو لم تطل". انظر: مسلم الثبوت (2/ 158)، وعلوم الحديث لابن الصلاح (293، وما بعدها)، والباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد شاكر (175)، وبتعليق الألباني (2/ 497، 498)، ونزهة النظر شرح نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر (88) ط1.دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1989م، وشرح نزهة النظر لابن العثيمين مع تعليقات الألباني (274) مكتبة السنة، ونتيجة النظر في نخبة الفكر، للحافظ القسنطيني (197).
فالمحدثون لا يشترطون طول المعاشرة والمخالطة لتحقق مسمى الصحبة.

-مذاهب الأصوليين في مذهب الصحابي، وحكم مناهضته لخبر الواحد:
اختلف علماء الأمصار في حجية قول الصحابي على عدّة أقوايل؛ لتردد الدليل بين مشاهدتهم موارد النّصوص ومواقع التنزيل، وبين احتمال الخطأ في اجتهادهم؛ لكثرة الرأي فيما يفتون به. وورود هذا الاحتمال يسقط اعتبار القطع في الاستدلال بقول الصاحب. انظر: في تعريف مذهب الصحابي/ أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي (339).
ولبيان أوجه الاختلاف ودليله، لا بدّ من تحرير محل النِّزاع.
أولًا: يجب الأخذ بقول الصحابي فيما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه؛ لأنّه في حكم المرفوع، فيقدم على القياس، ويخصّ به النصّ اتفاقًا. انظر: إفاضة الأنوار (236)، محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء (272)، أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي (396)، الوسيط في أصول الفقه (1/ 399)، والوجيز في أصول التشريع (485).
ثانيًا: أما قوله فيما فيه مجال للاجتهاد، فليس حجة على غيره من الصحابة المجتهدين، إلّا إذا انتشر بينهم ولا مخالف له، فهو حجة، لأنّه من قبيل الإجماع السكوتي. هذا على قول الأكثر، وفيه تفصيل. أما ظهور المخالفة فإنّه ينفي الحجية. انظر: تأسيس النظر (113)، عمدة الحواشي (305)، إحكام الفصول (175)، الجواهر الثمينة (215)، محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء (278).
ثالثًا: أمّا قوله في الأمور التي فيها مجال للاجتهاد المحض، ولم يكن مما قد انتشر بين الصحابة، فهل هو حجة على التابعي ومن بعده؟. هذا هو محل الخلاف بين العلماء على النحو التالي:
_القول الأول: قول الصحابي حجة.
ذهب الإمام مالك، والشافعي في القديم، وأ؛مد في رواية عنه إلى أنّ قول الصحابي حجة، وهو قول لبعض الحنفية خلافًا للكرخي وغيره، حيث قال الكرخي: "لا يقلَّد الصحابي فيما يدرك بالقياس لاستواء الرأيين في الاحتمال". نقلًا عن إفاضة الأنوار (236)، وانظر: البحر المحيط (8/ 57، 64، 101)، الحاوي (16/ 112)، شرح اللمع، للشيرازي (2/ 750)، شرح الكوكب المنير (3/ 375، 376)، شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 287)، المستصفى (1/ 261)، التوضيح على التنقيح (2/ 17)، شرح مختصر الروضة (3/ 185)، الفكر السامي (1/ 392)، المغني في أصول الفقه: الخبازي (266/ 267)، مقاييس نقد متون السنة (396)، أثر الأدلة المختلف فيها (340)، الوسيط في أصول الفقه (1/ 400)، محاضرات في اختلاف الفقهاء (271/ 278).
_القول الثاني: قول الصحابي ليس حجة.
وإليه ذهب الشافعي في الجديد على المشهور، وأحمد، والمعتزلة والأشاعرة، والكرخي، وبعض المتأخرين من المالكية والحنابلة، واحتجاجًا بعدم عصمته فيما يجتهد فيه. انظر: البحر المحيط (8/ 64)، عمدة الحواشي (305)، شرح مختصر ابن الحاجب (2/ 287)، تأسيس النظر (113)، شرح مختصر الروضة (3/ 185)، التوضيح على التنقيح (2/ 17)، حصول المأمول من علم الأصول لصديق حسن خان (108)، شرح الكوكب المنير (3/ 375، 376)، مفتاح الوصول (166)، محاضرات في اختلاف الفقهاء (272)، الوسيط في أصول الفقه (1/ 400)، أثر الأدلة المختلف فيها (341).
_ القول الثالث: قول الصحابي حجة إذا تقوى بالقياس.
وهو من الأقوال المنقولة عن الشافعي في الجديد كذلك. قال الزركشي: "نصّ عليها لشافعي -رحمه الله- في الرسالة حيث حكى بعض أصحابنا عن الشافعي أنّه يرى في الجديد أنّ قول الصحابي حجة إذا عضده القياس" البحر المحيط (8/ 60) بتصرف. وانظر: الرسالة (591)، والحاوي (16/ 112)، قال ابن القطان: "نقول بقول الصحابي إذا كان معه القياس" نقله الزركشي في المرجع نفسه.
_القول الرابع: قول الصحابي حجة إذا خالف القياس.
وهو ما تدل عليه مسائل أبي حنيفة والشافعي. قال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (2/ 313): "اختلف في تغليظ الدية في الشهر الحرام وفي البلد الحرام، قال الشافعي: تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح... وعمدة الشافعي أن ذلك مروي عن عمر وعثمان وابن عباس، وإذا روى عن الصحابة شيء مخالف للقياس وجب حمله على التوقيف؛ ووجه مخالفة القياس أنّ التغليظ فيما وقع خطأ بعيد عن أصول الشرع...". انتهى.

وفي تحرير مذهب الإمام الشافعي؛
يقول الدكتور لخضر لخضاري في كتابه -رسالة دكتوراه- ((تعارض القياس مع خبر الواحد وأثره في الفقه الإسلامي)) [دار ابن حزم] ص(192): "يلاحظ أنّ النقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- مضطرب، لكثرة الروايات عنه. لهذا يجب للفصل في هذه المسألة الاستقراء والتتبع لجميع الفروع الفقهية وتحكيمها لبيان الأصل الذي اعتمده الإمام -في هذه المسألة- وهذا موضع لا يتسع لمثل هذه الدراسة -انظر: في تحقيق هذه المسألة كتاب الشافعي، لأبي زهرة: 276 وما بعدها، وأثر الأدلة المختلف فيها: 347 وما بعدها-". انتهى.
ويقول الدكتور صلاح حميد عبدالعيساوي في كتابه -رسالة دكتوراه- ((تأصيل القواعد الأصولية المختلف فيها بين الحنفية والشافعية)) [دار النوادر] ص(161، 162) تلعيقًا على ما نسب للإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في أحد قوليه أن مذهب الصحابي ليس بحجة مطلقًا..
قال: "وعند التحقيق في مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- نجد أنَّ هذه النسبة غير صحيحة، بدليل ما جاء في الرسالة (ص 597-598) عندما سئل عن أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تفرقوا؟: (فقلت: نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الإجماع أو كان أصح القياس... قلت له: ما وجدنا في هذا كتابًا ولا سنة ثابتة، ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحدهم مرة ويتركونه مرة أخرى، ويتفرقون في بعض ما أخذوا به منهم، قال: فإلى أي شيء صرت من هذا؟ قلت: إلى اتباع قول واحد، إذ لم أجد كتابًا، ولا سنة، ولا إجماعًا، ولا شيئًا في معناه، يحكم له بحكمه، أو وجد معه قياس. وقلَّ ما يوجد من القول الواحد منهم لا يخالفه غيره من هذا)".
ثم قال: "فهذا نص قاطع يدل على أنه كان يأخذ بأقوال الصحابة إذا اجتمعوا، وإذا افترقوا اختار من أقوالهم ما كان أقرب إلى الكتاب والسنة. "ينظر: أصول الفقه لأبي زهرة: ص201_202-".

التحقيق في حجية قول الصحابي عند المالكية؛
لبيان هذه الحقيقة لابد من الإشارة إلى قول ابن عاشور لأهميته في هذا المقام. قال: "والذي يتلخص لي من مذهب مالك رحمه الله أنّه لا يرى قول الصحابي حجة إلّا فيما لا يقال من قبل الرأي لما تقرر أنّ له حكم الرفع، ولهذا كان اشتراط مخالفته للقياس قريبًا من هذا، وقد ردّ مالك الخبر إذا خالف القياس الجليّ فكذلك قول الصحابي إذا خالف اجتهاد الإمام المستند إلى القياس وغيره. وأما ما نجده يتمسك فيه بقول الصحابي فهو على معنى تأييد قوله واجتهاده، أو هو ترجيح بين الأخبار عند الاختلاف".. حاشية التوضيح لمشكلات كتاب التنقيح (2/ 219).

وفي تحرير مذهب الحنفية؛ أقول:
انقسم الحنفية فيما بينهم على رأيين:
1- قول الصحابي ليس بحجة مطلقًا، أي: يخالَف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره، وبه قال الكرخي من الحنفية، وهو قول الأشاعرة والمعتزلة، والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين عنه، ومنسوب للإمام الشافعي، وبه قال الشيعة الإمامية، ينظر: شرح اللمع (2/ 742)، والإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (2، 4/ 130)، نزهة الخاطر العاطر، للدمشقي (1/ 404)، وتيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 133)، والأصول العامة للفقه المقارن، محمد تقي الحكيم (439/ 442).
2- موافقة الشافعية والجمهور أنّ قول الصحابي حجة، أي: لا يخالَف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره. انظر: تيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 133)، والأصول العامة للفقه المقارن، لمحمد تقي الحكيم (439-442).
وتفصيل مذهب الحنفية تجدونه في هذا الموضوع:
حُجِّيَّةُ (قَوْلُ الصَّحَابيِّ).. عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ،،

وأما الشافعية؛
فرأيهم أن قول الصحابي حجة شرعية مطلقة مقدمة على القياس، وبه قال الأئمة: مالك، والشافعي في قول آخر له، وأحمد في رواية أخرى عنه. ينظر: روضة الناظر، لابن قدامة (ص 84)، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي، للبخاري (2/ 937)، ومختصر ابن اللحام (161)، ومسلم الثبوت (2/ 186)، والتبصرة، للشيرازي (ص 395)، والمحصول (2/ 3/ 178)، والمسودة، لآل تيمية (ص 337).

*تلخيص لتحرير محل الخلاف في المسألة:
اتفق الأصوليون على الأخذ بقول الصحابي فيما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه؛ لأنَّ له حكم الرفع، فهو من قبيل الخبر التوقيفي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف أيضًا فيما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم أو كان مما لا يعرف له مخالف، وهو ليس حجة على صحابي آخر؛ لأن الصحابة اختلفوا في كثير من المسائل، ولو كان قول أحدهم حجة على غيره لما تأتى منهم هذا الخلاف.
وإنَّما الخلاف في فتوى الصحابي الصادرة عن اجتهادة المحض بالنسبة لمن بعده من التابعين، ومن بعدهم، إذا لم يجد المجتهد في المسألة دليلًا آخر من كتاب أو سنة. ينظر: اللمع، للشيرازي (2/ 690)، والإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (2/4 / 130)، والمجموع شرح المهذب، للنووي (1/ 59)، والمختصر في أصول الفقه، لابن اللحام (77)، ومختصر المنتهى مع الحواشي (2/ 287)، وحاشية العطار على جمع الجوامع (2/ 396).
وانقسم الحنفية والشافعية وغيرهم فيما بينهم بحجية قول الصحابي، منهم من أخذ به وأثبته، ومنهم من أبعده ونفاه، والحال كذلك بالنسبة إلى باقي المذاهب.

هناك قاعدة أصولية مستقاة من الخلاف في حجية قول الصحابي:
وهي: "هل يخالَف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره؟" ..
وأصل بناء القاعدة ما رواه النسائي في سننه (8/ 231)، برقم (5399) عن الشعبي عن شريح: (أنه كتب إلى عمر يسأله فكتب إليه أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبِسُنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقض بما قضى به الصالحون، فإنْ لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقض به الصالحون فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرًا لك والسلام عليكم).
فقال النافون لحجية قول الصحابة بالمطلق: بأنَّ الصحابة رضي الله عنه نُقِلَ عنهم في الاحتجاج بقولهم، فقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشريح، إذ أمره أنْ يقضي بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم برأيه، ولم يقل له اقض بقولي. ينظر: ميزان الأصول، للسمرقندي (2/ 699)، ومنهج الصحابة في الترجيح، لمحمود عبدالعزيز (ص 21).
إلا أن المخالفين لهم قالوا: فقد أمره بعد كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقضي بما قضى به الصالحون، ولا يشترط أن يقول له: اقض بقولي، والصحابة رضوان الله عليهم أوْلى بلقب الصالحين الذين تتبع أقوالهم، ثم قال له بعد ذلك: "فإنْ شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر ولا أرى التأخر إلا خيرًا لك"، أي التأخر عن الاجتهاد. منهج الصحابة في الترجيح، لمحمود عبدالعزيز (ص 21).
ويؤيد ذلك: ما أخرجه النسائي في سننه أيضًا (8/ 230)، برقم (5397) عن عبدالرحمن بن يزيد قال: (أكثروا على عبدالله ذات يوم، فقال عبدالله: إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثم إن الله عز وجل قدر علينا أن بلغنا ما ترون فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه، ولا يقول إني أخاف وإني أخاف فإن الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن وبَيْنَ ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) قال عنه النسائي: "هذا حديث جيد".
ولهذا يقول الإمام الشافعي: "إنَّ أصل مذهبنا أنْ لا يُخَالَف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلّا أن يخالفه غيره منهم". طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي (2/ 137).

-الأدلة ومناقشتها:
وقبل بسط الحديث عن الأدلة، لا بدّ من القول بأنّ هناك مدرستين في الاحتجاج بقول الصحابي، مدرسة تنفي عنه الحجية، ومدرة تثبتها. أمّا ما قيل: بأنّ قول الصحابي حجة إذا خالف القياس، فهو إقرار بثبوت الحجية فيما لا مجال للاجتهاد فيه؛ لأنّ مخالفة الصاحب للقياس دليل على التوقيف. أمّا تقوّي قول الصحابي بالقياس فهو احتجاج بالقياس في الأصل، وهو قول بعدم حجية قوله إذا انفرد [انظر: الوسيط في أصول الفقه (1/ 401)]. فعلى هذا التحقيق يتم سرد الأدلة.
_أدلة من أجاز الاحتجاج بقول الصحابي:
أولًا: قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران: 110].
ووجه الاستدلال بالآية: أن الله تعالى تعالى وصف الصحابة بالخيرية؛ لأمرهم بكل معروف، ونهيهم عن كل منكر؛ لأن لام التعريف في اسم الجنس تقتضي الاستغراق، فالآية خطاب مع الصحابة بأن ما يأمرون به معروف، والأمر بالمعروف واجب القبول، فوجب الأخذ بقول الصحابي.
وقد نوقش: بأن الخطاب موجه إلى مجموع الصحابة، وأن إجماعهم حجة، أو ما يأمر به الجماعة يجب اتباعه، والخلاف في قول الواحد، فلا حجة في الآية، إذ لا يقتضي ذلك ثبوت الحجة لقول آحاد الصحابة. انظر: شرح اللمع (2/ 743).
ثانيًا: احتجوا بأحاديث كثيرة منها:
1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). رواه ابن عبدالبر من حديث جابر رضي الله عنه في جامع بيان العلم وفضله (2/ 96)، والعجلوني في كشف الخفاء ( 1/118)، رقم (381)، وذكره الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (1/ 413)، والزبيدي في ((الإتحاف)) (2/ 223).
وجه التمسك بالحديث: هو أنّ الحديث يقتضي عموم الاقتداء بالصحابة، والاحتجاج بقول كا واحد منهم، وهو خطاب موجه إلى العوام ومجتهدي التابعين، ومن بعدهم، لأنّه لا تقليد بين الصحابة -رضوان الله عليهم-. انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 186، 187)، ومفتاح الوصول (166)، وشرح مختصر ابن الحاجب (2/ 288)، وإرشاد الفحول (2/ 272).
لكن في الاستدلال بهذا الحديث نظر؛ لضعفه، فإسناده لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث ابن عقبة -أحد رواته- مجهول. ينظر: تلخيص الحبير (4/ 209).
2- حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي). بنحوه مطولًا: أخرجه أحمد في المسند: (4/ 126) عن العرباض بن سارية، ورواه أبو داود برقم (4607)، وابن ماجه (43)، والترمذي (2676).
ووجه الدليل فيه: أنّ الأمر في قوله (عليكم) يفيد وجوب الاتباع والاقتداء بهم، فإن لم يصح ذلك للصحابة جميعهم، فهو صحيح بالنسبة للخلفاء الراشدين. انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 186)، والمستصفى (1/ 263)، ومنتهى الوصول (206، 207)، والمرافق على الموافق (423).
يقول الدكتور لخضر لخضاري في كتابه ((تعارض القياس مع خبر الواحد)) (ص 194) معلّقًا على هذا الدليل: "وظاهر هذا التعليل يفيد تحريم الاجتهاد على سائر الصحابة -اكتفاؤً بقول الخلفاء الأربعة- وهذا باطل؛ لأنّ المجتهد لا يقلد غيره. كما أن الحديث يحتمل تفسيرًا آخر؛ تلخيص معناه: أنّ على الأمة أن تسلك طريقة الخلفاء في الاجتهاد، لا أن تقلدهم.
ووجود هذا الاحتمال في الحديث يسقط به وجه الاستدلال، أو يحيل حمله على أحد الاحتمالين بدون مرجح.
قال الغزالي في المستصفى (1/ 164) -باختصار-: المراد بالحديث إمّا أمر الخلف بالانقياد، وبذل الطاعة لهم؛ أي عليكم بقبول إمارتهم وسنتهم، أو أمر الأمة بأن ينهجوا منهجهم في العدل والإنصاف والإعراض عن الدنيا.. أو أراد منع من بعدهم عن نقض أحكامهم". انتهى.
3- عن عبيدة السلماني عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني الذين بعثت فيهم). تقدم تخريجه في بداية الموضوع، ورواه الإمام مالك في الموطأ من رواية محمد بن الحسن (3/ 295)، برقم (747) بلفظ: (خير القرون قرني).
4- حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أمان لأصحابي وأصحابي أمان لأمتي). أخرجه أحمد (4/ 399)، وبمعناه مطولًا، ضمن الحديث: (وأنا أمنة لأصحابي) أخرجه مسلم (2531)، وذكره القاضي عياض في ((الشفاء)) (1/ 335).
قالوا: فهذه فضائل خصّ بها النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه ولهذه المزايا أثر بالغ في إصابة الحق وعدم مجانبة الصواب، وهذا يعني متابعتهم والعمل بأقوالهم. انظر: كشف الأسرار (3/ 416، 417).
5- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَسيُّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفقَ مثلَ أُحدٍ ذهبًا ما بلغَ مُدَّ أحدِهِم وَلا نصيفه) متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه (3/ 1343)، برقم (3470)، ومسلم في صحيحه (4/ 1967)، برقم (2540).
ووجه الدلالة من الأحاديث: أنها تدل على وجوب اتباع الصحابة رضي الله عنهم، والعمل بما قالوا بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
يقول الدكتور صلاح حميد عبدالعيساوي في كتابه ((تأصيل القواعد الأصولية)) (ص 166): "وقد نوقشت هذه الأحاديث:
بأن الحديث الأول ليس ثابتًا والكلام فيه معروف عند المحدثين، إذ ضعّفه جدًّا الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال ابن حزم: "إنَّه باطل مكذوب لا أصل له". ينظر: تلخيص الحبير، لابن حجر: 4/ 190.
ولو فرضنا أنَّ الحديث ثابت لكان معناه أنهم قدوة في اتباع الشريعة والعمل بها، لحرصهم الشديد على اتباعها والمشي على طريقتها، بل أنه لا دلالة في هذا الحديث على عموم الاقتداء بهم في كل ما يقتدى به، وإنَّما يمكن حمله على الاقتداء بهم فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس الحمل على غيره أولى من الحمل عليه.
أما الأحاديث الأخرى فتستلزم عدالتهم وفضلهم والجميع يعرفون مكانة الصحابة العظيمة ولا ينكرون فضلهم، ولكن هذا شيء والاحتجاج بأقوالهم كحجة شرعية شيء آخر لا تدل عليه تلك الأحاديث". يُنظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (2، 4/ 134)، وإرشاد الفحول، للشوكاني (ص 217).
ثالثًا: من المعقول: وهو أنَّ الصحابة شهدوا موارد النصوص، وأنّ أكثر أقوالهم سماعات من النبيّ صلى الله عليه وسلم فإن سلكوا طريق الاجتهاد فهم أولى بالاتباع من غيرهم، لأنّ اجتهادهم هو الأصوب.
كما أنَّ الظاهر والغالب في أقوال الصحابة السماع والتنصيص، أما الإفتاء بالرأي فكان عارضًا وعند الضرورة، أي عند انتفاء الخبر -انظر: التوضيح على التنقيح (2/ 17)، وكشف الأسرار (3/ 416)-. وعليه فالأصل الاقتداء بالصحابي، واعتماد قوله، عملًا بالقاعدة العامة في نقل الصاحب (أي أنّ الأصل في فتاوى الصحابي وأقواله السماع).
وجماع ما قيل من ردود على هذه الأدلة: أنّ كل خبر ساقه المثبت احتجاجًا، لا يستلزم المتابعة والتقليد، وإنّما سيق لبيان فضل الصحابة على سائر العصور لما لهم من مزيّة الصحبة والمعاصرة.
يقول الدكتور لخضر لخضاري في رسالته (ص 195) معلِّقًا: "ومن جهةٍ ثانية يمكننا القول: بأنّ هذه الأدلة تدل على حجية مذهب الصحابي فيما طريقة النقل".
إنَّ مذهب الصحابي إمَّا أنْ يكون عن نقل أو اجتهاد، فإن كان الأول، كان حجة، وإنْ كان الثاني فاجتهاد الصحابي مرجح على اجتهاد التابعي ومن بعده، لترجحه بمشاهدة التنزيل، ومعرفة التأويل، ووقوفه، على أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، ومراده من كلامه ما لم يقف عليه غيره، فكان حال التابعي إليه كحال العامي بالنسبة إلى المجتهد التابعي، فوجب اتباعه له.
قال الدكتور صلاح حميد عبدالعيساوي في كتابه، صفحة (167) تحت عنوان (ردٌّ وترجيح): "لا نسلم بأن مستنده النقل، لأنَّه لو كان معه نقل لأدّاه ورواه؛ لأنَّه من العلوم النافعة، وذلك خلاف الظاهر من حال الصحابي، فلم يبق إلا أن يكون عن رأي واجتهاد، وعند ذلك فلا يكون حجة على المجتهدين بعده؛ لجواز أنْ يكون دون غيره في الاجتهاد، وإن كان متميزًا بما ذكروه من الصحبة ولوازمها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) رواه الترمذي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقال عنه: حديث حسن -سنن الترمذي: 5/ 33، برقم (2656)-، وهو منتقض بمذهب التابعي فإنه ليس بحجة على من بعده من تابعي التابعين، وإن كانت نسبته إلى تابعي التابعين كنسبة الصحابية إليه. الإحكام في أصول الأحكام، الآمدي: مج2، 4/ 133، 135".
ثم رجّح مذهب عدم حجية قول الصحابي، وعزى لإرشاد الفحول، للشوكاني (ص 320).
_أدلة النافين لحجية قول الصحابي:
احتج أنصار هذه المدرس بما يلي:
1- قوله تعالى: (فَاعْتِبِرُواْ يَاأُوْلِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2].
ووجه التمسك بالآية: أنّ الله تعالى أمر العلماء والناظرين في أدلة التشريع بالاجتهاد فحثّهم على الاعتبار (أي الاجتهاد)، وألا يقلّدوا غيرهم. وعموم نفي التقليد هنا يشمل الصحابي وغيره، كما أنّ عموم الاعتبار يشمل الجميع كذلك، وهذا يدل على انتفاء الحجية في قول الصاحب فيما طريقه الاجتهاد ما دام كل مجتهد مأمورًا بالاعتبار، وإكمال أدوات النّظر. انظر: أثر الأدلة المختلف فيها (346)، والوسيط في أصول الفقه (1/ 403).
2- وبقوله عزّ وجل: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالْرَّسُولِ) [النساء: 59].
تقتضي الآية وجوب ردّ المتنازع فيه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا إلى قول الصحابي؛ فلم يأمرهم بالرجوع إلى أقوال الصحابة؛ لأنَّه حصره فيهما، إذ لو كان مذهبه حجة لتناوله الخطاب. انظر: أصول السرخسي (2/ 106)، ونهاية السول (2/ 419)، ومناهج العقول (2/ 416)، والإحكام، للآمدي (4/ 149).
وقد نوقش:
بأنَّ الرجوع إلى مذهب الصحابي يكون عند عدم الظفر بما يدل على حكم الواقعة من الكتاب والسنة. الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (مج2، 4/ 131).
3- وأنّ القول بحجية مذهبه مطلقًا ينتفي مع عدم العصمة، ومع كونه من أهل الاجتهاد الذي يعتريه الخطأ والصواب. وهذا يسقط اعتماد الحجية في مذهبه.
قال الطوفي في شرح مختصر الروضة (3/ 187): "احتج الخصم بأنّ الصحابي غير معصوم من الخطأ، فيكون العام والقياس أولى من قوله، وحينئذ لا يختص به العام، ولا يترك به القياس، وهو المعنى لكونه ليس بحجة". وانظر: المستصفى (1/ 261، 266).
فالصحابي ممن يقر على الخطأ، فلم يكن قوله حجة كالتابعي ومن بعده، وهذا صحيح؛ لأن التابعي وتابعه ساوى الصحابي في آلة الاجتهاد، وجواز تقليد العامي له، ثم لا يجوز أن يكون قوله حجة، كذلك الصحابي. شرح اللمع (2/ 742).
4- وقوع الاختلاف بين الصحابة في مسائل الاجتهاد:
وتقريره: أنّ الاختلاف كان معروفًا عنهم فيما اجتهدوا فيه من قضايا، بل ألزموا كل مجتهد أن يتبع رأيه واجتهاده، فلو كان قول الصحابي حجة لتعذر الاختلاف لوجوب اتباعه.
فقد أجمع الصحابة على جواز مخالفة كل واحد منهم للآخر، فلو كان قول الواحد منهم حجة، لكان يجب على كل واحد منهم اتباع الآخر. الإحكام في أصول الاحكام، للآمدي (مج2، 4/ 131).
قال حجة الإسلام في المستصفى (1/ 261، 262): "فانتفاء الدليل على العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم، فيه ثلاثة أدلة قاطعة على عدم حجية قول الصحابي".
5- وادعاء الحجيّة في مذهب الصحابي يستلزم وقوع التناقض في الحجج؛ لأنّ الصحابة اختلفوا فيما اجتهدوا فيه من جزئيات، كاختلافهم في توريث بنت الابن مع وجود البنت والأخت، وفي رضاعة الكبير، وفي ذبائح نصارى العرب.. انظر: جامع بيان العلم وفضله (400، وما بعدها).
وعليه فإن القول بالحجيّة يوجب التناقض في الحجج، والترجيح بدون مرجح، وهو باطل عند العقلاء. انظر: الإحكام (4/ 151) بتصرف، ومنتهى الوصول (206)، وشرح مختصر الروضة (3/ 188).
يقول الدكتور لخضر لخضاري في رسالته (ص 197، 198): "هذا، وقد تصدى المثبتين للحجية للردّ على هذه الانتقادات، وتلخيص ذلك:
-أن القول بعدم العصمة لا ينافي وجوب اتباع الصحابي؛ لأنّ مجتهدي الأمة بالنسبة إلى مجتهدي الصحابة هم كالعامة مع العلماء. فالصحابة عاصروا نزول الوحي، ووقفوا على أسبابه، وعلموا بتأويله... لهذا كان قولهم حجة على غيرهم من مجتهدي الأمة.
-أمّا القول بأنّ الاختلاف في الاجتهاد بين الصحابة يؤدي إلى الترجيح بدون مرجح، وإلى تناقض الأدلة، فهذا لا يستقيم لوجهين:
الوجه الأول: أنّ الناظر إلى اختلافهم يرجح بين الأقوال والأدلة يمقتضى النظر، وهذا معروف في شريعتنا.
الوجه الثاني: أنّ التضارب بين قولين يلزم تصويب أحدهما وإلغاء الآخر بدليل؛ أي أنّ تعدد الأقوال والحجج لا يخول الإعراض عن جميعها واللجوء إلى الاجتهاد، بل يجب الترجيح بينها، وهذا لا ينفي الاحتجاج بمذهب الصحابي. انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 188)".
قال: "ويمكن -فيما يظهر لي- الاحتجاج بآية -الردّ على كتاب الله وسنّة رسوله حال اتنازع- على خلاف ما استُدل بها، على معنى: أنّ قول الصحابي مختلف فيه، ومتنازع في حجيته، لهذا يجب عرضه على الكتاب والسنّة. وبالرجوع إليها ثبت أنّ قول الصحابي حجة -استدلالًا بما أورده المثبت للحجية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية تشيد بفضل الصحبة-...
كما يمكننا حمل آية الاعتبار المستدل بها على الحال الذي يتعذر معه وجود نص من الكتاب، أو السنّة، أو الإجماع، أو قول للصاحب...".
ثم قال: "والحاصل في قول الصحابي: أنّه حجة فيما طريقه النقل، أمّا ما طريقه الاجتهاد فهو حجة على غيره من التابعين وتابعيهم إلّا إذا خالف سنّة قال بها مجموع الصحابة، فالأصل التمسك بالخبر وترك اجتهاده. كما أنّ قوله ليس حجة في حق غيره من الصحابة".

هذا، والله أعلم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
متابعة،،

متابعة،،

حكم مناهضة مذهب الصحابي لخبر الواحد

-تعارض مذهب الصحابي مع خبر الواحد:
قد يتعارض خبر الواحد مع مذهب الصحابي من كل وجه فيتعذر الجمع بينهما، وقد يتنافيا في الظاهر مع إمكان إكمالهما حال مراعاة اختلاف الاعتبار، أو تخصيص أحدهما بالآخر، على النحو التالي:

_أولًا: تخصيص عموم الخبر بقول الصحابي.
يبحث تخصيص عموم السنّة لمذهب الصحابي في مسألتين:
المسألة الأولى: تخصيص الخبر بقول الصحابي راوي الخبر:
وذلك كأن يروي الصحابي خبرًا عامًا في دلالته ثم يخصصه ببعض أفراده، فهل يعتد بهذا التخصيص عند الأصوليين؟ اختلف العلماء في هذه المسألة أيضًا؛ فقيل: إنّ المنصوص عند الإمام أحمد هو الجواز، وبه قالت الحنفية وبعض المالكية، والشافعي في القديم، اعتبارًا بحجية مذهب الصحابي. وعلّلوا ذلك بأنّ الصحابي لا يترك عموم حديث رواه ويعمل بخلافه إلّا لوجود ما يخصصه، أضف إلى ذلك أنّ العموم يخصص بالقياس، ومذهب الصاحب مقدم عليه، فهو أولى من القياس في تخصيص العام. انظر: فواتح الرحموت (2/ 355)، وشرح مختصر ابن الحاجب (2/ 151)، وشرح الكوكب المنير (3/ 375، 376)، وشرح اللمع (2/ 750)، وإحكام الفصول (175)، وشرح مختصر الروضة (2/ 571)، والبحر المحيط (4/ 529، وما بعدها)، والتبصرة (149)، والتقرير والتحبير (2/ 265، 266)، والصوارم والأسنّة في الذب عن السنّة (146).
ويمثل لهذه المسألة بالنماذج التالية:
-حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (من بدل دينه فاقتلوه). رواه البخاري (3017)، والترمذي (1458)، والنسائي (4070)، وأبو داود (4351)، وابن ماجه (2535).
ووجه التمسك به: أنّ الارتداد عن الدين يوجب القتل، وأنّ النّص عام يشمل كل مبدّل لدينه، لأنّ (من) من ألفاظ العموم. فلا يستثنى من هذا العموم ذكر أو أنثى. إلّا أنّ ابن عباس -راوي الحديث- خصّ هذا العموم فحمله على الرجال فقط بقوله: (لا تقتل النّساء إذا هنّ ارتددن عن الإسلام، لكن يحبسن ويدعين إلى الإسلام ويجبرون عليه). انظر: فتح الباري (12/ 280)، البحر المحيط (4/ 528، 529).
-وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور القاضي بغسل الإناء سبعًا إذا ولغ فيه الكلب.
بيانه: أنّ راوي هذا الحديث خالفه عملًا؛ حيث اقتصر في الغسل على الثلاث. فكان ذلك مخصصًا لعدد الغسلات الواردة في خبره. انظر: التوضيح على التنقيح (2/ 1).
قال الرازي في المحصول (4/ 439): "اختلفوا فيما إذا كان مذهب الراوي بخلاف روايته.. فالأول: هو قول بعض الحنفية: الراوي للحديث العام إذا خصّه رجع إليه؛ لأنّه لما شاهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان أعرف بمقاصده. ولذلك حملوا رواية أبي هريرة في ولوغ الكلب على الندب؛ لأنّ أبا هريرة كان يقتصر على الثلاثة".
هذا على طريقة من أجاز الاحتجاج بقول الصحابي، أمّا على مذهب من لم يره حجة، فلم يجز التخصيص إذا عمل الصاحب بخلاف روايته؛ لأنّ الحجة عندهم في اللفظ هي العموم، فلا يصلح معارضته بقول من لو عاصره غيره من المتأخرين لأقام عليه الحجة، كما قال الشافعي رحمه الله: "كيف أترك الحديث بقوله من لو عاصرته لحاججته". المحصول (4/ 439)، وانظر في عدم التخصيص بقول الصحابي: شرح الكوكب المنير (3/ 376)، والبحر المحيط (4/ 530، وما بعدها)، وحصول المأمول (108).
المسألة الثانية: ألّا يكون هو الراوي للخبر الذي خالفه:
وهي مسألة مختلف فيها بين الأصوليين، وأصل النِّزاع فيها مبني على اختلافهم في حجية قول الصحابي، فالشافعية -في مشهور مذهبهم الجديد- يميزون بين انتشار مخالفة الراوي مع انتفاء المعارض، وبين عدم انتشارها ومخالفة الصحابة له، فيجوِّزون تخصيص العموم في الحالة الأولى دون الثانية، لأنّ المخالفة وعدم الانتشار يسقط اعتبار مذهب الصحابي.
بينما ذهب الحنفية إلى الأخذ بعمل الراوي ما لم يُقطع بخفاء مدلول الخبر على الصحابي المخالف له. انظر: شرح اللمع (2/ 750)، والبحر المحيط (4/ 528)، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول، للأسنوي (500)، وإحكام الفصول (175)، وحاشية التوضيح لمشكلات كتاب التنقيح (2/ 219)، وأصول الفقه، لأبي النور (2/ 323).
ومن آثار هذا الخلاف:
-حكم زكاة الخيل:
ذهب الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في الخيل السائمة أو غيرها، أي إلى عدم تخصيص الخبر بمذهب الصحابي، عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) -رواه مالك (37) (1/ 277)، ومن طريقه أخرجه الشافعي في الأم (2/ 26)، وأخرجه البخاري (1464) عن أبي هريرة. ومسلم (982)، وأبو داود (1595)، والترمذي (628)، والنسائي (2469) و(2473)، وابن ماجه (1812)-. فظاهر الخبر صريح في عدم الوجوب.
بينما ذهب أبو حنيفة وزفر خلافًا للصاحبين. إلى وجوب الزكاة في سائمة الخيل إذا قصد بها النسل -ذكورًا كانت أو إناثًا- ومستنده في ذلك: تقديم العمل بمذهب عمر -رضي الله عنه- حيث قال: (نأخذ من أربعين شاةٍ وشاةٍ، ولا نأخذ من الخيل شيئًا! خذ من كل فرس دينارًا) انظر: مصنف عبدالرزاق (4/ 36)، وسنن البيهقي (4/ 119)، والمحلى (5/ 227)، وبدائع الصنائع (2/ 34). وحمل الإمام الآثار الواردة في عدم وجوب الزكاة على الخيل المعدة للغزو والركوب لا للإسامة. والعمل في مذهب الحنفية على قول الصاحبين. انظر: بدر المنتقى، لمحمد علاء الدين الإمام (1/ 200)، وبدائع الصنائع (2/ 134، 135)، وبداية المجتهد (1/ 183)، والاستذكار (9/ 281)، ومجمع الأنهار، لداماد أفندي (1/ 200)، والبحر الرائق، لابن نجيم (2/ 233)، وتبين الحقائق (1/ 265).

_ثانيًا: تعارض خبر الواحد مع مذهب الصحابي من كل وجه.
اختلف العلماء في ذلك على مذاهب وأحوال:
المذهب الأول: تقديم الخبر على مذهب الصحابي:
ذهب الجمهور إلى تقديم الخبر على قول الصحابي عند التعارض؛ لأنّ الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنازع بمذهب أحد منا لصحابة أو غيرهم. والراوي قد ينسى ما رواه، أو قد لا يقف على حكم الحديث الذي خالفه، فيجب ردّ قوله وقوفًا عند تلك الاحتمالات. انظر: المحصول (4/ 439، 440)، والحاوي (16/ 92)، والتبصرة (343)، والبحر المحيط (6/ 255، 256)، وإبرام النقض (61).
المذهب الثاني: تقديم مذهب الصحابي على الخبر:
ردت الحنفية كل حديث مخالف لعمل الراوي، واعتبروا ذلك طعنًا في الخبر عندهم تحسينًا للظن بالراوي؛ لأن تركه العمل بالحديث لا يكون إلا لأمر اقتضى ذلك؛ كاطلاعه على الناسخ، أو علمه بأن المعنى الظاهر للخبر غير مراد، فتركه متابعة لأمارة استند إليها. انظر: إفاضة الأنوار (236)، والمحصول (4/ 439)، والتوضيح على التنقيح (2/ 17)، وشرح مختصر ابن الحاجب (2/ 287).
وينبغي لتحصيل مذهب الحنفية في هذا الموضع أن يذكر التفصيل التالي:
1- أن تكون مخالفة الراوي لما رواه ثابتة قبل روايته: فمخالفته لا تعتبر ردِّ الخبر؛ لاحتمال رجوعه عن مذهبه.
2- عدم العلم بوقت المخالفة: وهذا لا يسقط اعتبار الرّواية؛ لأنّها حجة بيقين فلا تسقط بالشك.
3- أن تكون مخالفته بعد روايته للحديث: فتكون العبرة بمذهبه دون ما حدَّث به، حملًا لهذا التصرف على أحسن الأحوال. انظر: التوضيح على التنقيح (2/ 13)، وإعلاء السنن، للتهانوي (2/ 66).
4- إذا عمل بعض الصحابة بخلاف الحديث، خرج الأخير عن دائرة الحجية؛ إذا عُلِمَ أن مثله مما لا يخفى عليهم. انظر: التقرير والتحبير (2/ 266).
نماذج من تعارض خبر الواحد وقول الصحابي إذا تنافيا من كل وجه:
1- الخلاف في جواز صلاة الوتر بعد الفجر:
ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وسفيان الثوري، إلى جواز صلاة الوتر بعد الفجر، بينما ذهب الشافعي، ومالك، وأحمد إلى عدم جواز ذلك، عملًا بحديث أبي حنيفة العدوى: (وجعلها لكم بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر). رواه أبو داود (1418) عن خارجة بن حذافة العدوي. ورواه ابن ماجه (1168)، ورواه الترمذي (452).
فظاهر هذا الخبر يقتضي عدم جواز صلاة الوتر بعد الفجر، ومستند المجوِّزين هو عمل بعض الصحابة بخلاف هذه الرواية؛ حيث روي عن ابن مسعود، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وغيرهم أنّهم أوتروا بعد الفجر. وهو نقل يسقط الاحتجاج بالخبر السابق على أصول الحنفية. انظر: بداية المجتهد (1/ 147).
2- الخلاف في اشتراط الولاية في النكاح:
ردت الحنفية حديث عائشة -رضي الله عنها-: (لا نكاح إلّا بوليّ) -رواه من حديث أبي موسى: أبو داود (2085)، وابن ماجه (1881)، ورواه الترمذي (1101)، وأخرجه أحمد (4/ 394)- لعملها بخلافه؛ حيث أنّها زوجت ابنة أخيها عبدالرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما وهو غائب، وعملها هذا متأخر عن روايتها للخبر فقُدِّم عليه. انظر: التوضيح على التنقيح (2/ 13).3- حديث رفع اليدين عند الركوع وبعد الرفع منه:
وهو حديث رواه ابن عمر -رضي الله عنهما- ثم خالفه بعد ذلك، فلا يكون ذلك كذلك إلّا وقد قامت الحجّة عنده على خلاف ظاهره. انظر: التقرير والتحبير (2/ 266)، التوضيح على التنقيح (2/ 13).
يقول الدكتور لخضر لخضاري في كتابه ((تعارض القياس مع خبر الواحد)) ص(204، 205):
"تنبيه: هناك إشكالات في تعارض خبر الواحد مع قول الصحابي:
أولهما: أنّ قول الحنفية بجواز تخصيص عموم الخبر بمذهب الصحابي يتعارض في الظاهر مع أصولهم؛ لأنّ دلالة العام عندهم قطعية، فكيف يخصصها هذا الأصل المختلف فيه؟
الجواب: أنّ وجو العمل المخالف للعموم يقتضي قطعًا وجدان المخصص؛ لأنّ عمل الراوي لا يكون إلّا عن حجة شرعية، وإلّا كان عاصيًا بتلك المخالفة. وهو منزه عن ذلك، لهذا فيجب الوقوف عند عمله حيث يثبت العكس.
تقريره: أن عمل الصحابي أمارة على دليل التخصيص، أو هو دليل التخصيص على حدّ تعبير الحنفية، فكأنه أشار بذلك العمل إلى أنّ المقصود من العموم الخصوص، لأنّ الصحابي هو الأعرف بكلام العرب، فلا يتصور الخطأ في حقه. ولا يدل عمل الصحابي على تخصيص العموم بذاته، بل يحتمل أن يكون العام منسوخ البعض، وهذا كله لا يتنافى مع القول بأنّ دلالة العام قطعية؛ لأنّ حجةا لصحابي إمّا أن تكون قرينة جزئية مخصصة، أو كلامًا مخصصًا، أو ناسخًا، أو قياسًا، وهذا العام أضعف من الكل. انظر: فواتح الرحموت (1/ 355)، والتقرير والتحبير (2/ 265).
قال ابن الهمام: "ليس يخفى على الصحابي الراوي تحريم ترك الظاهر إلّا لما يوجبه، فلولا تيقنه به لم يتركه، ولو سلم انتفاء تيقنه به، فلولا أغلبية الظن بما يوجب تركه لم يتركه.. فشهوده ما هناك يرجح ظنه بالمراد لقيام قرينة حالية أو مقالية عنده بذلك فيجب الراجح". التقرير والتحبير (2/ 265) بتصرف.
ثانيهما: أنّ القول بعدم التخصيص، وتقديم العام على عمل الصاحب عند الجمهور يتعارض مع أصولهم القاضية بالتوقف في العام قبل البحث عن المخصص؟ [انظر: فواتح الرحموت (1/ 267)، والتبصرة (119 - وما بعدها)].
الجواب عندهم: أن العموم حجة، وفعل الصحابي ليس بحجة، فلا تعارض بينهما؛ لأنّ الحجة لا تُنازع بعدمها. ولو كان عمله حجة لم يجز مخالفة صحابي آخر لمضمون حجته. وإذا ثبت ذلك فلا تخصيص. انظر: فواتح الرحموت (1/ 355)". اهـ.

وفي الختام أذكر ما ارتضاه إمام الحرمين العلامة الجويني -رحمه الله- في مسألة تعارض قول الصحابي مع الحديث، فهو خير اهتدى إليه.
قال رحمه الله في البرهان في أصول الفقه (1/ 443): "والذي نرضاه أن نفصل القول فيما أتاه ورواه فنقول:
1- إن تحققنا نسيانه لما رواه، فلا يتخيل عاقل في ذلك خلافًا، ولا شك أنّ العمل بروايته.
2- وإن روى خبرًا مقتضاه رفع الحرج والحجر، فيما كان يظنّ فيه التحريم والحظر، ثم رأيناه يتحرج، فالاستمساك بروايته أيضًا، وعمله محمول على الورع والتعلق بالأفضل.
3- وإن ناقض عمله روايته، مع ذكره لها، ولم يحتمل محملًا في الجمع، فالذي أراه امتناع التعلق بروايته؛ فإنّه لا يظن بمن هو من أهل الرِّواية أن يعتمد مخالفة ما رواه إلّا عن ثَبَثٍ يوجب المخالفة". انتهى كلامه رحمه الله.

هذا، والله أعلى وأعلم.
 
إنضم
15 أغسطس 2016
المشاركات
120
الإقامة
مكناس - المغرب
الجنس
ذكر
الكنية
امصنصف
التخصص
الدراسات الإسلامية
الدولة
المغرب
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
رد: تفصيل الكلام في حجية قول الصحابي

بسم الله الرحمن الرحيم
قول الصحابي عند الامام مالك..
قال ابن أبي كف في نظمه:
وقول صحبـه والاستحســان*** وهو اقتفـاء ما لـه رحجــان

خلاصة قول الشارح الولاتي في إيصال السالك:
الدليل العاشر من أصول مالك
قول الصحابي[1] هو القول المروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سواء كان الصحابي إماماً أو مفتياً أو حاكماً، وسواء كان قولاً أو فعلاً.
والمراد بقول الصحابي رأيه الصادر عن اجتهاده، ويشترط فيه عند مالك أن يكون منتشراً، ولم يظهر له مخالف.
ومعنى كونه حجة أن المجتهد التابعي وغيره إلى هلم جرا يجب عليه اتباعه، ولا تجوز له مخالفته، وأما المجتهد الصحابي فليس حجة عليه قول غيره من الصحابة.

[1] قلت قول الصحابي هو رأيه الصادر عن اجتهاده. وهو حجة إذا انتشر ولم يظهر له مخالف. أما ما نقل عن الصحابي مما لا دخل فيه لرأيه واجتهاده فهو من قبيل السنة. وقول الصحابي هو حجة شرعية عند مالك وأصحابه ولو خالف القياس على شروط له في ذلك.
 
أعلى