العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قال ماتت زوجتي والموت أحب إلي من الحياة

إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فمن أشد الابتلاءات التي قد يتعرض لها المسلم ،و من الأمور التي لا تعوض فقدان المرأة الصالحة التي كان إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله .

والله سبحانه وتعالى قد قضى على عباده بالموت و أمر الله نافذ لا محالة فلا رادّ لقضائه قال تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [ الأنبياء : 35] ، و قال تعالى : ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88] ، و قال تعالى : ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن:26-27] .

و مصيبة موت الزوجة قد شاء الله سبحانه وتعالى أن تحدث قال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [التغابن:11] فالذي قدر المصيبة هو الله الذي خلق ، والذي خلق هو الذي له الخلق و الأمر قال تعالى : ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَ الأَمْرُ ﴾ [ الأعراف : 54 ] و الخالق له أن يفعل في خلقه ما يشاء قال تعالى : ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾[ الأنبياء الآية 23] فلابد أن نرضى بقضائه و نصبر على بلائه و نحتسب و لا نقول إلا ما يرضي ربنا .

و إذا صبرنا على أقدار الله المؤلمة فهنيئا لنا بمعية الله و صلوات الله علينا ورحمته و محبته لنا قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ البقرة : 153 ] وقال تعالى : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [ البقرة : 155 - 157 ] ،وقال تعالى : ﴿ و َاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [ ال عمران : 146 ] .

وقال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ ثم بعد ذلك قال ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن:11] أي أن ما من إنسان أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره فصبر واحتسب و لم يتسخط و لم يعترض على قضاء الله وقدره جازاه الله بهداية قلبه ، وهداية القلب أصل كل سعادة وخير في الدنيا والآخرة، وقد يخلف الله عليه في الدنيا ما كان أخذه، أو خيراً منه .

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»[1] فصبر الإنسان على ابتلاء الله له خير له من السخط والاعتراض على قضاء الله عز وجل .



[1] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2999
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: قال ماتت زوجتي والموت أحب إلي من الحياة

والحاصل مما سبق أن المسلم عليه أن يتقبل مصيبة موت زوجته بالتسليم لقضاء الله وقدره و الرضا بما قدره الله و إن كان القلب يحزن و العين تدمع في مثل هذه الأمور فلا يقول إلا ما يرضي الله أما أن يقابل الإنسان هذه المصيبة باليأس و كره الحياة و تمنى الموت و أن الموت والحياة سواء و التقصير من الطاعات و الواجبات و ضعف الهمة فهذا لا ينبغي أن يفعله مسلم .

و ينبغي على المسلم أن يقابل المصيبة بالرضا و التسليم وليتذكر أنه يحيي و يعيش من أجل غاية سامية ،و هي عبادة الله - سبحانه و تعالى - قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ الذاريات : 56] أي لم يخلقهما للهو ،و لا للعب و لا لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالإذعان له والتسليم لأمره و نهيه[1] .

و هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها ، و بعث جميع الرسل يدعون إليها ، و هي عبادته ، المتضمنة لمعرفته ومحبته ، و الإنابة إليه و الإقبال عليه ، و الإعراض عما سواه ، وذلك يتضمن معرفة الله تعالى ، فإن تمام العبادة ، متوقف على المعرفة بالله ، بل كلما ازداد العبد معرفة لربه ، كانت عبادته أكمل ، فهذا الذي خلق الله المكلفين لأجله ، فما خلقهم لحاجة منه إليهم[2] .

و المؤمن القوي تزيده المصائب قوة على قوته و لايجعل لليأس له سبيلا إلى نفسه بل يحسن الظن بالله و أنه ما قدر له إلا الله ،وليتعظ من موت زوجته دون نذير إذ الموت يأتي بغتة بأن يكثر من الأعمال التي يحب أن يلقى الله بها فتزداد طاعته وتزداد عبادته و يزداد نشاطا في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .


[1] - أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري 5/172

[2] - تفسير السعدي ص 813
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: قال ماتت زوجتي والموت أحب إلي من الحياة

وهذه الحياة ما هي إلا مزرعة للآخرة فلابد أن نستغلها خير استغلال من زيادة الأعمال الصالحة قدر الإمكان لا أن نتمنى الموت الذي فيه انقطاع الرجاء من زيادة الأعمال الصالحة ،و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ»[1] و في رواية : «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا »[2] .


و طول أجل من حسن عمله خير له من الموت فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»[3] ،فإذا كنا نحيا لعبادة الله و نشر دين الله و نفع الإسلام والمسلمين فهذه هي الحياة التي يحبها الله و نحب أن نلقى الله عليها.

وينبغي على المسلم أن يتذكر أكبر مصيبة في تاريخ الأمة الإسلامية عندما مات النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يحبونه أكثر من أنفسهم و أزواجهم و أولادهم ،ورغم ذلك ما دب اليأس في قلوب الصحابة وما نقموا الحياة وما تمنوا الموت بل ازدادوا في الخير و نشر الدين و هكذا يجب أن نزداد في الخير و نشر الدين .

و أخيرا أقول لمن أصيب بمصيبة موت زوجته أعمل يا أخي الخير و اجتهد في العمل ،و لا تتمنى الموت و لا تمكن اليأس من قلبك فهذا من عمل الشيطان و لتزداد همتك في العبادة و نشر الدين و العمل النافع فالله يحب معالي الأمور و يكره سفسافها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات



[1] - رواه البخاري في صحيحه رقم 7235

[2] - رواه مسلم في صحيحه رقم 2682

[3] - رواه الترمذي في سننه وصححه الألباني حديث رقم 2329 ورواه ابن ابي شيبة في مصنفه رقم 34420 ورواه أحمد في مسنده رقم 17698
 
إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
رد: قال ماتت زوجتي والموت أحب إلي من الحياة

للتحميل من هنا
 
أعلى