العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الخطأ على مذهب الإمام الشافعي في مسألة كشف وجه المرأة !

إنضم
4 ديسمبر 2011
المشاركات
100
التخصص
المذهب الشافعي
المدينة
دمشق ، درعا
المذهب الفقهي
الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد :


فقد كَثُر الكلامُ في حُكمِ كَشفِ المرأةِ لوَجهِها ، ونسَبَ بَعضُهم جوازَ ذلكَ إلى مَذهَب إمامنا الشافعي رَضِيَ اللهُ عنه ، وذهَبَ يَستدِلُّ على دعوَاهُ بنُصوصٍ من كتابِ الأُمِّ ، وما فَتِئ مِن اتهَامِ مخَالفيهِ بما لا يَليقُ بطَالبِ عِلمٍ أن يَقولَه ، وقد ورَد في الحديثِ ( إنَّ اللهَ يُحبُّ مَعَاليَ الأمُورِ ويَكرَهُ سفسَافَها ) .


وقبلَ بيَان حُكمِ المذهَب في هَذه المسألةِ لا بُد مِن مُقدمةٍ مهمةٍ ، فنَقولُ وبالله التوفيقُ :


خلالَ خدمتي لمَذهَب الشافعي ودراسَتِي له على أشيَاخهِ المتقنينَ تبَيَّن لي أنَّ مَن لم يختَلط مَذهَبُ الشافعِي بعَظمهِ ولحمهِ بل ويُصبِح كنَفَسِهِ الذِي يتنَفَّسُه ليسَ له أن يتَكلَّم فيه أو أن ينسُبَ إليه ما لم يتيَقَّن أنه منه أو ما لم يتَلَقَّه عن أئمَّته .


إنَّ مَذهَب الشافعي مُنذُ تأسِيسهِ على يَد إمامهِ وإلى عَصر أئمَّةِ الفتوى كلٌّ لا يتجزأ وشيءٌ واحدٌ لا يُمكِنُ فَصلُ بَعضهِ عن بَعضٍ ولا تَخطئةُ واحدٍ لقَولِ آخرَ إلا مَن اتفَقَ الأئمَّةُ على خَطئهِ .


وليسَ لأحَدٍ أن يَنقُلَ عن كتَابِ الأُمِّ مثَلًا ويزعُمَ أنَّ هذا مَذهَبَ الشافعِي دونَ أن يَمُر على كتُبِ أئمَّةِ المذهَب ولا سيما الشيخين وأئمَّةِ الفَتوى ! ولعَمري ! إن من فعل ذلك لعَلَّه لم يَعرف من كتُبِ الشافعيةِ إلا كتابَ الأُمِّ لنسبَته إلى الإمامِ ولولا ذلكَ لَمَا عرَف !.


قالَ الإمام النوَوي ( لا يَجوزُ لِمُفتٍ على مَذهَب الشافعي إذا اعتمَد النَّقلَ أن يَكتفِيَ بمصَنَّفٍ ومُصَنَّفَينِ ونحوهِما من كتُبِ المتقَدمينَ وأكثَرِ المتأخِّرينَ لكَثرةِ الاختلافِ بينَهم في الجزمِ والترجيحِ ؛ لأنَّ هذا المفتيَ المذكورَ إنما يَنقُل مَذهَب الشافعي ولا يَحصُلُ له وُثوقٌ بأنَّ ما في المصَنَّفَينِ المذكورَينِ ونحوهما هو مَذهَبُ الشافعي أو الراجحُ منه ؛ لِمَا فيها من الاختلافِ ، وهذا مما لا يتشَكَّكَ فيه مَن له أدنَى أُنسٍ بالمذهَبِ بل قد يَجزِمُ نحوُ عشَرةٍ من المصَنِّفينَ بشَيءٍ وهو شَاذٌّ بالنسبةِ إلى الراجحِ في المذهَبِ ومخالفٌ لِمَا عليه الجمهورُ ورُبَّما خالفَ نَصَّ الشافعي أو نصوصًا له )


قال البدرُ الزركشيُّ ( ومن العَجَب أنَّ بعضَهم يُبالِغُ حتى يجعَلَ كُلَّ ما في الأُمِّ مذهَبَ الشافعي ويَحكُمَ به على غيرهِ ، وهذا تسَاهُلٌ كبيرٌ ، بل قد اختُلِفَ في الأم حتى إنَّ بعضَهم نسَبَها للقديمِ ، وقد قال الشيخ أبو حامدٍ الإسفَراييني : صنَّف الشافعيُّ الأمَّ والإملاءَ بمكةَ ، وصنَّف بمصرَ كتابَه الجديدَ ، وببغدادَ كتابَه القديمَ ) .


وإذا تقرَّرَ ذلكَ علمتَ أنَّه لا يُغتَرُّ بقَولِ مَن يقُولُ قالَ الشافعيُّ في الأُمِّ أو نحوَ ذلكَ إلا إن اتفَقَ أئمَّةُ الفتوى على أنَّ هذا هو مَذهَبُ الشافعي ، نعَم يُنسَبُ هذا للشافعِي على أنَّه قولٌ له لا مَذهبٌ !


مثالُ ذلكَ : قالَ في الروضةِ ( واختَلَفَ العُلماءُ في الصَّلاةِ الوُسطَى فنَصُّ الشافعيِّ رضِيَ الله عنه والأصحَابِ أنها الصُّبحُ وقالَ صَاحبُ الحاوي نَصُّ الشافعي أنها الصُّبحُ وصَحَّت الأحاديثُ أنها العَصرُ ومَذهَبُه اتِّبَاعُ الحديثِ فصَارَ مَذهَبُه أنها العَصرُ قالَ : ولا يَكونُ في المسألة قولانِ كمَا وَهِمَ بعضُ أصحَابنا ) .


وكُلُّ ما سبَقَ إذا كانَ النَّقلُ صَريحًا والفَهمُ صَحيحًا ! فكيفَ بمَن يَنقُل إلى غير مَوضِع البَحثِ ويَفهَمُ على غيرِ ما يُرادُ كمَا في مسألتنا !


فَصل : حُكمُ كَشفِ وَجهِ المرأة :


قالَ إمامُ الحرَمَين ( وذهَبَ العِراقيونَ وغَيرُهم إلى تحريمه - أي النظر إلى المرأة - مِن غَيرِ حاجةٍ .
قالَ الإمامُ : وهو قويٌّ عندِي مع اتفَاقِ المسلمينَ على مَنعِ النسَاء مِنَ التبَرُّجِ والسُّفورِ وتَركِ التنَقُّبِ ، ولو جَازَ النظَرُ إلى وُجوهِهنَّ لَكُنَّ كالـمُردِ ؛ ولأنهن حبَائلُ الشيطانِ ، واللائقُ بمحَاسِنِ الشَّريعَةِ حَسمُ البابِ وتَركُ تفصِيلِ الأحوالِ كتَحريمِ الخَلوةِ تَعُمُّ الأشخاصَ والأحوالَ إذا لم تكُن محرَميةٌ ، وهو حَسَنٌ ) .


وقالَ التقيُّ السُّبكيُّ ( والأقرَبُ إلى صَنِيعِ الأصحَابِ أنَّ وَجهَهَا وكفَّيهَا عَورَةٌ في النَّظَر ) انتهى لكِن حكَى الإمامُ النوَويُّ في شَرحِ صَحيحِ مُسلِم عن القاضِي عياضٍ أنَّه ( لا يجبُ على المرأةِ أن تَستُر وَجهَهَا في طَريقِها وإنما ذلكَ سُنَّةٌ مُستحَبَّةٌ لها ، ويجبُ على الرجالِ غَضُّ البَصَر عنها في جَميعِ الأحوالِ إلَّا لغرَضٍ صَحيحٍ شَرعيٍّ ) وأقرَّه على ذلكَ !.


وهذا يُخالفُ ما سبَق عن الإمامِ فوَفَّقَ الشهابُ ابنُ حجر كشيخ الإسلام زكريَّا الأنصَاري بينَ الكلامَينِ بأنَّ ( مَنعَهُنَّ مِن ذلكَ ليسَ لكَونِ السَّترِ واجبًا عليهِن في ذاتهِ بل لأنَّ فيه مَصلحَةً عامَّةً وفي تَركهِ إخلالٌ بالمرُوءةِ ) قال الشمسُ الرَّمليُّ كالخطيب الشربيني والشهاب الرملي ودعوَى التوفيق هذه ( مَردُودةٌ إذ ظَاهرُ كلامِهما - أي الشَّيخَينِ - أنَّ السترَ واجبٌ لذاتهِ فَلا يتَأتَّى هَذا الجَمعُ ، وكلامُ القاضِي ضَعيفٌ ) .


فإذا تبَيَّن ذلكَ علمتَ بُطلانَ ما نسَبَه بَعضُهم من جوازِ كشفِ الوَجهِ إلى مَذهَبِ الشافعِي ! بل ذهَبَ يستَدِلُّ بكلامِ الشافعي عن عَورةِ الصلاةِ ولم يُفَرِّق المسكينُ بينَ عَورةِ النَّظَر وعَورةِ الصَّلاةِ ! بل قال الخطيبُ الشربيني ( ويُكره أن يُصليَ الرجلُ متلثمًا والمرأةُ منتقبةً إلا أن تكونَ في مكان وهناكَ أجانبُ لا يحترزونَ عن النظر إليها فلا يَجوز لها رفعُ النقاب ) .


وفي هذا القَدرِ كفاية ، نسألُ اللهَ تعالى دوامَ التوفيقِ والعصمةِ من الخطأ والزلَل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
 

أحمد محمد عوض

:: مخضرم ::
إنضم
4 مايو 2013
المشاركات
1,508
التخصص
صيدلة
المدينة
اسكندرية
المذهب الفقهي
شافعى
أعلى