رد: كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ) للجزيري .. هل يعتمد عليه في اقوال المذاهب ؟
منهج التأليف فيه: أما طبعة قسم المساجد من الجزء الأول (العبادات) فقد جمعت في كل باب أحكامه على المذاهب الأربعة، ودون الحكم الذي اتفق عليه إمامان أو أكثر في أعلى الصفحة والحكم المخالف أدناها وفُصل بينهما بخط أفقي بحيث لو جردت الأحكام المدونة في أعلى الصفحة تلخص للقارئ أحكام العبادات التي اتفق عليها إمامان أو أكثر من الأئمة الأربعة. وإذا كان في المسألة تفصيل أو مذاهب أربعة مختلفة ذُكر في أعلى الصفحة أن فيها تفصيلا أو فيها اختلاف المذاهب، ودوّن ذلك في أدناها. وفي كثير من المسائل ذُكر مع الحكم دليله من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس لتتبين وجهات نظر الأئمة وما في اختلافهم من اليسر والرحمة. ما الإصلاح الذي أضافه الجزيري إلى طبعته الخاصة من هذا الجزء؟ لقد انحصر الإصلاح في الأمور التالية: أولا: جعل لكل مسألة عناوين خاصة بها كي يسهل على القارئ مراجعة المسألة التي يريدها بالنظر إلى فهرست الكتاب، بخلاف الطبعة السابقة فإن المسائل فيها كانت مخلوطة فلا يسهل على الناس الوقوف على أغراضهم منها. ثانيا: نص الجزيري في أعلى الصفحة على المذهبين المتفقين بصورة محررة دقيقة مطردة في جميع مباحث الكتاب، أما الطبعة السابقة فكان النص على المذاهب المتفقة فيها يأتي كثيرا بصورة أقل دقة وإحكاما. ثالثا: فصّل القول في بعض الإجمال الذي ورد في تقرير بعض أحكام المذاهب وبالغ في الإيضاح في بعض الأبواب بخاصة مباحث الحج والصوم ليسهل على جمهور المسلمين فهمها بدون عناء كبير. رابعا: ذكر كثيرا من حكمة التشريع في مواضع متعددة، ويقول الجزيري وكنت أود أن أكتب حكمة التشريع لكل مباحث الكتاب لكني خشيت تضخمه وذهاب الغرض المقصود منه. خامسا : اعتنى بإيراد أدلة الأئمة الأربعة من كتب السنة الصحيحة ووجهها في كثير من المواضع بصورة أكمل من طبعة قسم المساجد. وعلى سبيل المثال، ففي كتاب الطهارة بدأ الجزيري طبعته الخاصة بذكر معناها في اللغة بتوسع واستشهاد ثم في اصطلاح الفقهاء ثم أورد في سياق ذلك كلاما عن حكمة الطهارة وأجاب عن شيء من الإعتراض في هذا السبيل، وتوسع في إيراد تفصيلات المذاهب. بينما بدأت طبعة قسم المساجد بحديث وجيز عن أقسام الطهارة في سبعة سطور ثم بدأت تتكلم مباشرة عن أقسام المياة في حين كتب الجزيري في طبعته الخاصة خمس صفحات كبيرة في تعريف الطهارة وأقسامها. وفي كتاب الصلاة كتب الجزيري في طبعته الخاصة عن حكمة مشروعيتها وتعريفها وأنواعها وشروطها ودليل فرضيتها ثم مواقيت الصلاة المفروضة بينما كتبت طبعة قسم المساجد فيما يقابل ذلك منها عن أواع الصلاة وشروطها ثم عن أوقات الصلاة المفروضة. وعلى الجملة فإن طبعة الجزيري الخاصة أكمل وأيسر في الانتفاع من الطبعة السابقة التي شارك فيها ولقد كان الإصلاح الذي أضافه ذا قيمة لكن هل كان من حقه أدبيا وخلقيا أن يأتي إلى كتاب اشترك فيه معه غيره فيضيف إليه تعديلات وإصلاحات مهما تكن قيمتها في ذاتها ثم يطبعها طبعة مستقلة يضع عليها اسمه منفردا مع أن في ضمنها جهودا مهما تكن قيمتها في ذاتها سبق أن قام بها غيره؟ أم منهج الجزيري في تأليف قيم العبادات ثم بقية الأجزاء التي انفرد بكتابتها فيتلخص في ما يلي: أ ـ كان الجزيري يبدأ في المبحث بتعريفه وإيراد الأدلة الشرعية العامة عليه وكثيرا ما كان يذكر حكمة مشروعيته لكنه لم يلتزم دائما بذكر حكمة التشريع في كل مبحث وقد علل هذا بقوله كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامها كما أذكر أدلة الأئمة، وكني أعرضت عن ذلك.. لأني رأيت في ذكر حكمة التشريع تطويلا قد يعوق الحصول على الأحكام، فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق. لكن الجزيري مع هذا ذكر كثيرا من حكم التشريع وقدم فيها بعض المباحث النافعة وقد عرض في ثنايا كلامه عن حكم التشريع لبعض شبهات وتلبيسات المستشرقين وتابعيهم وضحايا الغزو الفكري من أبناء المسلمين، وقدم فيها وجهات نظر طيبة، ومن ثم نجده ينشط لتقرير القول بشيء من التفصيل في الحكم الشرعية التي تتصل بأحكام مستهدفة من الطاغين والمبشرين وأشياعهم، وهذا ملاحظ بوضوح في صفحات كتابه بأجزائه كلها. ب ـ أما موفقه من ايراد الأحكام الشرعية بجانبها فالغالب أنه يكتفي في كل مبحث بإيراد الأدلة الأساسية العامة فيه وذلك في صلب كلامه الذي يبدأ به المبحث أما أدلة المذاهب التفصيلية ـ عند تعدد الرأي ـ فالغالب أنه لم يكن يهتم بذكرها بل كان يأتي بأقوال المذاهب مجردة عنها, فحينما يعرض مثلا لمبحث الصيد يذكر أن دليله من القرآن الكريم قوله تعالى { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علّمتم من الجوارح مكلبين..} ومن السنة ما رواه الشيخان " ... وما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله عليه فكل" والإجماع أيضا على ذلك. وحينما يورد اختلافات المذاهب في الفرعيات والأحكام الجزئية فإنما يوردها غالبا مجردة عن أدلتها التفصيلية لكنه في بعض المباحث ذات الأهمية الخاصة عند جمهور المسلمين .. وقد رويت فيها أدلة متعارضة ـــ كان يذكر آراء الفقهاء مقترنة بأدلتها فهو مثلا يروي أن الأئمة الثلاثة أجمعوا على أن مس الذكر ينقض الوضوء مستدلين بحديث بسره " من مس ذكره فليتوضأ" وخالفهم الحنفية فقالوا : لا ينقض مستدلين بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن رجل يمس ذكره في الصلاة فقال " هل هو إلا بضعة منك ؟ " وقد قال الترمذي عنه أنه أفضل شيء يروى في هذا الباب. وقد ذكر الجزيري أنه كان قد عزم على ذكر ادلة الأئمة بإزاء أقوالهم لكنه أعرض عن ذلك لأنه رأى في مناقشة الأدلة.. الذي سيجرّه إليها ذكرها _ دقة لا تتناسب مع ما أراده من تسهيل للعبارات والأحكام. ثم يقول أن الأدلة قد أفردها كثير من كبار علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفار مطولة ولكن مما لا شك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبيّن فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم (الأئمة) بعبارة سهلة وترتيب يقّرب إدراك معانيها ـ فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعينا بالله وحده" ويبدو ـ من مراجعة قائمة مؤلفاته السابقة ـ أنه توفي قبل أن يقوم بذلك. ج ـ أما موقفه في تقريره لأقوال الأئمة ـ من ظاهرة الرأي في المسألة الواحدة ( وهي ظاهر معروفة في مذاهب الفقه الإسلامي في مجموعها) ـ فقد ذكر فيها الجزيري تنبيها أورده في مطالع الأجزاء الثاني، الثالث، الرابع، والخامس ونصه " المذكور في هذا الكتاب هو الراجح المعتمد عند الأئمة أما غير الراجح فإن الغالب عدم الإشارة إليه، وقد يُذكر أحيانا إذا كان في ذكره فائدة. وقد بذل الجزيري جهدا كبيرا في تجري الراجح في كل مذهب وتقريره وسار على ذلك في كل أحكام كتابه حتى في طبعته الخاصة من العبادات، ومن أمثلة ذكره القول المشهور الراجح ثم القول غير المشهور الراجح (حينما تكون لذكر هذا الأخير فائدة ما) ما أورده في نقض الوضوء بسلس البول عند المالكية بشروط خاصة ثم قوله "... وعندهم قول آخر غير مشهور، ولكن فيه تخفيف للمرضى، وهو أن السلس لا ينقض الوضوء ون لم تتحقق هذه الشروط .." ومن أمثلته أيضا ما رواه في حكم احدى الجرائم المتصلة بأحكام الزنا حيث روى تعدد الأقوال في كل من مذهب الشافعية ومذهب الحنابلة وعلل التعدد بإرجاعه إلى حكمة من حكم التشريع فقال : " لعل هذه الأحكام تختلف باختلاف أحوال الناس في الدين والورع كمالا ونقصا، شبابا وكهولة، فيخفف على الأرذال والشبان ويشدد العقاب على أشراف الناس وكبارهم" ومن الواضح أنه حين يتطرق إلى رواية القول غير المشهور في المذهب فإنما ذلك حين تكون لروايته فائدة. دـ أما موفقه من ترتيب أقوال الأئمة الأربعة .. فإن الذي يتبين له في وضوح أنه لم يلتزم ترتيبا معينا في ذكر هذه الأقوال، فهو مرة يأتي بأقوال: الحنفية ثم الشافعية ثم الحنابلة ثم المالكية وأخرى يعكس الترتيب وهكذا دون ترتيب معين مطرد يلتزمه دائما ولعل هذا كان قصدا له أدبا مع الأئمة ودفعا لشبهة التعصب لواحد منهم ـ وهو ما لا يليق بالعلماء الفاقهين لأسباب تعدد الرأي في الفروع الفقهية ـ أو لعله كان يذكرها بحسب رأيه الخاص في الراجح منها ثم الأقل رجحانا ثم المرجوح في كل مسألة، أو لعله كان يذكرها بحسب انتهائه من ترتيب إعداده لكل مذهب منها في كل مسألة دون أن يقصد البدء بواحد معين منها لأن المذاهب استوت نظريا عنده في عمله هذا فكلما انتهى من تجميع جزئيات كل مذهب في مسألة أورده. كلنه في كافة الحالات يورد المذهبين المتفقين في الرأي على المختلفين، وهكذا كان يقدم المذاهب الثلاثة المتفقة على ما اختلف معها. أما حينما تكون الأربعة مختلفة في التفصيلات الجزئية فقد كان يذكرها متتالية دون منهج معين مطرد في ترتيبها كما سبق. هـ ـ أما موقفه من ذكر مراجع أقوال المذاهب في كتبها المشهورة فإنه لم يعن بذلك بل كان يذكر الأقوال دون أن يذكر معها مراجعها من كتب المذاهب المعتمدة ومن ثم كان يقوم باستخلاص تفصيلات أقوال مذهب ما في مسألة معينة من كتب المذهب المعتمدة، ثم يكتفي بذكر هذا المستلخص دون ذكر مراجعه. و_ وفي بعض صفحات كتابه كان يعرض أحيانا لبعض المباحث الأصولية المتصلة بما يرويه من أحكام فقهية مثل كلامه عن الفرض والواجب ومعنى السنة والمندوب والمستحب وهي من مباحث الحكم عند الأصوليين كما هو معروف. وأحيانا كان يصدر بعض مباحثه بتقرير بعض قواعد الشريعة عامة مثل رفع الحرج وإزالة الضرر ونحوهما.