العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

اسبال الثياب من الاقرب للصواب

إنضم
7 يناير 2015
المشاركات
21
الكنية
ابويزن
التخصص
أصول فقة
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
الحديث

إسبال الثياب
من الأقرب للصواب




كتبه عبدالمحسن بن عبدالخالق الهندي
للتحميل PDF
http://www.m5zn.com/d/?15620976


بسم الله الرحمن الرحيم

  • إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد.
فإن إسبال الإزار من غير خيلاء ونحوه من المسألة الخلافية التي تنازع الفقهاء في حكمها لكن يحز في النفس أن يصبح أحد هذه الأقوال وهو القول بالتحريم معقد من معاقد الولاء والبراء عند شريحة واسعة من شباب الصحوة وهو دون ذلك بكثير. وتبينا لموقعها في ديننا الحنيف حررت هذه الورقات عل تلك الشريحة تفيئ لرشدها وتعذر من يخالفها فيها وتحسن الظن وتسلم صدورهم لإخوانهم فأقول مستعيناً بالله ومستلهماً منه التوفيق والسداد لقد جاء في الإسبال جملة من الأحاديث منها:

  • (1) عن أبي ذر ا عن النبي خ قال:« ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال قلت يا رسول الله من هم خسروا وخابوا قال فأعاده رسول الله خ ثلاث مرات قال المسبل والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر والمنان» وأخرجه مسلم وأهل السنن الأربعة وأحمد وفي رواية لمسلم والنسائي وأحمد « المسبل إزاره »

  • (2) عن أبي هريرة ا أن النبي خ قال : « ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار »رواه البخاري

  • (3) عن عبد الله بن عمر ا أن رأى رجلاً يجر إزاره فقال ممن أنت فانتسب له فإذا رجلٌ من بني ليث فعرفه ابن عمر فقال سمعت رسول الله خ بأذني هاتين يقول « من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة » رواه مسلم
  • (4) عن عبد الله بن عمر ا قال قال رسول الله خ: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقال أبو بكر ا إن أحد شقى ثوبي يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه. قال رسول الله خ « إنك لست تصنع ذلك خيلاء » رواه مسلم وفي رواية له: قال « لست ممن يفعله خيلاء »
  • (5) عن أبى سعيد الخدري ا قال : قال رسول الله خ: « إزرة المؤمن إلى إنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا » رواه مالك في الموطأ
  • (6) عن عبد الله بن عمر ا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ خ: « الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة»رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
  • (7) عن عبد الله بن عمر ا من رواية نافع قال : قال رسول الله خ: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبرًا . فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ؟ قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه» وهو صحيح[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][2][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
  • (8) عن عبد الله بن عمر ا قال : كساني رسول الله خ قبطية وكسا أسامة حلة سيراء قال فنظر فرآني قد أسبلت فجاء فأخذ بمنكبي وقال: « يا بن عمر كل شيء مس الأرض من الثياب ففي النار...»[SUP]([/SUP][SUP][SUP][3][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] رواه أحمد
  • (9) عن أبي جري جابر الهجيمي ا أن رسول الله خ قال له : « ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة »رواه أبو داود وغيره وهو صحيح[SUP]([/SUP][SUP][SUP][4][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
  • (10) عن هبيب الغفاري ا قال قال رسول الله خ: «من وطئ إزاره خيلاء وطئه في النار» رواه أحمد[SUP]([SUP][5][/SUP])[/SUP] وهناك أحاديث أخرى في الباب وهذه أهمها وأشهرها
وأما الأحكام التي خرج بها العلماء منها في حكم الإسبال في حق الرجال فخلاصتها هي:
إن إسبال الثياب بالنسبة للرجال ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يجره كبراً وبطراً وخيلاء .فهذا محرم وكبيرة وحكي عليه الإجماع [SUP]([/SUP][SUP][SUP][6][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]وعقوبته الفاعل هي أنه لا ينظر الله إليه ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم .
القسم الثاني : أن يجر ثوبه من غير كبرٍ وبطرٍ .فهذا القسم تنازع في حكمه أهل العلم على قولين:
القول الأول: أنه محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وهو مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام أحمد و به يقول كثير من مشايخ بلادنا[SUP]([/SUP][SUP][SUP][7][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
والقول الثاني: ليس بمحرم وهذا ما عليه الجمهور
ولهم فيه قولان قول بالكراهة وهو أحد الروايتين عن الإمام أحمد وعليه الأكثر منهم وقال البعض بالجواز بلا كراهة وعليه أكثر الحنابلة
وسبب الخلاف بين الجمهور ومخالفهم في ذلك هو إعمال قاعدة حمل المطلق على المقيد أو عدم الإعمال في حديث أبي هريرة ا ؟
ومعنى هذه القاعدة هو « فهمُ الدليلِ المطلقِ لفظاً على ما يقتضيهِ الدليلُ المقيدُ له فيكون المعنى الشرعي المقصود من المطلق هو المعنى المقصود من المقيد»
فمن لم يعملها في حديث أبي هريرة ا قال بالتحريم وأما من أعملها لم يقل بالتحريم بل قال قلة منهم بالجواز لأن جميع النصوص في الإسبال عندهم محمولة على المختال والبطر والمتكبر ومن لم يقصد شيء من ذلك لم يرد ما يذمه فهو على الأصل عندهم وهو الجواز وأكثر العلماء على الكراهة جمع بين الأحاديث المقيدة وبين الأحاديث الدالة على استحباب تركه وذم فعله كحديث المغيرة بن شعبة ا قال قال رسول الله خ «يا سفيان بن سهل! لا تُسبِل، فإنّ الله لا يحبُّ المسبِلين» [SUP]([SUP][8][/SUP]) [/SUP]وأمثاله من النصوص
وإليك بعض أقوال المحققين الذين يرجحون قول الجمهور بعدم التحريم:
قال ابن حبان :: « الزجر عن إسبال الإزار زجر حتم لعلة معلومة وهي الخيلاء، فمتى عدمت الخيلاء، لم يكن بإسبال الإزار بأس »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][9][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال الباجي المالكي:: « قوله خ الذي يجر ثوبه خيلاء يقتضي تعلق هذا الحكم بمن جره خيلاء »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][10][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال ابن عبد البر المالكي :: معلقاً على حديث ابن عمر لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء « هذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور، غير أن جر الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد»[SUP]([/SUP][SUP][SUP][11][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال القاضي عياض المالكي :: معلقاً على حديث ابن عمر لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء « تخصيص جره على وجه الخيلاء يدل على أن من جره لغير ذلك فليس بداخل تحت الوعيد وقد رخص في ذلك النبي خ لأبى بكر الصديق ا وقال :(لست منهم) إذ كان جره إياه لغير الخيلاء »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][12][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال الإمام النووي الشافعي :: معلقاً على حديث ابن عمر لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء « هذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل إزاره ويدل على أن المراد بالوعيد من جره خيلاء. وقد رخص النبي خ في ذلك لأبي بكر الصديق ا وقال : (لست منهم) إذ كان جره لغير الخيلاء »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][13][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال الحافظ العراقي : وقيل أبنه أبي زرعة : : معلقا على الأحاديث الواردة في الباب « المستحب أن يكون الثوب إلى نصف الساقين ،والجائز بلا كراهة ما تحته إلى الكعبين ، فما نزل عن الكعبين فهو ممنوع ، فإن كان للخيلاء فهو ممنوع منع تحريم , وإلا فمنع تنزيه »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][14][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال العيني الحنفي :: معلقاً على حديث أبي هريرة اما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار « هذا مطلق يجب حمله على المقيد وهو ما كان للخيلاء »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][15][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال القسطلاني :: معلقاً على حديث أبي هريرة ا "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار « هذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء وقد نص الشافعي : على أن التحريم مخصوص بالخيلاء فإن لم يكن للخيلاء كره للتنزيه »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][16][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال الصنعاني :: معلقاً على حديث ابن عمر لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء « تقييد الحديث بالخيلاء دال بمفهومه أنه لا يكون من جره غير خيلاء داخلا في الوعيد وقد صرح به ما أخرج البخاري وأبو داود والنسائي أنه قال أبو بكر ا لما سمع هذا الحديث إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له خ إنك لست ممن يفعله خيلاء وهو دليل على اعتبار المفاهيم من هذا النوع»[SUP]([/SUP][SUP][SUP][17][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقال الحافظ الشوكاني :: معلقا على الأحاديث الواردة في الباب« قد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر : ( إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء ) وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء وأن الإسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره فلا بد من حمل قوله ( فإنها من المخيلة ) في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا
والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذاً بظاهر حديث جابر ترده الضرورة فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ويرده ما تقدم من قوله خ لأبي بكر لما عرفت وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين ...وحمل المطلق على المقيد واجب»[SUP]([/SUP][SUP][SUP][18][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي :: معلقا على الأحاديث الواردة في الباب« هذه نصوص صريحة في تحريم الإسبال على وجه المخيلة، والمطلق منها محمول على المقيد...لأن الأحاديث أكثرها مقيدة بالخيلاء فيحمل المطلق عليه »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][19][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وعلل شيخ الإسلام ابن تيمية : عدم النص على ذلك القيد في النصوص التي جاءت مطلقة كحديث أبي هريرة وأبي ذر ب وأشباههما بقوله: « إنما أطلق ذلك ؛ لأن الغالب أن ذلك إنما يكون مخيلة »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][20][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وقاعدة حمل المطلق على المقيد لها حالات في بعضها خلاف ولكن عند اتحاد الحكم والسبب فالحمل واجب باتفاق العلماء وقد « نقل الاتفاق في هذا القسم القاضي أبو بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب، وابن فورك وإلكيا الطبري وغيرهم »[SUP]([/SUP][SUP][SUP][21][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وهما هنا متحدان فالسبب هو الإسبال والحكم تحريمه تحريم الكبيرة فوجب حمل المطلق على المقيد
والأحاديث المطلقة في الباب هي:

  • (1) عن أبي ذر ا عن النبي خ قال:« ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال قلت يا رسول الله من هم خسروا وخابوا قال فأعاده رسول الله خ ثلاث مرات قال المسبل والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر والمنان» وفي رواية « المسبل إزاره »

  • (2) عن أبي هريرة ا أن النبي خ قال : « ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار »

  • (3) عن أبي جري جابر بن سليم ا أن رسول الله خ قال له : « ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة »
  • (4) عن عبد الله بن عمر ا قال : كساني رسول الله خ قبطية وكسا أسامة حلة سيراء قال فنظر فرآني قد أسبلت فجاء فأخذ بمنكبي وقال: « يا بن عمر كل شيء مس الأرض من الثياب ففي النار...»
  • فهذه الأحاديث يستفاد منها
أن من اسبل إزاره متوعد بعقوبات أربع : (1) لا ينظر الله إليه يوم القيامة (2) ولا يكلمه (3) ولا يزكيه (4) وله عذاب أليم في النار ولكن هذا الإطلاق غير مراد في رأي الجمهور لدلالة الأحاديث المقيدة لتلك العقوبات التي تفيد أنها مخصوصة بالمسبل خيلاء وبطراً دون غيره

والأحاديث المقيدة لتلك العقوبات بمن قصد الخيلاء والبطر هي:

  • (1) عن هبيب الغفاري ا قال قال رسول الله خ: «من وطئ إزاره خيلاء وطئه في النار»
  • (2) عن عبد الله بن عمر ا أنه رأى رجلاً يجر إزاره فقال ممن أنت فانتسب له فإذا رجلٌ من بني ليث فعرفه ابن عمر فقال سمعت رسول الله خ بأذني هاتين يقول « من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة »
  • (3) عن عبد الله بن عمر ا قال قال رسول الله خ: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقال أبو بكر ا إن أحد شقى ثوبي يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه. قال رسول الله خ « إنك لست تصنع ذلك خيلاء » رواية قال « لست ممن يفعله خيلاء »
  • (4) عن أبى سعيد الخدري ا قال قال رسول الله خ: « إزرة المؤمن إلى إنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا »
  • (5) عن عبد الله بن عمر ا قال قال رسول الله خ: « الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة»
  • (6) عن عبد الله بن عمر ا من رواية نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبرًا . فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ؟ قال : فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه»

الترجيح والمناقشة
والأقرب للصواب والله أعلم هو قول الجمهور لأنه يظهر عند التأمل انضباط قول الجمهور واضطراب قول مخالفهم
فإن الإسبال في حديث أبي ذر ا مطلق ولم يقيد بالخيلاء وعقوبة واحدة من عقوباته الأربع الواردة في الحديث ورد ما يقيدها فقط (وهي عقوبة عدم النظر إليه يوم القيامة) كما جاء في الأحاديث المقيدة كحديث ابن عمر ا الذي رواه مسلم وفيه قصة أبي بكر ا وجاء فيه « لست ممن يفعله خيلاء » وبما رواه مسلم من حديث ابن عمر ا أيضاً وفيه« لا يريد بذلك إلا المخيلة »
وقد أطبق العلماء على سحب ذلك القيد على بقية تلك العقوبات الأربع فلا خلاف بينهم أن القيد في واحدة من الأربع جاري على البقية وهو رأي جميع العلماء بلا استثناء [أعني المتقدمين]، فجميع الشراح لحديث أبي ذر ا يحملون المسبل في الحديث على من كان قصده الخيلاء به ويقيدون إطلاقه بالأحاديث المقيدة.
وقد اطرد عمل الجمهور بسحب ذلك القيد على جميع النصوص في الإسبال فهم على قاعدة مطرده ومسلك واضح منضبط.
ولكن العجيب هنا هو مسلك من يقبل تقيد إطلاق حديث أبي ذر ا بتلك الأحاديث المقيدة والعقوبات فيه أربع غلاظ فهو موافقاً للجمهور في ذلك وفي نفس الوقت يمتنع من قبول تقيد حديث أبي هريرة ا والعقوبة فيه واحدة ففرقوا بين مطلق ومطلق بلا وجه يمكن فهمه وخالفوا بذلك جمهور العلماء
مع أن تقيد العقوبة الواحدة التي لم يرد النص صريحاً بتقيدها أسهل من تقيد ثلاثة عقوبات لم يرد النص صريحاً بتقيدهن وهنا مكمن العجب حيث قبلوا القيد في الثلاث ومنعوه في الواحدة بلا مسوغ يمكن الدفاع عنه.
فلوسألناهم إليست عقوبة العذاب الأليم الواردة في حديث أبي ذرا قبلتم أن تقيد بتلك النصوص المقيدة فتكون خاصة بالمختال ونحوه؟
فلا شك سيقولون نعم لأن المسألة في ذلك أجماعية فلا يختلف العلماء في أن كلمة « المسبل» المطلقة في حديث أبي ذر ا مقيدة بتلك النصوص التي تفيد أنها مختصة بالمسبل خيلاء وكبراً وبطراً
وحينها نقول لهم إقراركم بذلك يوجب أن تقولوا بتقيد إطلاق حديث أبي هريرة ا أيضاً بتلك الأحاديث.
فإن قالوا: كيف؟!
قلنا: الجمهور وأنتم تخصون العذاب الأليم المُتوعدُ به في حديث أبي ذر ا بالمسبل خيلاء و كبراَ وبطرا. وقولكم أن المسبل من غير خيلاء متوعد أيضاً بعذاب النار مناقض لهذا التخصيص .
أليست عبارة « ففي النار » مندرجةٌ في عموم « العذاب الأليم » الذي هو مخصوص بالمسبل خيلاء وكبراً وبطراً اتفاقاً ؟!
نعم هو كذلك فإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن التعذيب بنار الأخرة هو من العذاب الأليم في الأخرة وتخصيص الكل بالمختال يوجب تخصيص جميع أفراده وأجزاءه إلا لدليل يمنع ذلك
فكيف والحال أنه لم يقم دليل يمنع من ذلك بل قام على تأكيد ذلك التخصيص كما سنرى؟!
فقد صح عن هبيب الغفاري ا قال قال رسول الله خ:((من وطئ إزاره خيلاء وطئه في النار)) قال الحافظ ابن رجب الحنبلي:: ((وفي مسند الإمام أحمد عن هبيب بن المغفل عن النبي خ قال : من وطئ إزاره خيلاء وطئه في النار" وهو يبين معنى ما في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار ...))اهـ[SUP]([SUP][22][/SUP])[/SUP]
ونص حديث هبيب ا ((من وطئ إزاره خيلاء وطئه في النار)) مشابه في العقوبة لنص حديث أبي هريرة ا « ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار » فالعقوبة في الحديثين هي التعذيب بالنار وهي على ذنب الإسبال ولكن الفرق الوحيد هو أن نص حديث أبي هريرة ا الإسبال فيه مطلق لم يقيد بالمخيلة وأما حديث هبيب ا الإسبال فيه مقيد بالخيلاء
فلا مناص إذا من وجوب حمل حديث أبي هريرة ا المطلق على المقيد عند التحقيق ولا مناص من الإقرار بصواب مذهب الجمهور في هذه المسألة عند من انعتق من ربقة التقليد وتجرد للحق

ومع وضوح ما سبق فقد امتنع البعض من حمل إطلاق حديث أبي هريرة ا على القيود الواردة في تلك الأحاديث المقيدة تمسكاً بظاهر عموم حديث أبي جري جابر بن سليم ا أن رسول الله خ قال:« ارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة » فقالوا هذا نص صريح في أن كل إسبال من المخيلة قال ابن العربي:: « لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول : لا أتكبر فيه ؛ لأن النهي تناوله لفظاً ، وتناول علته ، ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ ، فإنه مخالفة للشريعة ، ودعوى لا تسلم له ، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا »[SUP] ([SUP][23][/SUP])[/SUP]
ولو سلم لهم بقولهم هذا لما صح تفريقهم بين من (كان قصده الخيلاء) وبين (من لم يكن قصده الخيلاء) في قدر الجرم وحكمه وعقوبته
وبيان ذلك هو أن الكل عندهم مختال بدلالة حديث جابر بن سليم ا حسب قولهم لأن من أسبل عندهم لو ادعى عدم قصده الخيلاء فهو عندهم كاذب في دعواه بل هو مختال لا محالة ؛ فهذا يأول إلى أن الجرم واحد وهذا يوجب أن حكمهما واحد وعقوبتهما واحدة
ولكنهم يفرقون بينهم في ذلك ولا يلتزمون بلازم قولهم مما يدل على بطلان قولهم حيث لم يلتزموا لازمه وبطلان اللازم كما هو معلوم يدل على بطلان المُلزم
ولست أدري كيف ساغ ذلك في فهمكم وكيف يقولون بهذا ولم يستوقفهم شيء مما قدمنا ؟!
وأما تعلق به من يرى التفريق بين المُسبلين بحجة ورود السنة بهما جميعا في نص واحد وهذا الجمع عندهم بين العقوبتين في لفظ واحد يدل عندهم على افتراقهما في الجرم مما يوجب اختلافهما في الحكم كما في حديث «ما أسفل من ذلك ففي النار، ما أسفل من ذلك ففي النار. لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا » الذي رواه الإمام مالك في موطئه ولكن الجواب عن هذا الإراد هو أن ما تشبثوا به ليس بشيء لأنه
لا يثبت تحت مطرقة الفحص رواية ودراية فهذا اللفظ من أفراد العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي وهو مختلف في توثيقه للخلاف في ضبطه[SUP]([SUP][24][/SUP])[/SUP] فقد قال ابن معين: فيه :مضطرب الحديث ليس بحجة وقال أيضاً ليس بذاك لم يزل الناس يتقون حديثه وذكره الأزدي: في الضعفاء وقال عنه :إنه مضطرب الحديث ومن هذا حاله لا يقبل ما انفرد به فكيف بما خالف فيه غيره وهذا الرواية التي يتشبثون بها منكرة لتفرد بها ومخالفته غيره من الرواة فقد اضطرب في ألفاظ هذا الخبر وأسانيده وقد أشار إلى ذلك النسائي في الكبرى تحت «ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عبد الرحمن بن يعقوب فيه»[SUP]([SUP][25][/SUP])[/SUP] ونص على اضطراب العلاء في هذا الحديث ابن عدي في الكامل في الضعفاء فقال «والعلاء بن عبد الرحمن اضطرب في هذا الحديث»[SUP] ([SUP][26][/SUP])[/SUP]وذكر هذا الخبر الدارقطني في علله في موضعين[SUP]([SUP][27][/SUP]) [/SUP]
وإن اضطراب العلاء في السند يدل على أنه لم يضبط هذا الخبر وأنه وهم فيه فمرة يجعله من حديث نعيم المجمر عن عبد الله بن عمر ومرة من حديث أبيه عن أبي سعيد ومرة من حديث أبيه عن أبي هريرة ومرة من حديث أبيه عنهما جميعاً والمتواتر عن أبي هريرة بخلاف هذا اللفظ ومخالفة هذه الرواية للفظ المتواتر[SUP]([SUP][28][/SUP])[/SUP] يدل دلالة قوية على أن العلاء لم يضبط متن هذا الحديث كل ما رواه فمرة يرويه على الصواب مثل رواية غيره وهو الصحيح المعتمد ومرة يخالف في السند والمتن واللفظ المتشبث به من هذا القسم ولذا يرد للاضطراب في السند والشذوذ في المتن ولا ينبغي لمتجرد أن يحتج به ومع التسليم بثبوته على مذهب من يقبل زيادة الثقة (مع أن الراوي قد بينا حاله) فالمتن لا يعتبره حجة قوية للتفريق دراية فإن الاجتماع الذي وقع في الرواية لا يدل على التفريق إلا على حمل جمله على التأسيس وحمله على التأسيس غير ظاهر لأن حمله على التأكيد أظهر لأن نص الخبر قصد من تركيبه التأكيد أصلاً
والدليل على قصد التأكيد من تركيبه هو تكرار عبارة « ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار » مرتين فيه[SUP]([/SUP][SUP][SUP][29][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وهذا تكرار لفظي لجملة واحدة يقصد منه التأكيد ولذا فحمل الجملة الثالثة «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» على التأكيد أولى لأنه تكرار معنوي أيضاً ويؤيد صحة هذا الحمل أن جملة «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» لم تعطف على ما قبلها بالواو. بل ختم الحديث بها كتذييل لتقرير الحكم السابق وتعليلاً له وتأكيده .
والخلاصة أن التفريق لا يصح رواية وهو العمدة ولا دراية وعموماً فإن المخرج من العموم الذي يدل عليه ظاهر حديث جابر بن سليم ا الذي كان من أسباب تخبط من تخبط في هذه المسألة هو ما أجاب به الشوكاني: وهو أن قول رسول الله خ « وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة » عموم خرج مخرج الغالب وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له عند عامة الأصوليين ولذا لا يعمل بعمومه لأنه مفهوم لم يقصد الشارع الحكيم عمومه
وقال الحافظ الشوكاني :: « فلا بد من حمل قوله ( فإنها من المخيلة ) في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذاً بظاهر حديث جابر ترده الضرورة فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله ويرده ما تقدم من قوله خ لأبي بكر لما عرفت وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين ...وحمل المطلق على المقيد واجب»[SUP]([/SUP][SUP][SUP][30][/SUP][/SUP][SUP]) [/SUP]
ويدل لصحة هذا جواب الشوكاني : صريح السنة المطهرة ففي حديث ابن عمر ا عند مسلم قال رسول الله خ « من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة » فالتقيد هنا للإرادة بالمخيلة دال على أن هناك من يريد غيرها ولا يردها وقد جاءت العبارة على أسلوب الحصر المفيد لانحصار الحكم في المريد للمخيلة دون غيره وهي دلالة منطوقٍ ظاهرةٍ قويةٍ لقوة أسلوب الحصر في اللغة ولا ينبغي تجاهلها وإلغائها كأنها لم تكن ولم تصدر عن من لا ينطق عن الهوى خ .

وخصوصاً أن هذا المفهوم متأكدٌ أيضاً من جواب رسول الله خ لأبي بكر من حدث ابن عمر الأخر عند مسلم بقوله له « لست ممن يفعله خيلاء ». فإن ( من ) المدغمة في قوله (ممن) للتبعيض وهي دالة على عدم العموم وأن الحكم مختص بالبعض لدلالة ممن على التبعيض والسياق أيضاً يدل على أنه ليس كل الفاعلين مشمولين بالوعيد وأن هذا الوعيد خاص بمن يفعله خيلاء ولو قيل بغير هذا في هذه الكلمة لم يكن في قول رسول الله خ له ذلك تطميناً ولا ما يزل توجسه وخشيته ا
ولا فائدة من محاولة منع الاستدلال بعموم هذه العبارة بدعوى أنها لا يصح الاستدلال بها إلا في من يقع الإسبال منه بالتراخي لا بالتقصد لأن القاعدة الأصولية تقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو متقرر في علم دلالاتها الأدلة فإن أبو بكر ا لما علم من منطق رسول الله خ أن المسبل المختال داخل تحت الوعيد . فمن كمال إيمانه تَذكرَ أن الإسبال يقع منه أحياناً بلا قصد فسأل سؤاله الذي جاء في الحديث
فكان جواب رسول الله خ شافياً له ولغيره لمن تراخى أو وقع منه بقصد متى ما خلى من إرادة الخيلاء أو البطر والكبر .حيث قال رسول الله خ« لست ممن يفعله خيلاء » ففهم أبو بكر ا أنه لا داعي لقلقه وتوجسه لأنه لس ممن يفعله خيلاء وتعين لديه أن الكلام المتقدم منه خ متناول فقط من يفعله بقصد الخيلاء
ولعلك قد عجبت كيف خفي كل ما بيناه مع وضوحه على من يقول بتحريم الإسبال على الرجال مطلقاً؟!.
فإن كنت قد عجبت فإليك ما هو أعجب من كل ما سبق وهو أن بعض من ينتصر للقول بالتحريم قلب المسألة رأساً على عقب وظهراً لبطن فزعم أن القيد بالخيلاء هو الذي خرج مخرج الغالب وإن كان وارداً في أكثر من حديث فمفهوم تلك التقيدات ملغي في جميع تلك الأحاديث لمفهوم حديث جابر بن سليم فقال: « الوصفَ بالخيلاء, وتَقْيِيدَ النهي به في بعض الأَحاديث, إنما خرج مخرج الغالب, والقيد إذا خرج مخرج الأغلب, فإنه لا مفهوم له عند عامة الأصوليين, كما في قوله الله تعالى (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) سورة النساء, الآية:23»[SUP]([SUP][31][/SUP])[/SUP]
وخلاصة قوله هو أن تلك الأحاديث عنده لا يعتد بمفهومها فجميع تلك القيود الواردة فيها لا قدر ولا وزن ولا معنى لها كلها.وقد أغرب صاحب هذا القول : جداً لعدة أسباب :
أولاً : لأن دليل القيد بالخيلاء جاء صريحا من منطوق رسول الله خ في حديث عبدالله بن عمر ا بأداة الحصر« من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة »
ثانياً : لأن دليل القيد بالخيلاء جاء بالمفهوم أيضاً من منطوق رسول الله خ كما في قوله خ لأبي بكر ا: « لست ممن يفعله خيلاء ». وهو دال أن الوعيد متعلق بمن يفعله مخيلة وبطراً وليس متعلق بمن لم يقصد ذلك.
ثالثاً: إن لقوله لازما باطل فلازم قوله أن من اسبل فهو متوعد بالعقوبات الأربع سواء كان قاصد للخيلاء أو غير قاصد ، لأن القيد بقصد الخيلاء حسب زعمه لا مفهوم له؛ ويكفي تأمل هذا اللازم الباطل لهذا القول ليعلم سقوطه ويتأكد هذا البطلان خصوصاً إذا علمنا أن الجر بدون قصد الخيلاء قد وقع من نبي الهدى خ فعن أبي بكرة ا قال: « خسفت الشمس ونحن عند النبي خ فقام يجر ثوبه مستعجلا حتى أتى المسجد وثاب الناس فصلى ركعتين » رواه البخاري في (باب من جر إزاره من غير خيلاء)
فهل يجرؤ مسلم على القول بهذا اللازم في حق رسول الله خ زاعماً أن هذا ما تدل عليه عمومات النصوص ؟
لاشك لا يجرؤ على ذلك مسلم أبداً. وأكاد أجزم أن من قال بإلغاء مفهوم النصوص المقيدة لو جال بخاطره هذا المعنى لما قال بقوله هذا أبداً ولو أوقف على هذا اللازم لرجع عن قوله فوراً.
وبقي لمن يقول بالتحريم ما يتعلقون به وهو بحديث ابن عمر ب قال رسول الله خ : «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقالت أم سلمة ك: فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال : «يرخين شبرًا ». فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ؟ قال : «فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه »
فقالوا يدل الحديث على أن التهديد في المسبل غير مقيد بمن أسبل خيلاء لأن أم سلمة لم تفهم التقيد بالخيلاء فسألت على حال النساء
وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر : فقال: «ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال أن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء...ووجه التعقب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة ك عن حكم النساء في جر ذيولهن معنى ، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا ، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال ، من أجل ستر العورة ، لأن جميع قدمها عورة . فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط »أنتهى من الفتح باختصار[SUP]([/SUP][SUP][SUP][32][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
ولو تأملوا النص جيد لما قام ولا استقام عندهم هذا التَعقب فإن النبي خ قال لها في أول الحديث «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» وأم المؤمنين أم سلمة ك امرأةٌ عربيةٌ فصيحةٌ سمعت تقيد النبي خ الخبر بالمختال. فكيف يقال لم تفهم هذا القيد هذا طعن في فهمها وعروبتها ولكن المناسبة الأصح لسؤالها هي أن أم سلمة ك سألت سؤلها هذا في هذا الموضع لأنها لفصاحتها وعروبتها فهمت أن كلمة[من] في الحديث تشمل النساء ولعلمها ك أن الاختيال القيد في هذه العقوبة هو واقع من النساء أكثر لأن النساء أكثر ميلاً في طباعهن للاختيال ولمشاهدتها ك أن ذيولهن تجاوز الكعبين عادة
فسألت فكيف يصنعن النساء بذيولهن لتستوضح عليهن تقصير إن خشين مخيلة؟
فأبان لها النبي خ أن شأن النساء مختلف والوعيد مختص بالذكور فقط ولم تسأل لأنها فهمت العموم والإطلاق كما زُعم بل لكثرة اجتماع الوصفين في النساء
وهذا الوجه من المناسبة أومأ له العيني: فقال «قوله [من] يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص فلذلك سألت أم سلمة ك عند ذلك بقولها فكيف تصنع النساء بذيولهن»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][33][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وكذلك المتعقب نفسه فقال ابن حجر: «قوله من يتناول الرجال والنساء في الوعيد المذكور على هذا الفعل المخصوص وقد فهمت ذلك أم سلمة ك»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][34][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
ويدل لصحة ذلك قول الزرقاني: « عموم الوعيد مخصوص بغير النساء»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][35][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وتخصيص الرجال بحكم الإسبال في الذيول عليه الإجماع قال ابن عبد البر : «أجمع العلماء على أن تشمير الثياب للرجال لا للنساء»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][36][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وقال القاضي عياض :: «أجمع العلماء على أن هذا ممنوع في الرجال دون النساء »[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][37][/SUP][/SUP][SUP]) [/SUP]وقال النووي: : «وأجمع العلماء على جواز الإسبال للنساء»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][38][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وقال الشوكاني: «قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء»[SUP] ([/SUP][SUP][SUP][39][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وإلى هنا انتهى ما أردت تسطيره ولا أدعي أني أتيت بجديد ولا أن ما سطرته ليس عليه مُتعقب وليس عليه مزيد وحسبي أنه يثري ويفيد ويكشف قوة قولٍ طالما كان بيننا طريد شريد لأن من تأمل ما سبق بهدوء وشيء من التجرد فلربما تبين له أن قول الجمهور بعدم التحريم أقوى وأرجح من قولٍ صادف منها قديما قلباً خلياً فتمكنا ولربما بان له مثلما بان لنا أن الصواب إن شاء الله هو حرمت الإسبال مع المخيلة وكراهته بدونها لمن تقصده ولا ينبغي للأهل الفضل التخلي عن الفضائل وما رجح معنا رجع مع غيرنا وقد قدمنا ذكر عدد من المحققين رحمهم الله ولكن لما كان الحي يأنس بالحي فنزيد بذكر بعض المعاصرين الذي رجح عندهم ما رجح عندي. قال الشيخ البسام: «وهذا القول أحوط [يعني التحريم] وأما القول الأول [يعني الكراهة] فهو أصح من حيث الدليل، وأجود من حيث التأصيل » [SUP]([/SUP][SUP][SUP][40][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]ورجحه أيضاً الشيخ خالد المصلح والشيخ سليمان الماجد والشيخ وليد بن راشد السعيدان و الأصولي الشيخ عبدالكريم النملة والشيخ محمد الحسن الددو وغيرهم وما يزال هذا القول يزيد القائلين به يوماً بعد يوماً وهذا ما يسر الله لي تحريره في هذه المسألة وختاماً أقول بقول أبي حنيفة:: «هذا رأي فمن جاءنا بخير منه قبلناه» وأثني بقول الشافعي:: «قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب» وأثلث بقول مالك:: «ما منا من أحد إلا رادّ ومردود عليه ؛ إلا صاحب هذا القبر خ» فكلهم «كانوا يقولون ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله خ » [SUP]([/SUP][SUP][SUP][41][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] فكلنا يأخذ من قولنا ما وافق الحق ويرد عليه ما خالفه والله الموفق . المصيب منا تضعف له الأجور والمخطئ منا مأجور معذور ولا حولا ولا قوة إلا بالله وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




([1]) حسنه الألباني في صحيح الترغيب وصححه في صحيح سنن ابن ماجة وفي تخريجه لمشكاة المصابيح

([2]) رواه النسائي (5336) و الترمذي (1731) وقال : حسن صحيح

([3]) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره وهذا إسنادٌ حسن

([4]) صححه الألباني في الصحيحة ح 1109

([5]) هذا الحديث مهم في فصل النزاع في المسألة فسنوليه مزيد من العناية لبيان صحته فنقول
أخرجه أحمد (3/437) و (4/237) قال : حدَّثنا هارون بن مَعْرُوف ، حدَّثنا ابن وَهْب ، يَعْنِي عَبْد الله بن وَهْب المِصْرِي ، قال عَبْد الله بن أحمد : وسَمِعْتُهُ أنا من هارون ، حدَّثنا عَمْرو بن الحارث. عن يَزِيد بن أَبي حَبِيب ، عن أَسْلَم أَبي عِمْرَان به
وهذا إسناد صحيح فهارون بن معروف هو هارون بن معروف المروزي روى عنه مسلم وغيره قال ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وصالح بن محمد وابن حجر: ثقة . وقال ابن قانع : ثقة ثبت . وأما عبد الله بن وهب هو الراسبي ثقة ثبت حجة مصنف مكثر. وأما عمرو بن الحارث المصري . ثقة فقيه حافظ وأما يزيد بن أبي حبيب هو يزيد بن أبي حبيب ، واسمه سويد الأزدي مولاهم أبو رجاء المصري . وقال ابن حجر : ثقة فقيه ، وكان يرسل من الخامسة وأما ابن يزيد أبو عمران هو أسلم بن يزيد أبو عمران التجيبي المصري قال ابن حجر : ثقة ولذا قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة ((هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ)) وقد صدق وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/125) : رجال الصحيح خلا أسلم أبا عمران وهو ثقة وكذلك صحح شعيب الأرنؤوط إسناده في تحقيقه للمسند من هذا الطريق(3/ 437) وكذلك فعل محقق مسند أبي يعلى الموصلي (3/ 111) حسين سليم أسد فقال: إسناده صحيح وصححه الألباني المتن في صحيح الجامع ح6592

([6]) قال الشيخ البسام : (( أجمع العلماء على تحريم إسبال الثياب تِيهًا وخيلاء )) توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 313) وقال الشيخ سعد بن تركي الخثلان (( إذا كان عن خيلاء فهو مجمع على تحريمه )) شرح فقه النوازل (ص: 156)
قلت: المسألة جديرة بالإجماع للإجماع على حرمة الخيلاء والتكبر ولكن الواقع أنه قول الجمهور وليس إجماعاً فالمشهور في المذهب الحنبلي الكراهة وقال بعض الحنابلة بالتحريم ينظر الإنصاف للمرداوي (1/333) وغيرها من كتب الحنابلة. والدليل شاهدٌ للتحريم

([7]) سُئل الشيخ عبد العزيز بن بار :: ((متى يكون الإسبال من الكبائر ؟ ج/ هو من الكبائر مطلقاً)) المصدر فتاوى نور على الدرب http://www.binbaz.org.sa/mat/18410

([8]) حسنه الألباني السلسلة الصحيحة (19/ 63)ح4004

([9]) صحيح ابن حبان بتحقيق الأرناؤوط (2/ 281)

([10]) المنتقى شرح الموطأ (4/ 310)

([11]) التمهيد (3/ 244)

([12]) إكمال المعلم (1/ 381)

([13]) شرح النووي على مسلم ـ (1/ 218)

([14]) طرح التثريب (9/ 34)

([15]) عمدة القاري (31/ 433)

([16]) إرشاد الساري للقسطلاني (8/ 418)

([17]) سبل السلام (4/ 158)

([18]) نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (2/ 112)

([19]) شرح العمدة 4/363

([20]) شرح العمدة 4/363

([21]) إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول (2/ 6)

([22]) التخويف من النار لابن رجب( 1/118)

([23]) عارضة الأحوذي(7/238)

([24]) تهذيب التهذيب (8/ 166) ترجمة 336 وأنظر اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم (ص: 32) للأستاذ الدكتور: سعدي مهدي الهاشمي جامعة أم القرى

([25]) السنن الكبرى للنسائي (8/ 437)

([26]) الكامل في ضعفاء الرجال (5/ 218)

([27]) العلل للدارقطني (11/ 69) و(11/ 277)

([28]) الحديث مشهور مختصرا عن أبي هريرة فقد أخرجه أحمد 2/410قال : حدَّثنا محمد بن جعفر . وفي 2/461 قال : حدَّثنا عبد الرحمن . وفي 2/498 قال : حدَّثنا حجاج . وأخرجه البُخاري في صحيحه" 5787 قال : حدَّثنا آدم . وأخرجه النَّسائي في المجتبى 8/207 وفي الكبرى ح 9625 قال : أخبرنا محمود بن غيلان ، قال : حدَّثنا أبو داود. وهؤلاء الخمسة (محمد بن جعفر ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وحجاج ، وآدم ، وأبو داود الطيالسي) كلهم عن شعبة ، حدَّثنا سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ,ولفظه (( مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَهُوَ فِي النَّارِ )) والحديث مشهور مختصرا عن البراء وابن عمر وجابر وجندب ولولا خشية الإطالة في هذه العجالة لذكرت بقية الطرق عن أبي هريرة من غير رواية يعقوب الحرقي ولذكرة بقية الطرق عن يعقوب الحرقي من غير طريق ابنه العلاء ومن طريق العلاء عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر ولذكرت بقية شواهد المعنى المتواتر ولكن في بيان أنه العلاء مضطرب الحديث غنية عن الإطالة واللبيب تكفيه الإشارة

([29]) أنظر شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (4/ 345)

([30]) نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (2/ 112)

([31]) حد الثوب والأزرة للشيخ بكر أبو زيد : (ص: 17)

([32]) الفتح (10/259)

([33]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (31/ 434)

([34]) الفتح (10/259)

([35]) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (4/ 346)

([36]) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (9/ 286)

([37]) طرح التثريب " ( 8 / 173 )

([38]) شرح مسلم ( 14 / 62 ).

([39]) نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (2/ 112)

([40]) توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/ 126)

([41]) الإنصاف للدهلوي (ص: 53)

للتحميل PDF

http://www.up-00.com/?tuvU
 
إنضم
8 فبراير 2015
المشاركات
37
الإقامة
القاهرة
الجنس
ذكر
التخصص
الفقه المقارن
الدولة
مصر
المدينة
كفر الشيخ
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: اسبال الثياب من الاقرب للصواب

جزاك الله خيرا .
 
أعلى