العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟
علل النبي صلى الله عليه وسلم صيامه يوم الاثنين بأنه حدثت له فيه عدة نعم: فقد ولد فيه، وفيه بعث، وكذلك لما رأى اليهود تصوم يوم عاشورا شكرا لله لأنه يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فيه غرقه، صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بصيامه لأننا أحق بموسى عليه السلام منهم، والظاهر والله أعلم أنه كان اجتهادا منه عليه الصلاة والسلام، حيث كان الأمر بالصيام بعد سؤاله عن صيام هذا السؤال، فلما أخبروه أنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه قال: نحن أحق بموسى منهم، فصامه وأمر الناس بصيامه.
النصوص:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه)، وفي رواية: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا»)[1].
- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين؟ قال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل علي فيه -)[2].
النقول:
قال ابن رجب: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين: (ذاك يوم ولدت فيه، وأنزلت عليّ فيه النبوة)، إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد نعم الله على عباده، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وسلم لهم، وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم}، فإن النعمة على الأمة بإرساله أعظم من النعمة عليهم بإيجاد السماء والأرض والشمس والقمر والرياح والليل والنهار وإنزال المطر وإخراج النبات وغير ذلك، فإن هذه النعمة كلها قد عمت خلقا من بني آدم كفروا بالله وبرسله وبلقائه، فبدلوا نعمة الله كفرا، وأما النعمة بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم فإن بـها تمت مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذي رضي لعباده، وكان قبوله سبب سعادتـهم في ديناهم وآخرتـهم، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعم من الله على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر.
ونظير هذا: صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من الغرق، ونجى فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، وأغرقهم في اليم فصامه نوح وموسى شكرا لله، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم متابعة لأنبياء الله، وقال لليهود: "نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه")[3].

وقال ابن رجب أيضا: (الأيام التي يحدث فيها حوادث من نعم الله على عباده لو صامها بعض الناس شكرا من غير اتخاذها عيدا كان حسنا استدلالا بصيام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء لما أخبره اليهود بصيام موسى له شكرا، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين، قال: "ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه " )[4].

وقال الصنعاني: (فيه دلالة على أنه ينبغي تعظيم اليوم الذي أحدث الله فيه على عبده نعمة بصومه والتقرب فيه وقد ورد في حديث أمامة تعليل صومه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين والخميس بأنه يوم تعرض فيه الأعمال وأنه يحب أن يعرض عمله وهو صائم» ولا منافاة بين التعليلين)[5].
ونحوه: في مرعاة المفاتيح[6].



[1]) أخرجه البخاري (رقم 2004).
[2]) أخرجه مسلم (رقم 1162).
[3]) لطائف المعارف ص 189
[4]) فتح الباري لابن رجب (1/ 159).
[5]) سبل السلام (1/ 581).
[6]) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 62).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بغض النظر عن حكم "المولد النبوي"، أو صحة الاستدلال له، فهنا إثبات ابن حجر للفائدة:
قال ابن حجر العسقلاني في الاستدلال للمولد النبوي:
(قد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى .
فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة؛ وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم.
وعلى هذا: فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك: لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه)[1].


[1]) الحاوي للفتاوي (1/ 229).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟
ما الفرق بين هذا الفعل وتعريف البدعة؟
أليس التشريع توقف مع وفاته صلى الله عليه وسلم
وهل كل مناسبة فيها نصر أو حدث سعيد صامه عليه السلام؟
لماذا لم يصم يوم الأحزاب مثلاً وهو نصر متعلق به أكثر من عبور موسى عليه السلام
أعني أن الرسول عليه السلام اختص يومي الاثنين وعاشوراء بالصوم لأن الله أمره بذلك فهو تشريع ووحي من السماء انقطع بوفاته
،،،،،،،،
ثم لو كان هذا الكلام صحيحاً هل سنقرّ من قاس على هذا الكلام فقرر صيام أول السنة الهجرية لأن فيها تأسست الدولة الإسلامية؟
،،،،،،

ولدي استفسار آخر بخصوص عاشوراء تحديداً:
ألم يصم رسول الله عاشوراء منذ كان في مكة؟ أي قبل أن يعرف قصة اليهود؟
عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: " كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر".
وفي رواية : " كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه" .
أخرجه البخاري (4/244) (ح2001) ، (2002) ، ومسلم (1125) ، وأبو داود (2/326) (ح2442)، والترمذي (2/118) (ح753) ، ومالك في "الموطأ" (1/299) ، وأحمد (6/29، 50، 162) ، وابن خزيمة (2080).

فلماذا لا يكون صامه بأمر الله، وعندما وجد اليهود يصومون فرح بنصر أخ له من الأنبياء حدث في اليوم ذاته فأراد أن يؤكد بأنه أقرب لموسى عليه السلام من اليهود بسبب توحيد لله وانحرافهم هم عن ديانة موسى عليه السلام ؟

وجزاكم الله خيراً على هذه الموضوعات التي تطرحونها وزادكم علماً وفهماً
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

عفوا، كيف يكون بدعة وهو استنباط من تعليل النبي صلى الله عليه وسلم لصيامه في مناسبتين مختلفتين، ثم تقرير جماعة من كبار المحققين لهذه الفائدة: ابن رجب، وابن حجر، والصنعاني؟
أما كونه لماذا لم يصم بعض الأيام التي نصره الله فيها، فإنه إذا شرعت عبادة فإنه لا يجب أن يفعلها في كل موضع، فقد شرعت صلاة الضحى، ومع ذلك روت عائشة رضي الله عنها أنه لم يصلها قط.
أما كون التشريع خاصا بيوم عاشوراء ويوم الاثنين، رغم تعليله سبب الصيام، فهو لا يصلح على طريقة القياسيين المعتبرين للتعليل، ولا على طريقة أهل الظاهر الذين يعتبرون التعليل المنصوص.
وفي كلام ابن رجب ما يدل على اشتراط الا يتخذ ذلك اليوم عيدا، لأنه يكون مضاهاة لما شرعه الله، لكن من أراد الصيام صام، ولو كانت نعمة خاصة به.
أما صوم يوم عاشوراء في مكة ففيه كلام معروف لأهل العلم، ومهما كان فإنه لا يؤثر على صحة الاستنباط وسلامته.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور أبا فراس
لو فتح هذا الباب لامتلأ العام بمثل ذلك فنعم الله تترى على العباد لا تتوقف فيوم زواج ، ويوم ولادة مولود ، ويوم نجاح في الدراسة ، ويوم تعيين في وظيفة ، ويوم شفاء من مرض ، ويوم رزق مال .
بل أعظم من ذلك يوم دخول الكافر الإسلام ، وهي أعظم نعمة على المخلوق ومع هذا لم يذكر في السيرة ولا كتب السنة أنه أمر الداخل في الإسلام أن يعظم يومه ذلك .
ثم ماذا لو أن المرء أبدل الصوم بالصدقة أو الصلاة أو الذكر فقال أتصدق كذا وكذا من المال أو أصلي كذا وكذا من الركعات أو أذكر الله كذا وكذا من العدد ؟ .
وهو وإن كان تعليلاً من النبي صلى الله عليه وسلم لمشروعية العبادة إلا أنه لا يصح فيه القياس فهو قياس فاسد الاعتبار لأنه قياس في مقابل النص المانع من الإحداث وقياس مع الفارق ؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم مشرع بخلاف سائر الأمة .
فالمقصود أن هذا تعليل للتشريع كما هي علل كثير من الأحكام الشرعية وحكمها ومقاصدها لكن التعليل منه ما هو قاصر أو غير معقول المعنى أي تعبدي لا يقاس عليه ، ومنه ما هو متعدٍ ومعقول المعنى فيقاس عليه .
وكثير من البدع إنما أخذت بالاستحسان والقياس والمصالح المرسلة ونحوها .
ثم إن كلام الإمام ابن رجب والصنعاني يدل على أنه يفعل ذلك عند حدوث النعمة فأين المداومة في كلامهم ؟ بل كلام ابن رجب يدفعه حيث يقول : ( من غير اتخاذه عيداً ) والعيد هو ما تكرر .
وآخر الأسئلة يا فضيلة الدكتور هل فهم ذلك وفعله أحد من السلف ؟
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بالنسبة للسؤال الأخير: فلا أعرف، وهو موضع إشكال؛ فلو كان الاستنباط صحيحا، فلماذا لم يعمل به؟ وإنما ذُكِر تفقها عند المتأخرين من الشراح، وإن كانوا من جملة الأئمة المحققين.
بالنسبة للإيراد بأن غير الصوم مثله؛ فنعم، وهذا واضح في كلام ابن حجر رحمه الله.
 
إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
59
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
سرت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

أعتقد أن السؤال هو: هل يجوز أداء النوافل بنية الشكر؟ والنفل قد يكون صومًا، أو صلاة، أو صدقة، أو عمرة، أو حجًا.
 
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور
لا أظن أن أحداً ينازع بأن أداء العبادات بأنواعها باللسان والقلب والجوارح شكراً لله أمر مشروع بل هو سنة الأنبياء والصالحين لكن هذا بإطلاق ، وإنما الإشكال في تحديد ذلك بيوم وعدد وصفة والمداومة عليه .
 
إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
59
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
سرت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور بدر.. وهذا ما أردت إيصاله.. أن الصيام شكرا لله مشروع، دون أن يلزم المكلف نفسه به، ودون أن يعين اليوم ويجعله عادة لا يقطعها. ولا يعارض هذا أن يصادف اليوم الذي ينوي صيامه اليوم الذي حدثت فيه النعمة، ولا يعارضه تكرار الصوم كلما تذكر النعمة، فالمحظور في الأمر اقتران الصوم باعتقاد وجوبه، أو اقترانه ببدعة، كمن يصوم ليوم ميلاد ولده، أو موت أبيه. والله أعلم
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

عفوا، كيف يكون بدعة وهو استنباط من تعليل النبي صلى الله عليه وسلم لصيامه في مناسبتين مختلفتين، ثم تقرير جماعة من كبار المحققين لهذه الفائدة: ابن رجب، وابن حجر، والصنعاني؟
هذا ما قصدته بالبدعة
بارك الله فيكم

وإنما الإشكال في تحديد ذلك بيوم وعدد وصفة والمداومة عليه .
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟


شكر الله لكم دكتور فؤاد بن يحيى الهاشمي حرصك على طرح الإشكالات الفقهي النابعة من نفس تواقة لمعرفة الحقيقة باستمرار وهذا شيء حسن فعله، فبعض مسائل العلم قد ننظر إليها نظرة متجددة فنصل إلى نتائج معينة مختلفة؛ كما قال عمر رضي الله عنه في قضاء قضى فيه بغير ما قضى: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي.

لو صامها بعض الناس شكرا من غير اتخاذها عيدا كان حسنا
وقال الصنعاني: (فيه دلالة على أنه ينبغي تعظيم اليوم الذي أحدث الله فيه على عبده نعمة بصومه والتقرب فيه
ولا منافـاة بين التعليليـن

في الحقيقة فضيلة الدكتور هنالك فرق بين التعليلين، فتعليل ابن رجب مقيد بعدم اتخاذه عيدا، خلافا لتعليل الصنعاني الوارد بشكل مطلق.

وما ذكره فضيلة الدكتور بدر
لو فتح هذا الباب لامتلأ العام بمثل ذلك فنعم الله تترى على العباد
فأين المداومة في كلامهم ؟ بل كلام ابن رجب يدفعه حيث يقول : ( من غير اتخاذه عيداً ) والعيد هو ما تكرر .
وأكده بعبارة واضحة الدكتور عبد المجيد :
ن الصيام شكرا لله مشروع، دون أن يلزم المكلف نفسه به، ودون أن يعين اليوم ويجعله عادة لا يقطعها. ولا يعارض هذا أن يصادف اليوم الذي ينوي صيامه اليوم الذي حدثت فيه النعمة، ولا يعارضه تكرار الصوم كلما تذكر النعمة، فالمحظور في الأمر اقتران الصوم باعتقاد وجوبه، أو اقترانه ببدعة، كمن يصوم ليوم ميلاد ولده، أو موت أبيه
رأي صحيح في تصوري من حيث المبدأ أو الأصل الذي نعرفه.

وآخر الأسئلة يا فضيلة الدكتور هل فهم ذلك وفعله أحد من السلف ؟
بالنسبة للسؤال الأخير: فلا أعرف،
وهو موضع إشكال؛ فلو كان الاستنباط صحيحا، فلماذا لم يعمل به؟ وإنما ذُكِر تفقها عند المتأخرين من الشراح، وإن كانوا من جملة الأئمة المحققين.

يبدو أن في طرح الدكتور أبي فراس ملمح يشير إليه. وفي حدود علمي المحدود أن بعض التابعين كانوا أكثر عبادة من بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن كبار وفقهاء الصحابة بما فيهم الخلفاء كان الأغلب على وقتهم الانشغال بتعليم الناس الإسلام، واقتلاع جذور الجاهلية الفكرية والاعتقادية والسلوكية، ووإرساء قواعد دولة إسلامية جديدة، وصناعة حضارة عظيمة. وقد مارسوا العبادة باتزان، وفق ما فهموه من مقاصد التشريع من خلال المدراسة والممارسة التي عايشوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اعتبروا جيلا فريدا من نوعه في التاريخ الإنساني كله، لا يضاهيهم أحد من الحواريين أو العُبَّاد أو النُسَّاك أو الرُهبان الذين كانوا من قبل.

ولذلك صلى خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أرادت قريش قتله
فكان أول من سن الصلاة عند القتل، حيث قال لهم: إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين: فقالو: دونك فصلى، ثم قال: والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة. وأنشد قائلا:
- لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا-- قبائلهم واستجمعوا كل مَجمعِ
- وكلُّهم مُبدي العداوةِ جاهدٌ ---عليّ لأني في وَثاقي بمضيع
- وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم ---وقُربتمن جذع طويل مُمنّع
- إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي ---وما أرصدَ الأحزابُ لي عند مَصرعَي
- فذا العرشِ صبّرني على ما يُراد بي--- فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي
- وذلك في ذات الإله وإن يشأ----- يبارك على أوصالِ شلْو ممزّع
- وقد خيروني الكفرَ ، والموت دونه ----وقد هملت عيناي من غير مجزع
- وما بي حِذارُ الموت ، إني لميّتٌ ----ولكن حذاري جحم نار مُلفع
- فلست أبالي حين أُقتل مسلما ---- على أي جنب كان في الله مصرعي
- ولست بمبدٍ للعدو تخشّعاً ---- ولا جزِعاً إني إلى الله مرجعي


ومن الصحابة
من اشترط على قوم نظير شفاء عليل لهم مقابلا ماديا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وما أدراك أنها شفاء. ثم أقره وقال له اضرب لي بسهم.

ومن الصحابة (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) من
جمع الناس على صلاة التراويح جماعة ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يعتقد الناس وجوبها..

وقد قال السلف
بحرمـة أخذ أجر على تعليم القرآن،ثم عدلوا عن ذلك للقول بجـوازه.

فلعل الأئمة المحققين رغبوا الناس في شكر الله تعالى على ما أسدى إليهم من النعم، خصوصاً
عند فساد الزمان وهجر الناس للقرآن والسنة.
فلعله، رغم قولنا ب
عدم المداومة على من حيث الأصل، إلا أنه يمكن عند فساد الزمان أن يجوز المداومة عليه، إن كان مقتضى النهي أقل مفسدة من مقتضى القول بالإباحة.

وفي واقعنا المعاصر، الناسُ، إلا من رحم ربك، محفوفون بالنعم وهم متبرمون، فلا تتصوروا يا إخواني أن العِباد كلهم أمثالكم من طبقة النساك الزهاد.

وهذا الملمح الذي فهمته من طرح المسألة عن طريق الإشارة، وإن لم يكن بصريح العبارة.

ولكن لا يترك الحبل على الغارب؛ كما يقولون: ف
لا نتوسع حتى نجيز لمن ولد في يوم أن يتخذه عيدا فيصومه على الدوام، ولا نضيق حتى نحرم من يحتفي بميلاد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فنتوسط بينهما.

بمعنى، نقول بحرمة المداومة خشية الإحداث في الدين ما ليس منه من حيث الأصل، إلا ما كان يقتضي المصلحة الحقيقية لا الموهومة العامة دون الخاصة؛ أي بضوابط محددة، حتى لا يُعترض علينا بالقول: تقدير المصلحة أمر غير منضبط، فقد يختلف فيه الفقهاء، من حيث تحقيق مناطه، فيفضي في رأي بعضهم إلى التسلسل أو الدور أو تقرير البطلان، وبالتالي، باطلٌ ما يؤدي إليه: وهو القول بجواز المداومة على صيام يوم محدد شكرا لله تعالى.

خلاصة القول في رأيي المتواضع، في اللحظة الراهنة على الأقل، لا يوجد ما يمنع من المداومة على التعبد شكرا لله تعالى في يوم محدد إذا اقتضى ذلك مصلحة حقيقية عامة يقررها أهل العلم من باب الفتوى التي يراعى فيها حال المسئول.

أرجو أن أكون قد وفقت في رأيي هذا فإن كان صوابا، فلله الحمد والمنة على الاجتهاد والإصابة، وإن كان غير ذلك، فحسبي قصد الصواب ابتغاء أجر واحد، والعلم إنما يتعمق من خلال المدارسة والممارسة وعبر الزمن.
فلله در القائل:
أخي لن تنال العلم إلا بستة ---- سأنبيك عن تفصــيلها ببيـان
ذكاء وحرص واصطبار وبلغة --- وصحبة أستاذ وطــول زمان

والله تعالى أعلم وأحكم والرد إليه أسلم ولكم يا أعـزائي الفضـلاء واسـع النظـر.

 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور مختار
كلام جميل ، ومأخذ لطيف ، ومقصد حسن لكن اسمحوا لي بتعقيب بسيط أجمله فيما يلي :
أولاً : بعض الآثار التي تتضمن فعل بعض الصحابة رضي الله عنهم بعض العبادات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح الاستدلال بها في إحداث بعض العبادات التي لم تشرع لما يلي :
1 - أن فعل هؤلاء الصحابة إما أن يكون له دليل ظاهر لنا استند إليه الصحابي أو دليل علمه الصحابي ولم ينقل إلينا أو فهم فهمه الصحابي باجتهاده .
ومن هذا : صلاة بلال رضي الله عنه ركعتين بعد الوضوء ، وصلاة عمر للتراويح ، وصلاة خبيب رضي الله عنه وغيرها .
2 - أن فعل بعض الصحابة كان في عصر التشريع ووقت نزول الوحي وبداية الإسلام ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقر بعضهم وينكر على بعضهم الآخر ، فيكتسب الفعل صفة التشريع بالإقرار النبوي .
3 - أن المستدل بهذا لا يمكن أن يقول : يسوغ فتح باب العبادات يحدث كل من شاء ما يشاء لأن هذا معارض قطعاً لحديث ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وحديث ( كل بدعة ضلالة ) ولا يوجد عالم معتبر يقول بهذا القول ، وإذا كان كذلك فلا يوجد ضابط بين ما يفتح وما يغلق في هذا إلا المنع مطلقاً .
4 - لو لحظتم هذه الأفعال وجدتموها نادرةً جداً ، ومن آحاد قليلين من الصحابة فهي قضايا أعيان محتملة ، وليست مسلكاً غالباً ولا كثيراً للصحابة ، ولا يعرف مثل ذلك عن كبار الصحابة وفقهائهم رضي الله عنهم .
هذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أفقه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -
: علمني الدعاء أدعو به في صلاتي . قال : ( قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم )
هل كان إنشاء صيغة للدعاء صعباً على مثل أبي بكر رضي الله عنه وهو من هو علماً وفضلاً وصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

ثانياً : لا يصح الاستدلال بوجود مصلحة أو استحسان في إنشاء العبادات ؛ لأن أهل العلم لما اختلفوا في حجية المصالح المرسلة منعها البعض لأنها تؤدي إلى البدع ، وأجازها آخرون واحترزوا لقول المانعين بأن المصالح لا مدخل لها في باب العبادات سداً لهذا الباب الذي تخوف منه المنكرون .
وفعل عمر - رضي الله عنه - للتراويح لم يكن بدعة بالمنظور الشرعي ؛ لأن أصل ذلك دلت عليه السنة كما هو معلوم ، وإنما أراد بالبدعة البدعة اللغوية كما هو مشهور ومعروف ومذكور كثيراً في كتب أهل العلم .
ثالثاً : قولكم - بارك الله فيكم - : لا نتوسع ولا نضيق بل نتوسط ، هنا مربط الفرس . ما ضابط التوسع والتضييق والتوسط ؟ .
هذا أمر نسبي ؛ فقد ترون هذا توسعاً وأراه تضييقاً ويراه ثالث توسطاً ، وكلُّ أمر يمكن أن يدعي فيه المرء طرفين ووسطاً ، ويزعم أنه هو الوسط ، وإذا كان هذا لا يتحقق عند العلماء وطلاب العلم مع وجود الأدلة والأمارات فما بالك بالعوام الذين يغلب عليهم الجهل والعاطفة ؟ .
حينما يحتفل المرء بميلاده فهذا من قبيل العادات ولا محذور فيه إن سلم من التشبه بالكفار وقصد ذلك ، مثله مثل حفل الخطوبة والنجاح والتخرج والولادة ونزول منزل جديد وما شابه ذلك ، فهذا كله من العادات ، والأصل فيها الإباحة ، وإنما يقع المحذور حينما ربطتم ذلك بالعبادة فهنا تحول الأمر من عادة إلى عبادة ، وهذا عينه ما يقع في الاحتفال بعيد المولد النبوي ؛ إذ هو احتفال تعبُّدي ؛ لأنه مرتبط بصاحب التشريع ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن يحتفل به يراه قربة وطاعة ، وإن زعم لإثباته أنه عادة لا عبادة فضلاً عما يصحبه من شركيات وبدع ومنكرات .
والمقصود أن الناس لا تضبطهم هذه العمومات ( توسع وتضييق وتوسط ) ؛ لأن الأفهام مختلفة والعواطف والرغبات متباينة ، وكم من قضية يعدُّها أناسٌ تشديداً ، ويعدها آخرون توسطاً ، وكم من قضية يعدُّها أناسٌ تيسيراً ويعدُّها آخرون تفلُّتاً وتساهلاً ؟
 
التعديل الأخير:
إنضم
14 أغسطس 2012
المشاركات
29
الكنية
أبو المنذر
التخصص
شريعة
المدينة
الغربية
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور أبا فراس
لو فتح هذا الباب لامتلأ العام بمثل ذلك فنعم الله تترى على العباد لا تتوقف فيوم زواج ، ويوم ولادة مولود ، ويوم نجاح في الدراسة ، ويوم تعيين في وظيفة ، ويوم شفاء من مرض ، ويوم رزق مال .
بل أعظم من ذلك يوم دخول الكافر الإسلام ، وهي أعظم نعمة على المخلوق ومع هذا لم يذكر في السيرة ولا كتب السنة أنه أمر الداخل في الإسلام أن يعظم يومه ذلك .
ثم ماذا لو أن المرء أبدل الصوم بالصدقة أو الصلاة أو الذكر فقال أتصدق كذا وكذا من المال أو أصلي كذا وكذا من الركعات أو أذكر الله كذا وكذا من العدد ؟ .
وهو وإن كان تعليلاً من النبي صلى الله عليه وسلم لمشروعية العبادة إلا أنه لا يصح فيه القياس فهو قياس فاسد الاعتبار لأنه قياس في مقابل النص المانع من الإحداث وقياس مع الفارق ؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم مشرع بخلاف سائر الأمة .
فالمقصود أن هذا تعليل للتشريع كما هي علل كثير من الأحكام الشرعية وحكمها ومقاصدها لكن التعليل منه ما هو قاصر أو غير معقول المعنى أي تعبدي لا يقاس عليه ، ومنه ما هو متعدٍ ومعقول المعنى فيقاس عليه .
وكثير من البدع إنما أخذت بالاستحسان والقياس والمصالح المرسلة ونحوها .
ثم إن كلام الإمام ابن رجب والصنعاني يدل على أنه يفعل ذلك عند حدوث النعمة فأين المداومة في كلامهم ؟ بل كلام ابن رجب يدفعه حيث يقول : ( من غير اتخاذه عيداً ) والعيد هو ما تكرر .
وآخر الأسئلة يا فضيلة الدكتور هل فهم ذلك وفعله أحد من السلف ؟

جزاك الله خيرا د. بدر فقد كفيت وشفيت غفرالله لك .
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟


أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور بدر، وأغدق عليكم من نعمه، وبارك فيكم، ونفعنا بعلمكم!
فقد أبدعت في الجواب، وجريت فيه مجرى السحاب، وهديت بفضل الله تعالى إلى الحكمة وفصل الخطاب، وهديتني من خلالها إلى فهم مسائل كانت غامضة، وبقيت ذيول هي قيد البحث والمدارسة.
يبدو أن المصلحة الشرعية يقتضي سد الذريعة للإحداث في الدين، في المداومـة على إنشاء عبـادة خاصة لم يأت بها الشارع الحكيم ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أصحاب القرون الخيرية الأولى.
وأوافقك الرأي في أن الأصل في الأعيـاد المتعلقة بالعـادة الإباحـة. أما قيد: "إذا سلمت من التشبه بالكفار، وقصد ذلك" الوارد في مداخلتكم القيمة:
حينما يحتفل المرء بميلاده فهذا من قبيل العادات ولا محذور فيه إن سلم من التشبه بالكفار وقصد ذلك، مثله مثل حفل الخطوبة والنجاح والتخرج والولادة ونزول منزل جديد وما شابه ذلك ، فهذا كله من العادات ، والأصل فيها الإباحة
فكيف نضبط ذلك؟
أيمكننا القول إذا سلمت من التشبه المنهي عنه، فيخرج منه التشبه غير المنهي عنه. قال النّبي ـ صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"[SUP]([1])[/SUP] .
وقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فيوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك ، وقد يحمل على أنه صار منهم ، في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفراً ، أو معصية ، أو شعاراً لها ، كان حكمه كذلك[SUP]([2])[/SUP].

يستثنى من عموم النهي عن التشبه، ويجوز ترك مخالفتهم في هديهم الظاهر، إذا دعت إلى ذلك ضرورة معتبرة، أو اقتضتها مصلحة دينية. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : "ولو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في هديهم الظاهر، لما عليه من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والإطلاع إلى باطن أمورهم؛ لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضرر عن المسلمين، وغير ذلك من المقاصد الصالحة"[SUP]([3])[/SUP] .

أما القصد فهل يؤخذ بالأدلة الصريحة كالإقـرار أم بالقرائـن الظنية الاحتمالية؟ وهل يتماشى هذا مع قاعدة: إجراء أحكام الناس على الظاهر، وترك سرائرهم إلى الله تعالى. وما ورد فيها من أدلة نقلت عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" 3/392 ـ وعن أبي معبد المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرايت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا ، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال (( أسلمت لله )) أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال (( لا تقتله )).
فقلت : يا رسول الله قطع إحدى يدي ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها ؟ !
فقال : (( لا تقتله ، فإن قتلته ، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال )) متفق عليه [SUP]([4])[/SUP] .
ومعنى (( أنه بمنزلتك )) أي : معصوم الدم محكوم بإسلامه ، ومعنى (( أنك بمنزلته )) أي : مباح الدم بالقصاص لورثته ، لا أنه بمنزلته في الكفر ، والله أعلم .
4/393 ـ وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، فصبحنا القوم على مياههم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري ، وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا المدينة ، بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : (( يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ فما زال يكررها على حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) متفق عليه[SUP]([5])[/SUP] .
وفي رواية : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أقال : لا إله إلا الله وقتلته ؟! )) قلت : يا رسول الله ، إنما قالها خوفا من السلاح ، قال : (( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟! )) فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .
(( الحرقة )) بضم الحاء المهملة وفتح الراء : بطن من جهينة القبيلة المعروف، وقوله: (( متعوذاً )) : أي معتصماً بها من القتل لا معتقداً لها.
الـشـرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب حمل الناس على ظواهرهم ، وأن يكل الإنسان سرائرهم إلى الله عز وجل.
أولاً : اعلم أن العبرة في الدنيا بما في الظواهر ؛ اللسان والجوارح ، وأن العبرة في الآخرة بما في السرائر بالقلب .
فالإنسان يوم القيامة يحاسب على ما في قلبه ، وفي الدنيا على ما في لسانه وجوارحه ، قال الله تبارك وتعالى: ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) [الطارق: 8 ،9 ] ، تختبر السرائر والقلوب. وقال تعالى: ( أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ) [العاديات : 9 ـ11 ] .
فاحرص يا أخي على طهارة قلبك قبل طهارة جوارحك . كم من إنسان يصلي ، ويصوم ، ويتصدق ، ويحج ، لكن قلبه فاسد .
وهاهم الخوارج حدث عنهم النبي عليه الصلاة والسلام؛ أنهم يصلون، ويصومون، ويتصدقون ، ويقرؤون القرآن، ويقومون الليل، ويبكون، ويتهجدون، ويحقر الصحابي صلاته عند صلاتهم، لكن قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( لا يجاوز إيمانهم حناجرهم )) [SUP]([6])[/SUP] لا يدخل الإيمان قلوبهم.
مع أنهم صالحو الظواهر، لكن ما نفعهم. فلا تغتر بصلاح جوارحك، وانظر قبل كل شيء إلى قلبك ، أسأل الله أن يصلح قلبي وقلوبكم. أهم شيء هو القلب.
رفع رجل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قد شرب الخمر فجلده، ثم رفع إليه مرة أخرى فجلده، فسبه رجل من الصحابة، وقال: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام .
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله ))[SUP]([7])[/SUP] فالقلب هو الأصل ولهذا قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) [المائدة:41] .
أما في الدنيا بالنسبة لنا مع غيرنا ، فالواجب إجراء الناس على ظواهرهم ؛ لأننا لا نعلم الغيب ، ولا نعلم ما في القلوب ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما أقضي بنحو ما أسمع)).[SUP]([8])[/SUP]
ولسنا مكلفين بأن نبحث عما في قلوب الناس ، ولهذا قال الله تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 5] ، يعني المشركين إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ؛ فخلوا سبيلهم وأمرهم إلى الله، إن الله غفور رحيم": http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18195.shtml

وبناء عليـه، فإننا لو أخذنا بالقرائن الظنية، لسددنا كل باب فتحناه. فكأننا نقول للعبد في الوقت الواحد: افعل ولا تفعل، وهذا كما لا يخفى عليكم محال، فما ضابط القصد إذن ؟
أعرض هذا بين يديكم هذه المداخلة المتواضعة راجيا ابتغاء الأجر بمعرفة العلم، الذي هو بحر لا ساحل له. وأملي أن أجد عندكم الجواب الشافي الكافي.
أخيرا، استودعك الله يا أخي العزيز أبا حازم الكاتب، فمقامكم يا دكتور بدر عندي غالي، وسهمكم في سوق العلم الشرعي عالي، فأرجو أن ننتفع من علمكم بمثل هذه المدارسات، بارك الله فيكم وفي وقتكم الذي تجتذبه الصوارف، صرف الله عنكم وعن إخواننا المسلمين كل مكروه.


([1]) عون المعبود، كتاب: اللباس، باب: لباس بشهرة: (11/72) وقال ابن تيمية: "وهذا إسناد جيد" اقتضاء الصراط لمستقيم : (1/236) .
([2])
انظر: اقتضاء الصراط المستقيم : (1/238) .
([3])
المرجع نفسه: (1/418) .
[SUP]([4]) [/SUP]
رواه البخاري، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدراً، رقم (4019)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، رقم (95).
[SUP]([5]) [/SUP]رواه البخاري ، كتاب الديات ، باب قول الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا ) ، رقم (6872 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب تحريم قنل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله ، رقم ( 96 ).
[SUP]([6]) [/SUP]رواه البخاري ، كتاب استتابة المرتدين ، باب قتل الخوارج والملحدين ، رقم ( 6930 ) ، ومسلم ، كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم ، رقم ( 1063 ، 1064 ) .
[SUP]([7])[/SUP]رواه البخاري، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر . . ، رقم ( 6780 ).
[SUP]([8])[/SUP]رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، رقم ( 7169)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، رقم (1713).
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 يوليو 2008
المشاركات
2,237
الكنية
أبو حازم الكاتب
التخصص
أصول فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

بارك الله فيكم فضيلة الدكتور مختار ورفع قدركم
أوافقكم الرأي فيما ذكرتم وهما نقطتان :
الأولى : أن التشبه المقصود بالكفار هو المنهي عنه أما التشبه فيما لا يختصون به وما لا يكون شعاراً وديناً لهم فغير داخل .
الثانية : قيد القصد ، ومسألتنا ليست مسألة قضاء أو حكم على الفاعل بل هي مسألة ديانة ، فالمقصود بقولي بالقصد هو في نظر الفاعل لا في نظر الناس أي أن المرء إن كان قصده التشبه فهو منهي عنه بالنسبة له فلا يجوز له الإقدام عليه وإن لم يقصد التشبه فلا بالقيود السابقة وإلا فالحكم على الفاعل إنما هو بالظاهر كما ذكرتم بارك الله فيكم
 
التعديل الأخير:
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: هل تشرع المداومة على صيام يوم في الأسبوع أو في السنة حدثت فيه نعمة للعبد؟

فضيلة الدكتور بدر بارك الله فيكم ونفع بكم ودمتم لنا موجها ونصيراً !
أولا: بالنسبة لضابط التشبه المنهي عنه:
التشبه المقصود بالكفار هو المنهي عنه أما التشبه فيما لا يختصون به، وما لا يكون شعاراً وديناً لهم فغير داخل .

ألا يمكن فضيلة الدكتور إدخال التشبه في هديهم الظاهر؛ كأن كان شعارا لهم ودينا، إذا اقتضته مصلحة شرعية حقيقية لا موهومة؟
وهل يكون بناء على فتوى خاصة لشخص أو أشخاص محدودين، من المقيمين من الجالية الإسلامية بدار غير الإسلام أو الزائرين لها؟
أم يمكن أن يكون بناء على حكم عام يلجأ إليه وفقا لأصل "الضرورات تبيح المحظورات"؟
وأيهما قصده الإمام ابن تيمية رحمه الله في النص المذكور آنفا:

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : "ولو أن المسلم بدار حرب، أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في هديهم الظاهر، لما عليه من الضرر، بل قد يستحب للرجل، أو يجب عليه، أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية: من دعوتهم إلى الدين، والإطلاع إلى باطن أمورهم؛ لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضرر عن المسلمين، وغير ذلك من المقاصد الصالحة"([3]) .

ثانيا: بالنسبة لضابط القصد:
قيد القصد ، ومسألتنا ليست مسألة قضاء أو حكم على الفاعل بل هي مسألة ديانة ، فالمقصود بقولي بالقصد هو في نظر الفاعل لا في نظر الناس أي أن المرء إن كان قصده التشبه فهو منهي عنه بالنسبة له فلا يجوز له الإقدام عليه وإن لم يقصد التشبه فلا بالقيود السابقة وإلا فالحكم على الفاعل إنما هو بالظاهر كما ذكرتم

هل يمكن فضيلة الدكتور الأخذ بالقـرائن والأمارات؛ للحكم عليه قضاء؟
أم لا يقبل إلا الأدلة الصريحة كالإقرار أو شهادة العدول؟
ما ضابط هذه المسألة بالنسبة للحاكم الشرعي( القاضي)؟
أفيدونا بارك الله فيكم وأغدق عليكم من نعمه، فقد أنستنا كليات الحقوق دقائق العلم الشرعي!
 
التعديل الأخير:
أعلى