د. مختار بن طيب قوادري
:: متخصص ::
- إنضم
- 21 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 396
- الإقامة
- وهران- الجزائر
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- الشريعة والقانون
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- سعيدة
- المذهب الفقهي
- مالكي
لا يكاد يمر بنا الزمان حتى نرى من الغرائب والعجائب ما يجعل الحليم حيرانا
إن من ينكر السنة التشريعية التي بدرت من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم كالقرآن الذي بلّغه أو الوحي الذي أخبر عنه في صيغة أحاديث نبوية أوقدسية أو الفتاوى التي أصدرها لا يفقه شيئا في دين الله إلا أن يكون فاسقا متأولا أو جاحدا للحق.
ومن ينكر قامات علمية كالبخاري أجمعت الأمة على عدالته وضبطه أخشى عليه من العواقب السيئة. فلحوم العلماء مسمومة وسنة الله فيمن تحدث فيهم بسوء معلومة.
قد يقبل من تأول بعض السنة؛ جرياً على رأي أهل الرأي؛ كعدم الاعتداد بسنة الآحاد التي لا يعتبر الراوي فيها فقيها أو كان يخالف قوله فعله، أو كان مما تعم به البلوى؛ كما ذكر الحنفية في أصول فقههم، و إن لم نوافقهم الرأي في ذلك٠
كما نقبل من نحا نحو الإمام القـرافي المالكي رحمه الله –فيما أذكر- في كتابه القيم "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" [ انظر رابــط تحميلـــــه: http://majles.alukah.net/t3824/] أن السنة أنواع: فبعضها يعتبر تشريعا يجب علينا اتباعه؛ كالفتوى والإخبار بالغيبيات،وتبليغ الوحي بما فيه القرآن، وبيانه للأحكام الشرعية، وبعضها ليسكذلك ٠
فأما ما صدر من النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره حاكما يراعي المصلحة فلا يلزمنا فعل مثله وإن كان يستأنس بفعله صلى الله عليه وسلم،؛ كما لم يعط عمر بن الخطاب رضي الله عنه المؤلفة قلوبهم لأن دولة الإسلام أضحت لها شوكة لا تهاب أحدا حتى تتألف قلبه، وكما لم يقسم سواد العراق، وقال: ماذا يكون لأبناء الأمة إن قسمت الأراضي وأصبحت ملكا خاصا، فقرر تركه لأهله من أهل الكتاب، نظير خراج يدفعون لبيت المال؛ خلافا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.لماذا؟ لأن مسائل السياسة والحكم يجب فيها مراعاة المصلحة الزمكانية، فما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محققا للمصلحة في زمانه وموضعه، وما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان محققا للمصلحة في زمانه وموضعه كذلك.
ومن ذلك أيضا مخالفة الحباب بن المنذر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بعد استئذانه وإقراره في معركة بدر قائلا : يا رسول الله أهذا منزلٌ أنزلَكَهُ الله ليس لنا أن نحيد عنه؟ أم هو الحرب والرأي والمكيدة؟ والقصة معروفة في كتب السيرة النبوية.
أما ما كان من أمور القضاء يجب اتباع بعض قواعد إجراءات التقاضي، خصوصا الصادرة عن السنة القولية؛ كالبينة على المدعي واليمين على من أنكر، والسماع للطرفين، وإعطائهما حق الدفاع عنهما.
وأما ما كان من المسائل الواقعية الخاصة بالإثبات فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما معناه: يأتيني الرجل وقد يكون ألحن بحجته من الآخر، فإن قضيت له بشيء فقد قضيت له بقطعة من النار. ويفهم بدليل الاقتضاء أن يكون الاقتناع مسألة واقعية شخصية.
ومما ليس واجبا علينا اتباعه فيه صلى الله عليه وسلم ما كان من خصائصه أو صفاته الجبلية. وإن اتبعناه في ذلك بنية الاقتداء به نؤجر ولكن لا وزر على من لم يأخذ به؛ لأنه ليس بلازم.
وهكذا دواليك في الأمور الدنيوية مثل تأبير النخل؛ كما أشار صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة رضي الله عنهم بذلك، وقد شاص النخل فقال صلوات ربي وسلامه عليه: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
أما من يتحدث بلغة الدهماء فيتهم علماء الأمة الأفذاذ بالجهل، ويقول في حق الصحابة وكبار التابعين هم رجال ونحن رجال، وأن التراث الفقهي ليس إلا رأيا بشريا محضا يمكننا إبعاده وإبداله برأينا. لا يهمه أن السلف أكثر فهماً لمقصود الشارع وأكثر علماً وبركةً وورعاً. أخشى عليه من التيه والضلال وأقول له ما يقول الشاعر:
يا ناطح الجبل الأشم ليكلمه ************* أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل.
وهؤلاء فيما -يبدو - أحد روافد ودعائم وتجليات الفكر العلمانـي ولا أقول الفكر الاعتـزالي فحسـب.
ولم أشأ أن أطلق على هؤلاء ألقابا غير علمية ولا هالة إعلامية لا يستحقونها؛ في مقام الرد عليهم والتعريف بهم بطريقة غير مباشرة. فالإثارة والفوضى وحب الدنيا مقصدهم.
وما شهدته بعض الأمصار الإسلامية من ثورة فكرية -كما يزعم البعض -معادية للدين للأسف الشديد ممن تتلمذوا في الجامعات الإسلامية، ستنكسر كما تنكسر الأمواج الهائجة إذا ارتطمت بالصخور العاتية، وستنحصر كما تنحصر إذا وصلت للشاطىء.
وبالتالي فمن يقول إن صحيح البخاري -رضي الله عنه وأرضاه- مسخرة؛ لأن كثيرا من الأحاديث الواردة فيه لا يقبلها العقل. فمثل هؤلاء ينبغي أن يبين له الحق دون انفعال، فمن الحكمة أن نعالج بعضهم بالبيان العلمي الصِرف، وبالتغافل والإهمال أحياناً، فالذباب لا يستدعي تنحيته بصاروخ عابر للقارات، وإنما يزال بمزيل الذباب فقط. ولا يصح إلا الصحيح.
ويصور القرآن الكريم هذا المشهد بقوله جل شأنه: "أنزل من السماء ماء فسالت أوديةٌ بقدرها، فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله؛ كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال." .
لقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهؤلاء القرآنييـن الذين قالوا كما قالت قريش لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشّر يتكلّم في الغضب والرضا "فأمسك عن الكتاب، حتى ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ....فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتبْ فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقّ) وأَوْمَأَ بأصبعه إلى فيه. وقال صلى الله عليه وسلم في موضع آخر::ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه.
قال العلامة عبد الله بن باز رحمه الله:"وفي المسند وسنن أبي داود وصحيح الحاكم بسند جيد، عن المقداد بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه -الكتاب أي: القرآن، ومثله معه أي: السنة الوحي الثاني- ألا لا يوجد رجل شبعـان يتكئ على أريكتـه يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه) ، وفي لفظ: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكتـه يحدث بأمرٍ من أمري مما أمرتكم به أو نهيتكم عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) عليه الصلاة والسلام.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها وتسير عليها؛ لأنها هي الشارحة والمبشرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والخاصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44] فهو يبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه مبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله.
وقال تعالى في آية أخرى في سورة النحل: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64] فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة وواجبة الاتباع".[1]
يا إخوة الإيمان يضيع الحق في هذا الموضوع بين طرفين نقيضين، والفضيلة وسط بين طرفين ذميمين، فطــرف يرى أن السنة بمنزلة الفرض، أو هي على مرتبة واحدة مادامت قد صحت من حيث السند، لا يبالون بالقواعد التي تحكمها من حيث الدلالة، ولا أن يجمعوا بينها وبين غيرها من أدلة المسألة المبحوثة؛ ليتضح حكمها وضوابطها. وطرف آخــر يؤولها كما يشاء؛ بل قد يرى أن بعضها تجاوزه الزمن؛ كما بيّنّا، وأصبحت غير مناسبة للعصر و لا يقبلها العقل.
في الحقيقة لا أريد أن يكون موضوعنا تلقينا، فكثير منكم يعلم حدوده ومعالمه أكثر مني، وإنما أريد أن يكون على شكل حوارات وتعليقات وإضافات. ثم إذا بارك الله في أعمارنا وبارك في جهودنا رتبناه وثبتناه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] دروس للشيخ بن باز رحمه الله: http://shamela.ws/browse.php/book-7680/page-382
التعديل الأخير: