د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سلسلة الإشكالات العلمية (19): التزام قراءة سورة الإخلاص في كل ركعة مع سورة أخرى.
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ:{قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟». فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله يحبه»[1].وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح: بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما تقرأ بها وإما أن تدعها، وتقرأ بأخرى فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة» فقال: إني أحبها، فقال: «حبك إياها أدخلك الجنة»[2].
وجه الاستشكال: أن الرجل كان أميرا على سرية، كان يقرأ بهم سورة الفاتحة ثم يقرأ سورة أخرى ثم يختم بقراءة سورة الإخلاص، وكان يلزم ذلك في كل ركعة من صلاته.
وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على إحداث هذا العمل، وتخصيص قراءة سورة الإخلاص في كل ركعة من صلاته.
فكيف نجمع بين هذا وبين تقرير بعض أهل العلم: أن تخصيص العبادة لا يكون إلا عن اعتقاد فضل خاص، وهذا الاعتقاد بحد ذاته بدعة.
ولا يقال: إن الرجل قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خارج موضع البحث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقره على أمرين: على الفعل، وعلى إحداث الفعل، فلو كان العمل غير جائز إلا بعد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لقال له: لا تحدث ذلك مرة أخرى من عند نفسك.
بل إن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يدل على جواز إحداث مثل ذلك، وأنه ليس من باب البدع التي بالغ الشارع في النهي عنها.
الاستشكال الآخر: لو فرض أن هذا العمل بدعة لما فيه من تخصيص العبادة في موضع معين بغير خبر، وإنما منع من ذلك إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قال: (سلوه لم يصنع ذلك)، فلما علم أن موجب ذلك حبه إياها قال أخبروه أن الله يحبه وفي الرواية الأخرى: أن حبه إياها أدخله الجنة.
ألا يكون ذلك: مدخلا لأهل الأهواء حينما ينكر عليهم أهل العلم إحداث البدع، فيحتجون بأن حبهم للطاعة دفعهم إلى ذلك، وكما قال المتقدمون منهم: أيعذبنا الله بالصلاة، بل إن منهم من يحتج بقوله تعالى: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)} [العلق: 9-11].
وهذا يدل على ضرورة فقه النص، وأنه لا يجب المبالغة في صرف النص عن ظاهره محافظة لمقولة لبعض أهل العلم؛ لاسيما إذا كان الجواب مدخولا، خصوصا إذا كان يفتح بابا لأهل الأهواء ومن كان في قلوبهم مرض.
علما أني رجعت لكتب شروح الأحاديث؛ فلم أجد منهم من استشكل عمل الصحابي، وأنه من جنس البدع لولا إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أو أن موجبه حب سورة الإخلاص كما يقرر ذلك بعض المعاصرين.
وإنما استشكل الصحابة ذلك الفعل لأنه غير معهود في صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستثارهم ذلك إلى سؤال الرجل، ثم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم.
والمهم هاهنا: كيف نجمع بين عمل الصحابي، وبين تقرير بعض أهل العلم أن التخصيص لا يكون عن اعتقاد فضل، وهذا الاعتقاد بحد ذاته بدعة، لاسيما إذا كان دائما أو عاما بين الناس.
[1]) أخرجه البخاري (رقم 7375)، ومسلم (رقم 1842).
[2]) أخرجه البخاري تعليقا (1/ 155)، ووصله الترمذي 5/ 169 رقم 2901)، وصححه ابن خزيمة (1/ 269 رقم 537)، وابن حبان (3/ 73 رقم 794).
التعديل الأخير بواسطة المشرف: