العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد عيد الأم

إنضم
18 يناير 2013
المشاركات
33
التخصص
شريعةوقانون
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
-
في 21 مارس من كل عام، نجد كثيراً من شباب وبنات المسلمين يقومون بمراسم الاحتفال بما يسمى بـ(عيد الأم)، ظناً منهم أن ذلك فعلٌ يؤجرون عليه؛ لأن بر الوالدين من أفضل الأعمال عند الله تعالى، فيُحضر الشاب أو البنت لأمهاتهم الهدايا والورود والشموع والكيك وغير ذلك، وربما يقومون بترتيب حفل عيد ميلاد، وتعلو وجوههم البهجة والسرور، وقلوبهم حسنة النية رغبة في الإحسان إلى أمهم التي أوصى الله تعالى بالإحسان إليها وللأب، فقال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " (الإسراء:23).
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين في أحاديث كثيرة، خص في بعضها الأم، فعنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " ارْجِعْ ، فَبَرَّهَا " ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " ، قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا " ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، قَالَ : " وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ " ، قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ " (رواه ماجه وصححه الألباني).
وبما أن الإنسان المسلم لا يقدم أمراً على حكم الله تعالى، لا بد لنا أن نتوقف لنرى هل الاحتفال بما يسمى عيد الأم جائز شرعاً أم لا ؟
لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بمثل هذا اليوم، ولم نسمع أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو حتى الصالحين خصص يوماً يحتفل فيه بالأم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته عيدين بالإضافة إلى عيد الأسبوع "يوم الجمعة" ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قدمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما، فقالَ: ما هذانِ اليومانِ؟ قالوا: كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ" (رواه أبو داود وصححه الألباني).
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: " إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدعٍ حادثة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤوها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى. والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع "يوم الجمعة" ، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعيادٍ أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى ".
فالاحتفال بعيد الأم بدعة مردودة في الشريعة الإسلامية، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(.
وعن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ووعَظَنَا رسولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم مَوعِظةً بلِيغةً ، ذَرَفَتْ مِنها العُيُونُ ، ووَجَلَتْ مِنْها القُلُوبُ ، فقال قائِلٌ : يا رسولَ اللهِ كأنَّها مَوعِظةُ مُودِّعٍ ، فأَوصِنَا ! فقال : " أُوصِيكُم بتقْوَى اللهِ ، والسَّمْعِ والطاعةِ ، وإنْ كان عبدًا حَبَشِيًّا ؛ فإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُم بَعدِي ، فَسَيَرَى اخْتِلافًا كثِيرًا ، فعليكُم بِسُنَّتِي ، وسُنةِ الخُلفاءِ الراشِدينَ المهدِيِّينَ ؛ تَمسَّكُوا بِها ، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بِدْعةٌ ، وكُلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ " (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وتزيد حرمة الاحتفال بما يسمى عيد الأم لما في ذلك من التشبه بالكفار، فعَنِ عبد الله بْنِ عُمَر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " (رواه أحمد وصححه الألباني).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص دائماً على مخالفة الكفار واليهود والنصارى، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ". قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم).
وكان يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من التشبه بهم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَنْ " (رواه البخاري). يقصد فمن يكون غير هؤلاء.
إن ما يسمى بـ(عيد الأم) لا يصدق عليه أن يسمى عيداً أساساً؛ ذلك أن العيد يفرج فيه جميع الناس، بينما يمر هذا اليوم على بعض الناس بالحُزن والأسى والبُكاء كالأيتام الذين لا أُم لهم، أو المرأة التي لم تُنجب، أو المرأة التي لم تتزوج وخصوصاً إذا تقدَّمت في السِن، أو الأُم التي يَعُقها أبناؤها، يقول الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله: " ويجب على الناس في مثل هذا اليوم أن لا ينسوا مشاعر الأبناء والبنات الذين فقدوا أمهاتهم، فيصبح هذا اليوم يوم حزن ونكد عليهم. كما يجب مراعاة مشاعر الأولاد الذين انفصلوا عن أمهاتهم بسبب الطلاق، فحرموا من عطف الأمهات، واستبدلوا بهن زوجات الآباء، اللاتي كثيرا ما يعاملنهم بالقسوة والجفاء ".

وأخيراً أقول إن الاحتفال بـ(عيد الأم) ليس فيه بر، بل هو في منتهى العقوق؛ ذلك لأن الكفار ابتدعوا هذا اليوم لكي يزوروا أمهاتهم بالهدايا والورود بعد أن ألقوا بهم في الملاجئ ودور العجزة والمسنين، أما نحن المسلمين فنبر أمهاتنا وآبائنا في كل وقت وفي كل حين حتى بعد موتهم، وليس في يوم واحد من أوقات السنة فقط. يقول الشيخ/ محمد متولى الشعراوى رحمه الله: " عيد الأم اختراع الغرب، فَقَلَّدناهُم في ذلك تقليداً أعمى، ولم نُفكِّر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم، فالمُفكِّرُون الأوربيون وَجَدُوا الأبناء يَنْسَوْن أُمهاتهم ولا يُؤدُّون الرعاية الكاملة لَهُنْ فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السَنَة لِيًذكِّرَوا الأبناء بِأُمهاتهم. أمَّا عندنا فَعيد الأُم في كل لحظة من لحظات الحياة, فالإنسان مِنَّا ساعة خُرُوجِه من البيت يُقبِّل يد أُمه , ويطلب دُعاءهَا , ويزورها بالهدايا دائماً , إذاً ليس هُناك ضَرُورة لِهذا العيد عندنا ".
والله من وراء القصد ،،،
 
أعلى