العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حمل: مسالك الكشف عن المقاصد..._النجار

إنضم
13 أغسطس 2008
المشاركات
55
التخصص
الدراسات اسلامية
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مالكي
هذا مقال مستل نشر في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية عنوانه مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة الإسلامية بين الشاطبي وابن عاشور للدكتور عبدالمجيد النجار.
كنت قد وعدت الإخوة هنا بتصويره وهو هنا مرفقا بصفحة غلاف المجلة لأجل التوثيق البيبليوغرافي في حال الحاجة.
 

المرفقات

  • مسالك الكشف عن المقاصد.pdf
    1.4 MB · المشاهدات: 11
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: حمل: مسالك الكشف عن المقاصد..._النجار

السلام عليكم

قال الدكتور فريد الأنصاري في كتابه "المصلطح الأصولي عند الشاطبي" هامش[4] ص(247=248 ):
((ولقد بالغ فضيلة الدكتوور عبدالمجيد النجار في مقارنته (لمسالك الكشف عن المقاصد) بين الإمامين الشاطبي وابن عاشور، حيث ذهب إلى أن الأول كان ينحو في بسط (المقاصد) بإطلاق منحى التجزئة والتفصيل، بينما عمل ابن عاشور على بناء الكليات! قال: "إن الإمام الشاطبي كان منطلقه في ضبط مسالكه متحددًا بطبيعة العمل الذي أقدم عليه في التألف في المقاصد. فذلك العمل (...) كان عملًا مُبتكرًا، أو يكاد، وهو ما جعله ينحو منحى التجزئة والتفصيل، والتدقيق في بسط المقاصد وتعليلها، وبيان حقائقها، وأوضاعها. فجاء مؤلفه متكاثرة مسائله متنوعة متعددة قضاياه؛ حتى دخل فيه ما لا يمت بالمقاصد إلا بصلة ضعيفة ضعيفة (!) (...) فلما جاء إلى مسالك الكشف عن المقاصد، وجعلها كالخاتمة لكل مباحثه في المقاسد، كانت متجانسة في طبيعتها مع ما جعلت خلاصة له من عامة المبحث، فانصفت بالجزئية في الغالب من حيث اتجهت إلى رسم الطريق في البحث عن المقاصد في نطاق آحاد الأحكام، لا في نطاق المقاصد الكلية العامة. وهو ما يظهر بجلاء في المسالك الثلاثة الأخيرة، حيث لم تتميز هذه المسالك تميزًا نوعيًّا عن بحوث الأصوليين في العلة ومسالكها، وما يتعلق بها، أما ابن عاشور فإن منطلقه كان غير هذا المنطلق، وهو (...) أن الفرض الذي رسمه لهذا العلم كما صاغه في كتابه، هو أن يصل في مقاصد الشريعة إلى تأسيس ما هو كلي عام" فصول ص 153 - 160.
فهذا الكلام واضح في أن التقنين الكلي للمقاصد لم يكن ظاهرًا في عمل أبي إسحاق بقدر ما ظهر في عمل ابن عاشور، بل إن طبعة مؤلف الشاطبي أي (الموافقات) طبيعة تجزيئية؛ لدرجة خروج المؤلف عن الموضوع المقصود. وهذا حكم عام وخطير؛ لأنه يهدم كل ما أصّلناه في تعريف (الأصول) لدى صاحبنا رحمه الله، إلا أنه واضح في أن الدكتور النجار قد تأثر فيه بأحكام ابن عاشور على الشاطبي وهي أحكام جائرة في أغلبها -كما سترى في هامش لاحق بحول الله، خاص بابن عاشور- حيث زعم أن ابا إسحاق "تطوح في مسائله إلى تطويلات وخلط، وغفل عن مهمات من المقاصد، بحيث لم يحصل منه الغرض المقصود!" مقاصد الشريعة: ص8. وكان الأولى بفضلة الدكتور النجار أن يقرأ (الموافقات)، دارسًا، وفاحصًا، معتمدًا على كلام الشاطبي نفسه لا على كلام غيره فيه. ولو فعل ذلك ما أظنه إلا كان سينجو من إصدار هذا الحكم الغليظ في حقه رحمه الله، وهو ما أنكره الدكتور أحمد الريسوني بشدة في قوله: "والعجب -كل العجب- من الأحكام التي أطلقها الدكتور عبدالمجيد النجار (...) حيث اعتبر أن الشاطبي: "ينحو منحى التجزئة والتفصيل، والتدقيق في بسط المقاصد" ليفسر بهذا كون الشاطبي اقتصر في طرق إثبات المقاصد على المسالك الملائمة لهذا المنحى التجزيئي (...) والظاهر أن الدكتور النجار بنى مقاله عمومًا والأحكام الواردة في هذه الفقرة خصوصًا على مجرد خاتمة كتاب المقاصد، فعليها تنطبق -إلى حدٍّ ما- هذه الأحكام. وقد بينت (...) أن مقاصد الشاطبي هي -أساس- المقاصد العامة، التي سلك في إثباتها مسلك الاستقراء، وأن المقاصد الجزئية لا تأتي إلا عرضًا. (...) واستعراض عناوين الشاطبي وحدها كافٍ لإدراك أن الرجل غير مشغول بالمقاصد الجزئية، وإنما همّه الكليات والمقاصد العامة. وإنما دخل الخلل على أحكام الدكتور النجار من إغفاله للاستقراء عند الشاطبي، بينما هو يقوم ويقعد به في كل نواحي الموافقات، ولو أن الدكتور النجار حفظه الله قرأ (خطبة) الكتاب فقط لتريّث في حكمه هذا، ولما قَصَرَ قصد التقنين الكلي على صاحبه دون صاحبنا! كيف وها كلامه واضح صريح في أنه كان: "معتمدًا على الاستقراءات الكلية غير مقتصر على الأفراد الجزئية، في بيان مقاصد الكتاب والسنة، ثم استخرت الله تعالى في نظم تلك الفرائد، وجمع تلك الفوائد إلى تراجم تردها إلى أصولها (...) فإني شرعت في تأليف هذه المعاني عازمًا على تأسيس تلك المباني، فإنها الأصول المعتبرة عند العلماء، والقواعد المبني عليها عند القدماء!" م/23، 24 هذا قصده الذي صرح به، وهذا غرضه الذي ألّف الكتاب من أجله. وهو الذي تجلّى حقًّا وصدقًا في كل تراجم الكتاب، إلا ما استثنى؛ لحكمى راجعة في مآلها إلى الكليات، بصورة أو بأخرى. ومن ذلك كون (خاتمة) كتاب المقاصد نحت إلى نوع من التنزيل، والتحقيق المقتضي بطبعه للتجزئ في بيان (ما يعرف به مقصود الشارع) على حد تعبير الشاطبي تقريبًا م/2 391، أو (الجهات) التي يعرف منها كما عبر أيضًا م/2/ 393. وهو بالمناسبة لم يستعمل مصطلح (المسالك) -الوارد في نص النجار- لهذا الغرض.
فهذا الكلام التنزيلي التجزيئي، الذي وظفه الدكتور النجار في بناء أحكامه المذكورة، هو عبارة عن (خاتمة) تنزيلة مقصودة في ذاتها، محكومة بسياقها؛ لأنها مبنية على قصد بيان كيفية العمل بالكليات، وتنزيل معانيها على آحاد الجزئيات)).

ثم قال -رحمه الله- في هامش[3] ص(256=260):
((ولقد ظلم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أبا إسحاق الشاطبي ظلمًا، رحمهما الله معًا؛ وذلك لأنه لم يرض قوله بقطعية (أصول الفقه) دون تبين المفهوم بصورة دقيقة، أو نقص أدلته بمنهج علمي، ولكن أجمع رده كله بأسلوب خشن هو أقرب إلى الشتم والسباب منه إلى النقد العلمي، ولقد تكرر منه ذلك في أكثر من موطن من كتابه (مقاصد الشريعة)؛ مما يوحي بأن الرجل كان متحاملًا على أبي إسحاق لأسباب سوف نشير إلى ما ظهر لنا منها بعد إيراد أقواله.
وأولها قوله رحمه الله: "حاول أبو إسحاق الشاطبي في المقدمة الأولى من كتاب الموافقات الاستدلال على كون أصول الفقه قطعية فلم يأت بطائل (!)" مقاصد الشريعة: ص(7). وقال أيضًا: "أبو إسحاق الشاطبي حاول في المقدمة الأولى من كتابه عنوان التعريف طريقة أخرى؛ لإثبات كون أصول الفقه قطعية؛ وهي طريقة لا يوصل منها إلا قوله: ’الدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي (أي لو تحققنا رجوع شئ معين إلى تلك الكليات) [شرح لاب عاشور] وأعني بالكليات: الكليات الضروريات والحاجيات والتحسينات‘. ثم ذهب يستدل على ذلك بمقدمات خطابية وسفسطائية أكثرها مدخول ومخلوط غير منخول (!!)" مقاصد الشريعة: ص(41)، والنص المذكور للشاطبي متصرف فيه. ن. م: (1/ 29، 30).
وقد تابع فضيلة الدكتور عبدالمجيد النجار الشيخ ابن عاشور في موقفه هذا، لكن بأسلوبه الهادئ اللطيف المعهود، فقال حفظه الله: "لقد خصص الإمام الشاطبي المقدمة الأولى من مقدمات الموافقات، للاستدلال على أن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظنية، وذهب في ذلك إلى أن هذه الأصول تضافرت على بيانها كثير من الأدلة، لئن كانت ظنية بالنظر إلياه أفرادًا، فإن اجتماعها وتضافرها يبلغ درجة القطع في دلالتها على مدلولاتها من الأصول. وليست المقاصد بخارجة عن هذا الحكم، فهي من أصول الفقه، بل قطعيتها أبين من قطعية غيرها. وهذا التعميم الذي يجعل كل المقاصد عند الشاطبي قطعية سواء ما كان راجعًا إلى المقاصد العالية أو إلى المقاصد القريبة يجعل هذا الحكم الجازم يداخله الضعف، حينما يتعلق الأمر بالمقاصد التي هي علل الأحكام، التي قامت عليها آحادها (؟) فإن بعض تلك العلل لا تخفى ظنيتها، وهو ما أدى إلى اختلاف الفقهاء في تقديرها. وقد كان هذا الضعف ملحظًا للإمام ابن عاشور". فصول في الفكر الإسلامي: ص(147). كما أني (سمعت) محاضرة في موضوع الخلاف لفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله من شريط بصري مصور بفرنسا - ينتقد فيها قول الشاطبي بقطعية أصول الفقه، بنفس حجج الشيخ ابن عاشور والدكتور النجار تقريبًا، مذكرًا بأن أصول الفقه يتضمن مباحث ظنية مثل قضايا القياس والدلالات ونحوها.
ولعل سبب استشكال هؤلاء لرأي الشاطبي هو اعتمادهم على نص وحيد في ذلك أو نصوص واردة في موطن واحد، أعني ما جاء في المقدمة الأولى وما انبنى عليها من مقدمات الموافقات. وكان الأولى أن يتساءل: ما المراد عنه (بأصول الفقه)؟ حتى يعلم حكمه (بالقطعية) علام ينصب؟ ثم إن كل هذه الانتقادات تحتج بظنية مسائل من علم أصول الفقه المتداول، وهي أمور جزئية لا تدخل في الأصول بمعناها عند الشاطبي كما تبين! وإنما الأصول عنده كليات الأدلة والمعاني الخاصة، وما عداها فليس من الأصول في شئ، كما فصلنا في المتن. ثم إن الشاطبي قد أفاض في الحديث عن قطعية أصول الفقه في مواطن عدة، سواء في كتاب الموافقات، أو كتاب الاعتصام، وقد وظفنا كثيرًا من تلك النصوص في هذه الدراسة، ففهم مراده إنما يُعلم من خلال حمل بعضها على بعض، وتفسير بعضها ببعض، لا بالاقتصار على المقدمة الأولى من كتاب الموافقات! ثم إن الشيخ ابن عاشور قد حاكم الشاطبي بمباحث أصول الفقه كما هو عند الأصوليين. وكان الأولى أن يحاكمه بمباحثه كما هي عنده في مؤلفاته، ولو فعل ذلك لوجد أبا إسحاق لا يسمي الشئ (أصلًا) بمعنى أنه من (أصول الفقه) إال إذا كان قطعيًّا. كما هو مبين في الدراسة بالمتن. بل لقد صاغ أبوابه وفصوله انطلاقًا من (قواعد كلية)، هي أصول في نفسها، يحشد لها من الأدلة الاستقرائية ما يجعلها تستقر في النفس أصلًا مقطوعًا به، ثم يفرع عنها بعد ذلك أصولًا قطعية أخرى بالمنهج نفسه، أو فروعًا ظنية، لا يسميها (أصولًا) بهذا المعنى، والذي درس كتاب الموافقات يجد أن الشاطبي رحمه الله قد ألزم نفسه بهذا المنهج إلزامًا، حتى كان الاستقراء المعنوي دليله الذي لا يتخلف عند أي تأصيل، وهو ما اشترطه على نفسه ابتداءً في خطبة الكتاب "معتمدًا على الاستقراءات الكلية غير مقتصر على الأفراد الجزئية" م: (1/ 23). وما فتئ يردد في أكثر من موطن وبأكثر من صيغة -كما تبين بالمتن- "أن المراد بالأصول: القواعد الكلية" (م: 97). فكيف يحتج عليه الشيخ ابن عاشور بعد ذلك بأصول الأصوليين فيقول -كما في الرد على الجويني في الدعوى نفسها- "لأنّا لم نرهم دوّنوا في أصول الفقه أصولًا قواطع، يمكن توقيف المخالف عند جريه على خلاف مقتضاها كما فعلوا في أصول الدين" مقاصد الشريعة: ص(7). بيد أن أبا إسحاق يقول: "إن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية!" م: (4/ 178). وقال ابن عاشور: إن من "تمكن من علم الأصول رأى رأي اليقين أن معظم مسائله مختلف فيها بين النظّار" مقاصد الشريعة: ص(5). ويقول الشاطبي: "لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات" ع: (2/ 393). وذلك "بالنسبة إلى علم الفقه لا بالنسبة إلى نظر الأصول!" م: (2/ 162*. أما تلك المسائل الظنية التي أشار إليها ابن عاشور، فلم يذكرها الشاطبي -إن ذكرها- على أنها أصول، وإنما هي أمثلة أو فروع عن أصول، فإن كانت عند غيره من الأصول فهي -كما قال-: "بالنسبة إلى أصول هذا الكتاب [يعني الموافقات] كالفروع! (...) وإنما ذكر هنا ما هو كالضابط الحاصر، والأصل العتيد!" م: (4/ 311). "لأن أصول الشرع عتيدة" ع: (1/ 265). فهل يسخف عقل الشاطبي رحمه الله إلى درجة أن يسوي بين أصول الاعتقاد والأصول الفقهية، إذا كان يرى أن هذه تتضمن المعاني الجزئية الظنية كما تتضمن الكليات القطعية؟ وكيف يكرر أن الأصول(عتيدة) إذا اعتبر منها القياسات الجزئية، والخلافات الدلالية، والمقاصد الفرعية وأشباهها؟ كيف، وهو يعلم أن "الناظر في المسائل الشرعية إما ناظر في قواعدها الأصلية، أو في جزئياتها الفرعية (...) إلا أن الأصول والقواعد إنما تثبت بالقطعيات؛ ضرورية كانت أو نظرية، عقلية كانت أو سمعية، وأما الفروع فيكفي فيها مجرد الظن، على شرطه المعلوم في موضعه" م: (4/ 328).
ولست أدري كيف فهم الدكتور النجار -في نصه السابق- أن تعميمه الحكم بقطعية (أصول الفقه) "يجعل كل المقاصد عند الشاطبي قطعية، سواء ما كان راجعًا إلى المقاصد العالية، أو إلى المقاصد القريبة (؟) (...) التي هي علل الأحكام التي قامت عليها آحادها (؟) فإن بعض تلك العلل لا تخفى ظنيتها! " كيف وها الشاطبي يرى أن "المقاصد التي بها يكون صلاح الدارين: وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وها هو مكمل لها ومتمم لأطرفها وهي أصول الشريعة. وقد قام البرهان القطعي على اعتبارها وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال في أنها علم أصل راسخ الأساس، ثابت الأركان! (...) إذ العلم بها مستفاد من الاستقراء العام، الناظم لأشتات أفرادها، حتى تصير في العقل مجموعة في كليات مطردة عامة ثابتة، غير زائلة، ولا متبدلة، وحاكمة غير محكوم عليها! " م: (1/ 77). فأنى يفهم من هذا أنه يقصد المقاصد القريبة التي هي علل الأحكام؟ إنه يفهم هذا، وهو يصرح نصًّا أن "العلم المحكوم به على العادات إنما هو في كليات الوجود لا في جزئياته. وما اعترضه من باب الامور الجزئية! (...) وهكذا حكم سائر مسائل الأصول! ألا ترى أن العمل بالقياس قطعي، والعمل بخبر الواحد قطعي، والعمل بالترجيح عند تعارض الدليلين الظنيين قطعي، إلى أشباه ذلك، فإذا جئت إلى قياس معين لتعمل به كان العمل ظنيًّا! أو أخذت في العمل بخبر واحد معين وجدته ظنيًّا لا قطعيًّا، وكذلك سائر المسائل، ولم يكن ذلك قادحًا في أصل المسألة الكلية. وهذا كله ظاهر! " م: (م/ 282، 283). إن الأصول عنده هي المعاني العامة الشاملة المستقرأة من نصوص الشرع استقراء يجعل منها (مفاهيم مجردة)، فإذا عُيِّنَت أو نُزِّلَت خرجت -عنده- من مجال الأصول إلى مجال الفقه! ولنمثل بقضية من أكثر القضايا اشتباهًا وهي قضية (سد الذرائع)، فمعلوم الخلاف الحاصل فيها بين مالك والشافعي، بين الرفض والقبول، وكذلك قضية (الاستحسان) أشد وأشهر، فقد اعتبر مالك الاستحسان تسعة أعشار العلم، واشتهر به كذلك أبو حنيفة، إلا أن الشافعي قال: "من استحسن فقد شرَّع" (ن. بيان ذلك بالفصل الثالث من القسم الثاني) وبمثل هذا اتحجالمخالفون المنكرون على أبي إسحاق قوله بقطعية الأصول. لكنه هو لا يعتبر الخلاف من بابه، بل من باب الفقه؛ لأنه (تنزيلي) لا (تأصيلي)! قال: "إن نص الخلاف في هذه الأشياء وأشباهها (...) يجب أن يحقق في هذه الأمثلة وفي غيرها بالنسبة إلى علم الفقه لا بالنسبة إلى نظر الأصول" م: (2/ 162).
وإنما الأصل هو معنى (السد) مطلقًا، أي في صورته المجردة غير المعنية، فهو معنى مستقرأ من الشريعة؛ إذ الشارع منع كل ما كان الغالب فيه الأداء إلى المفسدة وإن لم يكن هو -في ذاته- كذلك، من باب (وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108] وقد أفاض الشاطبي في تتبع هذا المعنى حتى جعل منه (كليًّا) لا ينخرم! أعني معنى (السد) مجردًا، وكذلك الحال بالنسبة للاستحسان من حيث هو (استثناء)، لا من حيث هو نازلة معينة. فمعناه الكلي أصل مقطوع به؛ لأنه متواتر الورود في النصوص الشرعية متفق عليه، وإليه يعود معنى الرخص؛ لأنه استثناء من أصل أيضًا. والرخص ترجع إلى أصل الحاجي وهو مقطوع به (ن. مصطلحات أصولية: "رخص") لكنك إذا جئت إلى سد الذرائع في بيوع الآجال مثلًا وما حصل في ذلك من خلاف؛ كان نظرك إذ ذاك في الفقه لا في الأصول هذا على اصطلاح الشاطبي لا على اصطلاح الأصوليين الذين ربما جعلوا الكلام في العلة المعينة من باب الأصول، بينما لا تعتبر عنده إلا من حيث كلي التعليل لا آحاده. والنصوص التي أوردنا قبل كافية لتأكيد هذا. وقال في (تحقيق مناط) الذكاة المشتبهة: "الإشكال الحاصل في الذكية المختلفة بالميتة من بعض فروع أصل التحليل والتحريم، في المناطات البينة وهي الأكثر. فإذا اعتبر هذا المعنى لم يوجد التشابه في قاعدة كلية، ولا في أصل عام!" م: (3/ 97). "ولا نقض بمثل ذلك على الأصول الاستقرائية القطعية" (م/ 35).
كما قال. هذا ما كان أولى بابن عاشور رحمه الله أن يناقشه، أعني مفهوم (الأصول) لا قطعيتها إذ هذه -إذا سلمنا بالمفهوم الأول كما حرره الشاطبي -لازمة ولا مراء فيها، لا أن يحشر من الألفاظ ما خشن لرد المفصل بالمجمل، ونقض المبين بالمبهم! قلت: ولعل تحامله على الشاطبي راجع إلى أنه عزم على تأليف كتابه في (المقاصد) فخشي أن يتهم بالنقل والاجترار. وإعادة الإنتاج لكتاب الموافقات، فشن ما شن من نقد قاس -غير متبين في كثير من الأحوال- لأبي إسحاق الشاطبي رحمهما الله جميعًا!
وهذا التفسير الذي نراه مستشف من قوله في الحط من صاحبنا - قال: "والرجل الفذ الذي أفرد هذا المسمى (عنوان التعريف بأصول التكليف) في أصول الفقه. (*) وعنون ذلك القسم بكتاب المقاصد، ولكنه تطوح في مسائله إلى تطويلات، وخلط، وغفل عن مهمات من المقاصد، بحيث لم يحصل منه الغرض المقصود، على أنه أفاد جد الإفادة (؟) فأنا أقتفي آثاره ولا أهمل مهماته، ولكن أقصد نقله، ولا اختصاره" مقاصد الشرعية: ص(8).
فعجبًا! كيف جمع في مكان واحد، حكمه على شخص واحد، فيما صنعه في كتاب واحد، بين قوليه: "لكنه تطوح في مسائلة إلى تطويلات، وخلط، وغفل عن مهمات المقاصد، بحيث لم يحصل منه الغرض المقصود" وقوله: "على أنه أفاد جد الإفادة"؟! كيف وهو (لم يحصل منه الغرض المقصود)؟ كيف وهو قد جاء "بمقدمات خطابية وسفسطائية أكثرها مدخول، ومخلوط غير مدخول"؟! كما عبر قبل؟ فهل هذا هو كتاب الموافقات الذي شهد القدماء والمحدثون من العلماء الرواد، وزعماء الإصلاح والتجديد؛ بريادته وإمامته وتجديده. بدءًا بتلامذته من أمثال الإمام ابن عاصم، والمتأخرين عنهم من أمثال أحمد بابا التمبو كتي؛ ثم المحدثين من أمثال الشيخ محمد عبده، وعبدالله دراز، والفاضل ابن عشور. (ن. الدراسة التي أعدها الدكتور محمد أبو الأجفان عن شخصية الإمام الشاطبي في: 21- 64).)) انتهى.

هذا، والله أعلم.
 
أعلى