العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حيرة المرء بين حلل القلب أم حلل النفس!

سهير علي

:: متميز ::
إنضم
17 يوليو 2010
المشاركات
805
الجنس
أنثى
الكنية
أم معاذ
التخصص
شريعة
الدولة
بريطانيا
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعية
حيرة المرء بين حلل القلب أم حلل النفس!

قد يخطئ القلب أحيانا كثيرة عندما يقبل أن تكسوه النفس حلة ليست من حلله التي جعلها الله له كي يتوهج وليساعد العقل لاختيار الطريق الصحيح.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
عَنْ عامر قَالَ: سَمِعْتُ النعمان بن بشير، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" .

أما القلب المستيقظ فإنه يدرك حاله فيسرع إلى خلع ما ألبسته النفس، وعلى قدر يقظة القلب يكون الحسم منه وسرعة مبادرته للعقل كي يعينه ليرتدي الحلل التي تساعد المرء على الاتزان وحسن اتخاذ القرار الصائب في أغلب الأحيان، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)
كثيرا ما يتعثر القلب وهو يمضي بخطا باطلة ظنا منه أنه على الطريق المستقيم الذي آخره السعادة، ولكنه يجد غير ذلك في أغلب الأحيان، عندما يتجاهل ما يلبسه من حلل، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)

عَنْ عامر قَالَ: سَمِعْتُ النعمان بن بشير، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، ....." .

وقد لا يُدرك حجم الكارثة إلا لحظة وقوعها –حفظنا الله جميعا منها- وعندها لن تفيده الرؤية للواقع الحقيقي الذي جرّته إليه النفس التي لا يهمها إلا أن تورد صاحبها المهالك، والعياذ بالله، قال تعالى:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
ما الأسباب التي تجعل القلب يستحل ارتداء حلل ليست له؟

النفس وضعف القلب
خلقنا الله تعالى متساوين في الأسباب التي تصل بنا للسعادة في الآخرة والنجاة من غضبه، كل حسب قدرته وكل حسب ما يحتاج، سبحانه فهو العدل، العليم، الحكيم، الرحيم، ولكن يتوقف حال كل مرء منا على تزكيته لنفسه من عدمها، وقدر هذه التزكية، وحال قلبه، أقوي هو أم ضعيف!
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)
(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "....... كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا".
وقَالَ حذيفة سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ".

ما الأسباب التي تجعل القلب يُنكر حلل النفس؟
منها، الدعاء، وتتابع اللمم بالاستغفار، والسعي لعمل البر والمعروف، والصدقة حسن الخلق وعون المحتاج:
جعل الله برحمته أسباب تقوية القلب أمام النفس كثيرة ومتنوعة كي تناسب أنواع القلوب، الكل ينهل منها حسب طبعه وقوة العزيمة والإرادة وقدرته لاستغلال الأسباب التي تُدر عليه الحسنات والطيبات، فكلنا فقير إلى الله تعالى.

الدعاء
الكثير منا وخاصة الذي لم يعتد الدعاء؛ يجد نفسه كالخشب أو الحجارة في باديء الأمر ثم ما يلبث إلا أن يجد جوامع بدنه تخشع لله تعالى ويجد حلاوة ندية وهو يطلب من مولاه الودود ما يريد، فنحن البشر من صفتنا؛ التأفف والتذمر والمنّ من كثرة ما يُطلب منا وأشياء كثيرة غير حميدة، أما الله فتصافه سبحانه بالعطاء والحلم والعفو وعدم رد السائل وإن ظل طوال عمره رافعا يديه يسأل ربه أن يعطيه من خزائنه التي لا تنفد أبدا.

فلا أتخيل استقامة حياة أي بشر بغير الدعاء، فالدعاء له معان كثيرة منها: الاعتراف بأولهية الله سبحانه، وبالعجز الكامل والتام لما يملكه الله سبحانه من قوة وقدرة وأسباب، والانكسار له والحاجة لعطائه جل وعلا، والاستعانة به، والثقة التامة الكاملة والحسنة فيه سبحانه، واليقين أنه هو النافع والضار، والالتجاء لبابه فقط، والاستلام لأمره، والإقرار بالفقر وتقطع الحبال إلا حبل الله تعالى،(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ * أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ * قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أنَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: الدعاء هو العبادة"، ثمَّ قرأ:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

وعَنْ عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ....، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ".
الاستغفار
قال تعالى:(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىظ° قُوَّتِكُمْ وَلَاتَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)

عَنْ عثمان بن المغيرة، سَمِعْتُ علي بن ربيعة، مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أسماء، أَوِ ابْنِ أَسْمَاءَ، مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، قَالَ: قَالَ علي بن أبي طالب حَدَّثَنِي أبو بكر، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَلِكَ الذَّنْبِ إِلا غَفَرَ لَهُ"، وَقَرَأَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) سورة النساء آية 110، (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) سورة آل عمران آية 135 .

عمل البر والمعروف
قال تعالى:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).
عَنِ ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" البِّرُّ لَا يَبْلَى .... ".
وعَنِ ابن شهاب، أَنَّ سالما أَخْبَرَهُ، أن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
الصدقة
قال تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..)، (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ ترْجَعُونَ).
عَنْ أنس، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مَيْتَةَ السُّوءِ".
وعَنْ عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، ......".
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

سهير علي
 
أعلى