العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تلخيص "ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط" لـ د. نزيه حماد.

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هذا تلخيص لبحث الدكتور نزيه حماد "ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط"
وسبق طرح هذا هذا التلخيص ضمن :

مقدمة ونتائج: قراءة جديدة في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة لـ د. نزيه حماد

ولكن لأهمية المسألة ولإبداء الدكتور نزيه حماد رأياً يخالف ما عليه جمهور أهل العلم، ولقوة بنائه ما ذهب إليه، ولقوة أجوبته على أدلة المانعين، رأيتُ أنه من المناسب أن يفرد هذا التخليص في بحث مستقل.
وأتمنى من كل مَنْ له ملاحظات على هذا البحث، أن يسجلها في هذا الموضوع بشكل واضح ومباشر، كما أحب أن يرجع الإخوة إلى أصل البحث لأنه هو الصورة التي أراد المؤلف أن يخرج بها موضوعه مع ما قد يعتري التخليص من قصور، ودونكم الموضوع.
وقد نقل هذا التلخيص إلى بعض الملتقيات العلمية مجتزأ من مدارسة الكتاب ، فأحدث بعض الوهم أن صاحب التلخيص هو صاحب هذا الموضوع.
ودونك الآن التخليص بتمامه:
========================
=============
======

لم يسجل الدكتور نزيه حماد نتائج بحثه "ضمان الودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية بالشرط" فاستعنت بالله وسجلت أهم نقاط البحث:




ضمان الودائع الاستثمارية


في البنوك الإسلامية


بالشرط


قال القاضي أبو يوسف:
"ما كان أرفق بالناس فالأخذ به أولى لأن الحرج مرفوع."

قال الثوري:
" إنما العلم الرخصة من الفقيه، فأما التشديد فيحسنه كل أحد."

قال المقَّري في قواعده:
"قاعدة: التوسعة العامة عند مالك توجب الاستثناء من الأصول قياسا على ما وردت به النصوص" أي في الرخص الشرعية.

قال السرخسي:
"لا بأس للإنسان من مباشرة ما يعتقد جوازه وإن كان فيه اختلاف العلماء ولا يكون ذلك منه تركا للاحتياط في الدين".

================ ====================


تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً:
لا خلاف بين الفقهاء في أن يد المضارب على رأس مال المضاربة يدُ أمانة، وأن الأصل عدم ضمانه لخساته أو نقصانه أو تَوَاه إذا وقع ذلك من غير تعديه أو تفريطه.
واحتجوا على ذلك:
1- بأن المضارب نائب عن رب المال في اليد والتصرف وذلك يستوجب أن يكون ذهاب المال أو خسارته في يده كهلاكه أو خسارته في يد صاحبه حيث إنه قبضه بإذنه ورضاه دون قصد تملكه أو التوثق به.
وبعبارة أخرى: لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه لا على وجه البدل أو الوثيقة.
2- باستصحاب البراءة الأصلية للحائز، وقد عبر عن ذلك الشوكاني بقول: الأصل الشرعي هو عدم الضمان....فإن التضمين حكم شرعي يستلزم أخذ مال مسلم معصوم بعصمة الإسلام فلا يجوز إلا بحجة شرعية وإلا كان ذلك من أموال الناس بالباطل.-

ثانياً:
اخلتفوا في صحة تضمينه هلاك رأس مال المضاربة أو خسارته إذا اشترط رب المال عليه ذلك على قولين:

أحدهما:
لجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المعتمد المشهور من مذاهبهم، وهو أن هذا الاشتراط باطل لمنافاته لمقتضى العقد وأن الشرط لا يغير حكم أصله، وأن أصل القراض موضوع على الأمانة فإذا شرط فيه الضمان فذلك خلاف موجب أصله، والعقد إذا ضامه شرط يخالف موجَب أصله وجب بطلانه.
وأخذ بهذا القول مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

الثاني:
للمالكية في غير المشهور (لابن بشير ونصره تلميذه ابن عتَّاب) وأحمد في رواية عنه واختاره ابن تيمية ونصره الشوكاني، وهو أن شرط الضمان على المضارب صحيح معتبر شرعا.

أدلة هؤلاء:
1- حديث "المسلمون على شروطهم". في المغني لابن قدامة: وعن أحمد أنه سئل عن شرط ضمان ما لم يجب ضمانه، هل يصيره الشرط مضمونا؟ فقال: "المسلمون على شروطهم". وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه، ووجوبه بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم."
2- بأن المضارب قد رضي لنفسه بقبوله اشتراط الضمان عليه التزام ما لم يكن يلزمه، والتراضي هو المناط في تحليل أموال العباد.
قال الشوكاني في السيل الجرار عن الأمناء :
"ولا يضمنون إلا لجناية أو تفريط، وإذا ضَمِنوا ضمِّنوا لأنهم قد اختاروا ذلك لأنفسهم، والتراضي هو مناط التحليل في أموال العباد."
وقال أيضاً:
"وقد عرَّفناك غير مرة أن المناط في تحليل الأموال أعم من أن تكون أعيانا أو منافع هو التراضي إلا أن يرد الذي تقوم به حجة بمنع التراضي في ذلك بخصوصه..."
3- أن اشتراط صاحب المال على المضارب عود رأس المال إليه أو مثله مثلُ اشتراط صاحب البذر في المزارعة أن يأخذ مثل بذره، ثم يقتسمان الباقي...ومثل اشتراط عود الشجر والأرض إلى صاحبها في المزارعة والمساقاة.
جاء في اختيارات ابن تيمية:
"وإذا شرط صاحبُ البذر أن يأخذ مثل بذره، ويقتسما الباقي جاز كالمضاربة".
وجاء في الفروع لابن مفلح:
"وشرط أخذ مثل بذره، واقتسام الباقي، فاسد. نص عليه. ويتوجه تخريج من المضاربة. قال شيخنا – تقي الدين ابن تيمية - : يجوز كالمضاربة."
ونقل ذلك المرداوي في الإنصاف عن ابن مفلح وشيخه ابن تيمية.
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية:
"فأما اشتراط عود مثل رأس المال أي (في المضاربة) فهو مثل اشتراط عود الشجر والأرض"
قال ابن القيم:
"فإن الأرض – في المزارعة – بمنزلة رأس المال في القراض."
===========================================

مناقشة أدلة المانعين:
مبنى احتجاج الذاهبين إلى عدم صحة ومشروعية تضمين المضارب بالشرط كون ذلك الشرط مخالفا لمقتضى عقود الأمانة، وليس من مصلحة العقد فيكون باطلا.
غير أن هذا الاستدلال غير مسلَّم ، وهو محل نظر ونقد، للأسباب الآتية:
أولاً:
أن قاعدة "عدم تضمين يد الأمانة ما تحتها من أموال الغير إلا بالتعدي أو التفريط" أغلبية لا كلية، ولذلك لوجود موجبات ومقتضيات أخرى لتضمين الأمناء، ذكرها الفقهاء غير التعدي والتفريط.
ومنها:
أ‌- التجهيل:
ومعناه:
عدم تبيين الأمين حال الأمانة التي بيده عند موته/ مع علمه بأن واريه لا يعرف كونها أمانة عنده، فإن يصير ضامنا.
والقول بأن تجهيل الأمانة موجب لتضمين الأمناء هو مذهب الحنفية والحنابلة، ووافقهم الشافعية والمالكية في المبدأ، مع خلاف في بعض التفصيلات...
ب‌- العرف:
ذهب بعض فقهاء الحنفية والمالكية إلى اعتبار العرف موجبا لتصيير يد الأمانة يد ضمان إذ العادة محمكة والعرف حجة يلزم العمل به ما لم يخالف نصا شرعيا،
ففي كشف القناع عن تضمين الصناع للمعداني :
"إن قاضي القضاة شمس الدين التتائي بعد أن ذكر في شرحه على خليل قوله في المختصر بعدم تضمين الحرَّاس ما يحرسونه قال ما نصه: والعرف الآن ضمان الحارسين لأنهم إنما يستأجرون على ذلك.
قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر أنه سأل فيمن آجر مطبخا لطبخ السكر وفيه فخار أذن للمستأجر في استعمالها فتلف ذلك،:
"وقد جرى العرف بضمانها على المستأجر، فأجبت بأن المعروف كالمشروط فصار كأنه صرح بضمانها...
أ‌- المصلحة:
ذهب المالكية في المشهور إلى تضمين الصناع....جاء في المقدمات الممهدات: "الأصل في الصناع أن لا ضمان عليهم...وضمنوهم نظرا واجتهادا ...
ب‌- التهمة:
وقد اعتبر بعض فقهاء المالكية التهمة موجبا لتغير حال يد الأمانة وصيرورتها يد ضمان في مسائل متعددة.
ومن ذلك:
1- تضمين الراعي المشترك والسمسار:
قال اللخمي في تبصرته:
"والحاصل أن القياس والنظر هو عدم ضمانه، والذي تقتضيه كثرة خيانة الرعاة في هذه الأزمنة هو ضمانه. وهذا هو الذي نختاره في سمسار الدواب، أعني الضمان فيهما.
2- فتوى ابن حبيب بتضمين صاحب الحمام في الثياب المودعة لديه لأنه جرت العادة بخيانته في ثياب الناس فيضمنها.
ويرجع السبب في كون قاعدة "عدم تضمين الأمناء إلا بالتعدي أو التفريط" أغلبية لا كلية إلى أنه لم يثبت في شيء من نصوص الكتاب أو السنة ما ينهض حجة على قصر موجبات تضمين الأمناء على هذين الموجبين...والتعدي أو التفريط بلا شك حجة شرعية موجبة لتضمينهم، بالإضافة إلى موجبات شرعية أخرى كالتجهيل والعرف والمصلحة والتهمة، وكذا الشرط الذي هو أقواها وأحراها بالاعتبار، وذلك لوقوعه برضا العاقدين...
ثانياً:
أن قاعدة "اشتراط الضمان على الأمين باطل" خلافية وليست محل اتفاق الفقهاء، وهي بالإضافة إلى ذلك أغلبية، وليست كلية مطردة، حيث إن لها استثناءات عديدة يشهد لذلك:
أ‌- القول بأن العارية في يد المستعير تصير مضمونة عليه بالشرط.
ب‌- القول بأن الوديعة أمانة في يد المستودَع غير أنها تصير مضمونة عليه بالشرط.
ت‌- قول عثمان البتي بأن يد المرتهن والراعي يد أمانة لكنها تنقلب إلى يد ضمان بالشرط..
ث‌- اختيار ابن تيمية صحة تضمين الحارس ونحوه بالشرط مع كونه أجيرا خاصا ويده يد أمانة.
ثالثاً:
الاستدلال بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد غير مسلم، لأن هناك منهجين للفقهاء في مسألة الشروط العقدية ومدى صحة مخالفتها لمقتضيات العقود:
أحدها:
يذهب إلى أن كل شرط يخالف مقتضى العقد فهو فاسد شرعا.
والثاني:
يذهب إلى أن اشتراط ما يخالف مقتضى العقد ليس فاسدا بإطلاق بل ينظر فيه فإن كان فيه مخالفة لنص شرعي أو تحليل حرام أو تحريم حلال فإنه يكون فاسدا وإن لم يكن فيه شيء من ذلك فإنه يكون صحيحا.
وبناء على المنهج الثاني:
وهو الراجح في نظري يكون اشتراط الضمان على المضارب صحيحا ملزما، حيث إنه لا يهدم أصلا شرعيا ثابتا ولا يخالف نصا من نصوص الكتاب أو السنة.
وبيان ذلك:
أن الفقهاء اختلفوا في سلطة العاقدين على تعديل آثار العقود إما بالنقص منها وإما بإضافة التزامات على أحد الطرفين لا يستلزمها أصل العقد بشروط يشترطانها في التعاقد:
1- ذهب الحنفية إلى أن الأصل الشرعي في حرية الشروط هو التقييد، وذلك لأن لكل عقد في النظر الفقهي أحكاما أساسية تترتب عليه تسمى مقضى العقد...وعلى ذلك فلا يكون للعاقدين أن يشترطا ما يخالف هذا المقتضى، فإن اشترطا شرطا مخالفا له كان فاسدا.
وقد اتجه الشافعية وأكثر المالكية وطائفة من الحنابلة إلى نحو ما ذهب إليه الحنفية غير أنهم اختلفوا معهم في الفروع والتفصيلات ومدى صحة التوسع فيها.
2- وتتجه أصول أحمد المنصوصة عنه إلى أن الأصل الشرعي حرية العقود أنواعا وشروطا ووجوب الوفاء بكل ما يلتزمه المتعاقدان ويشترطانه فيه ما لم يكن هناك نص أو قياس صحيح يمنع من عقد معين أو شرط محدد.
قال ابن تيمية:
"وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه، فمقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما ، وعدم الإيجاب في الأصل ليس نفيا للإيجاب، حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، ولك شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا."
ويقول:
الأصل في العقود والشروط الصحة.....وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول، ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحا للشروط، فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحا للشروط منه."
=========================
الشبهات حول جواز تضمين المضارب بالشرط:
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي.
الشبهة الثانية:شبهة الذريعة الربوية.
====================
الشبهة الأولى: شبهة القرض الربوي:
أي أن اشتراط ضمان رأس المال على المضارب يفرِّغ عقد القراض من مضمونه، ويحوله إلى قرض ربوي.
والجواب عن ذلك:
أن هناك في الحقيقة شبها بين القرض الربوي وبين تضمين المضارب من رأس المال في المضاربة، من حيث كون رأس المال في كل منهما مضمونا في ذمة القابض.
غير أن هناك فرقا جوهريا بينهما:
من حيث كون الزيادة على رأس المال في القرض الربوي محققة مضمونة في ذمة المقترض إذ هو إقراض مع زيادة مشروطة على رأس المال، بينما القراض مع تضمين المضارب رأس المال بالشرط لا يترتب عليه زيادة محققة مضمونة على رأس المال في ذمة المضارب بحال، بل قد يترتب عليه زيادة محتملة في الربح لا في ذمة المقترض. إذ الأمر لا يخلو من ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يخسر المضارب في استثماره لرأس مال المضاربة.
والثاني: أن لا يحقق ربحا ولا خسارة.
وفي كلتا الحالتين لا يستحق رب المال في المضاربة أي زيادة على رأس المال الذي دفعه للمضارب.
والاحتمال الثالث: أن يترتب على عمل المضارب ربح.
وفي هذه الحالة فقط يستحق رب المال نصيبه في الربح الحاصل، لا في ذمة المضارب. فاقترقا.
وبذلك يظهر لنا:
أن الشبه بين القرض الربوي وبين القراض مع اشتراط ضمان المضارب لرأس المال إنما هو شبه جزئي في جانب من الصورة، لا في المعنى المؤثر والحقيقة، ومن ثم لم يكن له تأثير شرعي في قلب المضاربة إلى عقد قرض ربوي، نظرا للفارق الجوهري بينهما.(1)

الشبهة الثانية: شبهة الذريعة الربوية:
أي أن يكون اشتراط الضمان على المضارب (البنك الإسلامي) ذريعة إلى إقراض المودعين البنك قروضا بفائدة.
والجواب على ذلك:
أن مجرد احتمال كون هذا الاشتراط ذريعة إلى القرض الربوي لا يترتب عليه حظر ذلك الاشتراط شرعا، وذلك لأن للعمل بقاعدة "سد الذرائع" عند المحققين من الفقهاء القائلين بها شرطين:
أحدهما:
أن يكون التوسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور فيها كثيرا بمقتضى العادة وأن تقوى التهمة وتظهر على قصد ذلك المحظور وإرادته....
ولا يخفى إن اشتراط الضمان على المضارب ليس فيه إفضاء كثير بمقتضى العادة إلى القرض الربوي، وليس هناك تهمة قوية تظهر على قصد الطرفين ذلك المحظور وإرادته إذ القصد والغرض من هذا الاشتراط إنما هو حماية رؤوس أموال المودعين من تعدي المضارب أو تفريطه في المحافظة عليها أو سوء إدارته لها في هذا الزمن الذي فسد فيه الناس وكثرت خيانات الأمناء.
والثاني:
أن لا يكون هناك حاجة ولا مصلحة راجحة إلى تلك المعاملة فإن ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح عند الحاجة أو المصلحة الراجحة

يقول ابن تيمية:
"أصل الإمام أحمد وغيره أن ما كان من باب سد الذريعة إنما ينهى عنه إذا لم يحتج إليه وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه.
ولهذا يفرق في العقود بين الحيل وسد الذرائع، فالمحتال يقصد المحرم، فهذا ينهى عنه، وأما الذريعة فصاحبها لا يقصد المحرم، لكن إذا لم يحتج إليها فهي منهي عنها، وأما مع الحاجة فلا."
وبالتأمل في مسألتنا:
يظهر لي أن هناك حاجة إلى هذا الاشتراط في هذا العصر، وأن فيه مصلحة راجحة كذلك:

فأما الحاجة:
فهي...عدم التوفر الثقة الكافية بالمضارب لحماية أموالهم من التَّوى، وصيانتها من الخسارة عند خيانة المضارب وعجزهم عن إثبات ذلك.
وقد أدرك فقهاء الحنفية منذ زمن بعيد حاجة الناس إلى هذا الاشتراط....فاتجهوا إلى رفع ذلك الحرج والعنت عن أرباب الأموال باختراع حيل فقهية لتضمينه رأس مال المضاربة، ومن ذلك....

وأما المصلحة:
في هذا الاشتراط فيه واضحة بينة إذ به يحافظ رب المال على ماله، ويحميه من التوى والخسارة عند خوفه من خيانة المضارب...
وهذه المصلحة راجحة على مفسدة تضمين المضارب بالشرط رأس مال المضاربة، حيث رضي بذلك واختاره، وبخاصة في هذا الزمن الذي لا يتورع فيه كثير من المضاربين عن التعدي أو التفريط في إدارة أموال أرباب المال والمحافظة عليها لعلمهم بأنهم مصدَّقون قضاء وأن القول قولهم في ادعاء التلف والخسارة [لأن العامل أمين] وأن من الصعب العسر على أصحاب المال إثبات عكس ذلك وإدانتهم بما يوجب ضمانهم.

الرأي المختار:
لقد ظهر لي بعد عرض خلاف الفقهاء وأدلتهم في مسألة تضمين المضارب رأس المال المضاربة بالشرط (في حالات والنقصان والخسارة وغيرها)
ثم مناقشتها بموضوعية وأمانة علمية بعيدة عن التعصب المذهبي أو اتباع الهوى رجحانُ القول بصحة تضمين المضارب ذلك بالشرط، نظرا لوجود كثير من الاعتراضات الوجيهة على أدلة المانعين، واعتبارا لقوة حجج وبراهين المجيزين، وسلامتها من الإيرادات المقبولة عليها، حيث ثبت لنا نه ليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك الاشتراط، وأن القول بصحته لا يقتضي مخالفة لقاعدة من قواعد الشرع المتفق عليها، ولا وقوعا في محظور من ربا أو قمار أو بيع غرر، ولا جلبا لمفسدة راجحة.
وهو بلا ريب خير وأولى من التشديد بالمنع، ثم اللجوء إلى تضمين المضارب عن طريق الحيل....

والله تعالى أعلم.



========================
 
أعلى