العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هام تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد.

فقد قدّر الله سبحانه أن أهتم بمسألة الامتناع عن تقديم العلاج المساند للحياة أو إيقافه, حيث بدأ اهتمامي بها من قرابة سبع سنوات, وبحثتها في جزء من رسالتي للماجستير, ثم وسعت بحثها في رسالتي للدكتوراة بعنوان : قرارات العلاجات المساندة للحياة-حقيقتها/أحكامها/آثارها, في بحث شامل لمقدماتها الطبية والفقهية وإشكالاتها العديدة, وقد قطعت الشوط الأكبر منها بفضل الله.

ومن المعلوم لدى كل من نظر في واقع هذه المسألة وعايش- أو سمع ممن عايش إشكالاتها – أنّ الفتاوى الصادرة فيها والقرارات المتعلقة بها في المجامع لم تشف الغليل, ولم تضع اليد على موضع الداء, بل قصّرت في تصوّر الواقع وابتعدت أو حامت حول مواضع الاستشكال, أو لم تًفصّل وتستدلّ وتعلّل بما يناسب حجم الإشكالات الواقعية, فبقيت الحيرة سيّدة الموقف لمن يتعرّض لمعايشة هذه المسألة, وما أكثرهم.

وفي أثناء بحثي قبل عامين, تحدّث معي من له صلة بالتنسيق في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي, وتحاورنا في المسألة إلى أن طرحت عليه بعض الإشكالات واقترحت عليه بعض الاقتراحات في طريقة دراستها بالمجمع, فطلب مني أن أكتب عن ذلك وأعد مقترحاً لطريقة تقسيم المسألة عند بحثها في المجمع, فأجبته وكتبت له, بل وكتبت أيضاً لأمين المجمع, لخطورة المسألة وكونها لا تحتمل أن يُكتب فيها بدون تصوّر مقدماتها وإشكالاتها, ثم أعدت صياغة ما كتبت في صيغة ورقة أسميتها: (مقدمات هامة لبحث قضية الامتناع عن الإنعاش أو إيقاف أجهزة الإنعاش), ونشرتها على ملتقى أهل الحديث والملتقى الفقهي[1].

ثم سررت أنّ المجمع أخذ بأحد مقترحاتي, وهو بحث قضية اتخاذ القرار الطبي من جهة أولياء المريض والتي بحثت بعنوان (حق الولي فيما يتعلق بمرض المولى عليه), لكنّ المجمع أجّل الجلسة إلى الدورة القادمة.

جلسة العام 1436هـ..

فوجئت قبل الجلسة بيوم من خلال أحد من أتابعهم بتويتر أنّ المجمع سيعقد, وسيطرح الموضوع ضمن جلسة بعنوان(حكم إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من برئه), فشاهدت الجلسة والنقاش القصير بعدها, وكنت في الحقيقة مصدوماً للأسباب التالية:

أولاً: تم اختزال الموضوع ذي المحاور المتعدّدة في إيقاف العلاج, وأهملت قضية الامتناع إلا من بعض الإشارات في بعض البحوث.

ثانياً: لم تنفك كثير من البحوث عن الملاحظات التي تتكرر في البحوث الشرعية حول المسألة منذ بدأت تثار قبل ثلاثين سنة, كالإفاضة في مسائل معروفة كحكم التداوي وقتل الرحمة, وعدم تفريق بعض البحوث بين العلاج المساند للحياة الذي يقصد منه حفظ حياة المريض لا شفاء مرضه, وبين العلاج الذي يقصد منه تحسين حالة المريض ويهدف لمعالجة مرضه, والتركيز على موت الدماغ– وهو حالة قليلة الوقوع لكنها تستولي على الاهتمام كثيراً بسبب نقل الأعضاء, والشرعيون كثيراً ما ينشغلون بها عن غيرها من الحالات الميئوس منها الأجدر بالبحث لكون الإشكالات فيها أظهر ولأنها غالب ما يتتعلّق به الإشكالات[2].

وهذه الملاحظات لا تعني أنّ البحوث تخلو من فوائد جيّدة ومهمة, لكنّي أتحدث في سياق هدف البحث, وهو حلّ الإشكالات المتعلّقة بالموضوع, فنزول الباحث لموضع الإشكال ومعالجته بعمق هو المطلب الأهم والهدف الأكبر.

ثالثاً: استمرار المجمع في الاعتماد على كتابة الدكتور محمد البار حفظه الله, وقد أبديت ملاحظات للمجمع على طريقة طرحه وتصويره للموضوع ذكرتها في ورقتي المشار إليها سابقاً. والمجمع بحاجة لتوسيع استشارة الخبراء في هذا الموضوع ليمكن تصوّر تفصيلاته المؤثّرة.

رابعاً: تبين من فترة النقاش أنّ كثيراً من الفقهاء المشاركين لم يميّز نقطة البحث ولم يدرك إشكاليته, فهناك من تصوّر أنّ الميئوس منه هو الميت دماغياً فحسب, وهناك من تصوّر أنّ العلاج موضوع الجلسة يقصد به العلاج العادي الذي يهدف لشفاء الأمراض ولا يدخل فيه أجهزة الإنعاش, وهناك من تصوّر أنّه يشمل الأجهزة, وهكذا لم يتلق المناقشون على تصوّر واضح لمحل البحث وإشكالاته, وهذا بذاته – في نظري - يعني أنّ استنتاج حكم من هذه الجلسة ونسبته إلى مجموع المشاركين متعذّر, إذ كيف ينسب لهم حكم وهم لم يميّزوا محل البحث ولم يدركوا الإشكالات المطروحة حوله؟! ويبدو لي أنّ المجمع لم يُصوّر محل البحث وإشكالاته للمُستَكتَبين فذهبوا بالموضوع لغير ما أريد به. كما أنّ فترة النقاش كانت على عجل ولم يتم التوصل من خلالها لحسم النقاط غير الواضحة والتي اختلف في تصورها أو الحكم عليها الباحثون والمداخلون.

صدور القرار..
بعد يومين من الجلسة, فوجئت بأنّ قراراً صدر رغم وجود هذه الإشكالات, ورغم ضعف عرض إشكالات الموضوع, وعدم دقّة تصوّره, ولكنّ القرار صدَر, وهذا نصّه:

... نصّ القرار...
القرار الرابع: بشأن موضوع حكم إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من برئه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية والعشـرين المنعقدة بمـكة المكرمة، في المـدة من 21-24 رجب 1436هـ التي يوافقها 10-13مايو 2015م نظر في : (حكم إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من برئه) ؛ كالمريض الذي يعاني من سرطان متقدم ومنتشـر أو أي حالة يقرر الأطباء انه لا يوجد أي أمل في شفائها ، وبعد أن استمع أعضاء المجمع إلى الأبحاث المقدمة في الموضوع ، وبعد مناقشة مستفيضة، واستحضار ما يلي:
1- المحافظة على حياة الإنسان فريضةٌ واجبةٌ، وهي من أعظم كليَّات الشـريعة ومقاصدها.
2- أن الأخذ بالأسباب والتداوي بالعلاج المباح أمرٌ مشروعٌ، قامت على مشـروعيته وطلبه الأدلة الشرعية .
3- أن أكثر الأمراض التي كان يظن أو يجزم بأنها ميؤوس من شفائها أصبحت الآن في نظر الأطباء مقدوراً على علاجها ومتمكناً منها ، وبعض هذه العلاجات صارت أشبه بالقطعي مع تقدم الطب؛ لذا ينبغي للطبيب وأهل المريض ومن حوله أن يدخلوا عليه الأمل وعدم اليأس .
قرر مجلس المجمع ما يلي :
أولاً: يؤكد المجلس على قرار المجمع الفقهي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 28 صفر 1408هـ 21 أكتوبر 1987م ومضمونه جواز رفع أجهزة الإنعاش إذا ثبت موت الدماغ ثبوتاً قطعياً.
ثانيا: إذا ظن الطبيب المختص أن الدواء ينفع المريض ولا يضره أو أن نفعه أكثر من ضرره، فإنه يشرع له مواصلة علاجه، ولو كان تأثير العلاج مؤقتا؛ لأن الله سبحانه قد ينفعه بالعلاج نفعا مستمرا خلاف ما يتوقعه الأطباء.
ثالثا: لا يجوز إيقاف العلاج عن المريض إلا إذا قرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات أن العلاج يلحق الأذى بالمريض ولا تأثير له في تحسن حالته ، مع أهمية الاستمرار في رعاية المريض المتمثلة في تغذيته وإزالة الآلام أو تخفيفها قدر الإمكان .
رابعاً: تعجيل وفاة المريض بفعل تنتهي به حياته ، وهو ما يسمى بالقتل الرحيم محرم شرعاً بأي صورة كان سواءً أكان بطلب من المريض أم قرابته .
وصل اللهم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم[3].

انطباعاتي المبدئية عن القرار عند صدوره
بعد قرائتي للقرار مستحضراً خلفيات الموضوع الواقعية, كان واضحاً لي أنّ القرار مشكل, ويمكن أن يفهم بأكثر من طريقة, وقد يكون لذلك آثار خطيرة, فقد جوّز القرار إيقاف العلاج في ثالثاً منيطاً ذلك بكون العلاج يلحق الأذى بالمريض ولا يؤثّر في تحسين حالته, وهذان المناطان ينطبقان على العلاجات التي تستهدف المرض؛ لأنّها هي ما يستهدف تحسين الحالة فتتحسّن أو تفشل في ذلك, وأمّا العلاجات المساندة للحياة فهدفها الأساس هو المحافظة على حياة المريض ودفع الهلاك عنه, ويمكن أن تستعمل هذه العلاجات المساندة للحياة مع مريض ميئوس منه, أو غير ميئوس منه, ويمكن أن يشفى ذلك المريض من مرضه بواسطة العلاجات الأخرى التي تستهدف المرض, أو لا يشفى, فهذه قضية أخرى غير قضية الحفاظ على حياة المريض.
وبناء على عدم التمييز بين العلاجات المساندة للحياة وغيرها, فيمكن أن يفهم من العموم الذي في القرار جواز تطبيق هذا الحكم على العلاجات المساندة للحياة, وبالتالي يزيل الطبيب العلاجات المساندة للحياة من المريض الميئوس منه ولو أدّى ذلك لتعجيل موته, لأنّ القرار ينصّ على تحسين الحالة, وهذه الحالات بالفعل لا تتحسّن, ولكنّها تبقي حية لو تركت على العلاجات المساندة للحياة.
فهل هذا ما فهمه الأطباء أم هو مجرد احتمال.. ؟؟ الجواب حسب فهمي وتصوّري لواقعهم: سيكون هذا ما يتبادر لأذهانهم كمراد من القرار, وليس كاحتمال أو جزئية يشملها بعمومه فحسب, لأنّ موضع الإشكال عندما تطرح قضية إيقاف العلاج هو هذه العلاجات المساندة للحياة وليست العلاجات العامة التي تستهدف تحسين حالة المريض, فهذه ليست محل إشكال أصلاً إذا تحقّق عدم نفعها.

ما فهمه الأطباء من القرار..
لأتحقق من صحّة تحليلي للقرار وتوقّعاتي حول فهم الأطباء له, أرسلت نصّ القرار لأحد أعلام العناية المركّزة المشهورين في السعودية, وأرسله بدوره لمجموعة من أطباء العناية المركّزة في الواتساب, فماذا حصل؟؟

كان ما توقّعت, فعندما وصل الخبر لأولئك الأطباء فرحوا بالقرار! ورأى ذلك الطبيب الخبير أنّ إيقاف التنفس الصناعي يندرج تحت القرار ولا يوجد في ذلك أي ضبابية كما زعمت أنا, وأكّد آخر أنّه يندرج تحت البند ثالثاً من القرار, ففهموه على الوجه الذي كنت أخشاه, فالقرار بالنسبة لهم يسوّغ توجّههم لإيقاف العلاج المساند للحياة - كالتنفس الصناعي - مع تأديته لوفاة المريض, وذلك في الحالات التي يرون العلاج فيها غير مجدياً في تحقيق تحسّن لحالة المريض, وإن كان ناجحاً في الإبقاء على حياته وحفظها لمدة ما. يقول الطبيب الخبير بالعناية المركّزة:

" شكرا على القرار الأخير.. أنا الآن في نقاش مستمر على قروب أطباء العناية.. الكثيرين أثنوا على المجمع ويشعروا بمدة أهميته في عملهم وخدمة مرضاهم على وجه العموم في ظل شح أسرة العناية والزيادة السكانية الغير متناسقة مع قدرات البنية التحتية ".

وعندما ذكرت للطبيب أنّ القرار فيه ضبابية, وأنّ إيقاف التنفس الصناعي قد يدخل تحت حفظ الحياة الذي ذكر القرار أنّه فريضة, كما قد يدخل في إيقاف العلاج وقد يدخل في قتل الرحمة, لا سيما أنّ هذا الأخير قد ذكره أحد المشاركين بالجلسة ولم يعترض عليه أحد الفقهاء, فعندما ذكرت ذلك رأى أن لا ضبابية في القرار, وأنّ قتل الرحمة إنّما هو أن تقوم بفعل معلوم أنّه يؤدي للموت حتى مع الشخص الطبيعي, وأمّا رفع العلاج فهو أمر آخر.. كما اعترض على التفريق بين الامتناع عن العلاج المساند للحياة وبين إيقافه ورأى أنّهما واحد, وانّ التفريق بينهما غير صحيح من خلال الممارسة, وأشار إلى تقرير مراجع أخلاقيات الطب لذلك, كما احتج بأنّ المريض لا يموت بيقين عند رفع الجهاز.

والحقيقة أنّ الرجوع لأخلاقيات الطب في هذه المواضيع كان محل نقد شديد ببحثي, لأنّها مبنية على مفاهيم فلسفية لا تتفق مع الشريعة, كعدم اعتدادها بالواجب الشرعي لعلمانيتها, وبناءً عليه لا تعتبر ترك الإنقاذ في الأصل محل تحريم أو تجريم, وقد أوضحت الوجوب للطبيب, كما شرحت له أنّ غلبة الظن بأنّ الفعل يؤدي للهلاك تحقّق رابطة السببية بين الفعل والنتيجة, ولا يتوقّف ذلك على اليقين, لكنّ النقاش بيننا تشعّب لتعقيدات الموضوع الواقعية.

هل قصد صائغوا القرار تجويز رفع أجهزة الإنعاش بما يؤدي لوفاة المريض؟

قمت بناء على تأكّدي من خطورة الإشكال بالتواصل مع أحد من شارك في صياغة القرار, وطرحت عليه ما حصل, فأكّد لي أنّ إيقاف التنفس الصناعي بما يؤدي لوفاة المريض الميئوس من شفائه لم يكن في ذهنهم عندما صاغوا القرار, فقال: " لم تكن هذه الأمثلة حاضرة في أذهاننا وإنّما جعل الحكم عاماً في انتفاع المريض أو تضرره من العلاج ". وممّا قال أيضاً: " المسألة كانت محل خلاف وجدل وكل ينظر لها من زاوية يرى أنّها الحق والمصلحة ".

وقد بيّنت له أنّ هذا الذي لم يكن في أذهانهم فهم من القرار بسبب إجمالاته وضبابيته, فوعد بالنظر في الأمر, وطلب مني أن أكتب له ملاحظاتي على القرار ومقترحاتي فوعدته بذلك, ولكن اتضح من نقاشي معه أنّ التعديل في القرار أو لابيان غير وارد إلا في دورة قادمة, فكرّرت إيراد الإشكال عليه لبيان خطورة الأمر, فراجع نصّ القرار, واحتجّ بنص فيه على عدم دخول رفع الأجهزة عن الميئوس منه في حكم الجواز, فقال:

" أنا راجعت القرار وفيه: " مع أهمية الاستمرار في تغذية المريض وإزالة الآلام.... " فهذه تشمل عدم رفع هذه الأجهزة لأن رفعها ليس من إيقاف العلاج بل من زيادة الآلام, وقد تدخل ضمن القتل الرحيم الذي تم النصّ على حرمته ".

فأجبته: " واقع رفع الأجهزة لا ينافي الاستمرار بالتغذية وإزالة الآلام ريثما تحدث السكتة ويموت المريض, وأما دخولها في القتل الرحيم فغير واضح, لأنّ الذي استقر عليه العرف الطبي أنّه خاص بقتل المريض بفعل إيجابي, ولا يدخل فيه رفع الجهاز, وهذا ما احتج به علي رئيس عناية مركزة كبير حاورته أمس, وهو صادق.. الذي يسمي رفع الجهزة قتلاً رحيما بعض القانونيين ويتبعهم في ذلك بعض الشرعيين, أما الأطباء فلا يقبلون دخول الأجهزة فيه أبداً.. ".

وقد كتبت وارسلت ما طلبه من توضيح الإشكالات والمقترحات حول القرار وقسمته على قسمين, أدرجهما فيما يلي لتكتمل الصورة للمهتمين بهذا الموضوع. قلت:

" القسم الأول: إشكالات القرار:

أولاً: عدم التفريق بين العلاج المساند للحياة وبين العلاج الذي يستهدف علاج المرض, وعدم التفريق بين المريض الميئوس من حياته والمريض الميئوس من برئه.

إنّ العلاجات التي تعتبر موضع تساؤل من الأطباء وتثير إشكالات في الواقع العملي هي ما يعبّر عنه بالعلاجات المساندة للحياة أو المحافظة عليها, ويعبّر عنها البعض بأجهزة الإنعاش, وهذه العلاجات لا تستعمل بهدف تحسين حالة المريض أساساً, وإنّما غرضها الأساس هو تعويض وظيفة حيوية فقدها المريض, وبالتالي المحافظة على حياته ودفع الهلاك عنه, بغض النظر عن تشافيه من المرض المسبّب أو عدم تشافيه. مثال: يمكن أن يبقى المريض المعرّض للهلاك تحت معالجةٍ مساندةٍ للحياة كجهاز التنفس الصناعي ويحيا بذلك رغم استمرار التهاب الرئة لديه مثلاً, بحيث يعتمد على الأجهزة لعدم قدرة الرئة على أداء وظيفتها. فهذا لو بقي عليه الجهاز يعيش بإذن الله, ولكنه لا يشفى من مرضه.

فليس موضع الإشكال عموم العلاجات التي تعطى لتحسين حالة المريض, فقد يكون المريض ميئوساً من برئه ولكنّه غير ميئوس من حياته, فيمكن علاجه دفعا للهلاك ولا يمكن علاجه رفعا للمرض, فالإشكال في رفع العلاج المساند للحياة بحيث يموت المريض الذي كان ليعيش لو استمر, وليس الإشكال في إيقاف علاج لم يعد يجدي في تحسين حالة المريض وشفاء مرضه. فهذا أمره واضح في التوقّف عنه.

ونتيجة لعدم وضوح التفريق فقد فهم طبيبان تواصلت معهما أنّ المقصود بالفقرة الثالثة من القرار جواز رفع جهاز التنفس الصناعي ولو أدّى لموت المريض الذي يقع اليأس من حياته, ما دام ميئوساً من علاج مرضه, وهذه مشكلة كبيرة, لأنّ هذا الفهم الذي يوهمه القرار يتناقض مع النقطة الأولى (1) التي استحضرها القرار, وهي أنّ المحافظة على الحياة فريضة.

ثانياً: حاجة مصطلح النفع المناط به الحكم في البند (ثانياً) للتوضيح, حيث أنّ له معنى طبياً اصطلاحياً غير ما يتبادر منه. فالنفع يكون كثيرا في اصطلاحهم -عندما يتحدثون عن إيقاف العلاج المساند للحياة عن المريض الميئوس منه - بمعنى شفاء المريض أو تحسنه إلى جودة حياة مقبولة بنظر الطبيب, وهذا ينطلق من فلسفة تقييم الحياة الغربية التي لا تجعل للحياة قيمة في ذاتها يجب الحفاظ عليها دائماً. وبناء عليه فإنّ المريض قد ينتفع بالعلاج بمعنى الحفاظ على حياته, ولكن الطبيب لا يرى أنّه ينتفع بناء على أنّ حياته ستكون منخفضة الجودة, ككونه سيعتمد على الأجهزة المساندة للحياة والتمريض الطبي الدائم وضعف الوعي وغير ذلك من معايير ترجع للتقييم الشخصي الذي تغلب عليه الماديّة.

ثالثاً: لحوق الأذى المناط به الحكم في (ثالثاً) قد يرجع إلى استمرار حياة المريض لا إلى العلاج, فينظر للعلاج على أنّه مؤذ بناء على أنّه يحافظ على حياة المريض التي فيها أذى ومشاق, لا أنّ نفس العلاج يسبب الأذى والمشاق, وهذا يكون في أحيان دون أحيان, ولذلك يتطلب ذلك التفصيل في القرار بحيث يؤثّر في قرار إيقاف العلاج كونه ضارا بذاته فيرفع لإزالة الضرر, وينص على أنه لا يؤثّر في القرار مجرد كون حياة المريض إذا استمرت فيها مشاق وأذى, فهذا قدر يجب أن يصبر عليه وأن يستمر في الحفاظ الواجب على النفس رغم وجوده.

رابعاً: إناطة جواز إيقاف العلاج بعدم تحسّن الحالة كما في البند (ثالثاً) يؤدّي إلى إيقاف العلاج الذي يحفظ النفس، ويؤدي إيقافه لموت المريض في الحالات التي يمكن الحفاظ على حياتها دون أن يمكن تحسينها, فيوقف التنفس الصناعي إذا كان المريض ميئوساً من تحسن حالته مع إمكان حياته لو استمر تقديم التنفس النصاعي له.

خامساً: البند الرابع يحتاج إلى تفصيل يؤكّد دخول إيقاف العلاج الذي تستمر باستمراره حياة المريض تحت عمومه, لا سيما في ظلّ ظهور سببية فعل الإيقاف في موت المريض في كثير من الحالات. وقد ظهر من نقاشي مع بعض الأطباء حول القرار أنه يرى أنّ البند لا يمنع ذلك, وأنّ القتل الرحيم خاص بالحقن بما يقتل المريض, مع أنّ القرار استعمل عبارة (بأي صورة(, لكن البند تقييده بالفعل مع سبقه بالبند ثالثاً أفهم أو أوهم أنّه غير داخل في رابعاً.

سادساً: لم يبيّن القرار حكم الامتناع عن علاج المريض الميئوس من شفائه بالعلاجات المساندة للحياة, إذ يُتصوّر فيه أن تكون بعض العلاجات في بعض الحالات مما ينضبط نفعه في دفع الهلاك, فيكون الامتناع عنها من قبيل الامتناع عن دفع الهلاك الواجب, كالامتناع عن عصب الجرح اليسير وإساغة اللقمة بشرب الماء ونحو ذلك من المعالجات المنضبطة, ويتصوّر فيه أيضاً أن يكون مما لا ينضبط نفعه فيكون أشبه بالتداوي المظنون الذي رأى جمهور الفقهاء عدم وجوبه. وهذا بخلاف إيقاف العلاج المساند للحياة إذا استقر عليه المريض وارتبطت حياته بدعمه بحيث يموت بإيقافه, فهنا يكون الإيقاف تسبباً واضحاً في موت المريض لظهور رابطة السببية بين الفعل والموت, فالامتناع في صوره غير منضبطة النفع أسهل من الإيقاف المعلوم أثره، فيتوجه التفريق تفصيلا في الأحكام المتعلقة بالنوعين.

القسم الثاني: الاقتراحات للقرار نفسه:

أولاً: التفريق بين العلاجات المساندة للحياة وغيرها وإيلاء الاهتمام بالعلاجات المساندة للحياة لأنّ الامتناع عنها أو إيقافها هو محل الإشكالات.
ثانياً: النصّ على تحريم إيقاف العلاج إذا أدّى في غالب الظنّ لموت المريض, وأنّ اليأس من شفاء المريض لا يستلزم تعجيل وفاته بإيقاف ما يحفظ حياته عنه, والنصّ على أنّ حفظ الحياة واجب بغض النظر عن جودة الحياة وتقييمها أو توقّع عدم طولها.
ثالثاً: التوصية بدراسة صور الامتناع الجائز عن العلاجات المساندة للحياة وضوابطها بعد توضيح التفاصيل الطبية الواقعية من خلال استضافة الخبراء, وذلك بنظري يتطلب تخصيص ندوة كاملة يقسم فيها موضوع إيقاف العلاج المساند للحياة والامتناع عنه إلى محاور رئيسة, تعالج أبحاثها بشكل منفصل بحسب نوع العلاج ومدى ظهور وانضباط نفعه وأثر تعاطية أو تركه أو رفعه ".

----انتهى ما كتبته له----

وأشير هنا إلى أنّي قد توصلت ببحثي لتفصيل هام في الموضوع يرجع لمراعاة هذه المؤثرات, ومن أهم ذلك التفريق بين العلاجات التي ينضبط نفعها في دفع الهلاك في غالب الأحوال, فتعتبر مما يجب تقديمه إذا غلب على الظنّ دفعه لهلاك المريض, وبين علاجات أخرى لا ينضبط نفعها في غالب الأحوال في دفع الهلاك, وهذه تشبه التداوي المظنون الذي لم يوجبه جمهور الفقهاء, فلا تجب إلاّ إذا تُيقّن نفعها أو ظنّ ظناً قريباً جداً من اليقين, فتجب أيضاً. ويراعى في العلاج الواجب أن لا يتضمن ما يسقط وجوبه بالنسبة للمريض أو الطبيب, وفي هذا تفصيل لا يناسب المقام.

الأمر لا يحتمل التأجيل..
أرى أنّ الأمر لا يحتمل أن يؤجّل المجمع – إن قرّر ذلك - توضيح إشكالات قراره إلى دورة قادمة, وأنا شخصياً أدعو الأطباء لعدم الاتّكاء على فهمهم للقرار بعد أن تبيّن أنّ من صاغوه لم يستحضروا صورة إيقاف العلاج المساند للحياة الذي يؤدّي للموت, وإنّما كان حديثهم عاماً, بل في حديثهم عن تحسّن المريض إشارة إلى أنّ المقصود بالعلاج هو العلاج الذي يستهدف المرض لا العلاج المحافظ على الحياة, بدليل أنّهم نصّوا على أنّ الحفاظ على الحياة فريضة, وأكّدوا على حرمة قتل الرحمة بأي فعل بكل صوره, وفي الجلسة والمناقشات سمّى بعض المشاركين رفع أجهزة الإنعاش بقتل الرحمة السلبي أو المنفعل, كما حاول أحد المشاركين في الصياغة أن يحتج ببعض نصوص القرار لأخراج هذه الصورة من حكم الجواز كما تقدّم بيانه.

تغطيات الخبر تؤكد الإشكال وتروّج له:
عنونت جريدة الجياة في الأربعاء 24 رجب 1436 لتغطيتها لجلسة المجمع بقولها: («مجمع الفقه الإسلامي» ينهي الجدال في «الموت الرحيم» ويرجعه إلى تقدير الأطباء) وفي مقدمة تغطيتها تقول:" أنهى مجمع الفقه الإسلامي في اجتماعه للدورة الـ22 بمكة المكرمة أمس قضية «قتل الرحمة» أو «الموت الرحيم» أخيراً، إذ أرجع الأمر في نهايته إلى تقدير الأطباء في إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من برئه، وتوافقت معظم الآراء الفقهية في المجمع على ذلك، إذ لا حرج من رفع الأجهزة الطبية عنه، وذلك بعد ثبوت عدم جدوى علاجه. وتأتي فتوى علماء مجمع الفقه الإسلامي أخيراً في «الموت الرحيم» إسدالاً للستار على تلك القضية التي كانت موضعاً للخلاف بين العلماء والمذاهب الفقهية المختلفة الأخرى، والتي انتصر فيها العلم الطبي بالأخذ برأيه وحكمه في إنهاء ذلك الخلاف، واستناداً على رأي أغلب العلماء المسلمين، ومن بينها فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء السعودية "[4]. وضمن تغطيتها بعدد الخميس، 25 رجب 1436 تقول: " وتأتي أهم وأبرز الأحكام الفقهية التي صدرت عن المجمع بتوافق معظم الآراء الفقهية المشاركة في الدورة الحالية، حسم الجدل في المريض الميؤوس من برئه بإيقاف الأجهزة الطبية عنه، وذلك بالرجوع إلى الفريق الطبي الذي لا يقل عددهم عن ثلاثة أطباء ثقات "[5]. ونقلت آريبايان بزنس الخبر عن الحياة تحت عنوان: ("الموت الرحيم" للمريض الميؤوس من شفائه جائز بحسب مجمع الفقه الإسلامي)[6]. وفي تعبير عن غموض القرار عنونت شؤون خليجية له بقولها: (مجمع الفقه الإسلامي: القتل الرحيم جائز.. وحرام أيضًا! )[7]. وعنونت عكاظ: (جواز رفع أجهزة الإنعاش ومنع «المعاوضة» )[8].

وأنا لا أقول أنّ قرار المجمع الفقهي يتّفق مع تماماً مع تعبيرات هذه التقارير الصحفية, فعلى الصحافة لوم في عدم دقة التعبير, ولكنّ القرار في نظري لم يبن على أرضية صلبة من التصور الطبي والبحث الفقهي المبني عليه, ولم تصغ عباراته بمراعاة للاصطلاحات المتعارف عليها والسياق الواقعي الذي يجب استيعابه واستحضاره ومراعاته, كما لم تراع تفصيلات طبية يناسبها التفصيل الشرعي لا الإجمال, ولذلك جاء هذا القرار موهماً للأطباء, وهم المستهدف الأوّل من هذا القرار.

وختاماً, أدعو المهتمين بهذا الموضوع ممّن لديه القدرة إلى تنسيق جهد بحثي جماعي فقهي وطبي, وإشراك خبراء شرعيين وطبيين, وتنسيق جلسات مطولة لمناقشة جزئياته ضمن محاور, ثم مداولة ما طرح من إسهامات بحثية في نقاشات موسّعة, مع إشراك المعنيين من العلماء والقطاع الصحي والباحثين وبعض من يمثّل المرضى, للخروج بقرارات وتوصيات شاملة تعالج هذا الموضوع الشائك, والذي حار فيه العالم لعقود ولا زالوا, ونحن يمكننا أن ننهي تحيّرنا فيه انطلاقا من الشريعة الغراء مع إعطائه حقّه من التعمّق والجهد الشمولي المكثّف. كما إنّي أعرض على المهتمين خبرتي بالموضوع من الناحية الفقهية والواقعية وما توصلت له من توضيحات هامة في الجانب الطبي وجانب الخلفيات الفلسفية الأخلاقية للموضوع, ومستعد للتعاون مع أي جهة أو شخص يريد الإسهام فيه. والله أسأل الإخلاص والقبول. وصلى الله وسلّم على نبينا محمد.
وكتبه/ طارق بن طلال عنقاوي
27 رجب 1436 هجرية
@ttangawi


[1] انظر:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=292176


[2] انظر ورقتي لمزيد من التفصيل:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=292176

[3] انظر:
http://ar.themwl.org/node/187

[4] انظر:
http://alhayat.com/Edition/Print/91...ال-في--الموت-الرحيم--ويرجعه-إلى-تقدير-الأطباء

[5] انظر:
http://alhayat.com/Edition/Print/91...فاً-لوقت--صلاة-الظهر----ويفنّد-تعويضات-الطلاق

[6] انظر:
http://arabic.arabianbusiness.com/business/healthcare/2015/may/13/387564/#.VVWuB_lVhBd

[7] انظر:
http://alkhaleejaffairs.org/main/Content/مجمع الفقه الإسلامي: القتل الرحيم جائز.. وحرام أ�


[8] انظر:
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20150514/Con20150514771255.htm
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

بارك الله فيكم
دراسة دقيقة واستنتاجات مهمة
أقترح أن ترفع بحثك إلى أعضاء المجمع وتصل إليهم بأي شكل طالباً إعادة طرح المسألة للمناقشة والدراسة فس الدورة القادمة وعدم تأجيل ذلك
كما يمكنك الوصول إلى اللجان المسؤولة في وزارة الصحة وعرض المسألة عليهم وأحسبهم سيتعاونون معكم فالكل يرجو الخير

وكنت منذ زمن سمعت من أحد الأطباء العاملين في مثل هذه اللجان هنا بأن قانونهم ينص على التالي:
(أنه إذا لم يوضع المريض الميؤوس من شفائه على أجهزة الإنعاش فلا حرج في ذلك، أما إذا وضع ابتداء لا يجوز رفعها بحال لأن رفعها يدخل في قتل الرحمة)
والأطباء عندما قرروا ذلك وازنوا بين المصالح والمفاسد وقدموا مصلحة المريض الغالب على الظن تقبله للعلاج على الآخر، وقالوا بأن الأجهزة محدودة العدد ولذلك يحاولون مع الذي يغلب على ظنهم استجابته للعلاج)
والله أعلم
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

بارك الله فيكم
دراسة دقيقة واستنتاجات مهمة
أقترح أن ترفع بحثك إلى أعضاء المجمع وتصل إليهم بأي شكل طالباً إعادة طرح المسألة للمناقشة والدراسة فس الدورة القادمة وعدم تأجيل ذلك
كما يمكنك الوصول إلى اللجان المسؤولة في وزارة الصحة وعرض المسألة عليهم وأحسبهم سيتعاونون معكم فالكل يرجو الخير

وفيكم بارك

للأسف طرقت كثيرا من الأبواب منذ فترة طويلة فلم تفتح, ولكن بانتهاء البحث سأسعي لإيصاله بصورته المتكاملة لأكبر عدد ممكن من المهتمين ومن لديهم قدرة على التأثير إن شاء الله

بارك الله فيكم
(أنه إذا لم يوضع المريض الميؤوس من شفائه على أجهزة الإنعاش فلا حرج في ذلك، أما إذا وضع ابتداء لا يجوز رفعها بحال لأن رفعها يدخل في قتل الرحمة)
والأطباء عندما قرروا ذلك وازنوا بين المصالح والمفاسد وقدموا مصلحة المريض الغالب على الظن تقبله للعلاج على الآخر، وقالوا بأن الأجهزة محدودة العدد ولذلك يحاولون مع الذي يغلب على ظنهم استجابته للعلاج)
والله أعلم

عدم تقديم العلاج المساند للحياة مع تحقّق نفعه في دفع الهلاك, أو غلبة الظنّ بذلك إذا كان من العلاجات التي يعلم نفعها في العادة لتلك الحالة, هو من قبيل ترك الإنقاذ الواجب فيما توصّلت له, إلا أن يكون تقديم العلاج ساقطاً باعتبار آخر, كأن توجد مزاحمة حقيقيّة ويقدّم الأولى, أو يرفض المريض العلاج خوفاً من آثاره مثلاً, وبناء المسألة على التداوي الذي لا يتحقّق نفعه - كما هو صنيع كثير من الباحثين - مع إهمال المسائل الأخرى الأقرب شبهاً ليس بصحيح فيما توصّلت له. وبسط ذلك يطول.

أما تقديم مريض على مريض فالأطباء لا يقتصرون على الصورة الواضحة التي يأتي فيها مريضان ثم يكون الترجيح بينهما في تلك الحال, بل يمتنعون عن علاج الحاضر الأسبق مراعاة لما جرت به العادة من ورود الحالات الأحوج باستمرار, فيراد أن تكون الأماكن متاحة لهم,ولا تشغل بمن يرى الأطباء أن استمرار حياته على الأجهزة خطـأ بسببانخفاض جودة حياته أو كونه سيموت في كل الأحوال بعد مدة يرونها قصيرة

وللعلم,ليس هناك سياسة عامة تتيح الحدّ من العلاج المساند للحياة متبعة في جميع مستشفيات بلادنا حتى الآن, وهناك مجهودات جارية لتطوير سياسة عامة, لكنها غير مؤسسة على تأصيل شرعي متين, ولا شك عندي أن من سبب ذلك: ضبابية الأبحاث الشرعية وعدم دقتها من حيث الواقع ومن حيث التخريح على الأصول والمسائل الشبيهة.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

ولا شك عندي أن من سبب ذلك: ضبابية الأبحاث الشرعية وعدم دقتها من حيث الواقع ومن حيث التخريح على الأصول والمسائل الشبيهة.
وبرأيي أن هذا سبب
وإلا فالأسباب كثيرة لعل من أهمها أستاذنا الفاضل تزايد عدد المرضى بما أصبح يفوق الإمكانيات
فالمستشفيات لا تكاد تكفي وعدد العاملين في القطاع الصحي أقل بكثير من المطلوب ليس في بلادنا فحسب بل في كل بلاد العالم
ولو ذهبت لزيارة أي مشفى حكومي أو خاص ستلاحظ هذا الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

وبرأيي أن هذا سبب
وإلا فالأسباب كثيرة لعل من أهمها أستاذنا الفاضل تزايد عدد المرضى بما أصبح يفوق الإمكانيات
فالمستشفيات لا تكاد تكفي وعدد العاملين في القطاع الصحي أقل بكثير من المطلوب ليس في بلادنا فحسب بل في كل بلاد العالم
ولو ذهبت لزيارة أي مشفى حكومي أو خاص ستلاحظ هذا الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله

هو إذا كان الحديث عن أسباب عدم وجود سياسة عامة فهذا لا يرجع إلى ما ذكرتم, لأنّ هذه السياسة تعطي الأطباء حماية من المسائلة فهي من ناحية واقعية بحتة تخفف مشكلة تزايد عدد المرضى

أما إن كان قصدكم حصول الحدّ من العلاج عموماً فما ذكرتم صحيح, لكن يمكن أن يكون هو الحالة الغالبة خصوصاً في المستشفيات العامة, أما أن يكون حالا قطعياً فلا, فهناك استبيان واسع أجري بأوروبا أظهر أنّ قضية التزاحم لا تكون دائما بكل المستشفيات بكل الأوقات, فأحياناً يكون هناك مبالغة في هذه القضية, وإن كانت حاضرة بقوة بكل تأكيد, ولكن ثمّة أسباب أخرى غير ذلك, فهناك خلفية قيَميّة, وهي النظر للعلاج على أنّه غير مجدٍ وفيه هدر للجهد والمال, وذلك بناء على تقييم الحياة بحيث يرى الطبيب أنّها لا تستحق أن يبذل ذلك لها لانخفاض جودتها, وهذا يرجع في جذوره إلى منطلقات فلسفية عن الحياة لا تتفق مع الإسلام. ولا ينكر أن العلاج أحيانا يكون غير مجد بالفعل عندما لا يعطي أي أثر جسدي, ولكن هذا ليس هو المقصود الشائع من تبرير الحدّ من العلاج بعدم جدواه.

ثم إذا كان المنطلق هو مصلحة المرضى الآخرين فهو مع كونه منطلقاً صحيحاً إلاّ أنّه لا يصح إعماله بدون قيود, وهذا حتى عند الكفار, فهم لا يستبيحون قتل المريض مثلاً بإعطاء جرعة قاتلة رغماً عنه لكي يخلو الموارد لغيره, ويبقى السؤال هنا ما هي القيود الشرعية؟ وهذا السؤال يرد على قضية الامتناع عن العلاج ويرد على قضية إيقافه بما يؤدي لوفاة المريض, ولكل جوابه في نظري وقد يشتركان أحياناً.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
78
الكنية
أبو محمد
التخصص
الفقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
---
رد: تعليق هام على قرار المجمع الفقهي عن إيقاف العلاج وإشكالياته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

للتنويه:

اتضح من مراجعة رابط قرار المجمع:

عن طريق المصادفة أنّ القرار عُدّل, ونُشر هذا النص المعدل في مجلة مجمع الفقه, ولم أجد تنبيها منشوراً على إجراء التعديل من المجمع لينتبه لذلك الباحثون وجهات النشر, ولذلك فالقرار لا يزال يتداول بصيغته القديمة, بل للأسف قد ترجم للإنجليزية بتلك الصيغة في بعض الأبحاث ونسب للقرار أشياء ألغاها التعديل.​

والتعديل في القرار هو إضافة جملة " أو بقاء حياته" في ثالثاً ليكون كما يلي:

ثالثا: لا يجوز إيقاف العلاج عن المريض إلا إذا قرر ثلاثة من الأطباء المختصين الثقات أن العلاج يُلحق الأذى بالمريض ولا تأثير له في تحسن حالته أو بقاء حياته، مع أهمية الاستمرار في رعاية المريض المتمثلة في تغذيته وإزالة الآلام أو تخفيفها قدر الإمكان .


وهذه الإضافة تقلب النتيجة رأسا على عقب, فالنص بدونها يفيد -كما سبق إيضاحه في أصل مقالي- جواز الإيقاف عند عدم تحسين الحالة, ولو كان العلاج الذي يراد إيقافه يحافظ على حياة المريض ويدفع الهلاك عنه, وبهذه الإضافة أصبح مجرد الحفاظ على حياة المريض هدفاً معتبراً للعلاج, فلا يجوز إيقافه ما دام يحقّق هذا الهدف. وفي ذلك ابتعاد عن الاستناد الشائع لمفهوم تقييم الحياة وفق جودتها عند الحكم بعدم جدوى العلاج, إلى الاستناد إلى قيمة الحياة الذاتية وواجب الحفاظ عليها مطلقاً, وهذا يؤثر جذريا في المارسة الطبّية للحدّ من العلاجات المساندة للحياة.

للتوثيق:

القرار بصيغته القديمة موجود مثلاً في:

صحيفة العالم الإسلامي التابعة لرابطة العالم الإسلامي (والتي يتبع لها المجمع):
http://www.mwl-news.net/index.php/news/show/?id=348
وكالة واس:
http://www.spa.gov.sa/viewstory.php?lang=ar&newsid=1360911
موقع المسلم:
 
أعلى