العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

لا اختلاف فى الشريعة

إنضم
10 مايو 2015
المشاركات
219
الجنس
ذكر
الكنية
د. كامل محمد
التخصص
دراسات طبية "علاج الاضطرابات السلوكية"
الدولة
مصر
المدينة
الالف مسكن عين شمس
المذهب الفقهي
ظاهري
من وحى أهل الحديث

لا اختلاف فى الشريعة




إعداد



دكتور كامل محمد عامر


مختصر بتصرف
من كتاب



الإحكام في أصول الأحكام

للإمام المحدث الحافظ أبي محمدعلي بن أحمدبن سعيدالأندلسي القرطبي


وكتاب


الموافقات

فى أصُول الأحكام

للحافظ أبى اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمىّ الغرناطىّ

الشهير بالشاطبىّ

المتوفى سنة790

1433هـ ــــ 2012م


(الطبعة الأولي)




بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله على سابغ نعمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
ً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً دائمةً إلى يوم لقائه وسلم تسليماً .
وبعد : فمن الأمور الشائعة بين المسلمين قديماً وحديثاً أن الخلاف في المسائل حجة فى إباحة الفعل فيعتمد المفتى فِي جَوَازِ الْفِعْلِ عَلَى كَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَرُبَّمَا أفتى بعض العلماء فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْمَنْعِ؛ فَيُقَالُ له: لِمَا تمنع فالمسألة مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فيجعل الخِلاف حُجَّةً فِي الْجَوَازِ، وهذا خَطَأٌ فَاحِشٌ، فقد أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَنَازِعِينَ أَنْ يردُّوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. ولا يمكن أن يكون الشيئ الواحد حرام وحلال فى نفس الوقت لنفس الشخص فالحق يكون فى واحد منهما وعلى الفقيه الإجتهاد فى الوصول الى القول الحق منهما.فالاختلاف في الدين غير جائز وأوامر الله تعالى وأوامر رسوله لا يجوز خلافها البتة، وليس فيما جاء من عند الله تعالى على لسان رسوله تخالف.
ورحم الله علمائنا فقد ناقشوا هذا الأمر وفَنَّدُوا جميع أقوال القائلين بجواز الإختلاف.
ولما كان العرف اللغوى يختلف باختلاف الزمان فأردت تبسيط كلام السلف بشيئ من التصرف حتى يكون فى متناول طلبة العلم حِسْبةً لله تعالى. وقد اخترت من بين الكتب كتابالإحكام في أصول الأحكام للإمام المحدث الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي وكتاب الموافقات فى أصُول الأحكام للحافظ أبى اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمىّ الغرناطىّ الشهير بالشاطبىّ. فمن أراد التوسع فى هذا الأمر فليرجع إليهما.
هذا البحث ليس تحقيقاً للكتابين وليس تلخيصاً ولكنه شبه مقال استوحيته من كلام الإمامين ونَوَّهتُ عن كتاباتى بأنها من وحى أهل الحديث لأن جُلَّ استلهامى للموضوع كان من العالم المحدث ابن حزم وأما ما أخذته من الشاطبى فأنا اشير اليه دائما بقولى:قال الشاطبى رحمه الله، هذا وبالله التوفيق.

مناقشات بين مجوزى الإختلاف وبين المانعين
قالوا: الاختلاف رحمة، واحتجوا بما روي عن النبي : «أَصحابِي كَالنُّجُومِ بَأَيِّهِم اقْتَدَيْتُم اهْتَدَيْتُمْ».
قيل:
وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً. وهذا الحديث موضوع ومن توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية:
أحدها: أنه لم يصح من طريق النقل.
الثاني: أنه لم يجز أن يأمر عليه السلام بما نهى عنه وهو عليه السلام قد نص على تخطئة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من المجتهدين كتخطئته عليه السلام أبا بكر في تفسيره للرؤيا، وعمر في قوله في هجرة المهاجرين إلى الحبشة، وأسيد بن الحضير في قوله: بطل جهاد عامر بن الأكوع، وسائر الفتاوى التي أخطؤوا فيها كأبي السنابل في وضعه على الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين، ومثل هذا كثير فمن المحال الممتنع أن يأمر عليه السلام باتباع من قد أخبر أنه أخطأ، إلا أن يكون عليه السلام أراد نقلهم لما رووا عنه فهذا صحيح، لأنهم رضي الله عنهم كلهم ثقات، فعن أيهم نقل فقد اهتدى الناقل.
الثالث: أن النبي لا يقول الباطل، بل قوله الحق فليس كل النجوم يهتدى بها في كل طريق، فبطل التشبيه المذكور.
الأدلة على ذم الاختلاف
قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [SUB][البقرة: 176][/SUB]
وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [SUB][البقرة: 213][/SUB].
وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [SUB][آل عمران: 105][/SUB]
فصح أنه لا هدى في الدين إلا ببيان الله تعالى لآياته، وأن التفرق في الدين حرام لا يجوز.
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [SUB][الأنعام: 153][/SUB]
عَنْ جُنْدَبٍ بن عبد الله البلخي قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ" [SUB][البخاري: كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ[/SUB][SUB]بَاب اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ] .[/SUB]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ" [SUB][مسلم:كِتَاب الْأَقْضِيَةِ[/SUB][SUB]بَاب النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ][/SUB]
قال الشاطبى رحمه الله:
أحكام الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَثُرَ الْخِلَافُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: 82]؛ فَنَفَى الله سبحانه و تعالى أَنْ يَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ البتة.
وَقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
[النِّسَاءِ: 59]، وَهَذِهِ الْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي رَفْعِ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ أذ لايرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شَيْءٍ وَاحِدٍ.
ذهبت طائفة إلى أن كل مجتهد مصيب
قالوا: روِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِاخْتِلَافِهِمْ حُمْرَ النَّعَمِ" وَقَالَ بِمِثْلِ ذلك جماعة من العلماء،وَطَائِفَةٌ رَأَوْا أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ؛ وَإِنْ عَارَضَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَأَجَازَ جَمَاعَةٌ الْأَخْذَ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا.
واحتجوا
بما روي عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُثْمَانُ: "أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ" فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَصْنَعَ ذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَوْ كَانَ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ثُمَّ وَجَدْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَجَعَلْتُهُ نَكَالًا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [SUB][موطأ مالك :كِتَاب النِّكَاحِ بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِصَابَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا][/SUB]
ولا حجة في ذلك لوجوه:

أحدها:
أن قول عثمان وقول كل أحد دون النبي عليه السلام لا يلزم قبوله إلا بموافقة نص قرآن أو سنة أو إجماع.
والثاني: أن عثمان رضى الله عنه لم يُرِدْ ما ذهبوا إليه من كون الشيء حراماً حلالاً معاً في وقت واحد، على إنسان واحد، فهذا غاية المحال الممتنع، وإنما أراد أنه لم يتضح له الحكم فيها فتوقف ، لأنه رأى قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[SUB][المؤمنون: 6][/SUB] ورأى قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[SUB][النساء: 23] [/SUB]فلم يَبِن له وجه الحق فيهما:
فأخبر عن ظاهر الآية الأولى أنها قد تحتمل أن تكون محللة للجمع بين اللأختين بملك اليمين وهى مخصصة لعموم الجمع بين الأختين فى الآية الأخرى،(تحريم الجمع بين الاختين عام خص منه الأختان بملك اليمين).
وأن ظاهر الثانية قد يحتمل أن يكون محرماً للجمع بين اللأختين ومخصصاً للأية الأخرى (تحليل الزوجات وملك اليمين عام خص منه تحريم الجمع بين الاختين) فتوقف في ذلك.

قالوا: عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى النبي قال: إني أجنبت فلم أصل قال: «أَصَبْتَ» ، وأتاه رجل فقال: إني أجنبت فتيممت وصليت، فقال: «أَصَبْتَ» .
قيل: هذا كالأول سواء بسواء، لأن كل مجتهد معذور ومأجور، لأن الذي سأل أولاً لم يكن عنده أمر التيمم بلا شك، ومن هذه صفته فحكمه ألا يصلي أصلاً وهو جنب حتى يتطهر، والثاني كان عالماً بالتيمم فأدى فرضه كما يلزمه، وكان حكمهما مختلفاً لا متفقاً، وكلاهما أصاب وجه العمل فيما عليه بقدر علمه، ولم ينكر هذا، إنما ينكرأن يكون الشيء حقّاً باطلاً من وجه واحد في وقت واحد.
واحتجوا بما روى
عنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَفَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » .[SUB][البخاري: كِتَاب الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ[/SUB][SUB]بَاب أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ]
[/SUB]
فنص الحديث أن المجتهد يخطىء، وليس مأجوراً على خطأه، والخطأ لا يحل الأخذ به، ولكنه مأجور على اجتهاده، وليس قول القائل برأيه اجتهاداً، وأما خطأه فليس مأجوراً عليه، لكنه مرفوع عنه الإثم بقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [SUB][الأحزاب: 5].[/SUB]
ويقال لهم: أفي المتكلمين في الفتيا أحد أخطأ أم لا؟
فإن قالوا:
لا، كابروا؛ لأن الحس يشهد بأن الخطأ موجود.
وإن قالوا: نعم، تركوا القول بأن كل مجتهد مصيب.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اخْتِلَافَهُمْ رَحْمَةٌ وَسِعَةٌ؛ فَقَدْ قال مَالِكٍ:"لَيْسَ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعَةٌ، وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ" وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ حَاكِمَةً بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ.
فصح أن الحق في واحد ولا بد، فمن خالفه ناسياً أو هو يرى أنه حق، فليس آثماً، ولكنه مأجور أجراً واحداً، ومن خالفه عامداً عالماً فهو إما فاسق وإما كافر، إن كان يقصد مخالفة الإسلام، وبالله تعالى التوفيق.
قالوا: العامي إذا اختلفت عليه فتوى الفقهاء فإنه مُخَيَّر في أقوالهم.
قال الشاطبى رحمه الله
إذَا عَرَضَ الْعَامِّيُّ نَازِلَتَهُ عَلَى الْمُفْتِي؛ فَهُوَ قَائِلٌ لَهُ: "أَخْرِجْنِي عَنْ هَوَايَ وَدُلَّنِي عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ"؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: "فِي مَسْأَلَتِكَ قَوْلَانِ؛ فَاخْتَرْ لِشَهْوَتِكَ أَيَّهُمَا شِئْتَ؟ ". فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا تَحْكِيمُ الْهَوَى دُونَ الشَّرْعِ.
قلتُ
(كامل) فعلى العامى الإجتهاد على قدر استطاعتة فيسأل عن الأعلم والأتقى.
قالوا: الميتة عين واحدة وهي حلال للمضطر حرام على غير المضطر.
والجواب:
لا يشك أحد فى صحة اختلاف حكم الشيء الواحد على إنسانين متغايرين، أو في وقتين مختلفين، بل هذا لازم في كل شيء، فمال زيد حلال لزيد، حرام على عمرو، والأكل في شوَّال حلال للبالغين العقلاء وحرام عليهم في رمضان، وهكذا جميع الشرائع أولها عن آخرها. وإنما المنكر أن تكون الميتة حلالاً لزيد حراماً عليه في وقت واحد، وأن يكون القصاص من القاتل واجباً حراماً في وقت واحد، فمثل هذا لا يصدقه ذو عقل.
قالوا: إن الصحابة قد اختلفوا وأفاضل الناس، أفيلحقهم هذا الذم؟
قيل: وبالله تعالى التوفيق: كلا، ما يلحق أولئك شيء من هذا، لأن كل امرىء منهم تحرى سبيل الله ووجهة الحق:
· فالمخطىء منهم مأجور أجراً واحداً لنيته الجميلة في إرادة الخير، وقد رفع عنهم الإثم في خطئهم لأنهم لم يتعمدوه ولا قصدوه ولا استهانوا بطلبهم
· والمصيب مأجور منهم أجرين.
وهكذا كل مسلم إلى يوم القيامة فيما خفي عليه من الدين ولم يبلغه، وإنما الذم المذكور لمن ترك التعلق بحبل الله تعالى الذي هو القرآن وكلام النبي بعد بلوغ النص إليه، وقيام الحجة به عليه وتعلَّق بفلان وفلان مقلِّداً عامداً للاختلاف، داعياً إلى عصبية وحمية الجاهلية، فهؤلاء هم المختلفون المذمومون.
واحتجوا بالصواب في اختلاف القراءات وبالأشياء المباحات في الكفارات، وأنها كلها حق على اختلافها. وهذا لا حجة فيه، لأن القراءات المختلفة ليست متنافية، لا يُنْكَرُ الصوابُ فيما لا يتنافى ولا فيما أمر به الله تعالى،وإنما ينكر أن يكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حلال حقاً، ويكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حرام حقاً، فيكون الشيء حراماً حلالاً، مأموراً به منهياً عنه في وقت واحد، لإنسان واحد، من وجه واحد، فهذا الذي يُنْكَر. واختلاف القراءات التي ذكروا مثل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ } يقرأ بها بعض القراء في أوائل السور، ويسقطها بعضهم، فكل ذلك مباح، من أسقطها فقد أبيح له، ومن قرأها فقد أبيح له، وكذلك المخير في كفّارة الأيمان هي العتق والإطعام والكسوة، فليس شيء من ذلك متنافياً وهذا غير ما اختلف فيه وغير ممكن أن يكون شيء واجباً تركه، وواجباً فعله على إنسان واحد في وقت واحد. قالوا:قد روي أن النبي أمر أثر غزوة الخندق ألا يصلي أحد العصر إلا في بني قريظة فصلى قوم العصر إذ دخل وقتها قبل أن يبلغوا بني قريظة، وقالوا: لم يرد منا هذا، وأخَّرها آخرون حتى صلوها في بني قريظة مع الليل، فبلغ ذلك النبي فلم يعنف إحدى الطائفتين.
قال على بن احمد رحمه الله
: وهذا لا حجة فيه، لأن المجتهد المخطىء لا يعنف، وكانت صلاة من صلى أمراً قد فات فلا وجه لتعنيفهم، ولكن الصواب بلا شك في فعل إحدى الطائفتين.قال ابن حزم رحمه الله "ولو كنا معه ما صلينا العصر إلا في بني قريظة معه ولو نصف الليل".
واحتجوا باختلاف الصحابة، وأنهم لم ينقض بعضهم أحكام بعض ولا منعوا مخالفهم من الحكم بخلافهم. وهذا لا حجة لهم فيه، لأنهم قد أنكر بعضهم على بعض:
فقد قال ابن عباس: من شاء باهلته عند الحجر الأسود في العول في الفرائض، وفي تخليد القاتل. وقال: أما تخافون أن يخسف الله بكم الأرض أقول لكم: قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر، وعمر.
وهذا ابن عمر يقول إذ أمر بالمتعة في الحج، فقيل له: أبوك نهى عنها فقال: أيهما أولى أن يتبع، كلام الله أو كلام عمر؟
وهذا عمران بن الحصين
يقول في نهي عمر عن المتعة في الحج: نزل بها القرآن وعملناها مع النبي ، قال فيها رجل برأيه ما شاء.
وهذا ابن الزبير يقول لابن عباس في متعة النساء: لئن فعلتها لأرجمنك فجرب إن شئت!
وهذا عمر
قد فسخ بيع أمهات الأولاد وردهن حبالى من تستر، وفسخ فعل أبي بكر في استرقاق نساء المرتدين. وكان يضرب على الركعتين بعد العصر، وكان طلحة وأبو أيوب وعائشة يصلونهما، وتستر بها أبو أيوب وأبو طلحة مدة حياة عمر، فلما مات عاوداهما.
قالوا:لو كان الحق في واحد لنص الله على ذلك نصاً لا يحتمل التأويل.
قيل: إن الله تعالى قد فعل، والآيات ناصَّة نصّاً جليّاً على أن الحق في واحد، وأن سائر الأقوال كلها فاسدة وخطأ، وأمره تعالى بالرد عند التنازع إلى القرآن والسنةلقوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }[SUB][ النساء 59] [/SUB] بيان جليّ أن القول الذي يشهد له النص هو الحق وهو من عند الله تعالى، وما عداه باطل ليس من عنده. وقد أخبر تعالى أن الاختلاف ليس من عنده عز وجل،لقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: 82] ؛فصح أن ما لم يكن من عنده تعالى فهو باطل، فصح أن الحق في واحد ضرورة وبالله تعالى التوفيق.
قالوا:
لو كان الناس مكلفين عين الصواب لكان على من خالفه الإعادة لكل ما عمل بغير الحق.
والجواب: إن ما كان من الشرائع مرتبطاً بوقت محدود الأول والآخر،فلا إعادة على من تركه أصلاً، إلا حيث جاء النص بإعادته، لأنه لا سبيل إلى رجوع وقت تلك الشريعة، وهي لم نؤمر بها إلا في ذلك الوقت، فلا سبيل إلى أدائها، كالصلاة وما أشبهها، والصيام ونحوه فلا يقضي شيئاً من ذلك لا جاهل ولا عامد ولا متأول،حاشى الناسي والنائم للصلاة، وحاشا المريض والمسافر والمتقيىء عمداً للصوم فقط.
وما كان مرتبطاً بوقت محدود الأول غير محدود الآخر، أو كان غير مرتبط بوقت فهومؤدى أبداً، ومعاد،ولا بدكإنسان جهل الزكاة في البر فبقي سنين مسلماً مالكاً لمقدار تجب فيه الزكاة منه، ثم علم بعد ذلك فعليه الزكاة للسنين الخالية، وكإنسان أداه اجتهاده إلى أنه لا نفقة لموروثه وذي رحمه المحرمة عليه، فأقام كذلك عشرات سنين، ثم علم فهي دين عليه يؤديها إليهم أبداً، ويخرج من رأس ماله إن مات، وهكذا في كل شيء، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا:لو كنا مكلفين إصابة الحق لكان تعالى قد نصب عليه دليلاً مَنْ أصابه عَلِمَ أنه أصابه، ومَنْ أخطأه علم أنه أخطأه.
قلتُ
(كامل):الأخذ بظاهر القرآن والحديث الصحيح و الاجماع هو الدليل على الحق وقد قال ضياء الدين بن الأثير فى كتابه المثل الثائر في أدب الكاتب والشاعر "واعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليلكقوله تعالى‏:‏ ‏{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ‏}‏[SUB][المدثر:4][/SUB]فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس ومن تأول ذهب إلى أن المراد هو القلب لا الملبوس وهذا لا بد له من دليل لأنه عدول عن ظاهر اللفظ فالمعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلافوالمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلافإذ باب التأويل غير محصور والعلماء متفاوتون في هذا فإنه قد يأخذ بعضهم وجهاً ضعيفاً من التأويل فيكسوه بعبارته قوة تميزه على غيره من الوجوه القوية"
قالوا: لقد قال العلماء هذا مما يسوغ فيه الاجتهاد، وهذا مما لا يسوغ فيه الاجتهاد.
قال على بن احمد رحمه الله إن كان الإجتهاد هو إجهاد المرء نفسه في طلب حكم دينه في مظانّ وجوده فهذا فرض على كل أحد في كل شيء من الدين وإن كان الاجتهاد أن يقول المرء برأيه ما أداه إليه ظنه، فهذا باطل لا يحل أصلاً في شيء من الدين.
وأيضاً
فإن المفتي ليس له أن يشرع، ولا أن يحلل ولا أن يحرم، وإنما عليه أن يخبر عن الله تعالى بحكمه في هذه النازلة، ومن المحال أن يكون حكم الله تعالى فيها غير مستقر، إما بتحليل، وإما بتحريم، وإما بوجوب. وقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } مبطل لقول من قال: إن الشيء يكون حراماً حلالاً باختلاف الفقهاء فيه، ومخبر أن قائل ذلك كاذب، وأنه ما حرم الله تعالى فهو حرام لا حلال، وما أحله تعالى فهو حلال لا حرام، وكذلك القول فيما أوجب تعالى.
ويسألون عن فقيهين، رأى أحدهما إباحة دم إنسان، ورأى الآخر تحريمه، ورأى أحدهما تارك الصلاة كافراً، ولم يره الآخر كافراً، فإن أطلقوا أن كل ذلك حق عند الله عز وجل لحقوا بالمجانين، وجعلوا إنساناً واحداً كافراً في جهنم مخلداً أبد الأبد، مؤمناً في الجنة مخلداً أبد الأبد، وهذا غاية الجنون، وليس هذا الباب من نوع ما أمرنا بإعطائه وحرم على الآخذ أخذه، فهذان حكمان على إنسانين مختلفين، كسائل سأل وهو غني فأعطاه المسؤول، فالمعطي محسن مأجور، والآخذ فاسق عاص آكل سحتاً، وكذلك فادي الأسير ومعطي الرشوة في دفع مظلمة. وهكذا القول في الاجتهاد في القِبْلة إنما هو مأمور بمقابلة المسجد الحرام فقط، وغير مأمور بالصلاة إلى جهة غيرها، لكن الإثم عنه مرتفع إن وافق غيرها باجتهاده، وهو مخطىء وغير مأجور في ذلك، وإنما يؤجر على اجتهاده لا على ما أداه إليه الاجتهاد إلا أن يكون يؤديه إلى حق فحينئذ يؤجر أجرين أجراً على الطلب وأجراً على الإصابة.
المجتهد مأمور بالاجتهاد وبإصابة الحق
فكل مجتهد ليس مأموراً بما أداه إليه اجتهاده بل هو مأمور بالاجتهاد وبإصابة الحق والاجتهاد فعل المجتهد وهو غير الشيء المطلوب، فإننا أُمِرنا بالطلب لا بالشيء الذي وُجِدَ ما لم يكن عين الحق، فالاجتهاد هو طلب الحق وإرادته، وإنما غلط من غلط، لأنه توهم أن الاجتهاد هو فعل المجتهد للشيء الذي أداه إليه اجتهاده.
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضى الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"[SUB][البخاري: كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب فَضْلِ مَنْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ][/SUB]فلو لم يكن علينا إصابة الحق، وكنا لا يلزمنا شيء إلا الاجتهاد فقط لكان كل أحد من الناس عالماً بحكم تلك المشتبهات لأنَّ قولَ كل مجتهدٍ صوابٌ على زعمهم ؛ وهذا تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم فى قوله عليه السلام : «لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» ومن لم يعلم تلك المشتبهات فقد جهلها، ومن جهلها فقد أخطأها ولم يصب الحق فيها.
وقالوا:
لو كان الحق في واحد لكان ما خالفه ضلالاً.
قيل:هو ضلال، ولكن ليس كل ضلال كفراً ولا فسقاً إلا إذا كان عمداً، وأما إذا كان عن غير قصد فالإثم مرفوع فيه كسائر الخطأ ولا فرق.
قال الشاطبى رحمه الله:
إنَّ فَائِدَةَ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ إِخْرَاجَ الْمُكَلَّفِ عَنْ دَاعِيَةِ هَوَاهُ، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ نَقْضٌ لِذَلِكَ الْأَصْلِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، فيجب أَنْ يَكُونَ الْمُكَلَّفُ دَاخِلًا تَحْتَ قَانُونٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ؛ اعْتِقَادًا، وَقَوْلًا، وَعَمَلًا؛ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَمَتَّى خَيَّرْنَا المكلفين فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ؛ لِيَنْتَقُوا مِنْهَا أَطْيَبَهَا عِنْدَهُمْ لَمْ يبقَ لَهُمْ مَرْجِعٌ إِلَّا اتِّبَاعَ الشَّهَوَاتِ فِي الِاخْتِيَارِ.
فَصْــــــــلٌ

قال الشاطبى رحمه الله: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَنِي قَوَاعِدُ:
مِنْهَا
أنه ليس للمقلد أن يتخيرفي الْخِلَافِ ولكن عليه التَّرْجِيحُ بِالْأَعْلَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ ضَابِطًا قُرْآنِيًّا يَنْفِي اتباع الهوى جملة. وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} [النِّسَاءِ: 59]، وَهَذَا الْمُقَلِّدُ قَدْ تَنَازَعَ فِي مَسْأَلَتِهِ مُجْتَهِدَانِ؛ فَوَجَبَ رَدُّهَا إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَيْضًا
فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ لَا يحل.
وَأَيْضًا
فَإِنَّهُ مؤدٍّ إِلَى إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْأَمْرِ مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَفْعَلَ إِنْ شَاءَ، وَيَتْرُكَ إِنْ شَاءَ وَهُوَ عَيْنُ إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَقَيَّدَ بِالتَّرْجِيحِ فَإِنَّهُ مُتْبِعٌ لِلدَّلِيلِ؛ فَلَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِلْهَوَى وَلَا مُسْقِطًا لِلتَّكْلِيفِ.
فَصْلٌ
قال الشاطبى رحمه الله: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ مَيْلٌ مَعَ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَالشَّرْعُ جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَهَذَا مُضَادٌّ لِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَمُضَادٌّ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[SUB][النِّسَاءِ: 59][/SUB] وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَوْضِعُ تَنَازُعٍ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَدَّ إِلَى أَهْوَاءِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إِلَى الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ تُبَيِّنُ الرَّاجِحَ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ.
هذا وبالله التوفيق
 

عمر محمد علي

:: متفاعل ::
إنضم
15 مارس 2013
المشاركات
319
التخصص
القانون
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
عاميّ
رد: لا اختلاف فى الشريعة

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً
أرجو من حضرتك :

أولاً: كتابة مقدمة صغيرة عن الموضوع حتى تكون بمثابة " صورة المسألة " حتى يفهم القارئ معنى " لا اختلاف في الشريعة " دون أن يكون السبيل الوحيد لفهم مضمون الموضوع هو قراءته كاملاً

ثانياً: التكرم بوضع مواضع الموضوع في نهاية كل مشاركة - في الفرض حيث أن الموضوع لم تنته حضرتك من كتابته بعد .
والمقصود من " مواضع الموضوع " هو :
ذكر الباب أو الفصل أو المقصد في الكتب المذكورة التي يجد المتابع تحتها كلام حضرتك إذا ما أراد الرجوع للأصول التي تفضلت بالإشارة إليها
مقصد كذا باب كذا فصل كذا تحت عنوان كذا .
وذلك لأن العزو برقم الجزء والصفحة يختلف من طبعة لأخرى وقد لا تتوافر الطبعة التي رجعتم إليها لدى المشاهد مع رغبته الشديدة في قراءة الموضوع باستفاضة من مصادره الأصلية التي استقاه الكاتب - أي حضرتك - منها . إذ أن هذه العناوين الرئيسية والفرعية والجانبية غالباً تكون من صنع المؤلف نفسه وليس من صنع المحقق - كتبويب البخاري - وبالتالي لا تختلف من طبعة لأخرى ومن ثم يسهل الوصول لمواضع المسألة .

ثالثاً: في الفرض حيث أن الموضوع لم ينته بعد ولا زال فيه مادة علمية، فأرجو التنويه على ذلك في نهاية كل مشاركة بكلمة
" يُتبع إن شاء الله " كما هو متبع في بعض المنتديات - كعرف وليس كقانون ملزم - ، وكلمة " تم بحمد الله " في آخره للدلالة على أن كاتبه قد أوصل كل ما يريد ولا مزيد يُنتظر إلا التعليقات والردود والمشاركات.

ولك جزيل الشكر.
 
إنضم
10 مايو 2015
المشاركات
219
الجنس
ذكر
الكنية
د. كامل محمد
التخصص
دراسات طبية "علاج الاضطرابات السلوكية"
الدولة
مصر
المدينة
الالف مسكن عين شمس
المذهب الفقهي
ظاهري
رد: لا اختلاف فى الشريعة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكر الله لك
وبعد
أما أولاً وثالثاً فقد أجبت طلبك وشكرتُ الله لك.
أما ثانياً:
فأنا لم أقم بتحقيق الكتابين ولكن هذا المقال أو قل الكتيب من إعدادى باستلهام أقوال العالِمين الجليلين وقد قلتُ أنا فى الغلاف
"بتصرف" فأنا لم أنقل نقلاً حرفياً وكتاباتى فى أصول الفقه، إما تبسيط لعلوم السلف أو استلهاماً من أقوال علماء الحديث. وبالتالى لا استطيع ان أذكر موضع كل قول ولكن من أراد التفصيل أو المراجعة فالأمر بحمد الله أصبح يسيرأ فيستطيع القارئ بواسطة محركات البحث فى الكتابين أن يصل للموضوع بسهولة ويُسر إن شاء الله ولكن بالنسبة للآيات والاحاديث فأنا أعزوها لموضعها بدقة فائقة .
هذا وأكرر شكرى لك على هذه التنويهات.
دكتور كامل محمد محمد
 
أعلى