العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

إنضم
2 يونيو 2009
المشاركات
77
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه - أعلام الغرب الإسلامي
الدولة
المملكة المغربية
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
د. مصطفى بن الحو حداني: موضوع فقه الواقع هو موضوع مفصلي، نميز فيه بين اتجاهين في الاجتهاد الفقهي، اتجاه يوسم بالاجتهاد الواقعي، والآخر بالاجتهاد المعياري التنظيري؛ وهما كما نرى يقفان على طرفي نقيض، وهذا التناقض منشؤه، خلل في الوصل المنهجي بين الفقه والواقع أو الواقع والفقه ولاشك.
لقد اعتنى علماء الأمة بالواقع، ومن ذلك ما ورد عن الحجوي، قال: «ولا كان استيعاب جميع الفروع الفقهية، وأعيان الوقائع الجزئية، والإحاطة بجميع أحكامها وإنزال شريعة بذلك لا يسعه ديوان...»[1].
إن معرفة الأحكام الفقهية أمر سهل لا يحتاج إلا لهمة في التحصيل، بخلاف تطبيقها على الوقائع، فإنه أمر عسير، يحتاج إلى مران ودربة، يقول العلامة الونشريسي: «ولا غرابة في امتياز علم القضاء عن غيره من أنواع علم الفقه، وإنما الغرابة في استعمال كلمات علم الفقه، وانطباقها على جزيئات الواقع بين الناس، وهو عسير على كثير من الناس، فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الفقه ويفقهه ويعلمه غيره فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة، أو مسألة من الأعيان لا يحسن الجواب. بل ولا يفهم مراد السائل عنها إلا بعد عسر»[2].
إن الاعتناء بفقه الواقع مطلب شرعي، إذ عليه تبنى كثير من الأحكام وعلى ضوئه تتخذ المواقف المصيرية؛ فهو علم يبحث في فقه أحوال المكلف، والعوامل المؤثرة فيه، وفي وسطه والقوى المهيمنة على محيطه وبيئته والأفكار الموجهة لثقافته وذهنيته. وهذا علم أصيل في شريعتنا قوامه مراعاة الشارع لأحوال المكلفين. يقول U: ï´؟وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَï´¾[3]. فمعرفة المجرمين، وطريقهم وأهدافهم، ومطامعهم، من الفقه للواقع.
أما السنة، فقد حفلت بالشواهد على عناية النبي e بهذا الجانب. فمثلا؛ عندما ضاقت مكة بالمستضعفين بما رحبت، و«رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء ، وما هو فيه منعافية بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب، وأنه لا يقدر أن يمنعهم مما هم فيه منالبلاء، قال لهم:لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لايظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه»[4]، وهذا برهان ساطع على درايته e بواقعه، وما يدور حوله من أحوال قومه، وأحوال الأمم المعاصرة له.
فالجهل بفقه الواقع من أهم أسباب تخلف الأمة، ذلك أن غلبة الفقه التنظيري المعياري يجعلها حبيسة وضع افتراضي نمطي، لا يمث للواقع بصلة، فتتسع الهوة بين الشرع والمكلف، وبين المكلف وواقعه.
فقط الذين يعيشون على هامش الحياة، هم من لا يفقهون واقعهم، فالمطلوب من المكلف أن يتفاعل تفاعلا إيجابيا مع واقعه، إذ لا يكفي مجرد التأثر بالأحداث والوقائع، وإنما يجب أن يكون مؤثرا في الواقع كعنصر إجابي متجاوب مع الأحداث؛ ذلك أن الوعي بالواقع مدعاة للعمل من أجل إصلاحه.
قلت: والمواقف التي تبناها بعض الفقهاء زمن الاحتلال، خاصة في ما يتعلق بدعوى إقامة الجهاد، كانت مواقف معيارية، ذلك أن أكثر هذه المواقف كانت مواقف انفعالية أو وقتية أوفي أحسن أحوالها نمطية، لا تمث إلى الواقع بصلة. حيث افتقرت إلى دراسة تحليلية ماحصة فاحصة لأحوال الأمة من جهة، وأحوال المحتل من جهة أخرى. فكانت النتائج غير سليمة، واتخذت القرارات الخاطئة، وغرق المسلمون في بحر لجي من الفوضى والتخبط.
ففقه الواقع يقصد به: أن يراعي الناظر في النوازل، حال الواقع المحيط بالنازلة، سواء كان الحال زمانا أو مكانا، وعلى الناظر تبعا لذلك مراعاة هذا الواقع عند حكمه.
والنظر في الواقع، يفسر تغير الأحكام بتغير الأوضاع والأحوال الزمانية والبيئية، كما يفسر مخالفة فتاوى الفقهاء المتأخرين في شتى المذاهب، في كثير من المسائل عما أفتى به أئمة مذاهبهم وفقهائهم الأولون؛ وعللوا ذلك بتغير أحوال الناس وأوضاعهم... وعلى هذا أسست قاعدة: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
وقد عقد الإمام ابن القيم لها فصلا قيما في كتابه "إعلام الموقعين". واستدل عليها وناصرها[5].
فتغير الفتوى بتغير المصلحة، يوجب إحاطة شاملة بالواقع من كل جوانبه، وهذا يحتم على الفقيه قبل إصدار الفتاوى -خاصة في الظروف الدقيقة التي تعيشها الأمة الآن- أن يستشير مع الخبراء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، وهو ما أصبح يعرف بـ:"الفتوى الجماعية" التي تصدرها مجمعات البحوث والإفتاء في كل الأمصار الإسلامية.


[1] - الحجوي: محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي. "الفكر السامي" ج1ص225.

[2] - الونشريسي: " المعيار" ج10ص79–80.

[3] - الأنعام: الآية 56.

[4] - أبو محمد عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية (سيرة ابن هشام): ج1ص321-322.

[5] - فصل تغير "الفتوى واختلافها بحسب تغيير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد" [من كتاب: إعلام الموقعين" لابن القيم ج3ص11-36].


 
التعديل الأخير:
إنضم
16 أكتوبر 2015
المشاركات
7
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
تفسير وعلوم القرآن
المدينة
إب
المذهب الفقهي
شافعي
رد: فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

بسم الله
لا شك في أهمية معرفة الواقع للفقيه، وقد كتبت حول هذا الموضوع كتب جمة بل نص على ذلك أهل العلم في كتبهم الأصولية أثناء سردهم لشروط الاجتهاد، بيد أن المشكلة تكمن في ثلاثة أمور:
الأول: تحديد معرفة الواقع وماهيته، خاصة أنا ندرك مقدار التشعب الذي حدث مع العلوم الدنيوية، ومقدار الخفاء والغموض الذي تتسم به بعض الأحداث خاصة فيما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية، والتي لا يملك فيها الفقيه غالبا الأدوات التي تمكنه من فهم وإدراك واستيعاب الحدث وأسبابه ومىآلاته مع الانتباه إلى جملة من العوامل التي تؤثر فيه تلكم الواقعة والتي منها وسائل الإعلام وقصور المعرفة، وشدة المكر مما يجعل الفقيه أمام محنة عصيبة في كيفية التعامل مع الحدث خاصة إذا كان ملحاً، مما قد يوقعه في اختيارات خاطئة جدا لربما تتسبب في مشاكل مجتمعية جمة قد يندم عليها طوال حياته، وهذا يحتم ضرورة الحذر والانتباه لتلكم التشابكات والتقاطعات التي يصعب فهمها بداية، وإن كانت القلة القليلة من أهل العلم تدركها لأن الفتن إذا أقبلت عرفها أهل الحكمة وإذا أدبرت عرفها كل أحد,
الثاني: يصعب على الفقيه أن يلم بعصره وعلومه ولو على سبيل الإجمال الخادم لتخصصه، ولهذا يحبذ أن يتوسع الفقيه فما يراه قريبا إليه ويرى نفسه ميالة نحوه، فمثلا من كان مختصا بفقه المعاملات المالية يسعى جاهدا لمعرفة الجوانب الاقتصادية الدنيوية التي تخدم فقهه وآلية تنزيله، وكذلك يقال فيمن تخصص في أحكام الأسرة وغيرهما بل قد يكون تخصصه أدق كأن يتخصص في فقه المقاولات مثلا، أو البنوك، أو الأسهم والبورصات.. وهكذا.
الثالث: قد يأنس الفقيه في نفسه المعرفة وفهم الواقع وهو في حقيقة الأمر خالي الوفاض أو لديه إلمام بسيط وعام وجملي ببعض نواحي تخصصه أو الواقعة موضع الفتوى، وهنا تكون الكارثة، فهذا النوع يحتاج إلى تنبيه ونصح وتطوير دائم، والأصل أن تتضمن المناهج الدراسية في التخصصات الشرعية جوانب مفيدة ومهمة من العلوم الدنيوية، كالإقتصاد والإعلام وعلم النفس.. بل وتتضمن معارف إنسانية كالجغرافيا الدينية والأديان والمذاهب والأعراف المجتمعية المختلفة.. فإن لم يتيسر ذلك ولم تحتمله المناهج فلا أقل من أن تتبناه مؤسسات تعليمية حكومية أو أهلية بحيث تقيم دورات في تلكم المجالات وغيرها، والله أعلم.
 
إنضم
21 سبتمبر 2013
المشاركات
19
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
تاجوراء
المذهب الفقهي
المالكي
رد: فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

جزاكم الله خيرا
 

نهى الهذلي

:: متابع ::
إنضم
3 أكتوبر 2016
المشاركات
14
التخصص
أصول فقه
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
21 مارس 2012
المشاركات
168
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سعد المراكشي
التخصص
فقه النوازل المعاصرة
الدولة
المغرب
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
رد: فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

ما شاء الله، جميل ما سطرته يمناكم، بوركتم.
 
إنضم
11 يونيو 2015
المشاركات
15
الجنس
أنثى
الكنية
كعيد
التخصص
فقه وأصول الفقه
الدولة
الإمارات
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: فقه الواقع .. بين التأصيل النظري والتنزيل العملي

جزاكم الله خيرا ونفع بكم
 
أعلى