رد: سد الذرائع: بين الأصول والقواعد
تطلق كلمة القاعدة ويقصد في الاصطلاح بها معان متعددة ، فنجدها بمعنى القضية الكلية كما في كتاب التعريفات للجرجاني : القاعدة : قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها
وهذا التعريف قريب من المنطلق اليوناني، إن لم نقل متطابقا معه .
ونجدها ترد بمعنى القانون ، حيث قال أبو البقاء الكفوي في كلياته : " القانون هو كلمة سريانية بمعنى المسطرة ، تم نقل إلى القضية الكلية من حيث يستخرج بها أحكام جزئيات المحكوم عليه فيها . وتسمى تلك القضية أصلا وقاعدة، وتلك الأحكام فروعا، واستخراجها من ذلك الأصل تفريعا
ونجد قريبا من هذه المعاني في المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية جاء فيه " القاعدة من البناء أساسه ، والضابط ، أو الأمر الكلي ينطبق على جزئيات ، مثل كل أذون ولود وكل صموخ بيوض
وهي هنا بمعنى الأساس، والضابط، والأمر الكلي.
وإذا انتقلنا إلى حقل معرفي آخر قريب من المنطلق اليوناني، وهو الحقل الفلسفي نجدها لا تخرج عن المعاني السابقة، بل مؤكدة لها ومضيفة حسا استدلاليا عقليا في بناء مقدمات للأصول إلى نتائج.
قال جميل صليبا في معجمه الفلسفي " القاعدة قضية كية منطبقة على جميع جزئياتها
تعريف الجرجاني – وقيل هي قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئية تسمى فروعا لها ، ويراد فها في العربية : الأصل ، والأساس ، والقانون .. والفرق بين القاعدة الأخلاقية أو الفنية أو المنطقية وبين القانون الطبيعي : أن القاعدة لا يكتفي بالخبر والمشاهدة ، بل تنشئ الشيء و توجب العمل به
فإذن نجمع الكلام فنقول: القاعدة لها معان متعددة، لكنها متقاربة تدور حول:
- الأساس الذي ينبني عليه غيره
- الأصل الذي تتفرع عنه الفروع
- القضية الكلية التي تنطبق على جميع جزئياتها
- القانون الذي يحكم العلاقات بين الأشياء، و بين المقدمات و النتائج.
و هذه المعاني تختلف حسب الحقول المعرفية المستعملة فيها، من حقل لغوي إلى علمي..و هكذا. كما تحديد إحدى معانيها يكون حسب السياق الذي وردت فيه القاعدة، و لو في الحقل المعرفي الواحد.
و الآن ننتقل إلى معانيها في حقل معرفي عقلي لكنه مرتبط بالشرع، و هو أصول الفقه، فتكون القاعدة مضافة إلى علم ، فتصبح كما يلي: القاعدة الأصولية، أو القواعد الأصولية.
و لكي نحدد مفهوم هذا المركب الإضافي نقوم بتفكيكه.
أما القاعدة فقد سبق تعريفها. و إما الأصل فله معان متعددة في اللغة نجملها فيما يلي:
- ما ينبني عليه غيره
- المحتاج إليه
- ما منه الشيء
- منشأ الشيء
و أهم هذه التعاريف: الأول و الأخير، و الباقية تدور في فلكهما.
أما في الاصطلاح، فمعانيه هي:
- الدليل: كقولهم أصل هذه المسألة الكتاب و السنة، أي دليلها
- الرجحان: كقولهم الأصل في الكلام الحقيقة، أي الراجح عند السامع هو الحقيقة لا المجاز
- القاعدة المستمرة: كقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل
- الصورة المقيس عليها: على اختلاف مذكور في تفسير الأصل
و هذه المعاني الاصطلاحية يمكن أن نجمعها أيضا في معنيين جامعين مها: الدليل و القاعدة.
و هذا ما نجده عند الإمام الشاطبي في الموافقات.قال صاحب المصطلح الأصولي عند الإمام الشاطبي: " و الأصول بصفة عامة لها صورتان: إما أن تكون في صورة مصادر, أو قوانين محكمة.
فأما الأولى: فهي الأدلة الموضوعة على أساس أنها مصادر للمعاني الأصلية. كما أنهما أيضا مصدران للأحكام الفقهية، و هما يشتركان في هذه المصادر الأخرى، المبنية عليهما، كالإجماع، و الرأي.. و ما معناه، كالاستحسان، و المصالح المرسلة، و سد الذرائع، و نحوها من القطعيات المعنوية. فكل هذه ذات طبيعة مصدرية لأن وظيفتها الأساس هي كونها منطلقات للاستنباط الفقهي.
أم الصورة الثانية للأصول: فهي كونها (قوانين محكمة) و معنى ذلك أن الأصل قد يكون، بالإضافة إلى مصدريته (قانونا) أي مقياسا محكما لضبط النظر و تقويمه، و محاكمة الآراء، و الفهوم و نقدها، و ربما اختصت الأصول بقانونيتها دون أن تكون ذات طبيعة مصدرية، فالأولى كسد الذرائع و الاستحسان، فهما مصدران كما بينا، و قانونان أيضا، لكونهما يتصفان بالإضافة على ذلك، بصفة (القاعدية) فهما قاعدتان. و القاعدة إنما هي الأمر العام و القانون الشائع. أم الثانية فهي المعاني الكلية الواردة في صورة (ضوابط) حاكمة ليس إلا .. و قانونية الأصل تعني انه مطرد العموم و الشمول، ثابت كذلك أبدا، و هو مقتضى كونه (محكما) أيضا .