العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

اجتثاث جذور التكفير بالمآل

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

المرفقات

  • صورة.jpg
    صورة.jpg
    43.3 KB · المشاهدات: 0

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,490
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: اجتثاث جذور التكفير بالمآل

بارك الله فيكم ونفع بعلمكم
بحث قيم
 

حسن مهدي عمر

:: متابع ::
إنضم
19 يناير 2012
المشاركات
8
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
في العلم الشرعي (الفقه)
الدولة
كينيا
المدينة
نيروبي
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: اجتثاث جذور التكفير بالمآل

هذه مسألة عظيمة الاختلاف والأثر في الناس وتحرير الكلام في طرفين:

الطرف الأول في التعريف بالمآل واللازم فأقول:
كثير من النّاس لا يفرّقون بين المآل واللّازم فيعبّرون باللّازم عن المآل وبالعكس؛ لعسر التفريق بينهما، والظاهر وجود فرق بينهما وأن المراد بمآل القول: ما يُفضي إليه قول القائل من المعاني وإن لم يقصدها.
وعلى هذا فالتكفير بالمآل: أن يقول قولا يؤدّي مساقه إلى كفر، والقائل إذا وُقِفَ عليه لا يقول بما يؤدّيه قوله إليه [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP].
قال القاضي ابن العربي (543هـ):(اختلف النّاس في تكفير المتأوّلين، وهم الذين لا يقصدون الكفر، وإنما يطلبون الإيمان فيخرجون إلى الكفر، والعلمَ فيؤول بهم إلى الجهل، وهي مسألة عظيمة تتعارض فيها الأدلة...).
وقال ابن رشد الحفيد(595هـ): (معنى التكفير بالمآل: أنهم لا يصرّحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر، وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم).

أما اللازم في اللغة والاصطلاح فهو: ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، واللزوم عدم الانفكاك بين الشيئين.

واللازم يتنوّع بحسب الدليل الحاكم باللزوم بين اللازم والملزوم إلى أربعة أنواع، فإن كان دليل اللزوم عقليا فهو عقلي كقولنا: الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، فالنهي هنا من اللوازم العقلية؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل على النهي.

وإن كان الحاكم باللزوم بينهما شرعياً فهو لازم شرعي كقولنا: التحريم والوجوب لازمان للمكلَّف؛ لأننا عرفنا التلازم بين المكلّف وبين الوجوب والتحريم بالشرع لا بالعقل.

وإن كان عرفيا فهو اللازم العرفي كارتفاع السرير عن الأرض لأننا علمنا بالعرف لزوم الارتفاع عن الأرض للسرير كما قيل.
وإن كان لغويا فهو اللازم اللغوي كالإلصاق بحرف الباء يلزم منه وجود ملصق به بأصل اللغة. فهذه اللوازم الأربعة عند الأصوليين. وأما المناطقة فلا يعتبرون إلا اللازم العقلي.
وينقسم اللازم بحسب الظهور والخفاء إلى نوعين:
الأوّل: اللازم البيّن، وهو الّذي يجزم الذهن باللزوم بين المتلازمين بمجرّد تصوّرهما بأن لا يحتاج إلى دليل أو وسط، كانقسام الأربعة إلى متساويين، فإنّ من تصوّر الأربعة، وتصوّر الانقسام بمتساوين يجزم بمجرّد التصوّر: أنّ الأربعة تنقسم إلى متساويين.
وهناك تعريف آخر عند أهل الكلام والمنطق وهو: أن اللازم البين هو الذي يلزم من تصور ملزومه تصوره ككون الأربعة ضعفاً للاثنين فإن من تصوّر الأربعة (الملزوم) تصوّر كونها ضعفا للاثنين. قالوا: وهذا المعنى أخص من الأول.
وهذا ينقسم إلى ذهني ويقال له: بيّن بالمعنى الأخص، وهو ما يكفي فيه تصوّر الملزوم من تصور اللازم كالشجاعة للأسد.

وغير ذهني وهو ما لا يكفي تصوّر الملزوم من تصور اللازم بل لا بد في جزم العقل باللزوم بينهما من تصوّرهما معاً.

الثّاني: اللازم غير البيّن فهو الذي لا يلزم من تصوّر المتلازمين جزم العقل باللزوم بينهما بل يحتاج إلى دليل كالحدوث للعالم فإن العقل يتوقف في جزم اللزوم بين الحدوث والعالم على دليل كما قيل.
وبناء عليه فالتكفير باللازم:(أن يلزم من البدعة الكفر فيحكم بذلك اللازم الناظر)

الطرف الثاني: في الكلام على مذاهب الناس التكفير بالمآل واللازم.

اختلف الناس في لازم القول أو المآل على وجهين:
الوجه الأول: اختلفوا في كون دلالة الالتزام وضعية أو عقلية فذهب بعضهم إلى أنها وضعية، وعلّتهم: أنّه يُشتـرط في الدلالة الالتزامية كون اللازم بحالة يلزم من تصوّر المسمّى تصوّر اللازم، فلو لم يكن المعنى الخارج لازما للمعنى الموضوع له اللفظ في الذهن لامتنع فهمه من اللفظ. والمراد: أنه كلّما فهمنا المعنى المطابقي فهمنا ذلك المعنى اللازم الخارجي.

غاية المستند: أن سبب السبب سبب؛ إذ فهم المعنى المطابقي سببٌ لفهم اللازم؛ فلما كان اللفظ سببا لفهم اللازم في الذهن صارت دلالة الالتزام وضعية. وعلى هذا القول المناطقة.

وقيل: إنها عقلية، وعليه عامة البيانيين والأصوليين، وعلّتهم: أن اللفظ إنما وُضِع للمفهوم المطابقي، ولكن العقل هو الذي فهم من اللفظ اللازم الخارجي.

قال الإمام القرافي: (ومنشأ الخلاف يرجع إلى تفسير الدلالة الوضعية، هل هي: عبارة عن إفادة المعنى بغير وسط، مختص بالمطابقة؟ أو إفادة المعنى كيف كان بوسط أو بغير وسط فتعمّ الثلاثة؟ لأن اللفظ يفيد الجزء واللازم بواسطة إفادته المسمّى).
الوجه الثاني: اختلفوا في لازم القول، هل هو مذهب لصاحب القول بمجرّد اللّزوم من غير التزامٍ، ومنه يتفرّع الخلاف في التكفير بالمآل أو لازم المذهب.

فقيل: إنّ التكفير قاصر على المعنى الوضعي اللغوي وهو قول أكثر المتكلمين والمتأخرين من الفقهاء، واشتهرت مقولتهم: لازم المذهب ليس بمذهب.

والقول الثاني: التكفير بالمآل أو باللازم الظاهر وهو قول جمهور السلف والمحدثين بناء على نظرية المتأخرين لمفهوم التكفير بالمآل.

يقول القاضي ابن العربي (543هـ): (اختلف النّاس في تكفير المتأوّلين، وهم الذين لا يقصدون الكفر، وإنما يطلبون الإيمان فيخرجون إلى الكفر، والعلمَ فيؤول بهم إلى الجهل، وهي مسألة عظيمة تتعارض فيها الأدلة.

ولقد نظرت فيها مرّة؛ فتارة أكفّر، وتارة أتوقّف، إلا فيمن يقول: إن القرآن مخلوق. أو إنّ مع الله خالقا سواه. فلا يدركني فيه ريب، ولا أبقي له شيئا من الإيمان)

فصرّح بأن التكفير بخلق القرآن تكفير بمآل القول أو اللازم.

وقال أيضا في تكفير الخوارج:(قد بيّنّا في غير موضع:

أنّ التكذيب على ضربين: صريح، وتأويل.

فأما من كذّب الله صريحاً فهو كافر بإجماعٍ.

وأمّا من كذّبه بتأويل: أمّا بقول يؤول إليه، أو بفعل ينتهي إليه، فقد اختلف العلماء قديماً، والصحيح أنّهم كفّار)[SUP].[/SUP]

وقال القاضي عياض (544هـ): (قد ذكرنا مذاهب السلف في إكفار أصحاب البدع والأهواء المتأولين؛ ممن قال قولا يؤدّيه مساقُه إلى كفر، وهو إذا وُقِف عليه لا يقول بما يؤدّيه قوله إليه. وعلى اختلافهم، اختلف الفقهاءُ والمتكلِّمون في ذلك، فمنهم من صوّب التكفير الذي قال به الجمهور من السلف، ومنهم من أباه ولم ير إخراجهم من سواد المؤمنين، وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين)[SUP].[/SUP]

قرر القاضي عياض بهذا، وقد نسب من قبلُ تكفيرَ هؤلاء المتأولين إلى جمهور السلف فقال:(وأكثر أقوال السلف تكفيرهم، وممن قال به: الليث بن سعد، وابن عيينة، وابن لهيعة، وروي عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن، وقاله ابن المبارك، والأودي، ووكيع، وحفص بن غياث، وأبو إسحاق الفزاري، وهشيم، وعلي بن عاصم في آخرين، وهو من قول أكثر المحدثين، والفقهاء والمتكلمين فيهم، وفي الخوارج والقدرية وأهل الأهواء المضلة، وأصحاب البدع المتأولين، وهو قول أحمد بن حنبل، وكذلك قالوا في الواقفة والشاكّة في هذه الأصول).
وقال الإمام القرافي (684 هـ) في تكفير أهل الأهواء بالتأويل:(وأكثر قول مالك وأصحابه والأشعري عدم تكفير أهل الأهواء...وجمهور السلف على تكفيرهم نظرا إلى أنهم إنما قصدوا التعظيم مع الاعتراف بالرسالة والتنقيص لازم لمذهبهم).
وقال أيضا:(وأهل البدع اختلف العلماء في تكفيرهم نظراً لما يلزم من مذهبهم من الكفر الصريح، فمن اعتبر ذلك، وجعل لازم المذهب مذهباً كَفَّرهم، ومن لم يجعل لازم المذهب مذهباً لم يُكفِّرهم، فلهذه القاعدة لمالكٍ والشافعي وأبي حنيفة والأشعري والقاضي في تكفيرهم قولان)[SUP].
[/SUP]وعلى أي حال فالتكفير بالمآل أو اللازم باصطلاح المتأخرين ثابت عن السلف كما نُقِل عنهم، وموقف أصحاب الحديث من أهل البدع الكبار في التكفير يشهد لهذا النقل.

فمن أراد التحقّق من ذلك يراجع كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، ولأبي بكر الخلال، وكذلك شرح أصول اعتقاد أهل السنة لأبي القاسم اللالكائي، والرد على الجهمية للدارمي.

ومما ينبغي التذكير به:

أنّ أصل هذا: أنّ الكفر في اصطلاح المتأخرين ينقسم إلى ضربين:

الضرب الأوّل: كفر التّصريح، وهو ارتكاب شيء، مما يوجب الكفر بعينه، مثل: ترك الصلاة، فإنّ نفس التّرك كفر بالنّص، ومثل تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به تصريحا.

والثاني: كفر التأويل، وهو ارتكاب شيء مما يماثل شيئا هو كفر بعينه، مع مناكرة المرتكب للمماثلة؛ لشبهة يدعيها، وهو التكفير بالمآل المختلف فيه.

وهذه بعض المـُثُل التي قد توضّح الفرق بين كفر المآل وكفر التصريح:

1-من وصف الله بأنه ظالم (تعالى عن ذلك) فلا شك أنه كافر ضرورة من دين الرسول؛ لأن وصف الله بذلك كفر بعينه لا بمآله ولازمه. وهو كفر تصريح.
لكن من قال: إنّ العبد مجبور على الظّلم وليس مختارا، بل فاعل ذلك حقيقةً هو الله!! ومع ذلك يعذّب عبده على الظلم الذي لم يفعله!
فهل الثاني قائل بأن الله ظالم مثل ما قال الأوّل؟
فمن قال: إنه مثله يكفّره وهو كفر التأويل والتكفير بالمآل.
ومن نفى المماثلة لا يكفّر؛ لأن هذا لم يقل بعظمة لسانه: الله ظالم، لكن قال قولاً يؤدّي إلى أنه ظالم! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

2-من قال: إن الله يحكم ويخلق ويفعل عبثاً فلا شك في أنه كافر -ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه وسلم -كفرَ تصريح؛ لأن نفس هذا القول كفر بنفسه.

لكن من قال: إن الله يخلق ويفعل ويحكم بلا حكمةٍ بل يفعل ذلك بمحض المشيئة والقدرة. فهل الثاني مثل الأوّل القائل: إن الله يخلق عبثا؟ أو هناك فرق بينهما؟

فمن أثبت المماثلة يكفّر الثاني كما كفّر الأول. وهو كفر التأويل أو التكفير بالمآل.

ومن نفى المماثلة بينهما لم يكفّر، ويعتلّ بأن قوله: الله يخلق ويحكم بلا حكمة ليس كفر تصريح، لكن يؤول إلى ما هو كفر بعينه، وهو أن الله عابث!

3-من قال داعياً: اللهم لا تعذّب من كفر بك أو اغفر له، هل يكفر لاستلزامه تكذيب الله فيما أخبر؟ لأن النصوص القطعية دلّت على تعذيب من مات على الكفر وعدم الغفران.

4-من قال: اللهم خلّد فلانا المسلمَ عدوّي في النار ولم يرد به سوء الخاتمة، هل يكفر بهذا الدعاء؟ لاستلزامه تكذيب خبر الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة؟

إلى أمثلة كثيرة من الأدعية المستلزمة للكفر ذكرها القرافي في الفروق (4/403- 410) في الفرق الثاني والسبعين والمائتين.
ثم قال:(فهذه الأربعة الأقسام بتمييزها حصل الفرق بين ما هو كفر من الدعاء وما ليس بكفر، وهو المطلوب).
وعلّق عليه ابن الشاط[SUP]:[/SUP](لم يحصل المطلوب بما قرّر؛ لأن كل ما ذكره من الأدعية في هذا الفرق لم يأت بحجة على أنه بعينه كفر، فهو من باب التكفير بالمآل، وهو لا يقول به).

يعني أن القرافي لا يرى التكفير بمآل القول، وهذه المثل والأدعية التي ذكرها من باب التكفير بالمآل.

5-من يرى تكفير المعتزلة بنفي الصفات ولا يراه كفر تصريح يقول: قد اعترفتم بأحكام الصفات، وأنكرتم الصفات التي هي القدرة، والبصر، والسمع، والعلم، ويلزم من إنكار الصفات إنكار أحكامها، ومن أنكر أحكامها فهو كافر بالإجماع، فيكفّرون بطريق المآل واللازم.

ولهذا قال جلال الدين الدَّوَّاني (918هـ): (وأما من أثبت الوصف، ونفى الصفة فقال: الله عالم ولا علم له، ومتكلم ولا كلام له، وهكذا؛ فاختلف فيه على قولين: فمن أخذ بالحال لم يكفّره، ومن أخذ بالمآل كفّره، والمعتمد عدم كفره)[SUP].[/SUP]


6-وتقول المعتزلة للصّفاتيّة: القول بالصفات يستلزم التجسيم، والله ليس بجسم، فمن قال بذلك فهو عابد جسما، ومن عبده فقد عبد غير الله، ومن عبد غيره فهو كافر.
ولا ريب أن الصفاتية تنازع في مفهوم التجسيم، ثم تنفي اللزوم بأدلة قطعية.

7-قال أصحاب الحديث: من زعم أنّ القرآن مخلوق، فقد زعم أنّ الله مخلوق، ومن زعم أن الله مخلوق فقد كفر.
معنى النص واضح في أن القول بخلق القرآن يستلزم القول بأن الله مخلوق، فيرى أهل السنة: أن القول بخلق القرآن يماثل القول بأن الله مخلوق؛ إذاً فالله مخلوق كفر تصريح، والقرآن مخلوق كفر مآل أو تأويل.

وأهل البدع ينازعون في اللزوم، وفي المماثلة بين خلق القرآن وبين القول بأن الله مخلوق. ولأصحاب الحديث نصوص كثيرة في هذا السياق فليراجعها من شاء من كتب العقيدة المسندة.

8-اختلف الشافعية والمالكية في تكفير المنكر لوجود أبي بكر رضي الله عنه لاستلزامه نفي الصحبة المنصوصة في كتاب الله لزوما بيّناً؛ فقال المالكية: منكر الوجود كافر كمنكر صحبة أبي بكر؛ ولهذا قال الدسوقي(1230هـ): (والحق أنّ إنكار وجود أبي بكر ردة؛ لأنه يلزم من إنكار وجوده إنكار صحبته لزوما بيّنا).
ولا ريب أنه لا يوجد دليل من كتاب أو سنة يدل تصريحا على أن إنكار الوجود كفر بذاته.
وبالجملة: فهذه أمثلة كافية في التفريق بين كفر التأويل وكفر التصريح.

وإذ تمهّدت هذه القاعدة في حقيقة كفر التأويل أو التكفير باللازم، ينبغي أن يُتَنبّه لأمور:

الأول: أنّ منع التكفير باللازم لم يكن ناشئا عن بحث علميّ في الدلائل أو في المسائل، وإنما كان في الأصل ردّة فعلٍ دفاعية، وردود الأفعال قد لا تسلم من الأخطاء العلمية.

قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: (من قال: لازم المذهب ليس بمذهب؛ أراد به دفع الشناعات والتكفيرات عن أصحاب المذاهب الأصولية التي يلزم أحدهم لوازم فيها من مخالفة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول ما يوجب ضلال من التزمها، فيريد خصومهم أن يشنعوا عليهم بتلك اللوازم، فيقال لهم: لازم المذهب ليس بمذهب...).

الأمر الثاني: أكثر القائلين بالمنع من التكفير باللازم على الإطلاق هم من أهل البدع والأهواء كالمعتزلة والزيدية والأشعرية والماتريدية ولعلّهم أرادوا بذلك دفع الكفر والشناعة عن أصحابهم، ولم نجد نصّا صريحا في المنع من التكفير بالمآل عن أصحاب الحديث والفقه المتقدمين!

وإلا فأين التنصيص بنفي التكفير بالمآل في كتب السنة والشريعة لعبد الله بن أحمد، ولأبي عبد الله المروزي، وابن جرير، وأبي بكر الخلال، وأبي القاسم اللالكائي، وللآجري وغيرهم، وكتب الرد على الجهمية لأحمد بن حنبل والجعفي والدارمي وابن أبي حاتم وابن مندة وغيرهم.

ولا يخفى أنه لو كان التكفير بالمآل على المفهوم المتأخر من مذاهب أهل الأهواء والبدع لما خلت منه تلك الكتب، ولحذّر الأئمة من التكفير به كما حذّروا من التكفير بالمعاصي والذنوب.

الأمر الثالث: أكثر المانعين من التكفير به في عصرنا يستشهدون بأقوال أهل البدع الذين خالفوا السنّة في قضية الكفر والإيمان، ثمّ يستشهدون بتقريراتهم في التكفير بالمآل المبنيّة على أصولهم البدعية في الإيمان والكفر!

الأمر الرابع: أكثر المانعين من التكفير باللازم يرون التكفير بخلق القرآن ونفي الصفات من باب التكفير بالمآل، كما نصّ عليه أبو بكر ابن العربي، والقاضي عياض، وابن رشد الحفيد، وابن الوزير اليمني في آخرين.

وعلى هذا؛ فجمهور أصحاب الحديث والفقه يرون التكفير بالمآل على قاعدة هؤلاء؛ فلا يُغترّ بمنعهم وتنفيرهم من التكفير باللازم مطلقا من غير تفصيل، رغم مخالفة هؤلاء للسنة في مفهوم الإيمان والكفر، وفي الاحتجاج بجميع الأدلة في قضايا التكفير.

ومن هؤلاء الذي لهم أصول فاسدة في التكفير واختاروا المنع في التكفير باللازم ابن رشد الحفيد، والفخر الرازي، وابن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وابن الوزير، والمقبليّ، والصنعانيّ، فلا بدّ من التأكّد من سلامة أبحاثهم الجزئية من آثار أصولهم الفاسدة عند ما لا يكون هناك دليل ظاهر على قولهم.

أما أبو محمد ابن حزم الظاهري: فهو مرجئ في الإيمان إرجاءً خاصّاً، جهميّ جلد في الأسماء والصفات، متوسّع غاية في العذر بالجهل والتأويل حتى قال فيمن قال:(إن ربه جسم من الأجسام، فإنه إن كان جاهلا أو متأولا فهو معذور لا شيء عليه، ويجب تعليمه، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عناداً فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد.

وأما من قال: إن الله عز وجلّ هو فلان لإنسان بعينه، أو أن الله تعالى يحلّ في جسم من أجسام خلقه، أو أنّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى ابن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم عليه الحجة).
وكلام ابن حزم في كتبه صريح بأنه لا يكفّر أحداً إلا بكفر التصريح عناداً لا جهلا وتأويلا مهما بلغ الجهل والتأويل وعظمت المسألة في الدين!
فكيف يراجع في كفر التأويل من لا يرى التكفير بالتصريح إلا عنادا وجحوداً؟

وبالجملة: ينبغي التأمل في كلام من لا يكفّر من اعتقد أن الله هو فلان بن فلان! تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيراً، ويخالف السلف في التكفير بلازم القول الظاهر البيّن.

الأمر الخامس: فصّل بعض العلماء في التكفير باللازم وحصروا الخلافَ في اللازم الخفي.وصرّح آخرون بالتكفير باللازم البيّن ورجّحوه.

والمقصود: أنّ اختيار هؤلاء المتأخرين عدم التكفير باللازم مطلقا لا يَلزَم إلا من قلّدهم بشرطه.
وأنه لا يمكن لمعاصر تقرير تكفير السلف لأصحاب البدع المغلظة مع المنع من التكفير بالمآل على اصطلاح المتأخرين! والموضوعية تقتضي تخطئة السلف في ذلك أو تضليل المتأخرين في المنع المطلق.

ملاحظة:
لست ممن يحذّر الدكتور الهاشمي - وقفه الله - عنهم قطع الله دابرهم وأراح الأمة من بهتانهم!
والقصد من التعليق إثراء الموضوع فقط.
[FONT=traditional\ arabic]
[/FONT]
 

حسن مهدي عمر

:: متابع ::
إنضم
19 يناير 2012
المشاركات
8
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
في العلم الشرعي (الفقه)
الدولة
كينيا
المدينة
نيروبي
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: اجتثاث جذور التكفير بالمآل


ذكرتُ في الأمر الخامس: أن بعض العلماء فصّل في القضية وحصر الخلافَ في اللازم الخفي، وأن آخرين صرّحوا التكفير باللازم البيّن ورجّحوه.


فمن هؤلاء:
1-الإمام ابن عرفة التونسي (803هـ) قال في بحث فقهيّ:(بناءً منه على أنّ لازم المذهب مذهب، وفيه خلاف مذكور في مسألة تكليف ما لا يطاق، والأظهر الأوّل إن كان اللازم بيّنا) [SUP]([SUP][1][/SUP])[/SUP].


2-أبو عبد الله السنوسي (895هـ): (ولم يجعل الشرع التأويل ولا التقليد في الكفر الصريح عذراً لصاحبه؛ لإمكان معرفة الخطأ فيه بأدنى نظر، وإنما اختلفوا فيمن قال قولا يلزم عنه النقص أو الكفر لزوما خفيا لم يشعر به قائله)[SUP] ([SUP][2][/SUP])[/SUP].

وظاهر النص: أن لا خلاف بين العلماء إلا في اللازم الخفي.


3-الإمام أبو البقاء الكفوي الحنفي(1094هـ): (ولزوم الكفر المعلوم كفر؛ لأن اللزوم إذا كان بيّنا فهو في حكم الالتزام لا اللزوم مع عدم العلم به)[SUP] ([SUP][3][/SUP])[/SUP].


4-الإمام أبو الحسن العدوي(1189هـ) في مسألة:(إن اللازم إذا كان بيّناً يكون كفرا، ولا يخفى أن اللازم هنا بيّن فلينظر ذلك)[SUP] ([SUP][4][/SUP])[/SUP].


5-الإمام محمد بن أحمد الدسوقي (1230هـ): (وأما قولهم لازم المذهب ليس بمذهب، فمحمول على اللازم الخفي).

وفي مسألة أخرى: (إلا أن يقال لازم المذهب ليس بمذهب كذا قيل. وفيه أن هذا في اللازم غير البيّن، ولا يخفى أن اللازم هنا بيّن فلينظر ذلك)[SUP] ([SUP][5][/SUP])[/SUP].

6-أحمد بن محمد الشهير بالصاوي (1241هـ):(ولا يرد علينا قولهم لازم المذهب ليس بمذهب؛ لأنه في اللازم الخفيّ).[SUP]([SUP][6][/SUP])[/SUP].

7-الشيخ حسن بن محمد العطار (1250هـ):(مهمتان: الأولى: قولهم لازم المذهب ليس بمذهب مقيّد بما إذا لم يكن لازما بيّنا).
وقال أيضا:(إنّ لازم المذهب لا يعدّ مذهبا، إلا أن يكون لازما بيّنا فإنّه يعدّ، واللازم هنا ليس بيّنا)[SUP] ([SUP][7][/SUP])[/SUP].

8-الشيخ عليش، أبو عبد الله المالكي (1299هـ): (
إنه تقرّر أنّ لازم المذهب غير البيّن ليس بمذهب).
وقال أيضا:(ولأنّ لازم المذهب ليس مذهباً،
إذا لم يكن بينّا)[SUP] ([SUP][8][/SUP])[/SUP].

9-العلامة الكشميري الحنفي(1352هـ):(والحاصل في مسألة اللزوم والالتزام: أنّ من لزم من رأيه كفر لم يشعر به، وإذا وقف عليه أنكر اللزوم، وكان في غير الضروريات، وكان اللزوم غير بيّن، فهو ليس بكافر.وإن سلّم اللزوم، وقال: إن اللازم ليس بكفرٍ، وكان عند التحقيق كفراً فهو إذن كافر)[SUP] ([SUP][9][/SUP])[/SUP].

10-الشيخ رشيد رضا (1354هـ): (والجمهور على أنّ لازم المذهب ليس بمذهب، وإن كان لا يظهر على إطلاقه).[SUP] ([SUP][10][/SUP])[/SUP].
الظاهر: حمل قول الجمهور على اللازم الخفيّ؛ لأنه تقدّم قصر النزاع فيه، وإن صحّ الإطلاق الذي ذكره فيحتمل أنه أراد جمهور المتكلمين من الأشعرية ونحوهم.

11-العلامة ابن عاشور(1394هـ): (فالوجه التفرقة بين اللازم البيّن بالمعنى الأخصّ، فيضرّ؛ لأنه كالمصرّح به، وبين غيره فلا، حتى يوقف عليه صاحبه ويقول بموجبه كما فعل فقهاء بغداد مع الحلاج).
وقال أيضا:(والتحقيق التفصيل بين اللازم البيّن بالمعنى الأخصّ وغيره)[SUP] ([SUP][11][/SUP])[/SUP].
وقال في تفسير آية من كتاب الله:(وفي هذه الآية دليل على أن لازم القول يعتبر قولا، وأن لازم المذهب مذهب وهو الذي نحاه فقهاء المالكية في موجبات الردة من أقوال وأفعال)[SUP] ([SUP][12][/SUP])[/SUP].

([1]) المختصر الفقهي (7/410).

([2]) شرح المقدمات للسنوسي(ص100).

([3]) الكليات (ص766).

([4]) حاشية العدوي على شرح الخرشي (8/64).

([5]) الحاشية على الشرح الكبير (4/ 301، 303).

([6]) حاشية الشرح الصغير (4/433).

([7]) حاشية العطار على شرح الجلال على جمع الجوامع (1/523) (2/297).

([8]) منح الجليل شرح مختصر خليل (9/209، 241).

([9]) إكفار الملحدين (ص120).

([10]) تفسير المنار (8/53).

([11]) حاشية التوضيح والتصحيح (2/115، 135).

([12]) التحرير والتنوير (23/248).



 
أعلى