سهير علي
:: متميز ::
- إنضم
- 17 يوليو 2010
- المشاركات
- 805
- الجنس
- أنثى
- الكنية
- أم معاذ
- التخصص
- شريعة
- الدولة
- بريطانيا
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اختبار المستوى الرفيع
اختبار المستوى الرفيع
يسبق علم الله القديم بعباده الطيب منهم والخبيث، والمؤمن والمنافق، فيوكل كل إنسان حسب قلبه ونفسه، أصحاب الجنة –جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب النار-والعياذ بالله.
فالطيب يمد الله تعالى بفضله له في التوفيق للصالحات مدا، ويُعظم له الابتلاء والاختبار، ويكون الرضا بقضاء الله تعالى وقدره؛ هي شمسه التي تنير له الحياة، وهذا لا يمنع أن تأتيه بعض الغيوم أحيانا، وأما الشقي –أعاذنا الله جميعا أن نكون منه أو معه- فهو متروك لعدل الله سبحانه وحكمه، يتخبط في الشهوات وتلهو به النفس وشياطين الإنس والجن، والعياذ بالله.
جاء في تفسير قوله تعالى في التفسير الميسر: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ، وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) {93} النحل.
"ولو شاء الله لوفَّقكم كلكم، فجعلكم على ملة واحدة، وهي الإسلام والإيمان، وألزمكم به، ولكنه سبحانه يُضلُّ مَن يشاء ممن علم منه إيثار الضلال، فلا يهديه عدلا منه، ويهدي مَن يشاء مِمَّن علم منه إيثار الحق، فيوفقه فضلا منه، وليسألنَّكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وسيجازيكم على ذلك".
فإذا كانت في الغالب الآلام والابتلاءات والمحن تكون نصيب عباد الله الذين يحبهم، فماذا تعني رحمة الله بهم، وحبه لهم؟
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ مِنْ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ؛ زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ؛ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ".
أما رحمة الله بهم؛ فهي أن يأتوه يوم لقائه سبحانه وليس عليهم خطيئة، ليسكنهم الفردوس العلا التي وعدهم بها، وهي لعباده الذين أفلحوا ونجحوا في إخلاص الطاعات، واختبارات الدنيا، ونجوا من محنها وابتلاءاتها: فقال الله تعالى فيهم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {11}) سورة المؤمنون، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) {107} الكهف.
عندما يدخل الطالب امتحان الثانوية العامة وأراد أن يحصل على درجات لم يحصل عليها أحد مثله، فله أن يختبر اختبارا آخرا اسمه (اختبار المستوى الرفيع)، يختبر فيه الطالب معلوماته التي تفوق قدرة أمثاله فهما من الطلبة في المادة التي يختارها هو، رياضيات، أو علوم، أو لغة، أو .. ، وقد يخرج منها بنسبة مثلا بمجموع 105 % أو أكثر؛ وعندها يُكرم، ويكون على رأس قائمة كلية من كليات القمة والتي تُخرّج المرموقين لشغل مناصب عليا في الدولة، هذا بين البشر، ولله المثل الأعلى.
قال تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) {من الآية 26} المطففين.
قد يكون العبد يحبه الله تعالى ويريد له مكانا معينا في الجنة لا يكون لعامة المؤمنين؛ إنما لخاصته فقط، عندها يُختبر العبد في التسليم لله تعالى لعمل الطاعات وترك النواهي، أو في أكثر شيء يُحب، أو في أكثر شيء يمتاز فيه، أو بالتضيق عليه في رزقه، أو بالحرمان من الذرية، أو بفقد الغالي على قلبه..... ويوجه الابتلاء له السؤال التالي في اختبارات المستوى الرفيع قائلا: هل ترضى حقا بقدر الله وقضائه؟ هل أنت حقا تمتاز بهذا الخلق؟ هل أنت حقا مخلصا فيما تقدمه لربك؟ هل أنت فعلا تربي أولادك ليكونوا عبادا لله طائعين؟ هل أنت فعلا صابرا محتسبا؟ هل أنت فعلا قويا أمام زينة الدنيا؟ هل أنت فعلا أمينا على حوائج الناس؟ هل أنت فعلا صادقا ورعا؟ هل أنت فعلا تصبر على ما أصابك؟ هل أنت فعلا تعفو عن الناس؟ هل تصبر على المرض؟ هل......؟ هل.........؟ إلخ
وتتوالى نجاحات العباد أو سقوطهم كل حسب قلبه، كل حسب سعيه وتحصيله، كل حسب اخلاصه وقبول عمله، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) {100} التوبة، وعلى هذا أمام فضل الله ونعمه علينا التي لا تعد ولا تحصى لن يدخل الجنة أحدنا بعمله؛ إنما بما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحدا منكم عمله"، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، سددوا وقاربوا واغدوا ورحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا"، وسبحان الله تعالى الذي صدق حين قال: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ){من الآية 185} آل عمران.
وأخيرا فالسلامة كل السلامة في مجاهدة النفس لحملها قدر المستطاع على الشكر والصبر، عن عبد الرحمن بن أبي ليْلي عن صهيب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خير له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له". فهي دائما ساعة وساعة، والله الموفق لأي ثبات، أو فضل أو نعمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
سهير علي