العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

في إطار الرؤية الإسلامية للحيوان

د.محمد جمعة العيسوي

عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
إنضم
12 يونيو 2008
المشاركات
212
الكنية
ابو عبد الله
التخصص
الفقه
المدينة
محافظة كفر الشيخ
المذهب الفقهي
الشافعي
من حقوق الحيوان في الإسلام
لا شك أن الحيوانات لها مكانة كبيرة في النظر الإسلامي ورؤية مختلفة فقد نظر الإسلام إلى الحيوان على أنه مخلوق له صلة وثيقة وارتباط أصيل بالإنسان المستخلف على هذه الأرض فالإنسان وهو أكرم مخلوقات الله قد سخرت له الله الحيوانات في جملة ما سخر له قال تعالى : ( وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) ) وقال أيضا سبحانه :( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ) (النحل:80) .
وهذا العلاقة الوثيقة بين الإنسان والحيوان باعتباره من مخلوقات الله أولا وبمنافعه الكثيرة المذكورة في الآيات السابقة وغيرها ثانيا توجب هذه العلاقة على الإنسان حقوقا تجاه هذا المخلوق المجبول على طاعة ذلك الإنسان وخدمته تسخيرا من الله يمكن تلخيصها في الرعاية والنفقة على ما حبسه لخدمته أو منفعته والرحمة به فلا يكلف من العمل ما لا يطيق ولا ما لا يتناسب مع خلقته ولا يفعل به ما يتأذى به دون أي منفعة تعود على الإنسان ويرعى هذين الحقين منظومة الأخلاق الإسلامية التي يتحلى بها المسلم ويدفعه إلى الالتزام بحق الحيوان عليه مراقبة الله تعالى الذي يطلع على معاملته مع الحيوان حين لا يطلع البشر فهو سبحانه من يعلم السر وأخفى ، ويدل على ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة منها : قوله تعالى : ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ(20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ(22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النمل:27) )
فهذه الآيات الكريمات من سورة النمل تقص علينا قصة نبي ملك مع طائر من مملكته وقد علم الله سيدنا سليمان ذلك النبي الملك لغة الطير وهي تعطينا بطريق غير مباشر من خلال تفاصيلها ما ينبغي أن تكون عليه علاقة الإنسان بكل حيوان سخر له ففي التفقد (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) العناية والرعاية والمتابعة ؛ إذ التفقد : تطلب الشىء ومعرفة أحواله ، ومنه قولهم : تفقد القائد جنوده ، أى : تطلب أحوالهم ليعرف حاضرهم من غائبهم، وفي الإمهال قبل إيقاع العقوبة والتماس الأعذار واستماع الحجج والبينات والتثبت منها في قول سيدنا سليمان :" لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " وقوله : " قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " حقوق لم يحظ بها كثير من البشر .
فانظر إلى هذه العلاقة الراقية والحازمة في آن واحد التي نحتاجها لا أقول في عالم الحيوان فحسب بل في عالم البشر أيضا فالأب مع أولاده والزوج مع زوجته ورئيس العمل مع مرؤوسيه والأستاذ مع طلابه ..إلخ.
وفي السنة أحاديث كثير تدل على حقوق الحيوانات منها : " ما رواه البخاري ومسلم واللفظ له :" عُذِّبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " فهذه امرأة نزع من قلبها خلق الرحمة وغابت عنها مفاهيم الرعاية لما تحت يدها فلا هي أطعمت وسقت إذ حبست ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض أي هوام الأرض وحشراتها كما صرحت به روايات أخرى للحديث فعذبت حيوانا ضعيفا دون وجه حق فاستحقت العذب من الله بفعلتها .
وفي الحديث عن سهْل ابن الحنْظليَّةِ، قال:" مرَّ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم- ببعيرٍ قد لَحِقَ ظهرُه ببطنه، فقال: "اتقُوا الله في هذه البهائمِ المُعْجَمَةِ [لا يفهم لغتها كالأعمجي ]، فارْكَبوها صالحةً، وكلُوها صالحةً" فهذا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يدافع بنفسه عن حقوق الحيوان في الرعاية والرحمة وقد ورد عند ابن حبان:" أن هذا البعير كان مُنَاخا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، إلى آخِرَ ه وَهُوَ عَلَى حَالِهِ" .
ومن حق الحيوان أيضا ألا يستعمل إلا فيما يستطيعه وما خلق له وتهيئت بنيته له وفي هذا جاء
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، قَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحِرَاثَةِ "، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ: " فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ ..." .
بل تعدت رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالحيوان إلى ما هو أبعد من ذلك فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد والبزار في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ مَنْزِلًا فَأَخَذَ رَجُلٌ بَيْضَ حُمَّرَةٍ[ نوع من العصافير ] ، فَجَاءَتْ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ بِبَيْضَتِهَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَخَذْتُ بَيْضَتَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْدُدْ، رَحْمَةً لَهَا» فانظر كيف رق لها قلبه صلى الله عليه وسلم كل ذلك قبل أن تعرف البشرية جمعيات حقوق الحيوان حيث كان أول تجمع لرعاية الحيوان في الغرب في عام 1824م حيث تأسست في إنجلترا جمعية للرفق بالحيوان وانتشر هذا التقليد بعد ذلك في كثير من أقطار الأرض .
 
التعديل الأخير:
أعلى