د.محمود محمود النجيري
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 19 مارس 2008
- المشاركات
- 1,171
- الكنية
- أبو مازن
- التخصص
- الفقه الإسلامي
- المدينة
- مصر
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
هزيمة إسرائيل
دولة الغباء والغرور
في يونيو 1982م، اتخذ "بيجن" و"شارون" القرار باجتياح لبنان، وهما تحت تأثير أوهام الانتصار على العرب في حرب الأيام الستة (يونيو 1967م). وتطابق تقدير المخابرات الإسرائيلية وهيئة الأركان على أنه ثمة "نزهة" يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يقوم بها. وقد تتطلب وقتًا لا يزيد عن ستة أيام أيضًا، ويكون الجيش في قلب بيروت.
وبالفعل خلال ستة أيام كان الجيش الإسرائيلي قد أحكم الحصار علي بيروت، ودارت عجلة الأوهام بسرعة مذهلة، فصرح شارون عندئذ قائلا: هذا انتصار لا يضاهيه بالأهمية إلا الانتصار في "حرب الاستقلال"!
ثم ماذا حدث بعد ذلك؟
من تحت الركام والدخان، والدماء والدموع، خرجت المقاومة اللبنانية بأسلحة بسيطة للغاية، ولكن بإرادة حديدية، وقلب مؤمن صابر. والجيش الإسرائيلي "الامبراطوري" الذي كان في وضع هجومي، أصبح بعد وقت قليل من عمليات المقاومة في وضع دفاعي يائس، وقررت إسرائيل بدء مفاوضات عسكرية مع لبنان؛ اعترافًا بهذه النتيجة.
لقد فتح شارون بيروت فتحًا مبينًا، وكانت مشاعر الانتصار لا يمكن وصفها، ولكن بعد أسبوعين فقط من اجتياح بيروت الغربية، وبعد خمس عمليات فقط- هي فاتحة درب المقاومة الطويل، وسقوط خمسة قتلى من جنود الاحتلال، وأقل من عشرة جرحى- أخذ جنود الاحتلال يدورون في أحياء بيروت، وهم ينادون السكان قائلين: "لا تطلقوا النار على جيش الدفاع الإسرائيلي؛ لأنه سينسحب فورًا من بيروت"!!
وهذا يعني أن باستطاعة الجيش الإسرائيلي أن يقوم بحروب واجتياحات كبيرة، وأن يحطم قوة الجيش النظامي في حرب خاطفة، ويحقق أعظم النتائج السياسية دون أن يفقد إلا القليل والضروري من الجنود! ولكن تبين أن الحرب الخاطفة مستحيلة في مواجهة الحرب الشعبية، وأن الطريقة الناجحة لقتل الذئب الإسرائيلي، ليس تكديس الأسلحة والجيوش النظامية، بل في المقام الأول: جر الجيش الإسرائيلي إلى المدن والقرى، وإنزال الضربات بجنوده. وهي ضربات لا تنفع معها الطائرات، ولا المدفعية، ولا الدبابات.
إن حرب الشعب في الجنوب اللبناني أعادت الاعتبار للفكرة البسيطة القائلة بأن المقاومة الشعبية هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيعها الشعوب المستضعفة الفقيرة. فهي لا قدرة عندها على إنتاج آلات الحرب المتطورة العملاقة، ولا استخدامها في مواجهة قوة عدوان مجهزة بتقنية عالية.
ويبلور ذلك إحسان عبد القدوس بقوله: واجهت إسرائيل في لبنان أول هزيمة كاملة. وهي ليست مجرد هزيمة عسكرية، ولكنها هزيمة في تخطيطها السياسي، الذي كان دائماً يفرض انتصاراتها. وقد استطاع لبنان- البلد الصغير- بجدارة أن يضع إسرائيل في وضع جديد، وضع الدولة الغبية التي لا تستطيع أن تحمي مصيرها، دولة عاشت منذ أن وجدت وهي في منتهى الغرور ومنتهى الغضب، إلى أن كشف لبنان عن غبائها. وهو غباء لا تفيق منه إسرائيل بالوصول إلى حل، حتى لو كان الحل هو انسحابها من لبنان، ولكنه غباء سيفقدها ثقتها بنفسها، إلى أن تفيق من غرورها، وترضى صاغرة بأن تكون طائفة على أرض فلسطين.
إن الجيش الإسرائيلي الذي يملك من الدبابات أكثر مما تملكه فرنسا وألمانيا، كما أنه يملك ثالث أكبر سلاح جوي في العالم، ويعد الخامس في ترتيب الجيوش- بدا ضعيفًا ومتهافتًا في ميدان الحرب الشعبية. وتأكدَ أن هذا الجيش الامبراطوري المسلح بأفضل الأسلحة والخبرات العالمية، عاجز تمامًا عن تحمل قليل من الخسائر البشرية، التي لابد منها في ساحات القتال.
وعندما يفقد الجيش الإسرائيلي توازنه، يفقد المجتمع الإسرائيلي توازنه، وتتفاقم الأزمتان الاقتصادية والسياسية نتيجة فقد التوازن. وهذا يعني أن المقاومة الوطنية الإسلامية هزت النظرية العسكرية الإسرائيلية من أساسها.
ويُظهر مأزق الجيش الإسرائيلي استدعاء آلاف من جنود الاحتياط لاجتياح غزة وحدها بعد أسبوع من الضربات الجوية المركزة! واستخدام الطائرات والمجنزرات، والمصفحات والمدافع الثقيلة، والقنابل المحرَّمة والديناميت والصواريخ لهدم البيوت على رءوس المدنيين الفلسطينيين. ومع كل هذا يظل الجيش الإسرائيلي عاجزًا أمام المقاومة الباسلة عن اقتحام المخيمات الفلسطينية. أي أنها تعد كل ذلك لحرب مدنيين، ولمواجهة الدولة العربية الوحيدة التي لا جيش لها.
إن إسرائيل تدرك ألا بقاء لها في المنطقة بالسلام، فلابد لها من الحرب، والحرب نفسها ستؤدي إلى انتهاء إسرائيل؛ لأنها لا يمكن لها أن تشن حربًا مستمرة ضد كل من حولها. ولن يرضى المسلمون باستمرار احتلال اليهود لمقدساتهم. وإن الله عز وجل لناصر المجاهدين في سبيله، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 171-173).
التعديل الأخير: