د. رأفت محمد رائف المصري
:: متخصص ::
- إنضم
- 28 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 677
- التخصص
- التفسير وعلوم القرآن
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- حنبلي
فلسفة المقاومة الفلسطينية، والفهم الاستراتيجي لقضية غزة ..
كتبه رأفت محمد رائف المصري
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
7/1/2009م، اليوم الثاني عشر من أيام العدوان على غزة حفظها الله .
انطلقت كثير من الألسنة إلى اتهام حماس بالمسؤولية عن ما حصل في الأيام الأخيرة من المحرقة الحارقة، والمجزرة الدامية التي اقترفتها أيدي اليهود المجرمين بحق الشعب الفلسطيني في غزة العزة .
وليست هذه الاتهامات بجديدة على التيار المتخاذل الذي يمثل النظام العربي الرسمي، ويمثله النظام العربي الرسمي .
ولكن الذي دفع إلى كتابة هذه الكلمات رواج بعض هذه الإرجافات على الكثير من أبناء الأمة من المخلصين المشفقين الذين شاهدوا سفك الدماء البريئة على أيدي القتلة، وتابعوا التدمير الوحشي الأعمى لكل ما في غزة .
لهؤلاء المخلصين المشفقين أكتب، وإياهم أخاطب؛ موضحا فلسفة المقاومة، ومبينا الفهم الاستراتيجي لموقفها، فأقول مستعينا بالله :
التجربة الماثلة ..
خاض الذين رفضوا المقاومة ممثلين بالسلطة الوطنية الفلسطينية غمار المفاوضات، وأبحروا طويلا في عمليات السلام مع الكيان الغاصب، وجعلوا من هذه الطريقِ الطريقَ الأوحد في تحقيق المكاسب، وإقامة الدولة .
أبحر هؤلاء في هذه الطريق طويلا، فمنذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم، وحتى هذه اللحظة؛ وهم على ما بدؤوه، لم يلووا عن ذلك عنقا، ولم يصرفوا عنه وجها .. مؤتمرات متتابعة، واجتماعات متواصلة، ومفاوضات لم تنقطع حتى في أحلك أيام هذا الشعب المسكين .
حصيلة التجربة الفاشلة ..
بعد هذه السنوات الطويلة في خوض هذه التجربة، نستطيع أن نجمل نتائجها بما يأتي :
- استمرار الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، واستمرار التضييق، في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية على حدّ سواء .
- بناء الجدار العازل الذي قطع الضفة الغربية أشلاء، والتهم من أرضها أجزاء واسعة، ومزق شمل أهلها.
- لم تنقص الحواجز التي أرهقت شعبنا في الضفة الغربية، بل لعلها ازدادت، استخفافا بهذا الشعب الأعزل، وسخرية بمن يجلسون معهم في الصباح والمساء على موائد المفاوضات لتحقيق "المكاسب الوهمية" .
- استمرار الاستيطان في أراضي الضفة الغربية وغيرها، وفي القدس خصوصا، واستشراؤه في مساحات واسعة إضافية .
وفوق كل ذلك :
- لم تعلَن الدولة الفلسطينية التي طالما وُعدت بها السلطة الفلسطينية، بل في زيارة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية "بوش" للكيان الغاصب ألمح بما هو أقرب إلى التصريح بأن ما يُنتظر من إعلان الدولة الفلسطينية هو الحلم الذي يحتاج إلى مائة وعشرين عاما لتحقيقه !!!
- انتزع اليهود الاعتراف بحقهم في تملك هذه الأرض بعد اغتصابهم لها، وإقامتهم دولتهم النجسة على ترابها الطاهر، وترتب على هذا الاعتراف بدولة إسرائيل تجريم كل ما يسمى بالمقاومة ضد هذا الكيان الغاصب .
- إخراج "إسرائيل" من عزلتها الإقليمية، بتوقيع اتفاقيات سلمية مع الدول المجاورة، تذرعا بأن الفلسطينيين هم أوّل المقدمين على التوقيع والسلام، وتبع ذلك التمثيل الدبلوماسي، وفتح السفارات، وسائر أنواع التطبيع .
- كُفي اليهود العبء الأكبر في قمع المقاومة والصوت الحر في فلسطين، وتولّى أولياء اليهود من جلّادي السلطة وزبانيتها ذلك، واتُّهم رموز الفساد في الأجهزة الأمنية بتصفية العديد من قادة العمل العسكري المسلح .
- لم تحصل السلطة الفلسطينية على أدنى درجات السيادة والاحترام حتى في مناطق نفوذها، ولم يملك حتى رئيس السلطة السفر أو التجوّل إلا بإذن رسمي من "إسرائيل"، والكل يذكر ما انتهى إليه أمر الرئيس الفلسطيني الراحل أبي عمار .
فهل يمكن بعد ذلك التردد في الحكم على نتيجة هذه التجربة بالفشل الذريع بعد كل تلك السنوات المظلمة التي جُرّبت فيها ؟؟
اللهم؛ إلا ما استفاده رموز الفساد في السلطة والأجهزة الأمنية من المكاسب الشخصية، وتملك الأبراج في المدن العالمية، والأرصدة البنكية الخيالية، واحتكار لأنواع التجارات في الضفة وغزة، وركوب لأنواع السيارات الفخمة، وسكنى القصور الفارهة، وقد كانوا قبل ذلك تحت التراب !!
ولعل هذا الملحظ هو الذي يفسّر التشبث الشديد بالخيار السلمي، باعتباره "مصدر دخل شخصي" بالنسبة إلى هذه الثلّة، التي فاحت رائحة فسادها .
البدائل المتاحة ..
لا يجد هؤلاء الذين فشلت محاولاتهم العبثية في عمليات السلام بديلا عنها؛ رغم كل البينات التي قامت أوضح من الشمس في رابعة النهار .
إلا أن حركات المقاومة والجهاد قدمت البدائل المثمرة على صعيد الواقع المعاصر، لا على الصعيد الفلسطيني فحسب .
- استقلال الدول العربية أصالة من الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي وغيرها، فحصلت الجزائر على استقلالها بعد مليون شهيد، وهل حصّلت دولة من هذه الدول استقلالا حقيقيا إلا بعد الكثير من التضحيات على سبيل الجهاد والمقاومة، بل لم تُحصّل أمة من أمم الأرض تحرير أرضها إلا بهذه الطريق المباركة لا بغيرها، ولا يزال الواقع يُثبت نجاعة هذه السبيل .
- الانتصار الأفغاني على الاتحاد السوفييتي على أيدي الزمرة المجاهدة، وعلى رأسهم فضيلة العالم الدكتور الشهيد عبد الله عزّام رحمه الله تعالى، وهل أرغم أنف هذه الدولة العظمى وكان الطعنة الحاسمة في خاصرتها إلا جهاد هؤلاء ؟؟
- تحرير الجنوب اللبناني عام 2000م، على أيدي المقاومة اللبنانية التي اضطرت اليهود إلى جرّ أذيال الهزيمة، وحقّقت ما لم تحققه المفاوضات والوساطات وقرارات الأمم المتحدة الهزيلة .
- تحرير غزة على أيدي المجاهدين تلامذة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى، وطردهم بفعل بنادق المقاومة، بعد عجز عمليات السلام عن تحقيق أيٍّ من المكاسب على أرض الواقع .
- انتصار قوى المقاومة في حرب تمّوز 2006م على الجيش الإسرائيلي الجبان، وتمريغ أنفه بالتراب، وتحطيم مقولة :"الجيش الذي لا يُقهر" .
وبعد هذه النماذج المضيئة من تجارب المقاومة لا سبيل إلى إنكار فعاليتها في الواقع العالمي عموما، وفي الواقع الفلسطيني خصوصا .
عمق القضية وأصالتها ..
ولمّا كانت القضية الفلسطينية قضية احتلال أرض، واغتصاب مقدسات، وتشريد شعب، لم يكن لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن تقف عند وصولها إلى السلطة وإلى الحكومة، ولو كان قادة هذه الحركة المباركة طلاب دنيا، وسعاة وراء المناصب الزائفة، والكراسي الزائلة؛ لتراجعوا عن خط المقاومة والجهاد كما فعل غيرهم، إذاً لفتحت عليهم الدنيا أبوابها، ولرضيت عنهم الولايات المتحدة – فك الله وحدتها – ولتبعتها في ذلك الكيانات السياسية الفاسدة..
لكنها لمّا ثبتت على المبدأ، وقصدت الله تعالى والجهاد في سبيله، ولم ترض دون تحرير فلسطين كاملة بديلا، ودون استعادة الأقصى المبارك وإعادة اللاجئين المُخرجين من ديارهم وأموالهم وأراضيهم هدفا نبيلا؛ لمّا لم ترض إلا بذلك اجتمعت عليهم دول الكفر والطغيان، واجتمعت عليهم أنظمة الخيانة والعمالة، فحوصرت غزّة، واعتقل عدد كبير من كوادر حماس في الضفة الغربية في سجون عباس وزبانيته، وعملوا جاهدين على تشويه صورة الحركة في غزة بعدما اضطرت حماس إلى القيام بما قامت به من تطهير غزة من رموز الفساد والعمالة في الأجهزة الأمنية .
وأُريد – عالميا – "تأديب" الشعب الفلسطيني وعقوبته عقوبة جماعية جزاء على اختياره حماس في الانتخابات الفلسطينية .
وأصرّت حماس على الطريق التي انتخبها الشعب الفلسطيني لأجله، وهو طريق المقاومة والجهاد والدفاع عن هذا الشعب وعن حقوقه التي أضاعها الساسة تحت عنوان السلام .
وكانت هذه الحركة المباركة شوكة في حلق المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة العربية، وكانت انتصارا لإرادة الشعوب المسلمة، وتمثيلا حقيقيا لرغبات هذه الشعوب وطموحاتها، التي عجز النظام العربي الرسمي عن الارتقاء إليه في يوم من الأيام .
التّهدئة الأخيرة ..
رأت حركة حماس وسائر الفصائل الفلسطينية إبرام تهدئة مع الكيان الصهيوني، بوساطة مصرية، تنصّ هذه التهدئة على فتح المعابر بعد طول إغلاقها، وإيقاف الاعتداءات والاغتيالات، مقابل إيقاف إطلاق الصواريخ وشروط إضافية أخرى معلومة، فما كان من هذه الفصائل إلا الالتزام ببنود هذه التهدئة، مقابل ماذا ؟؟
مقابل الاعتداءات المستمرة، واستمرار إغلاق المعابر، وعدم فتحها رغم شدة التضييق، ونقص المواد الغذائية والأدوية، وقطع إمداد القطاع بالمحروقات، وعدم كفاية الكهرباء، على الرغم من نصّ التهدئة على فتح المعبر بعد أربعة أسابيع من بدء التهدئة، فانتهت الستة أشهر ولم تفتح هذه المعابر!!
هذا بالإضافة إلى سياسة الاغتيالات والقتل، بحيث خرقت إسرائيل عسكريا أكثر من خمسين خرقا، ترتب عليه أكثر من مائة شهيد بالإضافة إلى الجرحى خلال فترة التهدئة فقط، وكثرة الاعتقالات لقادة الفصائل المقاومة، والحكم على رئيس مجلس النواب الدكتور عبد العزيز الدويك بالسجن ثلاث سنوات، وعدد آخر من نواب الحركة ووزرائها، وكوادرها وأنصارها .
وليس هذا بغريب على اليهود نُقّاض العهود، وقد قال الله تعالى : (أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم)، هذا وصف الله تعالى لهم، فما بال قومنا يعوّلون على غيره ؟؟
ويتهم طائفة منهم فصائل المقاومة وحركة حماس – إحسانا للظن بأولئك المجرمين القتلة – وإساءة للظن بإخوانهم من أهل الصلاح والصدق، والله تعالى يقول : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، وهو سبحانه يقول : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) .
فمن هم المقصودون بذلك ؟ وأي الفريقين أحق بالوصف إن كنتم تعقلون ؟؟
والعجب كل العجب ممن يسارعون إلى تبني الموقف الإسرائيلي والأمريكي غير ملتفتين إلى الحقائق الميدانية من الاعتداء والخروقات المتكررة من اليهود، تلك التي عرفتها الشعوب الإسلامية، وفهمها الشارع العربي والإسلامي، بل والعالمي .
وما أدري ما الذي تكشف لأردوغان – مثلا – ولم يتكشف لزعماء الأنظمة العربية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية ؟ لا أدري ما الذي جعل الحقيقة ماثلة في تحمّل اليهود المسؤولية عن خرق التهدئة وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة أمام المفكرين والعلماء والسياسيين غير التابعين للنظام الرسمي ؟؟ وما الذي جعلها غير ذلك في عيون هذا النظام الرسمي وأتباعه والمنتفعين منه ؟؟
المقاومة والجهاد هي خيار الشعب الفلسطيني ..
هذا، ولا بدّ من بيان أن الشعب الفلسطيني في غزة هو الذي اختار طريق المقاومة، ففي استفتاء قامت به إحدى المؤسسات البحثية في غزة على تجديد التهدئة مع العدو الصهيوني وفق الشروط المعلومة رفض أكثر من 94% من المشاركين في الاستفتاء تجديد التهدئة مع الكيان الغاصب .
ولقد علم أهل غزة وأهل فلسطين طبيعة عدوّهم، وأنه ليس بالإمكان تحقيق أي مكاسب منه إلا بالقوّة والإرغام، وتجاربهم التي خبروها بأنفسهم منادية بذلك، مصرحة به .
وأهل غزة هم أعلم بواقعهم، وأعلم بعدوهم، وأعلم بما يُحتاج إليه من الحلول، ولا شكّ أن الضريبة باهظة، إلا أنها ثمن العزّة والكرامة، وثمن النصر والحرية .
المطلوب منّا ..
المطلوب الشرعي من المسلمين ليس أقل من تجييش الجيوش، وتحريكها لنصرة الأهل والأحبة، وإمدادهم بالسلاح اللازم لردّ العدوان، وهذا من المعلوم من الفقه بالضرورة .
وقطع العلاقات الدبلوماسية، لعزل هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة، بما يشمل إغلاق السفارات، وطرد السفراء، ووقف كل أنواع المفاوضات .
هذا بالإضافة إلى فتح المعابر، وإدخال الغذاء والدواء حسب الحاجة القائمة .
ثم الاحتجاج على ما يجري من المذابح الهمجية بكل أنواع الاحتجاجات، وإنكارها بكل الصور المتاحة، والضغط على الأنظمة بشتى أنواع الضغط لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك :
- إصدار العلماء والمفكرين للبيانات الحاثّة على نصرة الأهل في غزة .
- المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية للتصريح بإنكار العدوان، والتنديد بسياسات الاحتلال .
- التوعية والتعبئة بخطورة هذا العدوّ، وفضح أهدافه التوسّعية التي تمتدّ بعد غزة لإغراق القضية الفلسطينية وإذابتها أولا، ثم بالانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة إسرائيل الكبرى؛ المنبثقة من العقيدة الصهيونية : "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" .
- إعداد العدة المادية والمعنوية للقيام بالواجب الشرعي المتأكد من تحرير الأرض المباركة، وقبلة المسلمين الأولى؛ المسجد الأقصى المبارك .
- كتابة المقالات، وإلقاء الخطب، وإقامة الفعاليات المتنوعة التي تصبّ في الهدف المنشود، فإن المعركة مع اليهود لن تنتهي باليوم واليومين، وإنما هي معركة طويلة، لا بد أن يُحشد لها، وتستفز الأمة طاقاتها لأجلها، فإنها معركة الإسلام .
كتبه رأفت محمد رائف المصري
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
7/1/2009م، اليوم الثاني عشر من أيام العدوان على غزة حفظها الله .
انطلقت كثير من الألسنة إلى اتهام حماس بالمسؤولية عن ما حصل في الأيام الأخيرة من المحرقة الحارقة، والمجزرة الدامية التي اقترفتها أيدي اليهود المجرمين بحق الشعب الفلسطيني في غزة العزة .
وليست هذه الاتهامات بجديدة على التيار المتخاذل الذي يمثل النظام العربي الرسمي، ويمثله النظام العربي الرسمي .
ولكن الذي دفع إلى كتابة هذه الكلمات رواج بعض هذه الإرجافات على الكثير من أبناء الأمة من المخلصين المشفقين الذين شاهدوا سفك الدماء البريئة على أيدي القتلة، وتابعوا التدمير الوحشي الأعمى لكل ما في غزة .
لهؤلاء المخلصين المشفقين أكتب، وإياهم أخاطب؛ موضحا فلسفة المقاومة، ومبينا الفهم الاستراتيجي لموقفها، فأقول مستعينا بالله :
التجربة الماثلة ..
خاض الذين رفضوا المقاومة ممثلين بالسلطة الوطنية الفلسطينية غمار المفاوضات، وأبحروا طويلا في عمليات السلام مع الكيان الغاصب، وجعلوا من هذه الطريقِ الطريقَ الأوحد في تحقيق المكاسب، وإقامة الدولة .
أبحر هؤلاء في هذه الطريق طويلا، فمنذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم، وحتى هذه اللحظة؛ وهم على ما بدؤوه، لم يلووا عن ذلك عنقا، ولم يصرفوا عنه وجها .. مؤتمرات متتابعة، واجتماعات متواصلة، ومفاوضات لم تنقطع حتى في أحلك أيام هذا الشعب المسكين .
حصيلة التجربة الفاشلة ..
بعد هذه السنوات الطويلة في خوض هذه التجربة، نستطيع أن نجمل نتائجها بما يأتي :
- استمرار الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، واستمرار التضييق، في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية على حدّ سواء .
- بناء الجدار العازل الذي قطع الضفة الغربية أشلاء، والتهم من أرضها أجزاء واسعة، ومزق شمل أهلها.
- لم تنقص الحواجز التي أرهقت شعبنا في الضفة الغربية، بل لعلها ازدادت، استخفافا بهذا الشعب الأعزل، وسخرية بمن يجلسون معهم في الصباح والمساء على موائد المفاوضات لتحقيق "المكاسب الوهمية" .
- استمرار الاستيطان في أراضي الضفة الغربية وغيرها، وفي القدس خصوصا، واستشراؤه في مساحات واسعة إضافية .
وفوق كل ذلك :
- لم تعلَن الدولة الفلسطينية التي طالما وُعدت بها السلطة الفلسطينية، بل في زيارة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية "بوش" للكيان الغاصب ألمح بما هو أقرب إلى التصريح بأن ما يُنتظر من إعلان الدولة الفلسطينية هو الحلم الذي يحتاج إلى مائة وعشرين عاما لتحقيقه !!!
- انتزع اليهود الاعتراف بحقهم في تملك هذه الأرض بعد اغتصابهم لها، وإقامتهم دولتهم النجسة على ترابها الطاهر، وترتب على هذا الاعتراف بدولة إسرائيل تجريم كل ما يسمى بالمقاومة ضد هذا الكيان الغاصب .
- إخراج "إسرائيل" من عزلتها الإقليمية، بتوقيع اتفاقيات سلمية مع الدول المجاورة، تذرعا بأن الفلسطينيين هم أوّل المقدمين على التوقيع والسلام، وتبع ذلك التمثيل الدبلوماسي، وفتح السفارات، وسائر أنواع التطبيع .
- كُفي اليهود العبء الأكبر في قمع المقاومة والصوت الحر في فلسطين، وتولّى أولياء اليهود من جلّادي السلطة وزبانيتها ذلك، واتُّهم رموز الفساد في الأجهزة الأمنية بتصفية العديد من قادة العمل العسكري المسلح .
- لم تحصل السلطة الفلسطينية على أدنى درجات السيادة والاحترام حتى في مناطق نفوذها، ولم يملك حتى رئيس السلطة السفر أو التجوّل إلا بإذن رسمي من "إسرائيل"، والكل يذكر ما انتهى إليه أمر الرئيس الفلسطيني الراحل أبي عمار .
فهل يمكن بعد ذلك التردد في الحكم على نتيجة هذه التجربة بالفشل الذريع بعد كل تلك السنوات المظلمة التي جُرّبت فيها ؟؟
اللهم؛ إلا ما استفاده رموز الفساد في السلطة والأجهزة الأمنية من المكاسب الشخصية، وتملك الأبراج في المدن العالمية، والأرصدة البنكية الخيالية، واحتكار لأنواع التجارات في الضفة وغزة، وركوب لأنواع السيارات الفخمة، وسكنى القصور الفارهة، وقد كانوا قبل ذلك تحت التراب !!
ولعل هذا الملحظ هو الذي يفسّر التشبث الشديد بالخيار السلمي، باعتباره "مصدر دخل شخصي" بالنسبة إلى هذه الثلّة، التي فاحت رائحة فسادها .
البدائل المتاحة ..
لا يجد هؤلاء الذين فشلت محاولاتهم العبثية في عمليات السلام بديلا عنها؛ رغم كل البينات التي قامت أوضح من الشمس في رابعة النهار .
إلا أن حركات المقاومة والجهاد قدمت البدائل المثمرة على صعيد الواقع المعاصر، لا على الصعيد الفلسطيني فحسب .
- استقلال الدول العربية أصالة من الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي وغيرها، فحصلت الجزائر على استقلالها بعد مليون شهيد، وهل حصّلت دولة من هذه الدول استقلالا حقيقيا إلا بعد الكثير من التضحيات على سبيل الجهاد والمقاومة، بل لم تُحصّل أمة من أمم الأرض تحرير أرضها إلا بهذه الطريق المباركة لا بغيرها، ولا يزال الواقع يُثبت نجاعة هذه السبيل .
- الانتصار الأفغاني على الاتحاد السوفييتي على أيدي الزمرة المجاهدة، وعلى رأسهم فضيلة العالم الدكتور الشهيد عبد الله عزّام رحمه الله تعالى، وهل أرغم أنف هذه الدولة العظمى وكان الطعنة الحاسمة في خاصرتها إلا جهاد هؤلاء ؟؟
- تحرير الجنوب اللبناني عام 2000م، على أيدي المقاومة اللبنانية التي اضطرت اليهود إلى جرّ أذيال الهزيمة، وحقّقت ما لم تحققه المفاوضات والوساطات وقرارات الأمم المتحدة الهزيلة .
- تحرير غزة على أيدي المجاهدين تلامذة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى، وطردهم بفعل بنادق المقاومة، بعد عجز عمليات السلام عن تحقيق أيٍّ من المكاسب على أرض الواقع .
- انتصار قوى المقاومة في حرب تمّوز 2006م على الجيش الإسرائيلي الجبان، وتمريغ أنفه بالتراب، وتحطيم مقولة :"الجيش الذي لا يُقهر" .
وبعد هذه النماذج المضيئة من تجارب المقاومة لا سبيل إلى إنكار فعاليتها في الواقع العالمي عموما، وفي الواقع الفلسطيني خصوصا .
عمق القضية وأصالتها ..
ولمّا كانت القضية الفلسطينية قضية احتلال أرض، واغتصاب مقدسات، وتشريد شعب، لم يكن لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن تقف عند وصولها إلى السلطة وإلى الحكومة، ولو كان قادة هذه الحركة المباركة طلاب دنيا، وسعاة وراء المناصب الزائفة، والكراسي الزائلة؛ لتراجعوا عن خط المقاومة والجهاد كما فعل غيرهم، إذاً لفتحت عليهم الدنيا أبوابها، ولرضيت عنهم الولايات المتحدة – فك الله وحدتها – ولتبعتها في ذلك الكيانات السياسية الفاسدة..
لكنها لمّا ثبتت على المبدأ، وقصدت الله تعالى والجهاد في سبيله، ولم ترض دون تحرير فلسطين كاملة بديلا، ودون استعادة الأقصى المبارك وإعادة اللاجئين المُخرجين من ديارهم وأموالهم وأراضيهم هدفا نبيلا؛ لمّا لم ترض إلا بذلك اجتمعت عليهم دول الكفر والطغيان، واجتمعت عليهم أنظمة الخيانة والعمالة، فحوصرت غزّة، واعتقل عدد كبير من كوادر حماس في الضفة الغربية في سجون عباس وزبانيته، وعملوا جاهدين على تشويه صورة الحركة في غزة بعدما اضطرت حماس إلى القيام بما قامت به من تطهير غزة من رموز الفساد والعمالة في الأجهزة الأمنية .
وأُريد – عالميا – "تأديب" الشعب الفلسطيني وعقوبته عقوبة جماعية جزاء على اختياره حماس في الانتخابات الفلسطينية .
وأصرّت حماس على الطريق التي انتخبها الشعب الفلسطيني لأجله، وهو طريق المقاومة والجهاد والدفاع عن هذا الشعب وعن حقوقه التي أضاعها الساسة تحت عنوان السلام .
وكانت هذه الحركة المباركة شوكة في حلق المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة العربية، وكانت انتصارا لإرادة الشعوب المسلمة، وتمثيلا حقيقيا لرغبات هذه الشعوب وطموحاتها، التي عجز النظام العربي الرسمي عن الارتقاء إليه في يوم من الأيام .
التّهدئة الأخيرة ..
رأت حركة حماس وسائر الفصائل الفلسطينية إبرام تهدئة مع الكيان الصهيوني، بوساطة مصرية، تنصّ هذه التهدئة على فتح المعابر بعد طول إغلاقها، وإيقاف الاعتداءات والاغتيالات، مقابل إيقاف إطلاق الصواريخ وشروط إضافية أخرى معلومة، فما كان من هذه الفصائل إلا الالتزام ببنود هذه التهدئة، مقابل ماذا ؟؟
مقابل الاعتداءات المستمرة، واستمرار إغلاق المعابر، وعدم فتحها رغم شدة التضييق، ونقص المواد الغذائية والأدوية، وقطع إمداد القطاع بالمحروقات، وعدم كفاية الكهرباء، على الرغم من نصّ التهدئة على فتح المعبر بعد أربعة أسابيع من بدء التهدئة، فانتهت الستة أشهر ولم تفتح هذه المعابر!!
هذا بالإضافة إلى سياسة الاغتيالات والقتل، بحيث خرقت إسرائيل عسكريا أكثر من خمسين خرقا، ترتب عليه أكثر من مائة شهيد بالإضافة إلى الجرحى خلال فترة التهدئة فقط، وكثرة الاعتقالات لقادة الفصائل المقاومة، والحكم على رئيس مجلس النواب الدكتور عبد العزيز الدويك بالسجن ثلاث سنوات، وعدد آخر من نواب الحركة ووزرائها، وكوادرها وأنصارها .
وليس هذا بغريب على اليهود نُقّاض العهود، وقد قال الله تعالى : (أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم)، هذا وصف الله تعالى لهم، فما بال قومنا يعوّلون على غيره ؟؟
ويتهم طائفة منهم فصائل المقاومة وحركة حماس – إحسانا للظن بأولئك المجرمين القتلة – وإساءة للظن بإخوانهم من أهل الصلاح والصدق، والله تعالى يقول : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، وهو سبحانه يقول : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) .
فمن هم المقصودون بذلك ؟ وأي الفريقين أحق بالوصف إن كنتم تعقلون ؟؟
والعجب كل العجب ممن يسارعون إلى تبني الموقف الإسرائيلي والأمريكي غير ملتفتين إلى الحقائق الميدانية من الاعتداء والخروقات المتكررة من اليهود، تلك التي عرفتها الشعوب الإسلامية، وفهمها الشارع العربي والإسلامي، بل والعالمي .
وما أدري ما الذي تكشف لأردوغان – مثلا – ولم يتكشف لزعماء الأنظمة العربية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية ؟ لا أدري ما الذي جعل الحقيقة ماثلة في تحمّل اليهود المسؤولية عن خرق التهدئة وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة أمام المفكرين والعلماء والسياسيين غير التابعين للنظام الرسمي ؟؟ وما الذي جعلها غير ذلك في عيون هذا النظام الرسمي وأتباعه والمنتفعين منه ؟؟
المقاومة والجهاد هي خيار الشعب الفلسطيني ..
هذا، ولا بدّ من بيان أن الشعب الفلسطيني في غزة هو الذي اختار طريق المقاومة، ففي استفتاء قامت به إحدى المؤسسات البحثية في غزة على تجديد التهدئة مع العدو الصهيوني وفق الشروط المعلومة رفض أكثر من 94% من المشاركين في الاستفتاء تجديد التهدئة مع الكيان الغاصب .
ولقد علم أهل غزة وأهل فلسطين طبيعة عدوّهم، وأنه ليس بالإمكان تحقيق أي مكاسب منه إلا بالقوّة والإرغام، وتجاربهم التي خبروها بأنفسهم منادية بذلك، مصرحة به .
وأهل غزة هم أعلم بواقعهم، وأعلم بعدوهم، وأعلم بما يُحتاج إليه من الحلول، ولا شكّ أن الضريبة باهظة، إلا أنها ثمن العزّة والكرامة، وثمن النصر والحرية .
المطلوب منّا ..
المطلوب الشرعي من المسلمين ليس أقل من تجييش الجيوش، وتحريكها لنصرة الأهل والأحبة، وإمدادهم بالسلاح اللازم لردّ العدوان، وهذا من المعلوم من الفقه بالضرورة .
وقطع العلاقات الدبلوماسية، لعزل هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة، بما يشمل إغلاق السفارات، وطرد السفراء، ووقف كل أنواع المفاوضات .
هذا بالإضافة إلى فتح المعابر، وإدخال الغذاء والدواء حسب الحاجة القائمة .
ثم الاحتجاج على ما يجري من المذابح الهمجية بكل أنواع الاحتجاجات، وإنكارها بكل الصور المتاحة، والضغط على الأنظمة بشتى أنواع الضغط لاتخاذ الإجراءات اللازمة، بما في ذلك :
- إصدار العلماء والمفكرين للبيانات الحاثّة على نصرة الأهل في غزة .
- المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية للتصريح بإنكار العدوان، والتنديد بسياسات الاحتلال .
- التوعية والتعبئة بخطورة هذا العدوّ، وفضح أهدافه التوسّعية التي تمتدّ بعد غزة لإغراق القضية الفلسطينية وإذابتها أولا، ثم بالانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة إسرائيل الكبرى؛ المنبثقة من العقيدة الصهيونية : "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" .
- إعداد العدة المادية والمعنوية للقيام بالواجب الشرعي المتأكد من تحرير الأرض المباركة، وقبلة المسلمين الأولى؛ المسجد الأقصى المبارك .
- كتابة المقالات، وإلقاء الخطب، وإقامة الفعاليات المتنوعة التي تصبّ في الهدف المنشود، فإن المعركة مع اليهود لن تنتهي باليوم واليومين، وإنما هي معركة طويلة، لا بد أن يُحشد لها، وتستفز الأمة طاقاتها لأجلها، فإنها معركة الإسلام .
التعديل الأخير: