العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

زكاة الفطر

إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
480
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
-
المدينة
محج قلعة مقيم بمصر
المذهب الفقهي
الشافعي
شرح مشكل الوسيط (3/ 166
قال ابن الصلاح: قوله: "الصاع أربعة أمداد، والمدّ رطل والثلث" هذا التقدير مذهب الأئمة الثلاثة، مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم .
وقدره أبو حنيفة بثمانية أرطال بالرطل العراقي، وهو عند بعضهم مائة وثمانية وعشرون درهما.
ثم إن المشهور الاكتفاء بالوزن، وجواز إخراج هذا القدر بالوزن من غير كيل، وذلك مشكل جداً؛ لأن الذي ورد به الشرع صاع، وهو مكيال، والكيل مخرج في الصدر الأول، ولا يخفى أنه لا
ينحصر مقدار ملئه من حيث الوزن في قدر معين، بل يختلف قدره وزنا باختلاف أجناس ما
يكال بل باختلاف أنواع جنس واحد لاختلافها في رزانتها، وخفتها .

وقد عثرت بعد البحث الأكيد على مسالك لأصحابنا وغيرهم، في التقصي عن ....

أحدها: لإمام الحرمين، قد ذكره عند ذكره الصاع في تقدير الوسق: أن ما علقه الشارع بالصاع
والمدّ في صدقة الفطر، والكفارات، والفدية، وغيرها ليس المراد به مقدار ما يحويانه كيلا، بل
هو عبارة عن المقدار الموزون المعين
.
فالمراد بالصاع، والمدّ موزون لا مكيل؛ لأن الكيل بهما يختلف وزنه، فإذا اتفقت الأئمة على
مقدار موزون دلّ أنهم عنوا بالصاع، والمدّ ذلك المقدار وزناً.

وما قاله بعيد لا يتمشى، فإن الصاع في اللغة عبارة عن مكيال معروف، وهو في لسان الشرع - ونقلته من العلماء - مستعمل على المعنى اللغوي من غير تغيير، وذلك معلوم من موارد استعماله ومصادره، والله أعلم
.
الثاني: ما صار إليه الطحاوي أبو جعفر من أئمة أصحاب أبي حنيفة الصائرين إلى أن الصاع ثمانية أرطال أن هذا فيما يساوي كيله ووزنه، وهو الزبيب والعدس، والماش.
وهذا يقتضي نفي التقدير بالوزن على الموزون فيما سوى هذه الأشياء خلافا لما أطلقه الآخرون
من الفريقين.

الثالث: ذهب الإمام أبو الفرج الدارمي البغدادي، وهو من أكابر العراقيين في طبقة الشيخ
أبي حامد الإسفراييني، والقاضي أبي الطيب الطبري إلى أنه لا اعتماد في ذلك إلا على الكيل
دون الوزن، وصنف في ذلك مسألة أطالها، فذكر فيها أن الواجب الإخراج بصاع معاير بصاع
الذي كان يخرج به على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يوجد، ومن لا يقدر
عليه فالواجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه غير قاصر عن ذلك.

وحكى عن فقهاء عصره على اختلاف مذاهبهم أنهم قالوا: يخرج وزنا بالقدر الذي ذهب كل
منهم إليه، وأنهم كانوا يعملون بذلك في سائر أنواع المخرجات، وأطال النفس في تقرير ما تقدمت الإشارة إليه في بطلان ذلك.
وذكر أنه كان يذكر في ذلك من تيسرت له مذاكرته من الشافعية، وغيرهم من أهل العلم فلا يوردون ما يصحح ما يقولونه في ذلك
.
وذكر أنه يعتقد أنه ليس لما قالوه دليل، وأن محصول ما بلغه عن من نصر قولهم أمران:
أحدهما: دعوى وقوع الإجماع على ما قالوه.
والثاني: دعوى أن العيار وقع بأوزن الحبوب وأثقلها وزنا .
ثم بين بطلان الدعويَيْن، وذكر أن الشافعي لم يذكر في كتابه رواية الربيع وزنا، بل ذكر المكيال فقط، وأنه نص فيه في صدقة الثمار أن المعتبر الكيل لا الوزن .
قلت: قد ذكر الشافعي الوزن في القديم، لكنه قال: الصاع خمسة أرطال وثلث بزيادة شيء أو نقصانه.
وهكذا ذكره الدارمي عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه قال في زكاة الفطر: الصاع خمسة
أرطال وثلث بالبر على ما عيرنا إلا ما زاد، أو نقص من خفته ورزانته.
وهذا يقتضي أن تقديره بالخمسة والثلث تقريب لا تحديد.
إذا عرف ذلك فالذي نقطع به ما قطع به الدارمي من أن الاعتماد على الكيل دون الوزن، وأن
من لم يحضره صاع أو مدّ يوثق بمساواته صاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعليه إخراج قدر يتيقن وفاؤه بذلك، وأن الوزن من أصله تقريب، وكونه خمسة وثلثا تقريب آخر.

والفائدة فيه كونه يقع مردًّا في حق من لم يصح له صاع، فإنه يسهل عليه إدراك اليقين فيما يزيده على خمسة وثلث لعلمه حينئذ بأن الصاع الأصلي قريب من ذلك، ولولا ذلك لانتشر الأمر عليه
.
وقد وجدت في ذلك مردا آخر، وهو ما ذكره الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد من أئمة المالكية، فإنه ذكر اختلاف الموزونات، وحكى أنه لم يجد معيارا لذلك أقوى وأصح، ولا أقمن ما يعرف به، ولا يختلف في زمان ولا بلد من أن الصاع أربع حفنات بكفّي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين، ولا صغيرهما.
وذكر أبو حفص عمر بن ميمون المغربي الفقيه أنه صح عنده أن قياس مدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حفنة باليدين جميعاً كفّي وسط من الرجال، وذكر مثل قول ابن أبي زيد سواء.
قلت: هذا أيضاً لا يخرج عن التقريب، فإذا زاد ما يخرجه على أربع حفنات نحو حفنة حصل
اليقين،
والله أعلم
.
ثم اعلم أن الدارمي ذكر أن كيفية الكيل بالصاع أن يملأ أعلاه إلى رأسه لا ممسوحا، وذكر أن
ذلك عرفهم بالحجاز وعادتهم، وذكر من كلام الشافعي نحوا من ذلك .

فهذا كلام نفيس مهمّ في الصاع جمعنا من شتاته ما لم يجتمع في غير كتابنا، ولله الحمد.

 
أعلى