مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

[محمود حلمي علي]

هذه مشاركات أفردها _ إن شاء الله تعالى _ للحديث عن "مختصر المزني".
أذكر فيها فوائد متفرقة ودررا منثورة تتعلق بهذا الكتاب.
مثل بيان أهمية الكتاب ومكانته العلمية، وعناية العلماء به، ومنهج الكتاب، وطريقة تأليفه، ومصادره، ومصطلحاته، ومزاياه والمآخذ عليه، وشروحه، والكتب التي وضعت لخدمة هذا الكتاب، وغير ذلك من الفوائد إن شاء الله تعالى.
وكنت أود أن أرتب تلك الفوائد ترتيبا منهجيا موضوعيا، ولكن لم أتفرغ لذلك، فآثرت أن أكتب المشاركات منثورة بحسب الوقوف عليها.
ولعل هذه المشاركات تكون نواة لتأليف مستقل يخدم هذا الكتاب خدمة لائقة به، ويبرز مكانته وأهميته، ومنهجه، وأثره في الفقه الشافعي.

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

مؤلف مختصر المزني:
هو الإمام الجليل أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني.
ناصر المذهب وبدر سمائه، المصري الفقيه الإمام، صاحب التصانيف.
قال الإمام الشافعي: المزني ناصر مذهبي.
وقال له الإمام الشافعي رضي الله عنه عند وفاته : وأما أنت يا مزني فسيكون لك بمصر هنات وهنات، ولتدركن زمانا تكون أقيس أهل ذلك الزمان.
وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أول أصحاب الشافعي، وقال : كان زاهد، عالما، مجتهدا، مناظرا، محجاجا، غواصا على المعاني الدقيقة.
وقال عمرو بن عثمان المكي: ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه، وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول: أنا خُلُق من أخلاق الشافعي.
كان جبل علم مناظرا محجاجا، وكان زاهد ورعا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة.

وصنف كتبا كثيرة: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، وكتاب العقارب، وكتاب نهاية الاختصار.
ولد سنة خمس وسبعين ومائة ، وتوفي سنة أربع وستين ومائتين.
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (2/ 93 ، 94)، طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/ 58).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

مكانة مختصر المزني وأهميته:
قال الإمام الماوردي: ( لما كان أصحاب الشافعي رضي الله عنه قد اقتصروا على مختصر أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني رحمه الله؛ لانتشار الكتب المبسوطة عن فهم المتعلم، واستطالة مراجعتها على العالم،
حتى جعلوا المختصر أصلا يمكنهم تقريبه على المبتدئ، واستيفاؤه للمنتهي،
وجب صرف العناية إليه وإيقاع الاهتمام به ). الحاوي الكبير (1/ 7).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

مكانة مختصر المزني وأهميته :
قال القاضي حسين : ( قال الشيخ أبو زيد - رحمه الله -: من تأمل في المختصر حق تأمله، تطلع على جميع الفروع والأصول، فإنه ما من مسألة أوردها إلا ورمز هناك إلى شيء من أصول الشافعي رحمة الله عليه ) التعليقة للقاضي حسين (1/ 111).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

عناية الأئمة بمختصر المزني:
قال الإمام البيهقي: (أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا سهل: محمد بن سليمان - إمام الشافعيين في عصره بلا مدافعة من موافق ومخالف منصف - يقول:
قال لي أبو إسحاق المروزي في شيء جرى بيني وبينه: لم لا تنظر في المختصر؟
فقلت: ما جئتك من خراسان حتى فرغت من نظري في المختصر.
فقال: انظروا، يقول مثل هذا، وأبو العباس بن سريج يقول: ما نظرت فيه من مرة إلا واستفدت فائدة جديدة).
مناقب الإمام الشافعي، للإمام البيهقي (2/ 345).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

قال الإمام الروياني: ( ثم احتسب المزني، أفقه تلامذة الشافعي وأزهدهم وأحفظهم لكتبه وعلمه،
بأن اختصر من علمه كتابًا سماه: "الجامع الكبير"،
ثم اختصر منه "الجامع المختصر" الذي يتداوله أصحاب الشافعي ويتدارسونه،
ولم يترك شيئًا من أصول مسائل الفقه وفروعها إلا وقد أتى عليه بحسن الاختصار والنظم،
وربما يأتي في خطين أو ثلاثة ما أتى به الشافعي في أوراق،
ومكث في جمع هذا الكتاب نيفًا وعشرين سنة،
وما اعترض فيه باعتراض ولا اختار قولًا على غيره إلا بعد ما صلى ركعتين واستخار الله تعالى فيه ).
بحر المذهب للإمام الروياني (1/ 25).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

قال الإمام الروياني: ( قال الإمام القفال - رحمه الله -: من ضبط هذا المختصر حق ضبطه وتدبره لم يشذ عليه شيء من أصول مذهب الشافعي في الفقه ). بحر المذهب للإمام الروياني (1/ 25).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

ومما ذكر في وصف مختصر المزني وبيان مكانته :

مختصر المزني معاشر الشافعيين زينة مذهبكم، وعمدة أصلكم، وقاعدة طريقكم، وقعر يَمِّكُم، وموئلكم حين تختلفون، ومرجعكم حين تضطربون، ومفزعكم حين تتلاطم أمواج الآراء، ويتناضل في المحافل الفقهاء.
طبقات الشافعية الكبرى، للإمام تاج الدين السبكي (1/ 21).

 

[أم إبراهيم]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

جزاكم الله خيرا، موضوع مفيد جدا، لكن لو كان الخط أصغر لكان أريح للعين - فيما يخصني -

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

مختصر المزني هو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعلى مثاله رتبوا، ولكلامه فسروا وشرحوا.
وفيات الأعيان، للإمام شمس الدين ابن خلكان (1/ 217).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

انتشار مختصر المزني:

في ترجمة الإمام عبد الله بن محمد بن عيسى الفقيه المعروف بعبدان المروزي، في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 79):
قرأ على المزني والربيع، وأقام بمصر سنين، ثم انتقل إلى مرو، وحمل معه مختصر المزني، وهو أول من حمله إلى هناك.

وفي ترجمة الإمام القاضي، أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي (ت 302 هـ)، في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (14/ 233):
كان أبو زرعة شرط لمن حفظ (مختصر المزني) مائة دينار.
وهو الذي أدخل مذهب الشافعي دمشق، وكان الغالب عليه قول الأوزاعي.

وفي ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 197):
إنه الذي أدخل مذهب الشافعي إلى دمشق، وإنه كان يهب لمن يحفظ مختصر المزني مائة دينار.

وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام المزني:
امتلأت البلاد بـ (مختصره) في الفقه، وشرحه عدة من الكبار، بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة بـ (مختصر) المزني. سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 493).

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

ومن شعر الإمام أبي العباس ابن سريج في مختصر المزني :

لصيق فؤادي منذ عشرين حجّة ... وصيقل ذهني والمفرج عن همي
عـــــزيز على مثلــــي إعــــارة مثلــــه ... لمـــا فيه من علمٍ لـطيفٍ ومن نظمِ
جَمُــــوعٌ لأصناف العلوم بأسْرِها ... فأَخْلــــقْ بهِ أن لا يفــــــــــارِقَهُ كُـــــــمِّي
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 31).

 

[أم إبراهيم]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

بسم الله ...
نحن في انتظاركم يا شيخ ..
جزاكم الله خيرا

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

منهج الإمام المزني في كتابه المختصر:

بين الإمام المزني رحمه الله تعالى في مقدمة مختصره جانبا من منهجه فقال:
( اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - ومن معنى قوله؛ لأقربه على من أراده، مع إعلاميه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه، وبالله التوفيق ).

وقد شرح الأئمة كلامه وبينوا في شرحهم بعض منهجه في كتابه:
فقال الإمام الماوردي: (أما قوله " اختصرت هذا " فحد الاختصار: هو تقليل اللفظ مع استبقاء المعنى، وقال الخليل بن أحمد: هو ما دل قليله على كثيره). الحاوي الكبير (1/ 10).

قال الإمام الماوردي: (وأما قوله: " من علم الشافعي " فقال أبو إسحاق المروزي - رحمه الله -: أراد من كتب الشافعي فعبر بالعلم عن الكتب، لأنه قد يوصل بها إلى العلم.
وقال أبو علي ابن أبي هريرة: أراد من معلوم الشافعي، فعبر عنه بالعلم، ومعلوم الشافعي: ما أخذ عنه قولا ورسما). الحاوي الكبير (1/ 12).

قال القاضي حسين: ( قلت: معناه من معلوم الشافعي، وذلك أن المزني، سمع منه المسائل، ولم ينسخ ذلك، ثم صنف من ذلك العلم الذي سمع منه ). التعليقة للقاضي حسين (1/ 119).

قلت: في هذه اللفظة " من علم الشافعي " وفي شرحها ما يصحح خطأ شائعا في عصرنا،
وهو تصور أن "مختصر المزني" إنما هو مختصر من "كتاب الأم" !!!
وقد شاع هذا الخطأ في التصور في أذهان بعض طلبة العلم في عصرنا، وربما تلفظت به ألسنتهم وخطته أقلامهم.
حتى ظهر هذا الخطأ بصورة صريحة في طباعة كتاب "مختصر المزني" نفسه؛ حيث طبعته دار المعرفة بيروت، بعناية الشيخ خليل مأمون شيحا، طبعة مستقلة عن طبعتها لكتاب الأم، ولم تكتب على غلافه "مختصر المزني" أصلا، وإنما كتبت فقط "مختصر كتاب الأم للشافعي" !!!
ولا شك أن هذا خطأ في التصور، سببه قلة المعرفة بمختصر المزني، وعدم التأمل في كلام الإمام في مقدمته، وعدم الاطلاع على كتب وأبواب الكتاب اطلاع متأمل، فضلا عن مطالعة شروحه وكلام الأئمة عليه.
ففي مقدمة الكتاب، وفي شروحها ما يفيد أن "مختصر المزني" مختصر من علم الإمام الشافعي، أي من كتبه أو من علومه المأخوذة عن قولا ورسما، ومن المسائل التي سمعها الإمام المزني من الإمام الشافعي رضي الله عنه، ولم ينسخ ذلك، ثم صنف من ذلك العلم الذي سمع منه.

فهذا القدر المذكور في المقدمة وشرحها يفيد بأن علم الإمام الشافعي الذي اختصر منه الإمام المزني كتابه ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: كتب الإمام الشافعي. وسنتكلم عليها بتفصيل.
القسم الثاني: المسائل التي سمعها الإمام المزني من الإمام الشافعي، ولم ينقلها من كتبٍ للإمام، بل نقلها من لفظه.
وقد ذكر ذلك الإمام المزني في عدة مواضع، مبينا مصدره فيما ينقله عن الإمام كعادته فقال: "ومن مسائل شتى سمعتها منه لفظا"، "مما سمعته من الشافعي".
فهذا القسم غير مأخوذ من كتاب "الأم".

وأما القسم الأول وهو: كتب الإمام الشافعي.
فما المقصود بكتب الإمام الشافعي رضي الله عنه؟
هل المقصود بكتب الإمام الشافعي رضي الله عنه كتاب "الأم" فقط؟
لا شك أن للإمام الشافعي كتبا أخرى غير كتاب "الأم" كالإملاء، والأمالي وغيرها، فضلا عن الكتاب القديم.
وقد نقل الإمام المزني من تلك الكتب في العديد من المواضع.
بل قد نقل الإمام المزني في عدة مواضع من كتب للإمام الشافعي وضعها بخطه ولم يسمعها منه أحد من تلامذته!!
وقد ذكر ذلك الإمام المزني في عدة مواضع مبينا مصدره فيما ينقله عن الإمام كعادته فقال: "مما وضع الشافعي بخطه لا أعلمه سمع منه" .
ولا شك أن كتاب "الأم" مما سمع من الإمام الشافعي، وإن كان الإمام الربيع قد فاته سماع مواضع بعينها لقضائه بعض حوائج الإمام، وقد ميزها، ولكن قد سمعها من الإمام غير الإمام الربيع من تلامذة الإمام.
لكن الإمام المزني يقول عن بعض الكتب التي اختصر منها علم الإمام الشافعي: "مما وضع الشافعي بخطه لا أعلمه سمع منه". فلا شك أنها غير كتاب "الأم". والله أعلم.
وفي كلام الأئمة في شرح المقدمة ما يؤكد مسألة تعدد مصادر الإمام المزني في مختصره، ويصحح خطأ التصور والظن بأن مختصر المزني إنما هو مختصر من كتاب "الأم"؛
ذلك أن الأئمة في بيانهم لكون مختصر المزني مختصر من علم الإمام الشافعي _ على التقدير القائل بأن المراد بذلك : كتب الإمام الشافعي _ لم يصرح أحد منهم _ فيما رأيت _ بأن المقصود بكتب الإمام الشافعي التي اختصر منها الإمام المزني مختصره إنما هي "كتاب الأم" فقط؛ ذلك أن المقطوع به أن للإمام الشافعي كتبا أخرى غير كتاب الأم، وإن كان كتاب الأم هو المتبادر إلى الذهن عن إطلاق كتب الإمام الشافعي.
بل قد قال القاضي حسين: (ثم المزني لما رأي كثرة تفريعات الشافعي، وكثرة كتبه استكثره،
فاختصر منه كتابًا سماه الجامع الكبير، وكان كتابًا حسنا بالغًا، ولم يوجد ذلك الكتاب في ديار خراسان بالتمام،
ثم استكثره فاختصر منه هذا المختصر، الذي تداوله الفقهاء،
ثم استكثر هذا المختصر فصنف كتابًا في جزئيات.
والربيع بن سليمان المرادي صنف كتبًا كثيرة، ولكن لكثرة ورع المزني، وفقره بارك الله تعالى في كتابه) التعليقة للقاضي حسين (1/ 110 ، 111).
فالقاضي حسين هنا لم يجعل مختصر المزني مأخوذا من الكتب التي رواها واعتنى بها ورتبها الإمام الربيع المرداي، بل جعل الكتب التي رواها واعتنى بها الإمام الربيع موازية للكتب التي رواها واعتنى بها وهذبها ولخصها الإمام المزني، بل وفضل كتب الإمام المزني على غيرها !!!

إذن فمن أين اختصر الإمام المزني كتابه، وما الكتب التي اعتمد عليها، وما مصادره في مختصره؟
هذا ما سنفرد الحديث عنه في عدة مشاركات قادمة إن شاء الله تعالى عن "مصادر الإمام المزني في كتابه المختصر".

ومعاذ الله أن أريد، أو أن يظن بي أني أريد، بهذا الكلام أدنى انتقاص من مكانة كتاب الأم!!!
كيف وهو أفضل وأجمع كتب الإمام الشافعي رضي الله عنه ورأسها وأرأسها؟
كما أنني لا أقصد بذلك أن أنفي اعتماد الإمام المزني على كتاب الأم في مختصره، أو أن يكون أحد أهم مصادره.
وإنما أردت بهذا الكلام تصحيح خطأ شائع، وتقرير حقيقة علمية،
وتبيين منهج الإمام المزني في مختصره، وتعدد مصادره وموارده وشمولها لكل كتب الإمام الجديدة والقديمة، والمسائل المسموعة، والكتب التي لم تسمع.
مع حسن عرضها وترتيبها، والجمع بين متعارضها، والترجيح بينها مختلفها، وغير ذلك من جهود الإمام المزني رضي الله عنه في تقريب علم الإمام الشافعي رضي الله عنه.
كما يتبين ذلك لمن نظر في المختصر نظر متأمل،
وكما سيتبين بعض ذلك إن شاء الله تعالى معنا في هذه المشاركات التي أحاول فيها إبراز بعض هذه المعالم والجهود والمزايا، والحديث عن طرف منها، والدلالة على مخبوء من كنوزها، والتشويق إلى بعض دررها ومكنونها. نفعني الله وإياكم بها.

هذا بعض ما تفيده هذه اللفظة من مقدمة الإمام المزني: ( اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله -).
وفي بقية ألفاظ المقدمة فوائد مهمة، وبيان لجوانب أخرى من منهج الإمام المزني رضي الله عنه في مختصره.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

منهج الإمام المزني في كتابه المختصر:
قال الإمام المزني رحمه الله تعالى في مقدمة مختصره : ( اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - ومن معنى قوله؛ لأقربه على من أراده، مع إعلاميه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه، وبالله التوفيق ).

أما قول الإمام المزني: (ومن معنى قوله) فقد اختلف الأئمة في تفسير وشرح هذه اللفظة.

ويمكن تقسيم تفسيرات الأئمة وشرحهم لهذه اللفظة "ومن معنى قوله" إلى قسمين:
القسم الأول: يرجع إلى التعبير عن معاني نصوص الإمام الشافعي.
وذلك يكون بالتعبير عن المعنى المبسوط في كلام الإمام الشافعي بألفاظ مختصرة، أو بالاقتصار على بعض العلل المثبتة للحكم المنصوص، أو بعض دلائله، أو بالتنصيص على علة جامعة يستغنى بذكرها عن تكرارها في العديد من المسائل.
قال الإمام الماوردي: ( وأما قوله: " ومن معنى قوله " فقد اختلف أصحابنا في مراد المزني بما اختصره من معنى قوله على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن اختصار المعنى هو أن يعبر عنه بأوجز لفظ، وأخصر كلام.
وقد أفصح المزني بهذا في أول جامعه الكبير فقال: وليس اختصار المعاني هو ترك بعضها والإتيان بالبعض، ولكن الإتيان بالمعاني بألفاظ مختصرة.
والوجه الثاني: أن اختصاره المعنى غير راجع إلى لفظه، وإنما هو راجع إلى عينه.
ولمن قال بهذا في كيفيته ثلاثة مذاهب.
أحدها: أنه اختصر المعنى بإيراد إحدى دلائل المسألة دون جميعها فيكون ذلك اختصارا لها، وإلى هذا أشار أبو إسحاق المروزي.
والثاني: أن الحكم إذا ثبت لمعنيين مثل: الكلب الميت هو نجس، لأنه كلب، ولأنه ميت، اختصر ذلك بإيراد أحد المعنيين، وإلى هذا أشار أبو علي ابن أبي هريرة.
والثالث: أن يعلل الأصول بمعنى يجمع أصولا يستغنى به عن تعليل كل أصل منها بمعنى مفرد. مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل " فعلل إثبات النية في الصوم بأنه عمل مقصود في عينه، يصير التعليل بهذا المعنى موجبا لإثبات النية في الطهارة والصلاة والزكاة والحج والصيام، ولا يحتاج أن تختصر كل عبادة منها بمعنى يوجب النية فيها، فيكون هذا اختصارا للمعنى) الحاوي الكبير (1/ 12 ، 13).

والقسم الثاني: يرجع إلى تخريج المسائل على معاني نصوص الإمام الشافعي.
قال الإمام الماوردي: (والوجه الثالث: أن قوله: "ومن معنى قوله" يريد: على معنى قوله؛ فيكون "من" بمعنى "على"، فيكون معناه: أنه لما اختصر منصوصات الشافعي، اختصر على معنى قوله فروعا من عنده، كما فعل في الحوالة والضمان والشركة والشفعة). الحاوي الكبير (1/ 13).
وقال القاضي حسين: ( قوله: (من معنى قوله) يعني: على معنى قول الشافعي. وذلك أن المزني نقل مسائل كثيرة تخريجًا على معنى قول الشافعي، كما يقول في الشركة والضمان والحوالة) التعليقة للقاضي حسين (1/ 121).
وقال الإمام الروياني: (معناه: على معنى قوله، أي: خرَّجت المسائل في كتاب الحوالة والضمان وغيرهما على قياس مذهبه فيما لم أجد فيه نصًا). بحر المذهب للروياني (1/ 28).
وهذا مفيد جدا في مسألة تخريجات الإمام المزني، فإن الأئمة فهموا من هذه اللفظة أن الإمام المزني رحمه الله تعالى قد نص على ذلك في مقدمة مختصره.

وقد نص الإمام المزني على هذه المسألة كذلك في تراجم بعض أبواب مختصره، وفي ثناياه:
قال الإمام المزني في تراجم أحد الأبواب مبينا مصادر المسائل المذكورة في ذلك الباب: "ومما أوجبت فيه على قياس قوله" .
وقال في ترجمة أخرى: "كتاب الضمان. تحريت فيه مذهب الشافعي وقياس قوله". الحاوي الكبير (6/ 430).
وقال في ترجمة أخرى: "تحريت فيها مذهب الشافعي رحمة الله عليه". بحر المذهب للروياني (6/ 3).
وذكر في ثنايا كتابه ما يدل على ذلك فقال: "هذه مسائل تحريت فيها معاني جوابات الشافعي".
وقال في مواضع لا تحصى من المختصر: "قياس قوله".
فهذه النقول من "مختصر المزني" ومن "شروحه" تنص على مسألة "تخريج الإمام المزني"، واجتهاده في التخريج على مذهب الإمام الشافعي.

ولإمام الحرمين الجويني كلام نفيس بخصوص هذا الأمر:
قال إمام الحرمين: (منصوصات المزني في مجال التحرِّي معدودةٌ من مَتْن المذهب، وهي عند المصنفين كنصوص الشافعي). نهاية المطلب (6/519).
وقال أيضا: (إذا تصرف المزني على قياسِ مذهب الشافعي مخرِّجاً، كان تخريجه أولى بالقبول من تخريج غيره). نهاية المطلب (7/214).
وقال: (الذي أراه أن يُلحَق مذهبُه في جميع المسائل بالمذهب؛ فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصلٍ يتعلق الكلام فيه بقاطعٍ، وإذا لم يفارق الشافعيَّ في أصوله، فتخريجاته خارجةٌ على قاعدة إمامه، فإن كان لتخريج مخرِّج التحاقٌ بالمذهب، فأولاها تخريج المزني؛ لعلوّ منصبه في الفقه، وتلقّيه أصول الشافعي من فَلْق فيه). نهاية المطلب (13/479، 480).
وقال: (وأنا أوثر أن ننظر في كل كلامٍ له إلى ما أشرنا إليه، فإنْ تصرف على المذهب وأجرى قياسه، فهو تخريج على مذهب الشافعي، وتخريجه أولى بالقبول من تخريج غيره، وإن لم يتصرف على قياس المذهب، واستحدث من تلقاء نفسه أصلاً، فيعدّ ذلك مذهبَه، ولا يلحق بمتن المذهب). نهاية المطلب (14/37).

وقد عقد الإمام تاج الدين السبكي مبحثا نافعا عن هذه المسألة في كتابه الموسوعي طبقات الشافعية الكبرى تحت عنوان: (ذكر البحث عن تخريجات المزني رحمه الله وآرائه هل تلتحق بالمذهب؟).
وهو مبحث مفيد جدا، ومما قاله فيه: (ينبغي أن يكون الفيصل في المزني: أن تخريجاته معدودة من المذهب؛ لأنها على قاعدة الإمام الأعظم. وأما اختياراته الخارجة عن المذهب فلا وجه لعدها ألبتة.
وأما إذا أطلق، فذلك موضع النظر والاحتمال.
وأرى أن ما كان من تلك المطلقات في مختصره تلتحق بالمذهب؛ لأنه على أصول المذهب بناه، وأشار إلى ذلك بقوله في خطبته: (هذا مختصر اختصرته من علم الشافعي، ومن معنى قوله).
وأما ما ليس في المختصر، بل هو في تصانيفه المستقلة، فموضع التوقف.
وهو في مختصره المسمى " نهاية الاختصار" يصرح بمخالفة الشافعي في مواضع. فتلك لا تعد من المذهب قطعا). طبقات الشافعية الكبرى (2/ 103).

هذا بعض ما يستفاد من شرح هذه اللفظة من مقدمة الإمام المزني: (اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - ومن معنى قوله).
وفي بقية ألفاظ المقدمة بيان لجوانب أخرى من منهج الإمام المزني رضي الله عنه في مختصره.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

 

[أم إبراهيم]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

ما شاء الله،
جزاكم الله خيرا

 

[محمود حلمي علي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: (وما أجدر مختصر المزني بأن يُعتنى بحفظه؛ فإن مسائله غرر كلام الشافعي رضي الله عنه، بل دُرَر نظامه، وزواهر نصوصه، بل جواهر فصوصه،
وناقلها في غُمار نقلة المذهب عين القلادة، بل سيد السادة،
تميّز من بين سائر نقلة المذهب والحفّاظ، بالجَمْع بين سَبْك المعاني ونقل الألفاظ). الخلاصة المسمى "خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر"، للإمام الغزالي، ط. دار المنهاج (ص 55 ، 56).

 

[أمين إبراهيم رضوان]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

هل للمختصر نسخ مخطوطة ؟

 

[حاتم بن إبراهيم الحنيفي]

رد: مختصر المزني، ومكانته، وعناية الأئمة به، وشروحه، ومنهجه، ومصادره، وفوائد تتعلق به.

جزاك الله خيرًا ،
ورزقنا جميعًا صلاح النية والحال والبال.