العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إحياء السنن في شرب اللبن ،وأحكام الحليب

إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:70،71].
أما بعد:
ففي العهد الزاهر من عمر هذه الأمة المجيدة كان اللبن المشروب الرئيس والأساسي في حياة خير القرون ،ولقد حفلت السنة النبوية بذكر اللبن وقيمته وأهميته في حياة الفقراء من أهل ذلك الزمان وبيّن صلى الله عليه وسلم سننا ترتبط بهذا الشراب فضلا عن غيره من المشروبات في حياة المسلم آنذاك، وشرّع أحكاما تختص باللبن دون غيره وقد عمل الفقهاء وأهل الحديث على توضيح هذه الأحكام وبينوا مراد الشارع منها وقاسوا عليها بعض ما يتفق معه في العلة . إلا أن هذه السنن والأحكام بقيت طي الكتب موزعة فيها ولم تفرد بالتأليف في كتاب مستقل لذا تجشمت هذا الأمر والصعوبة فيه أنني لم أسبق إليه - حسب علمي القليل - .
لذا أخي الكريم وأختي الكريمة إذا رأيتم ما يعجبكم فاحمدوا الله على توفيقه لي ،وإن رأيتم غير ذلك فالتمسوا لي العذر ، وحسبي أنني قد اجتهدت، فما كان فيه من حق فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.
وفي الأخير أهدي هذا الكتاب لأمي التي سقتني درها ممزوجا بالحب والحنان ولأبي الذي أنشأني على حب الله ورسوله وساندني على طلب العلم ووفر لي كل ما يعينني على تحصيله ، فجزاهما الله عني خير ما جزى والدين عن ولدهما، وحفظهما الله. وأسأله تعالى أن يتقبل عملي، وأسأله تعالى أن يجزي كل من ساهم في نشر هذا الكتاب خيرًا، إنه نعم المولى ونعم المسؤول، والحمد لله رب العالمين.
رأفت الحامد العدني
27/صفر / 1434هـ


(( من منن المنان سقي الأنام الألبان ))
قال العلي الأعلى جل وعلا : {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66]
هذه حجة أخرى ومنة من المنن الناشئة عن منافع خلق الأنعام، أدمج في منتها العبرة بما في دلالتها على بديع صنع الله تبعا لقوله تعالى: والأنعام خلقها لكم فيها دفء إلى قوله: لرؤف رحيم [سورة النحل: 5- 7] .
إن مناسبة ذكر هذه النعمة هنا أن بألبان الأنعام حياة الإنسان كما تحيا الأرض بماء السماء، وأن لآثار ماء السماء أثرا في تكوين ألبان الحيوان بالمرعى.
واختصت هذه العبرة بما تنبه إليه من بديع الصنع والحكمة في خلق الألبان بقوله: مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا، ثم بالتذكير بما في ذلك من النعمة على الناس إدماجا للعبرة بالمنة.
ووقع البيان ب نسقيكم دون أن يقال: تشربون أو نحوه، إدماجا للمنة مع العبرة.
ووجه العبرة في ذلك أن ما تحتويه بطون الأنعام من العلف والمرعى ينقلب بالهضم في المعدة، ثم الكبد، ثم غدد الضرع، مائعا يسقى وهو مفرز من بين إفراز فرث ودم.
والفرث: الفضلات التي تركها الهضم المعدي فتنحدر إلى الأمعاء فتصير فرثا.
والدم: إفراز تفرزه الكبد من الغذاء المنحدر إليها ويصعد إلى القلب فتدفعه حركة القلب الميكانيكية إلى الشرايين والعروق ويبقى يدور كذلك بواسطة القلب. وقد تقدم ذكره عند قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم في سورة العقود [3] .
ومعنى كون اللبن من بين الفرث والدم أنه إفراز حاصل في حين إفراز الدم وإفراز الفرث. وعلاقته بالفرث أن الدم الذي ينحدر في عروق الضرع يمر بجوار الفضلات البولية والثفلية، فتفرزه غدد الضرع لبنا كما تفرزه غدد الكليتين بولا بدون معالجة زائدة، وكما تفرز تكاميش الأمعاء ثفلا بدون معالجة بخلاف إفراز غدد المثانة للمني لتوقفه على معالجة ينحدر بها الدم إليها.
والمعنى: إفراز ليس هو بدم لأنه ألين من الدم، ولأنه غير باق في عروق الضرع كبقاء الدم في العروق، فهو شبيه بالفضلات في لزوم إفرازه، وليس هو بالفضلة لأنه إفراز طاهر نافع مغذ، وليس قذرا ضارا غير صالح للتغذية كالبول والثفل.
وقد أحاط بالأوصاف التي ذكرناها للبن قوله تعالى: خالصا سائغا للشاربين.
فخلوصه نزاهته مما اشتمل عليه البول والثفل، وسوغه للشاربين سلامته مما يشتمل عليه الدم من المضار لمن شربه، فلذلك لا يسيغه الشارب ويتجهمه.
وهذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلمية، إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذ أن يعرف دقائق تكوينه، ولا أن يأتي على وصفه بما لو وصف به العالم الطبيعي لم يصفه بأوجز من هذا وأجمع.

راجع : التحرير والتنوير (14/ 199 وما بعدها ) بتصرف ،و تفسير الطبري = جامع البيان (17/ 240)، وتفسير ابن كثير (4/ 581)



(( أنهار الألبان وعد صادق لعباد الرحمن ))
وقال جل من قائل كريم : {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محمد: 15]

إن إطلاق الأنهار على أنهار الماء فهو حقيقة، وأما إطلاق الأنهار على ما هو من لبن وخمر وعسل فذلك على طريقة التشبيه البليغ، أي مماثلة للأنهار، فيجوز أن تكون المماثلة تامة في أنها كالأنهار مستبحرة في أخاديد من أرض الجنة فإن أحوال الآخرة خارقة للعادة المعروفة في الدنيا، فإن مرأى أنهار من هذه الأصناف مرأى مبهج. ويجوز أن تكون مماثلة هذه الأصناف للأنهار في بعض صفات الأنهار وهي الاستبحار. وهذه الأصناف الخمسة المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه ومن أعز ما يتيسر الحصول عليه، فكيف الكثير منها، فكيف إذا كان منها أنهار في الجنة. وتناول هذه الأصناف من التفكه الذي هو تنعم أهل اليسار والرفاهية.
وقد ذكر هنا أربعة أشربة هي أجناس أشربتهم، فكانوا يستجيدون الماء الصافي لأن غالب مياههم من الغدران والأحواض بالبادية تمتلئ من ماء المطر أو من مرور السيول فإذا استقرت أياما أخذت تتغير بالطحلب وبما يدخل فيها من الأيدي والدلاء، وشرب الوحوش وقليل البلاد التي تكون مجاورة الأنهار الجارية. وكذلك اللبن كانوا إذا حلبوا وشربوا أبقوا ما استفضلوه إلى وقت آخر لأنهم لا يحلبون إلا حلبة واحدة أو حلبتين في اليوم فيقع في طعم اللبن تغيير. فأما الخمر فكانت قليلة عزيزة عندهم لقلة الأعناب في الحجاز إلا قليلا في الطائف، فكانت الخمر تجتلب من بلاد الشام ومن بلاد اليمن، وكانت غالية الثمن وقد ينقطع جلبها زمانا في فصل الشتاء لعسر السير بها في الطرق وفي أوقات الحروب أيضا خوف انتهابها.
والعسل هو أيضا من أشربتهم، قال تعالى في النحل [69] يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه والعرب يقولون: سقاه عسلا، ويقولون: أطعمه عسلا. وكان العسل مرغوبا فيه يجتلب من بلاد الجبال ذات النبات المستمر. فأما الثمرات فبعضها كثير عندهم كالتمر وبعضها قليل كالرمان. انظر في التحرير والتنوير (26/ 96) بنصه

وقد جاء في السنة الصحيحة ما يدل على أن أصل هذه الأنهار نابع من أبحار لكل صنف ، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، ثُمَّ يَنْشَقُّ مِنْهَا بَعْدُ الْأَنْهَارُ» .حديث صحيح
رواه أحمد 20052 (33/ 246) في المسند ، وابن حبان في صحيحه 7409 (16/ 424) ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَصْفِ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِلْمُطِيعِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، وأخرجه الترمذي 2571 (4/ 699)بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَنْهَارِ الجَنَّةِ ،وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه الدارمي سنن الدارمي 2878 (3/ 1873)باب: في أنهار الجنة ، وقال الألباني : صحيح ، «المشكاة» (5650 - 5651 / التحقيق الثاني).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ - فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ».
رواه البخاري في صحيحه 2637 (3/ 1028) بَابُ دَرَجَاتِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي.

- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ لَا وَاللهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَافَتَاهَا خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ وَطِينُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْأَذْفَرُ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا خَلْطَ مَعَهُ» .،وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (1/38) للضياء المقدسي في «صفة الجنة».
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني : ضعيف مرفوعًا ،أخرجه ابن مردويه في «تفسيره»- كما في ابن كثير (7/297)- وأبو نعيم في «الحلية» (6/205)، وفي «صفة الجنة» (316) من طريق مهدي بن حكيم، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري، عن معاوية بن قُرَّة . الفتاوى الحديثية للحويني

( تعريف اللبن )

اللّبن في اللغة : سائل أبيض يكون في إناث الآدميّين والحيوان , وهو اسم جنسٍ , والجمع ألبان , وواحدته لبنة .
واللّبأ : أوّل اللّبن عند الولادة , ولبن كلّ شجرةٍ : ماؤُها على التّشبيه , وشاة لبون : ذات اللّبن غزيرةً كانت أو بكيئةً .ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ . الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 196)

أسماء اللبن في اللغة والحديث

الرسل : بكسر الراء واسكان السين هو اللبن الطري . شرح النووي على مسلم (18/ 69)،النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 222) ، ففي صحيح مسلم 110 - (2937) (4/ 2254) من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً : ... فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس. الحديث

الدَّرُّ : اللَّبَنُ . مختار الصحاح (ص: 103) ،وفي سنن ابن ماجه 2440 (2/ 816) وهو صحيح ،من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهر يركب إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته» .

المحض : بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة هو اللبن الخالص من الماء حلوا كان أو حامضا . فتح الباري (12/ 444) ،وفي صحيح البخاري 7047 (9/ 45) من حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ مرفوعاً : ... قَالَ: «وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ المَحْضُ فِي البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ... الحديث

الصريح : اللبن إذا ذهبت رغوته ولبن صريح ساكن الرغوة خالص . لسان العرب (2/ 509) ،وفي مسند أحمد (11/ 215)من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : لا أخاف على أمتي إلا اللبن، فإن الشيطان بين الرغوة والصريح. حسن لغيره

وإذا كان حامضاً فهو
الصرب : اللبن الحقين الحامض و واحدته صربة . لسان العرب (1/ 522)

وإذا كان حلو المذاق فهو
السملج : اللبن الحلو ولبن سملج حلو دسم ،وقال بعضهم هو الطيب الطعم . لسان العرب (2/ 300)

وإذا مزج بالماء فله عدة أسماء :
السمار : اللبن الممذوق بالماء . لسان العرب (4/ 376)

المذيق أو المذق : اللبن الممزوج بالماء. لسان العرب (10/ 339) المعجم الوسيط (2/ 859)

المهو : اللبن الرقيق الكثير الماء . لسان العرب (15/ 297) الصحاح في اللغة (2/ 185)

الضيح : اللَّبن الممزوج . مقاييس اللغة (3/ 297)

راجع : المخصص (1/ 455) ، كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ في اللغة العربية (ص: 217)لأبي إسحاق الطرابلسي ، اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأشياء (ص: 52) اللَّبَابِيدي الدمشقي ،التلخيص في معرفة أسماء الأشياء (ص: 375) لأبي هلال العسكري

ومن أمثال العرب في اللبن
قولهم: الصيفَ ضَيَّعْت اللَّبَن .
قال أبو بكر: معناه: طلبتِ الشيء في غير وقته. وذلك أن الألبان تكثر في الصيف، فيضرب هذا مثلاً للرجل يترك الشيء وهو ممكن، ويطلبه وهو متعذر. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 223)


( طهارة اللبن )

( الطّاهر والنّجس من الألبان وما يحل شربه منها )

اللّبن إمّا أن يكون من حيوانٍ أو من آدميٍّ فإن كان من حيوانٍ حيٍّ مأكول اللّحم كالبقر والغنم فهو طاهر بلا خلافٍ , لقوله تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } . (سورة النحل / 66)
راجع : بدائع الصنائع 1 / 63 ، 5 / 43 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 138 ، 5 / 194 ، 216 ، وحاشية الدسوقي 1 / 50 - 51 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، وكشاف القناع 1 / 194

إلا أنّ الفقهاء اختلفوا في طهارة لبن بعض الحيوانات , تبعاً لاختلافهم في حلّ أكلها , فما حلّ أكله كان لبنه طاهراً , ومن أمثلة ذلك :

( لبن الفرس )

لبن الفرس طاهر حلال عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة ، واختلف النّقل عن أبي حنيفة فروى الحسن عنه الكراهة في سؤره كما في لبنه , وقيل : لا بأس بلبنه , لأنّه ليس في شربه تقليل آلة الجهاد .
ولبن الفرس نجس عند المالكيّة بناءً على تبعيّة اللّبن للّحم , فقد قالوا : لبن غير الآدميّ تابع للحمه في الطّهارة بعد التّذكية فإن كان لحمه طاهراً بعد التّذكية وهو المباح والمكروه الأكل فلبنه طاهر وإن كان نجساً بعد التّذكية وهو محرّم الأكل فلبنه نجس , والفرس من الحيوانات المحرّمة عندهم .

والصحيح طهارة لبن الفرس على ما ذهب إليه الجمهور، لما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ». ولما رواه البخاري من حديث أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» تَابَعَهُ وَكِيعٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ: فِي النَّحْرِ.

راجع : حاشية ابن عابدين 5 / 216 ، وتكملة فتح القدير 8 / 421 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، ومغني المحتاج 1 / 80 ، والمغني 8 / 591 .شرح الدردير مع حاشية الدسوقي 1 / 50 - 51 ، وجواهر الإكليل 1 / 9 ، 218 .

مسألة : لو نزا حمار على فرس فأتت بغلة يحل لبن الفرس لأنه يولد من الفرس الذي يحل أكله فلا ينظر إلى تحريم الولد . فتاوى ابن الصلاح 1138 (2/ 711) فتاوى الرملي (1/ 163)

( ألبان الحمر الأهليّة )

رخّص في ألبان الحمر الأهليّة عطاء وطاووس والزهري , بينما هي نجسة محرّمة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهي مكروهة عند الحنفيّة ،وهذا هو القول الراجح.
راجع : حاشية ابن عابدين 5 / 216 ، ومغني المحتاج 1 / 80 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، وكشاف القناع 1 / 195 ، والمغني 8 / 587 ، وجواهر الإكليل 1 / 9 ، 218 ، والدسوقي 1 / 50 - 51 ، 2 / 117 .
ولا يجوز التداوي بألبان الحمر الأهلية
الحمر الأهلية ، كانت مباحة في أول الأمر ، ثم حرمها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. روى البخاري (5520) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» .
وروى البخاري (5527) ومسلم (1936) عن أبي ثَعْلَبَةَ، قَالَ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ».
قال ابن قدامة رحمه الله : " أكثر أهل العلم يرون تحريم الحمر الأهلية . قال أحمد : خمسة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها . قال ابن عبد البر : لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها" انتهى من "المغني" (9/324) . وإذا حرم لحمها حرم لبنها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/325) : " وألبان الحمر محرمة , في قول أكثرهم . ورخص فيها عطاء , وطاوس والزهري . والأول أصح ; لأن حكم الألبان حكم اللحمان " انتهى .
وقال أيضا (9/338) : "ولا يجوز التداوي بمحرم , ولا بشيء فيه محرم , مثل ألبان الأتن (جمع أتان وهي أنثى الحمار) ، ولحم شيء من المحرمات , ولا شرب الخمر للتداوي به ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له النبيذ يصنع للدواء فقال : (إنه ليس بدواء ، ولكنه داء) " انتهى .
وقال في "شرح المنتهى" (3/412) : "ويحرم ترياق (دواء السموم) فيه من لحوم الحيات ، أو الحمر ، وتداو بألبان حمر ، وكل محرم " انتهى بتصرف .
وقال ابن القيم رحمه الله : "المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا ، عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) النساء /160 ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب .
وأيضا : فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع .
وأيضا : فإنه داء ، كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء .
وأيضا : فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ؛ لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا ، فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته " انتهى من "زاد المعاد" (4/156) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/31) : " لا يجوز التداوي بشرب ألبان الحمر الأهلية " انتهى .

( لبن الجلالة )

الجلالة ذات اللّبن ممّا يؤكل لحمه كالإبل أو البقر أو الغنم الّتي يكون أغلب أكلها النّجاسة كره شرب لبنها الحنفيّة والحنابلة وهو الأصح عند الشّافعيّة - كما قال النّووي - إذا ظهر نتن ما تأكله في ريحها وعرقها .
ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّ شرب لبنها حرام , والأصل في ذلك ما رواه ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» . أخرجه الترمذي 1824 ( 4 / 270 ) ،وأبو داود 3785 (3/ 351) ،ولأنّ لحمها إذا تغيّر يتغيّر لبنها .
وعند المالكيّة لبن الجلالة طاهر , ولا يكره شربه , كما رخّص الحسن في لحومها وألبانها , لأنّ الحيوانات لا تنجس بأكل النّجاسات بدليل أنّ شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه .
قلت : فالصواب في هذه المسألة أنه إذا كان للنجاسة أثر في طعم اللحم أو رائحته، أو اللبن، أو يسبب أمراضاً، ونحو ذلك، فإنه محرم، وأما إذا لم يكن لها أثر فإنه جائز؛ لأن النجاسات تطهر بالاستحالة، وهذه الأشياء قد استحالت إلى دم، ولحم، وحليب، ونحو ذلك، هذا هو الصواب الأقرب من قولي العلماء -رحمهم الله- فيما يتعلق بالجلالة. والله أعلم.

راجع : بدائع الصنائع 5 / 40 ، وحاشية ابن عابدين 5 / 216 ، وجواهر الإكليل 1 / 216 - 217 ، ومغني المحتاج 4 / 304 ، وأسنى المطالب 1 / 568 ، والمغني 8 / 593 - 594 .

( لبن ميتة مأكول اللّحم )

لبن ميتة مأكول اللّحم من الحيوان نجس وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة , وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة , وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة , وذلك لأنّ اللّبن مائع في وعاءٍ نجسٍ فكان نجساً كما لو حلب في وعاءٍ نجسٍ .
وعند أبي حنيفة وهو رواية عند الحنابلة لبن ميتة مأكول اللّحم طاهر لقول اللّه تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } , وصف اللّبن مطلقاً بالخلوص والسيوغ مع خروجه من بين فرثٍ ودمٍ , وهذا آية الطّهارة , وكذا الآية خرجت مخرج الامتنان , والمنّة في موضع النّعمة تدل على الطّهارة , والصّحابة رضي الله تعالى عنهم أكلوا الجبن لمّا دخلوا المدائن , وهو يعمل بالإنفحة , وهي تؤخذ من صغار المعز فهو بمنزلة اللّبن , وذبائحهم ميتة .

قلت : وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (21/102)( القول الثاني ) فقال : والأظهر أن جبنهم حلال - أي المجوس - وأن أنفحة الميتة ولبنها طاهر.ا.هـ.
وقال في موضع آخر من الفتاوى (35/154) : " وأما الجبن المعمول بإنفحتهم - أي بعض طوائف الباطنية الكفار - ففيه قولان مشهوران للعلماء كسائر إنفحة الميتة وكإنفحة ذبيحة المجوس وذبيحة الفرنج الذين يقال عنهم لا يذكون الذبائح . فمذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين أنه يحل هذا الجبن ، لأن إنفحة الميتة طاهرة على هذا القول ، لأن الإنفحة لا تموت بموت البهيمة ، وملاقاة الوعاء النجس في الباطن لا ينجس . ومذهب مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أن هذا الجبن نجس لأن الإنفحة عند هؤلاء نجسة لأن لبن الميتة وإنفحتها عندهم نجس . ومن لا تؤكل ذبيحته فذبيحته كالميتة . وكل من أصحاب القولين يحتج بآثار ينقلها عن الصحابة ، فأصحاب القول الأول نقلوا أنهم أكلوا جبن المجوس ، وأصحاب القول الثاني نقلوا أنهم أكلوا ما كانوا يظنون أنه من جبن النصارى . فهذه مسألة اجتهاد للمقلد أن يقلد من يفتي بأحد القولين " انتهى .
وهذا قول ابن حزم أيضا فقد قال : لو مات حيوان مما يحل أكله لو ذكي فحلب منه لبن فاللبن حلال، لأن اللبن حلال بالنص، فلا يحرمه كونه في ضرع ميتة، لأنه قد باينها بعد، وهو وما حلب منها في حياتها ثم ماتت سواء، وإنما هو لبن حلال في وعاء حرام فقط، فهو والذي في وعاء ذهب أو فضة سواء وبالله تعالى التوفيق. المحلى 1013 (5/ 448)

راجع : بدائع الصنائع 1 / 63 ، والكافي لابن عبد البر 1 / 440 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، ومغني المحتاج 1 / 80 ، والمغني 1 / 74 .

ما سبق إنّما هو بالنّسبة للحيوان الحيّ المأكول اللّحم وميتته .

( لبن الحيوانات المتّفق على تحريمها )

ذهب الفقهاء إلى أنّ لبن الحيوانات المتّفق على حرمة أكلها نجس حيّةً كانت أو ميّتةً , يقول ابن قدامة : حكم الألبان حكم اللّحمان , وفي نهاية المحتاج : لبن ما لا يؤكل كلبن الأتان نجس لكونه من المستحيلات في الباطن فهو نجس , وفي جواهر الإكليل : لبن غير الآدميّ المحلوب في حال الحياة أو بعد موته تابع للحمه في الطّهارة وعدمها , وفي الفتاوى الهنديّة : الحمار الأهلي لحمه حرام فكذلك لبنه .

راجع : المغني 8 / 587 ، نهاية المحتاج 1 / 227 ، جواهر الإكليل 1 / 9 ،الفتاوى الهندية 5 / 290



( لبن الآدميّ )

لبن الآدميّ الحيّ طاهر باتّفاقٍ , سواء أكان من امرأةٍ أم من رجلٍ إذ لا يليق بكرامته أن يكون منشؤُه نجساً .
أمّا لبن الآدميّ الميّت فهو طاهر عند الحنفيّة والشّافعيّة وهو الظّاهر من مذهب الحنابلة , لأنّ اللّبن لا ينجس بالموت بل هو طاهر بعد الموت وإن تنجّس الوعاء الأصلي له , ونجاسة الظّرف إنّما توجب نجاسة المظروف إذا لم يكن الظّرف معدناً للمظروف وموضعاً له في الأصل , فأمّا إذا كان في الأصل موضعه ومظانه فنجاسته لا توجب نجاسة المظروف .
وقال المالكيّة : إنّ لبن الآدميّ الميّت نجس , وقيل : إنّه طاهر .

قال العثيمين : وقوله: «ولبن الميتة» أي: محرم، ما دمنا نقول: إن الرضاع لا بد أن يكون خمس رضعات فكيف يكون من الميتة؟ يكون إذا كانت المرأة الميتة أرضعته قبل ذلك أربع مرات، وبقي رضعة واحدة، فلما ماتت إذا ثديها مملوء لبنا، فسلط الصبي عليه فمصه وشربه، نقول: هذا محرم كما لو كانت حية.
بقي أن يقال: هل هذا الحليب طاهر أو نجس؟
الجواب: هل هذه الميتة طاهرة أم نجسة؟
الجواب: طاهرة، إذا حليبها طاهر.
وقال بعض أهل العلم: إن لبن الميتة ليس بمحرم؛ لأن هذا شيء نادر، والله ـ عز وجل ـ يقول: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} والميتة لا ترضع، فالآية تدل على فعل واقع من المرضعة، وهذا أقرب إلى الصواب. اهـ

راجع :بدائع الصنائع 4 / 8 - 9 ، والدسوقي 1 / 50 - 51 ، والحطاب 1 / 93 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، والمغني 4 / 288 ، 7 / 540 ، الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 438)





مدح اللبن

( اللبن شراب الفطرة )

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: " لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ: فَنَعَتَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ - مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: - رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ - يَعْنِي الحَمَّامَ -، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ " .
رواه البخاري في صحيحه 3437 (4/ 166) بَابُ قَوْلِ اللَّهِ {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16] "

- وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ، وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ " .رواه البخاري في صحيحه 4709 (6/ 83) بَابُ قَوْلِهِ: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} [الإسراء: 1]

- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ، وَأَمَّا البَاطِنَانِ: فَنَهَرَانِ فِي الجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ " .
رواه البخاري في صحيحه5610 (7/ 109) بَابُ شُرْبِ اللَّبَنِ ،ومسلم أيضا في صحيحه 429 (1/ 99) باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السموات وفرض الصلوات ، بلفظ : ثم خرجت فجاءنى جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل -صلى الله عليه وسلم- اخترت الفطرة.
وقوله : (هُديت الفطرة) فهو من باب الفأل الحسن لأن اللبن أول ما يفتح الرضيع إليه فمه، فلذلك سمى فطرة؛ لأنه فطر جوفه أى: شقه أول شىء، فالفطور: الشقوق. شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 67)

وقد فسر العلماء الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة وأما الخمر فإنها أم الخبائث وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل والله أعلم . شرح النووي على مسلم (2/ 212)

فألهمه الله تعالى اختيار اللبن لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها فلله الحمد والمنة وقول جبريل عليه السلام أصبت الفطرة قيل في معناه أقوال المختار منها أن الله تعالى أعلم جبريل أن النبي صلى الله عليه وسلم إن اختار اللبن كان كذا وإن اختار الخمر كان كذا وأما الفطرة فالمراد بها هنا الإسلام والاستقامة . شرح النووي على مسلم (13/ 181)

قال القرطبي : يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة . فتح الباري (7/ 215)

( اللبن في النوم دلالة على السنة والفطرة والعلم والقرآن )

- عن ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «العِلْمَ» .
رواه البخاري في صحيحه 82 (1/ 27) بَابُ فَضْلِ العِلْمِ ،و رواه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله عنه رقم 2391
ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببا للصلاح فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي. فتح الباري لابن حجر (7/ 46)
فاللبن غذاء الأطفال وسبب صلاحهم وقوّة الأبدان بعد ذلك، وكذلك العلم سبب لصلاح الدنيا والآخرة.
قال المهلب: رؤية اللبن في النوم تدل على السنة والفطرة والعلم والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو الذي يفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما تقوم بالعلم حياة القلوب فهو يشاكل العلم من هذا الوجه، وقد يدل على الحياة لأنها كانت به في الصغر وإنما أوله الشارع في عمر بالعلم والله أعلم لعلمه صحة فطرته ودينه والعلم زيادة في الفطرة اهـ .
وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على الحمل وظهور الأسرار والعلم والتوحيد وعلى الدواء للأدواء، واللبن الرائب هم والمخيض أشد غلبة منه، ولبن ما لا يؤكل لحمه مال حرام وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني (10/ 151)

( عطية اللبن صدقة )

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى فَذَكَرَ خِصَالًا، وَقَالَ: «مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً، غَدَتْ بِصَدَقَةٍ، وَرَاحَتْ بِصَدَقَةٍ، صَبُوحِهَا وَغَبُوقِهَا»
رواه مسلم في الزكاة باب فضل المنيحة 2405 (3/ 88)، و ورواه البخاري في صحيحه 2629 (3/ 165) بَابُ فَضْلِ المَنِيحَةِ .منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا : «نِعْمَ المَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ، وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ».
والمنيحة: الْعَطِيَّة، وَهِي هَا هُنَا عَارِية يمنح قوم لَبنهَا ثمَّ يردونها.
واللقحة بِكَسْر اللَّام: الشَّاة الَّتِي لَهَا لبن. وَبِفَتْحِهَا: الْمرة الْوَاحِدَة من الْحَلب. وَقيل: فِيهِ لُغَتَانِ: كسر اللَّام وَفتحهَا. وَالشَّاة الصفي والناقة الصفي: الْكَثِيرَة اللَّبن. وصفايا الْإِبِل: الغزار مِنْهَا. كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 516)
وقوله : (من منح منيحة) مبتدأ وقوله غدت بصدقة خبره والضمير الراجع إلى الموصول محذوف تقديره غدت تلك المنيحة له ملتبسة بصدقة .
والصبوح: الشّرْب فِي وَقت الْغَدَاة. والغبوق: شرب الْعشي. كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 516)
قال الإمام أحمد القرطبي : ومعنى الكلام : أن من منح منيحة كان للمانح صدقة كلما غدت أو راحت ؛ لأجل ما يُنال منها في الصباح والمساء . المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 34)

( لبن الإبل والبقر شفاء )

- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ، ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلًا، قَالَ: «مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ»، فَانْطَلَقُوا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَطَرَحَهُمْ بِالحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ، حَتَّى مَاتُوا، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا .
رواه البخاري في صحيحه 3018 (4/ 62) بَابٌ: إِذَا حَرَّقَ المُشْرِكُ المُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ ،ورواه مسلم أيضا في صحيحه 1671 (3/ 1296) بَابُ حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِينَ

- وعن ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِي أَبْوَالِ الإِِبِلِ وَأَلْبَانِهَا شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ " . رواه أحمد في مسنده 2677 (4/ 415) والحديث حسن لغيره، وإسناد أحمد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح، وحنش بن عبد الله: هو السبائي الصنعاني الثقة الذي احتج به مسلم ، وهذا الحديث يشده حديث العرنيين في "الصحيحين" ،وأخرجه الطبراني (12976) عن بكر بن سهل، عن عبد الله بن يوسف، والطحاوي 1/108 عن الربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، كلاهما عن ابن لهيعة، بهذا الإسناد.
وقوله: "للذربة بطونهم"، أي: لمن فسدت بطونهم، والذرب: هو الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه.

- وعن مُلَيْكَةَ بنتِ عَمْرٍو الزَّيْدِيَّةِ من وَلَدِ زَيْدِ اللَّهِ بن سَعْدٍ قالت * اشْتَكَيْتُ وَجَعًا في حَلْقِي فَأَتَيْتُهَا فَوَضَعَتْ لي سَمْنَ بَقَرَةٍ قالت ان رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال أَلْبَانُهَا شِفَاءٌ وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ وَلُحُومُهَا دَاءٌ . رواه الطبراني في المعجم الكبير 79 (25/ 42) ،وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1533 (4/ 46)
قال ابن القيم : فإن لبنها غذاء مع الأغذية، وشراب مع الأشربة، ودواء مع الأدوية . زاد المعاد (4/ 217)
- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشّجر".
رواه ابن حبان في صحيحه 6075 (13/ 439) ذكر خبر أوهم غير المتبحر في صناعة العلم أن ألبان البقر نافعة لكل من به علة من العلل ، وإسناده صحيح .
قال ابن شُمَيل : الرَّمّ ، والارْتِمام : الأكْل . تهذيب اللغة للأزهري (15/ 138)

( اللبن شراب شباب الصحابة المفضل )

- عن عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُشِ ، ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا ، ثُمَّ أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ ، ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي ، ثُمَّ قَالَ : مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ : كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَأَجْوَدَهُ ثَغْرًا ، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَّةً كَمَا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا شَابٌّ غَيْرُ اللَّبَنِ ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الْحَدِيثِ يُحَدِّثُنِي.
رواه أحمد في مسنده 22941 (38/ 25) وإسناده قوي، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" في ترجمة عبد الله بن بريدة ص 417 ،وأخرجه ابن أبي شيبة 11/94-95 عن زيد بن الحباب، به. ولفظه: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلس أبي على السرير، وأتي بالطعام فأطعمنا، وأتي بشراب فشرب، فقال معاوية: ما شيء كنت أستلذه وأنا شاب فآخذه اليوم إلا اللبن، فإني آخذه كما كنت آخذه قبل اليوم، والحديث الحسن.
وقوله: "ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي: معاوية بن أبي سفيان، ولعله قال ذلك لما رأى من الكراهة والإنكار في وجه بريدة، لظنه أنه شراب محرم، والله أعلم.

( الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة )

- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا اللَّبَنَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ بَيْنَ الرَّغْوَةِ وَالصَّرِيحِ» .
رواه أحمد في مسنده 6640 (11/ 215)، والحديث حسن لغيره، وذكره الهيثمي في "المجمع" 8/105، وقال: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو لين، وبقية رجاله ثقات ،وله شاهد حسن من حديث عقبة بن عامر ولفظه في إحدى رواياته: قال رسول الله يا: "إني أخاف على أمتي اثنتين: القرآن واللبن، أما اللبن فيبتغون الريف، ويتبعون الشهوات، ويتركون الصلوات، وأما القرآن فيتعلمه المنافقون، فيجادلون به المؤمنين".
وقوله : بين الرغوة: زبد اللبن، والصريح: أي: الخالص منه، وكل خالص صريح.
قال السندي: قوله: "إلا اللبن": كأن المراد أنهم لكمال عقولهم لا يخاف عليهم ما هو مذموم ظاهرا وباطنها، وإنما يخاف عليهم ما هو محمود ظاهرا، وفيه مداخلة للشيطان باطنا. والله تعالى أعلم.

سنن شرب اللبن

( جواز شرب اللبن )

- عَنِ البَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟، قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَمَّاهُ، فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى، فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، «فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ» .
رواه البخاري في صحيحه 2439 (3/ 127) بَابُ مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ ، ورواه مسلم أيضا في صحيحه 2009 (3/ 1592) بَابُ جَوَازِ شُرْبِ اللَّبَنِ

- وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِبَابًا وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ، وَأَكَلَ الأَقِطَ» .
رواه البخاري في صحيحه 5402 (7/ 73) بَابُ الأَقِطِ، ورواه مسلم في الصيد والذبائح باب إباحة الضب رقم 1947]

- وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن بن سيرين أنه سمع بن عمر يسأل عن الأشربة فقال إن أهل كذا يتخذون من كذا وكذا خمرا حتى عد خمسة أشربة لم أحفظ منها الا العسل والشعير واللبن قال فكنت أهاب أن أحدث باللبن حتى أنبئت أنه بأرمينية يصنع شراب من اللبن لا يلبث صاحبه أن يصرع . فتح الباري (10/ 71)
واللبن بمفرده غير مسكر نعم قد يقع نادرا بصفة تحدث فيه وحينئذ فيحرم شربه إن علم ذهاب عقله به.
قال الحافظ : وقول من زعم أن اللبن يسكر كثيره فرد ذلك بالنصوص وهو قول غير مستقيم لأن اللبن لا يسكر بمجرده وإنما يتفق فيه ذلك نادرا بصفة تحدث وقال غيره قد زعم بعضهم أن اللبن إذا طال العهد به وتغير صار يسكر وهذا ربما يقع نادرا إن ثبت وقوعه ولا يلزم منه تأثيم شاربه إلا إن علم إن عقله يذهب به فشربه لذلك نعم قد يقع السكر باللبن إذا جعل فيه ما يصير باختلاطه معه مسكرا فيحرم . فتح الباري (10/ 71)

( السنة عدم رد هدية اللبن )

- عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ: الوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ " الدُّهْنُ: يَعْنِي بِهِ الطِّيبَ.
رواه الترمذي في سننه 2790 (5/ 108) بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ رَدِّ الطِّيبِ ، وهو حديث حسن
قال علي القاري : لا ينبغي أن ترد لقلة منتها وتأذي المهدي إياها (الوسائد والدهن واللبن) قال الطيبي - رحمه الله -: " يريد أن يكرم الضيف بالوسادة والطيب واللبن، وهي هدية قليلة المنة فلا ينبغي أن ترد . مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2013)

( شرب اللبن بالماء )

- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، وَقَالَ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ» .
رواه البخاري في صحيحه 5619 (7/ 111)بَابُ الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ فِي الشُّرْبِ ،ورواه مسلم في صحيحه 124 - (2029) (3/ 1603) بَابُ اسْتِحْبَابِ إِدَارَةِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِمَا عَنْ يَمِينِ الْمُبْتَدِئِ ، ورواه ابن حبان في صحيحه 5337 (12/ 153) ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ كَانَ مَشُوبًا بِالْمَاءِ حَيْثُ سَقَى الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال النووي : وقوله (شيب) أي خلط وفيه جواز ذلك وانما نهي عن شوبه إذا أراد بيعه لأنه غش قال العلماء والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع . شرح النووي على مسلم (13/ 200)
قال العراقي : وقد يكون له سبب آخر، وهو إزالة حمضه أو تخفيفه. طرح التثريب (6/ 23)

( المضمضة من شرب اللبن )

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا» .
رواه البخاري في صحيحه 211 (1/ 52)بَابٌ: هَلْ يُمَضْمِضُ مِنَ اللَّبَنِ؟، ورواه مسلم في الحيض باب نسخ الوضوء مما مست النار رقم 358 ،وقوله :(دسما) هو ما يظهر على اللبن من الدهن وقوله هذا تعليل للمضمضة] ،
ورواه ابن حبان في صحيحه 1159 (3/ 434) ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ شُرْبَ اللَّبَنِ لَا يُوجِبُ عَلَى شَارِبِهِ وُضُوءًا .،ورواه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 29)باب ذكر الدليل على أن المضمضة من شرب اللبن استحباب لإزالة الدسم من الفم وإذهابه، لا لإيجاب المضمضة من شربه .ورواه الأربعة في سننهم :سنن النسائي 187 (1/ 109) وسنن الترمذي 89 (1/ 149) وسنن أبي داود 196 (1/ 50) وسنن ابن ماجه 498 (1/ 166)

- قال أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا، فَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَصَلَّى». رواه أبو داود في سننه 197 (1/ 50) بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ – يعني الْوُضُوءِ مِنَ اللَّبَنِ - ، قال الشيخ الألباني: حسن .

فتستحب المضمضة بعد شرب اللّبن, وقد بيّن النّبي صلى الله عليه وسلم العلّة في المضمضة من اللّبن فيدل على استحبابها من كلّ شيءٍ دسمٍ .

قال النّووي : فيه استحباب المضمضة من شرب اللبن قال العلماء وكذلك غيره من المأكول المشروب تستحب له المضمضة ولئلا تبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة ولتنقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه ... شرح النووي على مسلم (4/ 46)

وقال الحافظ : فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم . فتح الباري (1/ 313)

وقال ابن مفلحٍ : تسن المضمضة من شرب اللّبن , لأنّه صلى الله عليه وسلم تمضمض بعده بماء , , ثمّ قال : ذكر بعض متأخّري أصحابنا ما ذكره بعض الأطبّاء من أنّ الإكثار منه يضر بالأسنان واللّثة , ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء , ثمّ ذكر الخبر أنّه عليه الصّلاة والسّلام تمضمض وقال : « إنّ له دسماً » . الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 367)

وقال الشوكاني :فيه مشروعية المضمضة بعد شراب اللبن ، والعلة الدسومة الكائنة في اللبن " ،التعليل بذلك يشعر بأن ما كان له دسومة من مأكول أو مشروب فإنه تشرع له المضمضة ... نيل الأوطار (9/ 71)

قلت : جمهور الفقهاء على أن الأحاديث التي فيها الأمر بالمضمضة أمر استحباب لا وجوب، والدليل على ذلك حديث أنس .
وسنة المضمضة بعد التناول ليست خاصة باللبن فقد ذهب المالكية ، والحنابلة إلى أنه يقاس على اللبن كل ما له دسم ،وهو الصحيح .

راجع : عمدة القاري (3/ 108) ،المدونة (1/ 114) ،الفواكه الدواني (2/ 318)،الخرشي على خليل (1/ 159)،منح الجليل (1/ 94) ،كشاف القناع (5/ 173)

( ما يقول إذا شرب اللبن )

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَتْ: أَلا نُطْعِمُكُمْ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا لَنَا أُمُّ عُفَيْقٍ؟ قَالَ: فَجِيءَ بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ، فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ [ص:440] خَالِدٌ: كَأَنَّكَ تَقْذَرُهُ؟ قَالَ: «أَجَلْ» ، قَالَتْ: أَلا أُسْقِيكُمْ مِنْ لَبَنٍ أَهْدَتْهُ لَنَا؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَجِيءَ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ وَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا» فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِسُؤْرِكَ عَلَيَّ أَحَدًا، فَقَالَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ ". الحديث حسن لغيره
رواه أحمد في مسنده 1978 (3/ 439)،ورواه أبو داود 3730 (3/ 339) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا شَرِبَ اللَّبَنَ ، والترمذي- وحسنه- في "السنن" 3455 (5/ 506) بَاب مَا يَقُولُ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا ، وفي "الشمائل" (206) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (286) ، وابن ماجه 3322 (2/ 1103) باب اللبن ،وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (474) ، ، وضعف هذا الحديث الشيخ ابن باز كما في مجموع فتاواه (26/ 261) وقال : وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان؛ لأنه ضعيف عند جمهور أهل العلم. قال الحافظ في التقريب: ضعيف في الرابعة. وقال الحافظ في "أمالي الأذكار" بعد تخريجه فيما نقله عنه ابن علان 5/238: هذا حديث حسن. يعني بطرقه، فإن مدار الحديث عند جميع من خرجه على علي بن زيد بن جدعان، وهو عنده ضعيف لا يحسن حديثه إلا بالمتابعة والشواهد.

قلت : اختص هذا الدعاء باللبن وما في معناه عن غيره لأنه يجزئ عن الطعام والشراب فإنه غذاء يغني عن غيره ، ولا يدخل فيه سائر مُشتقّات اللبن ؛ لأن أكثرها لا يُعتبر شرابا ، فلا يصح أن يُقال إنه سُقِي جُبنا أو زبدة ! ، وقد نص الحنابلة في كتبهم على استحباب قول هذا الذكر ندبا للخبر الوارد فيه .
راجع : كشاف القناع (5/ 182)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/ 251)

وقال المناوي : قوله (فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) : يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معا شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطا في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيبا طبيعيا من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره ... فيض القدير (1/ 296)، وزاد المعاد (4/ 353)

( اللبن أفضل أم العسل ؟ )

قال الشوكاني : هذا يدل على أنه ليس في الأطعمة والأشربة خير من اللبن، وظاهره أنه خير من العسل الذي هو شفاء، لكن قد يقال إن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه، والعسل باعتبار التداوي من كل داء وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن، ففي كل منهما خصوصية يترجح بها ... نيل الأوطار (8/ 192)
قال السيوطي : مقتضى الأدلة تفضيل اللبن على العسل ;
لأمور: منها أنه يربى به الطفل، ولا يقوم العسل ولا غيره مقامه في ذلك،
ومنها أنه يجزئ عن الطعام والشراب وليس العسل ولا غيره بهذه المثابة ،
ومنها أنه لا يشرق به أحد، وليس العسل ولا غيره كذلك،
ومنها «أنه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء اختار اللبن على العسل ، فاختياره اللبن على العسل ظاهر في تفضيله عليه، ومن الصريح في ذلك قوله في اللبن: وزدنا منه- يعطي أنه لا شيء خير من اللبن. الحاوي للفتاوي (2/ 377)
( متى يشرب الحليب ؟ )

- عَنِ الْمِقْدَادِ بن الأسود ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي، وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعْنُزٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَيْنَنَا»، قَالَ: فَكُنَّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، وَنَرْفَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصِيبَهُ، قَالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ، قَالَ: ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ، فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ، فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، مَا صَنَعْتَ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ، وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ، وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ، قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ، فَقَالَ: «اللهُمَّ، أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي»، قَالَ: فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الْأَعْنُزِ أَيُّهَا أَسْمَنُ، فَأَذْبَحُهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هِيَ حَافِلَةٌ، وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ، فَعَمَدْتُ إِلَى إِنَاءٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ، قَالَ: فَحَلَبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيْلَةَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ، فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اشْرَبْ، فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَلَمَّا عَرَفْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَوِيَ وَأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى أُلْقِيتُ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِحْدَى سَوْآتِكَ يَا مِقْدَادُ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ مِنْ أَمْرِي كَذَا وَكَذَا وَفَعَلْتُ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذِهِ إِلَّا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، أَفَلَا كُنْتَ آذَنْتَنِي فَنُوقِظَ صَاحِبَيْنَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا»، قَالَ: فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا وَأَصَبْتُهَا مَعَكَ مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ .
رواه مسلم في صحيحه 174 - (2055) (3/ 1625) بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ ،ورواه أحمد في مسنده 23809 (39/ 228)

فقد ثبت علميا أن شرب الحليب قبل النوم أفضل من شربه في الصباح الباكر بعد الاستيقاظ مباشرة ، وذلك لما له من تأثير فيشعر الشخص بالتخمة وانتفاخ البطن ولا يتم امتصاص الكالسيوم جيدا ، أما عن شربه قبل النوم فله فائدة كبيرة وهي ارتخاء الأعصاب والشعور بالنعاس مما يؤدي إلى امتصاص الكالسيوم أثناء النوم ولمن يعانون من فقر الدم ينصح بشرب الحليب مخفوقا معه بضع حبات من الزبيب ، فله فائدة عظيمة تؤدي إلى الشفاء من فقر الدم .

أحكام الحليب

( حكم حلب اللبن من الأنعام )

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِي الغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا»، وَقَالَ: «وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى المَاءِ» قَالَ: " وَلاَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ، وَلاَ يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ "
رواه البخاري في الزكاة- باب إثم مانع الزكاة (1337) ،ورواه مسلم في الزكاة باب إثم مانع الزكاة رقم 987، والنسائي : الزكاة (2448) ، وأبو داود : الزكاة (1658) ، وابن ماجه : الزكاة (1786) ، وأحمد (2/383) ، ومالك : الزكاة (596).
قال ابن حزم: وفرض على كل ذي إبل، وبقر، وغنم أن يحلبها يوم وردها على الماء، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه . المحلى 679 (3/ 686)

قال الحافظ ابن حجر : وفيه أن في المال حقا سوى الزكاة وأجاب العلماء عنه بجوابين :
أحدهما : أن هذا الوعيد كان قبل فرض الزكاة ويؤيده حديث بن عمر في الكنز لكن يعكر عليه أن فرض الزكاة متقدم على إسلام أبي هريرة كما تقدم تقريره ،
ثاني الأجوبة : أن المراد بالحق القدر الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه وإنما ذكر استطرادا لما ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أصل يزول الذم بفعله وهو الزكاة ويحتمل أن يراد ما إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة وقال بن بطال في المال حقان فرض عين وغيره فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق . فتح الباري (3/ 269)

( حكم حلب الأضحية قبل ذبحها )

اختلف الفقهاء في حكم حلب الأضحية وشرب لبنها كما يلي:
قال الحنفية : يكره تحريماً، حلب الشاة أو البدنة أو البقرة التي اشتريت للأضحية، لأنه عيَّنَها للقربة؛ فلا يحلُ له الانتفاع بجزء من أجزائها، قبل إقامة القربة فيها، ولأن الحلب يوجب نقصاً فيها، وهو ممنوعٌ من إدخال النقص في الأضحية. فإن حلبها تصدق باللبن؛ لأنه جزء من شاة متعينة للقربة، وهذا قول ابن القاسم من المالكية . بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (5/ 78)، القوانين الفقهية ص127
وقال المالكية : يكره تنزيهاً أن يحلبها وأن يشرب لبنها . الشرح الكبير 2/ 122، الذخيرة 4/ 154
وقال الشافعية والحنابلة: يجوز أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها، وبه قال أشهب من المالكية .
راجع : روضة الطالبين (3/ 226)، الحاوي الكبير (15/ 108)، المغني (9/ 446)، كشاف القناع (3/ 12)، شرح منتهى الإرادات (1/ 607)، القوانين الفقهية ص128

قال ابن قدامة: ولا يشرب من لبنها إلا الفاضل عن ولدها، فإن لم يفضل شيء، أو كان الحليب يضر بها أو ينقص لحمها، لم يكن - له - أخذه وإن لم يكن كذلك فله أخذه والانتفاع به . المغني (9/ 445)
ويدل لقول الشافعية والحنابلة، ما رواه البيهقي عن مغيرة بن حذف العبسي قال: [كنا مع علي - رضي الله عنه - بالرحبة، فجاء رجل من همدان يسوق بقرة معها ولدها فقال: إني اشتريتها لأضحي بها وإنها ولدت. قال: فلا تشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها، فإذا كان يوم النحر فانحرها هي وولدها عن سبعة] . سنن البيهقي الكبرى 18974 (9/ 288) ( 30 باب ما جاء في ولد الأضحية ولبنها )، قال ابن الملقن : قال أبو زرعة فيما حكاه ابن أبي حاتم في «علله» عنه -: هذا حديث صحيح. البدر المنير (9/ 329)و "العلل" لابن أبي حاتم [2/ 46] ،وقالوا: إنه انتفاع لا يضرها، وإن ترك اللبن بعد حلبه يؤدي إلى فساده، وإن لم يحلبها فقد يضر بها، فيجوز له الحلب والشرب وإن تصدق به فهو حسن . المغني 9/ 446، وانظر كشاف القناع 3/ 12
ويرى ابن حزم الظاهري أنه يجوز شرب لبنها وبيعه ولا حرمة في ذلك . المحلى 6/ 38

قلت :ومذهب الشافعية والحنابلة أقوى المذاهب من حديث الاستدلال فسنة الخليفة الرابع مقدمة على من دونه من الفقهاء . والله أعلم وأحكم

( تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها )

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ إِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ» .
رواه البخاري في صحيحه 2435 (3/ 126) بَابُ لاَ تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ،ورواه مسلم في صحيحه (1726) (3/ 1352) 2 - بَابُ تَحْرِيمِ حَلْبِ الْمَاشِيَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا

- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلَاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ وَإِلَّا فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ»
رواه أبوداود 2619 (3/ 39)بَابٌ فِي ابْنِ السَّبِيلِ يَأْكُلُ مِنَ التَّمْرِ، وَيَشْرَبُ مِنَ اللَّبَنِ إِذَا مَرَّ بِهِ ، ورواه الترمذي 1296 (3/ 582)بَابُ مَا جَاءَ فِي احْتِلَابِ المَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الأَرْبَابِ ،وقال : وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ . والحديث صحيح ،والماشية تقع على الإبل والبقر والغنم ولكنه في الغنم يقع أكثر.
قال الإمام النووي : وقوله : (مشربته) المشربة بفتح الميم وفي الراء لغتان الضم والفتح وهي كالغرفة يخزن فيها الطعام وغيره ومعنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شبه اللبن في الضرع بالطعام المخزون المحفوظ في الخزانة في أنه لا يحل أخذه بغير إذنه .
وفي الحديث فوائد منها تحريم أخذ مال الإنسان بغير إذنه والأكل منه والتصرف فيه وأنه لا فرق بين اللبن وغيره وسواء المحتاج وغيره وسواء المحتاج وغيره إلا المضطر الذي لا يجد ميتة ويجد طعاما لغيره فيأكل الطعام للضرورة ويلزمه بدله لمالكه عندنا وعند الجمهور ... وأما شرب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما قاصدان المدينة في الهجرة من لبن غنم الراعي فقد قدمنا بيان وجهه وأنه يحتمل أنهما شرباه إدلالا على صاحبه لأنهما كانا يعرفانه أو أنه أذن للراعي أن يسقي منه من مر به أو أنه كان عرفهم إباحة ذلك أو أنه مال حربي لا أمان له والله أعلم
وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما إلا أن يكون له نية تخرج اللبن وفيه أن بيع لبن الشاة بشاة في ضرعها لبن باطل وبه قال الشافعي ومالك والجمهور وجوزه الأوزاعي والله أعلم .شرح النووي على مسلم (12/ 29- 30)

وقال الحافظ ابن حجر : وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقا في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا إذا أتى أحدكم على ماشية فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذنه فإن أذن له وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل . إسناده صحيح إلى الحسن .... وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح فهو أولى بأن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع منها حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو بحال المجاعة مطلقا وهي متقاربة وحكى بن بطال عن بعض شيوخه أن حديث الإذن كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحديث النهي أشار به إلى ما سيكون بعده من التشاح وترك المواساة .... فتح الباري لابن حجر (5/ 89- 90)

والخلاصة :
أن مذهب الشّافعيّة وهو قول المالكيّة ورواية عن أحمد إلى أنّ من مرّ بماشية غيره وهو غير مضطرٍّ لم يكن له أن يحلبها ليشرب لبنها إلا بإذن صاحبها اللهم إلا إذا كان مضطرا فحينئذ يجوز له ذلك قدر دفع الحاجة , لحديث ابن عمر , ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفسٍ » .
واستثنى كثير من السّلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام .
وفي الرّواية الثّانية لأحمد وهو قول عند المالكيّة أنّه يجوز لمن مرّ بماشية أن يحلب ويشرب ولا يحمل معه شيئاً , لحديث الحسن عن سمرة ،والأقوال الّتي وردّت عند المالكيّة هي بالنّسبة لغير المحتاج , أما بالنّسبة للمحتاج فقد قالوا : إن كان محتاجاً جاز له ذلك من غير خلافٍ - أي بين فقهاء المذهب - .
راجع : الفواكه الدواني 2 / 375 ، والمجموع للنووي 9 / 46 - 47 ، والمغني 8 / 599 – 600
( الأمر للحالب بأن لا يستوعب كل لبن الضرع )

- عَنْ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ، قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي بِلَقُوحٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَمَرَنِي أَنْ أَحْلُبَهَا فَحَلَبْتُهَا، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ دَاعِيَ اللَّبَنِ».
رواه ابن حبان في صحيحه 5283 (12/ 90) باب ذِكْرُ الْأَمْرِ لِلْحَالِبِ إِذَا حَلَبَ أَنْ يَتْرُكَ دَاعِيَ اللَّبَنِ ، ورواه الدارمي في سننه 2040 (2/ 1270)باب في الحالب يجهد الحلب ،وقال الألباني : حسن كما في «الصحيحة» (1860).
وقوله : "دع داعي اللبن": أي أبق في الضرع قليلا من اللبن ولا تستوعبه كله, فإن الذي تبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله, وإذا استقصي كل ما في الضرع, أبطأ دره على حالبه . سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 475)
قال السندي: قوله: "دع داعي اللبن"، بالنصب على المفعولية إن أريد به الفصيل، أي: اتركه ليرضع، وعلى النداء إن أريد به ضرار، والله تعالى أعلم. قاله ابن الأثير في "النهاية" 2/120

وفي حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين (4/ 107) للبكري الشافعي ،أن الحديث دليل على أنه يسن لا يبالغ الحالب في حلب الضرع وإنما يبقي من شيئاً

( يستحق المرتهن الانتفاع بلبن الرهن )

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ، إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ» .
رواه البخاري في صحيحه 2512 (3/ 143) 48 - كِتَاب الرَّهْنِ بَابٌ: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ ، ورواه ابن حباب في صحيحه (13/ 261)ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَهُ رُكُوبُ الظَّهْرِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَشُرْبُ لَبَنِ الدَّرِّ إِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ مِنْ نَاحِيَتِهِ ،ورواه ابن ماجه 2440 (2/ 815) باب الرهن مركوب ومحلوب .

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِفَاعَ بِالرَّهْنِ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أصحها ذَهَبَ إليه أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَخَصُّوا ذَلِكَ بِالرُّكُوبِ وَالدَّرِّ فَقَالُوا يَنْتَفِعُ بِهِمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ النَّفَقَةِ وَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُمَا عَلَيْهِمَا.
راجع: سبل السلام (2/ 72)،اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 520)،والمجموع (13/ 228)،والمغني (4/ 290)



( النهي عن ذبح ذوات الدر )

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ،، قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا»، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْنَ فُلَانٌ؟» قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ»، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ " .
رواه مسلم 140 - (2038) (3/ 1609) 36 - كتاب الأشربة20 - باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، وبتحققه تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام ،ورواه ابن ماجه 3180 (2/ 1061) باب النهي عن ذبح ذوات الدر، والْحَلُوبَْ: ذَاتَ اللَّبَنِ.

قال النووي : فيه دليل على جواز الشبع وما جاء في كراهة الشبع فمحمول على المداومة عليه لأنه يقسي القلب وينسي أمر المحتاجين وأما السؤال عن هذا النعيم فقال القاضي عياض المراد السؤال عن القيام بحق شكره والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة باسباغها لاسؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة . شرح النووي على مسلم (13/ 214)


حليب الغنم

وقال الزرقاني : نهاه عن ذبحها شفقة على أهله بانتفاعهم بلبنها، مع حصول المقصود بغيرها، فهو نهي إرشاد لا كراهة في مخالفته لزيادة إكرام الضيف، لكنه امتثل الأمر ... شرحه على الموطأ (4/ 493)
تجارة الألبان

( بيع اللّبن )
بيع لبن الحيوان المأكول اللّحم بعد حلبه جائز بلا خلافٍ بين الفقهاء , لأنّه طاهر منتفع به مقدور على تسليمه .واختلف الفقهاء في عدّة مسائل .

( بيع اللّبن في الضّرع )

ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز بيع اللّبن في الضّرع .
وقد علّله الشّافعيّة والحنابلة بأنّه مجهول الصّفة والمقدار , فقد يرى امتلاء الضّرع من السّمن فيظن أنّه من اللّبن , ولأنّ اللّبن قد يكون صافياً وقد يكون كدراً , وذلك غرر من غير حاجةٍ فلم يجز , ولأنّه بيع عينٍ لم تخلق .
وعلّل الحنفيّة المنع بأنّ اللّبن لا يجتمع في الضّرع دفعةً واحدةً , بل شيئاً فشيئاً فيختلط المبيع بغيره على وجهٍ يتعذّر التّمييز بينهما , فكان المبيع معجوز التّسليم عند البيع فلا ينعقد البيع , وقد روى عَنِ ابْن عَبَّاس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةٌ حَتَّى تُطْعِمَ، وَلا صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، وَلا لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ . رواه الطبراني في ((الأوسط)) (3708). وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (240): رواه الطبراني ,والدارقطني ,وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة وهو الراجح، وأخرجه أيضًا موقوفًا على ابن عباس بإسناد قوي ورجحه البيهقي. ونقل الزيلعي في نصب الراية 4/ 17 عن البيهقي قوله: روي مرفوعا والصحيح موقوف. سنن البيهقي الكبرى 10639 (5/ 340) ( 84 باب ما جاء في النهي عن بيع الصوف على ظهر الغنم واللبن في ضروع الغنم والسمن في اللبن )
وأجاز المالكيّة بيع اللّبن في الضّرع لشياهٍ بأعيانها في إبّان لبنها إذا سمّى شهراً أو شهرين أو ثلاثةً وكان قد عرف وجه حلابها وكانت الغنم كثيرةً .
أمّا إن كان الشّاة أو الشّاتين فاشترى رجل حلابها على كذا وكذا شهراً بكذا وكذا درهماً فلا , إلا أن يبيع لبنها كيلاً كل قسطٍ بكذا وكذا .
وكذلك أجاز بيع اللّبن في الضّرع الحسن وسعيد بن جبيرٍ ومحمّد بن مسلمة , وكرهه طاووس ومجاهد .

قال الشيخ ابن عثيمين : وكذلك اللبن في الضرع لا يصح بيعه؛ لأنه مجهول، ولأن الدابة قد توافق على حلبها وتدر، وقد لا تدر ولا توافق على أن تحلب، فهناك بعض البقر إذا أرادوا أن يحلبوها منعت إما برفسها برجلها، وإما أن تنطح بقرنها، وإما أن تمنع اللبن فلا تحلب أبدا، فلذلك يكون مجهولا، ثم إذا قدر أنه انتفت هذه الموانع فكم مقداره؟ فيكون مجهولا، والمسألة بسيطة نقول: بدلا من أن تشتريه في الضرع انتظر حتى يحلب فهذا أحسن وأسلم. الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 154)

راجع للحنفية :الدر المختار ورد المحتار: 113/ 4، بدائع الصنائع 5 / 148، وعبر الكاساني بأن البيع لا ينعقد في ظاهر الرواية، ومراده أنه فاسد. ,مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 55)
والمالكية :المدونة 4 / 296 - 297، منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل. (7/ 496)
الشافعية :نهاية المحتاج 3 / 416، والمهذب 1 / 273، مغني المحتاج: 2 / 30
الحنابلة: المغني لابن قدامة (4/ 157) ،كشاف القناع عن متن الإقناع (3/ 166)
وانظر أيضا في : سبل السلام: 3 / 32 وما بعدها، والمحلى: 8 / 458.

( هبة اللبن في الضرع )

هبة اللبن في الضرع، ومثله الصوف على الظهر. عند الأصحاب لا يصح؛ لأنه يختلف. والقول الآخر وفيه قوة صحة هبة اللبن في الضرع والصوف على الظهر، وهو قياس قول الشيخ وابن القيم؛ لأنه ليس معاوضة حتى يحصل غرر أو ضرر. من فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (9/ 210)

( ليس في الحليب زكاة )

ليس في الحليب زكاة، ولكن قيمته إن بلغت نصابا وحدها أو بما انضم إليها من أموال نقدية أخرى أو عروض تجارة وحال عليها الحول وجبت تزكيتها بإخراج ربع العشر. والله أعلم. فتاوى الشبكة الإسلامية

( بيع لبن الآدميّة )
حكم بيع لبن الآدمية يتحقق في الأقوال الآتية:
القول الأول: يرى جواز بيع لبن الآدميات مطلقاً، أي سواء كانت تلك الآدمية حرة أم كانت أمة، وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية وما عليه المذهب عند الحنابلة.
لأنّه لبن طاهر منتفع به , ولأنّه لبن أبيح شربه , فأبيح بيعه قياساً على سائر الأنعام , ولأنّه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظّئر , فأشبه المنافع .
القول الثاني: يرى عدم جواز بيع لبن الآدميات مطلقاً، وإلى هذا ذهب الحنفية وأبو القاسم الأنماطي من الشافعية، وهو الوجه الثاني عند الحنابلة وقد عبروا عن هذا المنع بالتحريم المطلق لبيع لبن الآدميات.
لأنّ اللّبن ليس بمالٍ فلا يجوز بيعه , والدّليل على أنّه ليس بمالٍ إجماع الصّحابة رضي الله عنهم والمعقول , أمّا إجماع الصّحابة فما روي عن عمر وعليٍّ رضي الله تعالى عنهما أنّهما حكما في ولد المغرور بالقيمة وبالعقر بمقابلة الوطء , وما حكما بوجوب قيمة اللّبن بالاستهلاك , ولو كان مالاً لحكما , وكان ذلك بمحضرٍ من الصّحابة ولم ينكر عليهما أحد فكان إجماعاً , وأمّا المعقول فلأنّه لا يباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق , بل لضرورة تغذية الطّفل , وما حرم الانتفاع به شرعاً إلا لضرورةٍ لا يكون مالاً , والدّليل عليه أنّ النّاس لا يعدونه مالاً , ولا يباع في سوقٍ من الأسواق , ولأنّه جزء من الآدميّ , والآدمي بجميع أجزائه محترم مكرّم , وليس من الكرامة والاحترام ابتذاله
القول الثالث: كراهة بيع لبن الآدميات على الإطلاق، أي سواء كان من حر أم أمة، وهذا ما قال به الإمام أحمد رحمه الله.
القول الرابع: جواز بيع لبن الأمة دون لبن الحرة، وهذا ما عليه أبو يوسف من الحنفية وبعض الحنابلة. لأنّه جزء من آدميٍّ هو مال , فكان محلاً للبيع كسائر أجزائه .وأجاب الإمام النووي عن حجج المانعين فقال :
واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة وبأنه فضلة آدمى فلم يجز بيعه كالدمع والعرق والمخاط وبأن ما لا يجوز بيعه متصلا لا يجوز بيعه منفصلا كشعر الآدمي ولانه لا يؤكل لحمها فلا يجوز بيع لبنها كالاتان .
واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به فجار بيعه كلبن الشاة ولانه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز .
(فان قيل) هذا منتقض بدم الحيض فانه غذاء للجنين ولا يجوز بيعه قال القاضى أبو الطيب في تعليقه (فالجواب) ان هذا ليس بصحيح ولا يتغذى الجنين بدم الحيض بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم وعلى وجه المشيمة ولهذا اجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة
قال الشيخ أبو حامد (فان قيل) ينتقض بالعرق (قلنا) لا نسلم بل يحل شربه
(وأما) الجواب عن قولهم لا يباع في العادة فأنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة ان لا يصح بيعه ولهذا يجوز بيع بيض العصافير وبيع الطحال ونحو ذلك مما لا يباع في العادة
(والجواب) عن القياس على الدمع والعرق والمخاط انه لا منفعة فيها بخلاف اللبن وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن وعن لبن الاتان بأنه نجس بخلاف لبن الآدمية والله تعالى اعلم . المجموع شرح المهذب (9/ 254)
وبناء على ما تقدم فسائر أجزاء الآدمي يجوز بيعها فإنه يجوز بيع العبد والأمة وإنما حرم بيع الحر لأنه ليس بمملوك وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لا نفع فيه . المغني (4/ 329)
تنبيه هام : مع القول بجواز بيعه فإنه لا بدّ من الإحتياط و معرفة من سيشربه, وكم عدد الرضعات و الشربات حتى يعرف التحريم بالرضاعة لئلا تنتهك حرمات الرضاع , وبسبب هذا فقد أفتت لجنة الإفتاء بعدم جواز إنشاء بنوك لجمع حليب النساء لإرضاعه للأطفال فانظر فتاوي اللجنة (61/43-44/برقم15990) .

راجع للحنفية :المبسوط (15/ 217) فتح القدير (15/ 57) العناية شرح الهداية (12/ 402)
والمالكية : مواهب الجليل (6/ 66)، بداية المجتهد (2/ 104)
والشافعية : الحاوي في فقه الشافعي - الماوردي (5/ 333) مغني المحتاج 2/ 12)
والحنابلة : المغني (4/ 329) الإنصاف (4/ 200) الفروع في الفقه الحنبلي لابن مفلح (6/ 135)

( السّلم في اللّبن )

بيع السلم : هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد.
أباحه الله توسيعاً على المسلمين، وقضاء لحاجتهم، ويسمى (السلف)، فهو بيع عُجِّل ثمنه وأُجِّل مثمنه، أو هو مبادلة الدين بالعين .
ويجوز السّلم في اللّبن عند المالكية والشّافعيّة وبعض الحنفية , وفي الأصحّ عند الحنابلة , ويشترط ذكر جنس حيوانه ونوعه ومأكوله من مرعىً أو علفٍ معيّنٍ بنوعه .واللّبن المطلق يحمل على الحلو وإن جفّ .
ويصح السّلم في اللّبن كيلاً ووزناً عند الشّافعيّة والحنابلة , ويوزن برغوته , ولا يكال بها لأنّها لا تؤثّر في الميزان .
ونقل المروزيّ عن أحمد أنّه يجوز السّلم في اللّبن إذا كان كيلاً أو وزناً .
قال ابن قدامة : وهذا أصح إن شاء اللّه تعالى , لأنّ الغرض معرفة قدره وخروجه من الجهالة وإمكان تسليمه من غير تنازعٍ , فبأيّ قدرٍ قدّره جاز . اهـ
قلت : وقد منعه الشافعية في الحامض وأجازوه في المخيض ، ومذهب الجمهور القائلين بالجواز هو الصواب . والله أعلم

راجع للحنفية :بدائع الصنائع 5 / 211 ، المبسوط للشيباني (5/ 9) الفتاوى الهندية (3/ 182)
والمالكية :التاج والإكليل لمختصر خليل (4/ 537)
والشافعية : حاشية الجمل على المنهج (6/ 177) مغني المحتاج 2 / 109 ،
والحنابلة : مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (ص: 270)،المغني (4/ 148)

( بيع اللّبن بعضه ببعض )

الألبان من الرّبويّات الّتي لا يجوز بيع بعضها ببعض إذا كانت جنساً واحداً إلا مثلاً بمثل يداً بيد .
وقد اختلف الفقهاء فيما يعتبر جنساً واحداً من الألبان وما لا يعتبر .
فعند جمهور الفقهاء الحنفيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة وفي روايةٍ عند الحنابلة الألبان أجناس , لأنّها تتولّد من الحيوان , والحيوان أجناس , فالضّأن والمعز جنس واحد لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلاً بمثل يداً بيد , والبقر والجواميس جنس واحد لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلاً بمثل يداً بيد, وعلى ذلك يجوز بيع لبن البقر بلبن الغنم متفاضلاً .
وعند المالكيّة والرّواية الثّانية عند الحنابلة ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة أنّ الألبان جنس واحد , ألبان الضّأن والمعز والبقر والجواميس فلا يباع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد ولكن بشرط التقابض في المجلس ..

قلت : وقول من قال بأن الألبان أجناس مختلفة ،أصح عندي لاختلاف أصل وطبيعة كل حيوان . والله أعلم

راجع للحنفية : المحيط البرهاني (6/ 366) المبسوط (12/ 316)
والمالكية: منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل(5/ 13)الفواكه الدواني (3/ 1096)
والشافعية : المجموع شرح المهذب (10/ 226)، الحاوي في فقه الشافعي (5/ 120)
والحنابلة: المغني(4/ 155) شرح منتهى الإرادات (2/ 67)، كشاف القناع (3/ 255)، الشرح الممتع (8/ 410)


( تصرية الأنعام )

يقع الغش في المعاملات كثيرا بصورة التدليس القولي ، كالكذب في سعر المبيع ، أو الفعلي ككتمان عيوب المعقود عليه ، أو بصورة التصرية كأن يترك البائع حلب الناقة أو غيرها مدة قبل بيعها ليوهم المشتري كثرة اللبن ، وإذا وقع ذلك يخدع المشتري ، فيبرم العقد وهو غير راض بذلك إذا علم الحقيقة .
وقد ذهب الفقهاء إلى أن التدليس عيب ، فإذا اختلف الثمن لأجله في المعاملات يثبت به الخيار ، بشرط أن لا يعلم المدلس عليه العيب قبل العقد أو عنده ، وأن لا يكون العيب ظاهرا .
ومن صور الغش تصرية الأنعام :

التصرية لغة : مصدر صرى ، يقال : صر الناقة أو غيرها تصرية : إذا ترك حلبها ، فاجتمع لبنها في ضرعها . المصباح المنير مادة : " صرى "
وفي الاصطلاح : ترك البائع حلب الناقة أو غيرها عمدا مدة قبل بيعها ، ليوهم المشتري كثرة اللبن . روض الطالب شرح أسنى المطالب 2 / 61 ، وابن عابدين 4 / 99 ، وشرح الزرقاني 5 / 133
وَالمُصَرَّاةُ: الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ، فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا، وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ المَاءِ. صحيح البخاري (3/ 70)
والْمُحَفَّلَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَحْلِبُ أَيَّامًا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فِي ضَرْعِهَا . طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 111)، وفي حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبايعوا بالحصاة، ولا تناجشوا، ولا تبايعوا بالملامسة، ومن اشترى منكم محفلة فكرهها فليردها، وليرد معها صاعا من طعام " . رواه أحمد في مسنده مسند أحمد 9927 (16/ 21) وإسناده صحيح على شرط الشيخين

( حكم التصرية )

التصرية حرام باتفاق الفقهاء ، إذا قصد البائع بذلك إيهام المشتري كثرة اللبن ، ودليل ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ " .
رواه البخاري 2148 (3/ 70) كِتَابُ البُيُوعِ بَابُ النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِبِلَ، وَالبَقَرَ وَالغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ ،و مسلم 1515 (3/ 1155) كِتَابُ البُيُوعِ باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية

ولحديث : أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني» .
رواه مسلم 102 (1/ 99) كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»
ولما فيه من التدليس والإضرار . المجموع شرح المهذب (12/ 15) المغني لابن قدامة (4/ 102)
ذهب الأئمة : مالك والشافعي وأحمد ، وأبو يوسف وابن حزم إلى أن تصرية الحيوان عيب يثبت الخيار للمشتري . ويستوي في ذلك الأنعام وغيرها مما يقصد إلى لبنه . وذلك لما فيه من الغش والتغرير الفعلي ، وهذا محل اتفاق بين هؤلاء الأئمة ،كما اتفقوا على أن العوض خاص بالأنعام .

راجع : التلقين في الفقة المالكي (2/ 156) بداية المجتهد (3/ 192)، المجموع (12/ 29) مغني المحتاج (2/ 453) ،المغني (4/ 102) شرح منتهى الإرادات (2/ 43) ،المحلى بالآثار (7/ 575)

وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يرد الحيوان بالتصرية ، ولا يثبت الخيار بها ؛ لأن التصرية ليست بعيب ، بدليل أنه لو لم تكن مصراة فوجدها أقل لبنا من أمثالها لم يملك ردها ، والتدليس بما ليس بعيب لا يثبت الخيار . ولا يرد معها صاعا من تمر ؛ لأن ضمان العدوان بالمثل أو القيمة ، والتمر ليس مثلا ولا قيمة ، بل يرجع المشتري بأرش النقصان على البائع ( والأرش هنا : هو التعويض عن نقصان المبيع ) .

راجع : المبسوط (13/ 38) البحر الرائق (6/ 51) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 566)و(5/ 44)

( التصرية في غير الإبل والبقر والغنم )

فإن اشترى مصراة من غير بهيمة الأنعام، كالحمار والفرس، ففيه وجهان عند الحنابلة والشافعية :
أحدهما، يثبت له الخيار، اختاره ابن عقيل، وهو ظاهر مذهب الشافعي؛ لعموم قوله: «من اشترى مصراة ومن اشترى محفلة» .
والثاني: لا يثبت به الخيار؛ لأن لبنها لا يعتاض عنه في العادة، ولا يقصد قصد لبن بهيمة الأنعام، والخبر ورد في بهيمة الأنعام، ولا يصح القياس عليه؛ لأن قصد لبن بهيمة الأنعام أكثر، واللفظ العام أريد به الخاص؛ بدليل أنه أمر في ردها بصاع من تمر، ولا يجب في لبن غيرها، ولأنه ورد عاما وخاصا في قضية واحدة، فيحمل العام على الخاص، ويكون المراد بالعام في أحد الحديثين الخاص في الحديث الآخر. وعلى الوجه الأول، إذا ردها لم يلزم بدل لبنها، ولا يرد معها شيئا؛ لأن هذا اللبن لا يباع عادة، ولا يعاوض عنه.
قلت : والصواب الثاني، لأن هذا اللبن ليس له قيمة شرعاً فليس له عوض، لكن ما دام قد دلس عليك واشتريت حمارة مصراة، فلك الرد فقط .

راجع : المغني لابن قدامة 2993 (4/ 107)، الحاوي الكبير (5/ 242)، الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 309)


( لا فرق في التصرية بين الشاة والناقة والبقرة )

لا فرق في التصرية بين الشاة والناقة والبقرة عند جمهور أهل العلم، وشذ داود، فقال: لا يثبت الخيار بتصرية البقرة؛ وفي حديث ابن عمر «من ابتاع محفلة» . ولم يفصل، ولأنه تصرية بلبن من بهيمة الأنعام، أشبه الإبل والغنم، والخبر فيه تنبيه على تصرية البقر؛ لأن لبنها أغزر وأكثر نفعا فتدخل في النص من باب قياس الأولى، ولا يعتد داود بالقياس.
راجع : المغني 2991 (4/ 106) ،أسنى المطالب في شرح روض الطالب (2/ 62)

( نوع العوض عن اللبن )

اختلف الفقهاء في رد العوض ، وفي نوعه . فذهب الإمام أحمد ، وهو الصحيح عند الشافعية ، إلى أن العوض هو صاع من تمر، وذهب الإمام مالك إلى أن العوض هو صاع من تمر، وإن كان ببلد ليس عيشهم التمر أعطى من غالب قوت البلد ، وعند أبي يوسف يرد قيمة اللبن المحتلب ؛ لأنه ضمان متلف ، فكان مقدرا بقيمته كسائر المتلفات .
قلت : والصواب هو مذهب الحنابلة والشافعية عملاً بالسنة والنص الصريح .

راجع : مغني المحتاج (2/ 453) حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 260) ،المغني (4/ 104)المحرر (1/ 328) ،الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 707) التاج والإكليل (6/ 350) ,البحر الرائق (6/ 51) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 566)

مسائل :
الأولى : هذا الصاع من التمر هل هو عوض عن اللبن الحادث بعد العقد، أو هو عوض عن اللبن الموجود حين العقد؟
الجواب: هذا الصاع عوض عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأن اللبن الموجود حين العقد ملك للبائع، أما ما حدث بعد العقد فهو ملك للمشتري، وقد سبق أن نماء المبيع المنفصل للمشتري.

الثانية: لماذا قدره بصاع، وقد يساوي أكثر من صاع، وقد يساوي أقل؟
الجواب: قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم بصاع قطعاً للنزاع؛ لأنه ربما يتنازع المشتري والبائع، فيقول البائع: اللبن فيها كثير، والمشتري يقول: اللبن فيها قليل، فقطعاً للنزاع قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوَّمه للأمة إلى يوم القيامة.

الثالثة: لماذا لم يقل: صاعاً من طعام، وجعله كالفطرة من البر، أو الشعير، أو الزبيب، بل قال: صاعاً من تمر؟.
الجواب: لأن التمر أقرب ما يكون شبهاً إلى اللبن، ففي اللبن حلاوة، وغذاء، والتمر كذلك، فلو أنك أردت أن تشبه بين اللبن والخبز لوجدت الفرق أكثر، لكن اللبن والتمر متقارب، وكله يؤكل ويشرب طرياً بدون كلفة وبدون طبخ. الشرح الممتع (8/ 308)

( هل يجب رد اللبن نفسه إذا كان موجودا ؟ )

ذهب الحنابلة إلى أن للمشتري رد اللبن إذا لم يتغير ، ولا يلزمه شيء آخر ، ولا يجوز للبائع رفضه .المغني لابن قدامة (4/ 105) ونقله عن ابن عبد البر
قال العثيمين : وقال بعض العلماء: إنه لا يجبر على قبول اللبن؛ لأنه باع اللبن متصلاً بالبهيمة، وفصله المشتري، فكان عرضة للحموضة والفساد، والتمر جنس عيَّنه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلا نتعداه.
وعندي أن هذا أقرب إلى الصواب لو لم يكن فيه إلا اتباع السنة لكان كافياً . الشرح الممتع على زاد المستقنع (8/ 308)

( الواجب عند انعدام التمر )

ذهب الحنابلة إلى أن الواجب في هذا الحال قيمة التمر في الموضع الذي وقع فيه العقد ،وقيل يقوّم على أقرب البلاد التي فيها تمر ، أو على قيمة التمر بالحجاز .
والصواب قول الحنابلة لأنه بمثابة عين أتلفها فيجب عليه قيمتها موضع عقد لأنه محل الوجوب .
راجع : روضة الطالبين (3/ 469) حاشية البجيرمي (3/ 46) ،الإنصاف (4/ 400) كشاف القناع (3/ 214) ،الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 707) التاج والإكليل (6/ 350) شرح منتهى الإرادات (2/ 43)

( هل يختلف الحكم بين كثرة اللبن وقلته ؟)

لا خلاف بين من يرى رد صاع مع المصراة في أنه لا عبرة بكثرة اللبن وقلته ، ولا بين أن يكون الصاع مثل قيمة لبن الحيوان أو أقل أو أكثر ؛ لأنه بدل قدره الشرع .
راجع : روضة الطالبين (3/ 469) ،فتح العزيز بشرح الوجيز (8/ 336) ،منح الجليل (5/ 161) ،إرشاد السالك (ص: 84)،حاشية الروض المربع (4/ 440)، المحلى بالآثار (7/ 575)

حليب الإبل

حليب الغنم


( فوائد وخصائص حليب الإبل )

يعتبر الحليب أهم منتجات الإبل وهو يستخدم في تغذية مختلف فئات البدو والفلاحين، وتعتمد عليه شعوب آسيا الوسطى إعتماداً كبيراً في تغذيتها، وهو لا يقل جودة عن حليب الأبقار إن لم يكن أفضل منه في بعض النواحي. وكان الغذاء الرئيسي للإنسان العربي على مر الأزمان.
تنتج أغلب الإبل الحليب ولكن اتفق المربون على أن المجاهيم السود (الصهب أو الملح أو الزرق) تعد أجود أنواع الإبل أدرارا للحليب في المملكة. وهي إبل كبيرة الحجم جميلة الشكل. وتشير الدراسات الميدانية لزايد وآخرون إلى قدرات عالية للإبل على إنتاج الحليب تراوحت ما بين 3إلى25لتراً في اليوم في المراعي
المروية وما بين 3إلى15لتراً في اليوم تحت ظروف الصحراء بمتوسط إنتاج يومي للنوق من الحليب 4.7إلى 7.10لترات في اليوم الواحد.

وصف حليب الإبل:
حليب الإبل أبيض اللون، ويتباين مذاقه من الحلو إلى الحاد والمالح حسب عمر الناقة ومرحلة الإنتاج ونوع العلف وطبيعة ماء الشرب. ويسمى الحليب حين حلبه مباشرة من ضرع الناقة بالحليب السخن وهو حليب ترتفع فوقه الرغوة، ورغوة حليب الإبل لذيذة جداً. وحليب الإبل يشرب حاراً أو بارداً وليس له زبد كحليب البقر والغنم ولكن به دهن يسمى جبو ينوب مناب الدهن وهو أخف من السمن.
يقول البدو أن حليب الإبل يدخل ولا يُدخل عليه. أي أنه يغني عن غيره من الأغذية التي لا حاجة لها بعد تناوله.

تركيب حليب الإبل:
لقد لاحظ البحاث أن محتوى الحليب من سكر اللاكتوز والأملاح تتحكم بدرجة حلاوة الحليب، فعندما يكون سكر اللاكتوز 5.8% يكون الحليب حلواً وعندما ينخفض إلى 4.2% يكون مائلاً للملوحة. أما المحتوى الملحي لحليب الإبل فيعتمد في الحقيقة على كمية ماء الشرب الذي شربته الناقة ومرحلة إنتاج الحليب ويتراوح ما بين 0.6- 0.8%وقد ينخفض إلى 0.25% في النوق العطشى والتي يكون حليبها مالحاً نتيجة زيادة تركيز كلوريد الصوديوم وأنخفاض فوسفات الكالسيوم والمغنسيوم.
تنخفض نسبة الماء في حليب النوق حيث تصل إلى 84% في الظروف الطبيعية من توفر ماء الشرب. بينما تزيد نسبة الماء لتصل إلى 91% في حالة شح الماء وعدم توفره للأبل. وتعد هذه أحد مميزات الأبل في تأقلمها مع الظروف الصحراوية القاسية وضرورة توفير غذاء لمواليدها بأستمرار. ويعود إنخفاض نسبة المواد الصلبة لنقص تكوين الدهن من 2.4% - 1.1% في حليب الأبل العطشى. الحكمة من ذلك أنه عندما يكون الأعراب في البراري بعيدين عن موارد المياه، يجعل الله حليب الإبل خفيفاً وكافياً لهم عن شرب الماء. وعندما يكون حول موارد الماء فيكونون بحاجة إلى الطعام فيجعل الله عز وجل الحليب عاماً.
يتميز دهن حليب النوق باحتوائه على نسبة منخفضة من الأحماض الدهنية غير المشبعة مقارنة مع حليب الأبقار. مع ارتفاع في نسبة حمض اللينوليك الدهني المهم في تغذية الإنسان.
يعتبر حليب الإبل غنياً بفيتامين ج حيث قدر بثلاثة أضعاف محتواه في حليب البقر.
كما لوحظ زيادة نسبة فيتامين ب 1وب 2في حليب الإبل مقارنة بحليب الضأن والماعز، وتعد هذه خاصية مهمة لأبناء الصحراء الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم من هذه الفيتامينات من الخضر والفواكه لقد وجد أن نسبة الكازين في حليب الإبل تصل إلى 70% من البروتين، مما يجعله سهل الهضم والامتصاص إلى 80%.
وقد كشفت بعض الدراسات أن نسبة الدهون في حليب الإبل أقل منها في حليب الأبقار وان حبيبات الدهن أقل حجماً من حبيبات دهن الأبقار مما يجعلها سهلة الأمتصاص والهضم. بالإضافة إلى ذلك وجد أن حليب الإبل تحتوي على مواد تقاوم السموم والبكتريا والفطريات ونسبة كبيرة من الأجسام
المناعية المقاومة للأمراض. وبالأخص للمولودين حديثاً. لقد اثبتت الدراسات أن حليب الإبل يحتفظ بجودته وقوامه عند درجة حرارة 4م لمدة 12يوماً وأكثر من 48ساعة في درجة حرارة الغرفة. في حيث يفسد حليب الأبقار خلال 36ساعة عند درجة 4م وبعد 12ساعة في درجة حرارة الغرفة العادية، ويعود السبب في ذلك إلى احتواء حليب الإبل على مواد توقف نشاط البكتريا المخمرة لسكر اللاكتوز، ولهذا يلاحظ أن معدل الزيادة في حموضة حليب الإبل بطيء. يحتوي حليب الإبل على الأحماض الأمينية الهامة مثل الميثايونين والفالين والأرجنين والليسين والفنيل الانين.كما يحتوي نسبة عالية من الألبيومين والجلوبولين.

فوائد حليب الإبل:
استخدم حليب الإبل كعلاج لكثير من الأمراض فقد استخدم الإنسان العربي حليب الإبل لمعالجة مرض الصفار الكبدي، وفقر الدم، والسل وأمراض الشيخوخة وهشاشة العظام، والكساح عند الأطفال، ومسهل وبالأخص عندما يشرب حاراً ولأول مرة، ولعلاج الزكام والأنفلونزا والحمى التهاب الكبد البائي، والاستسقاء والأمراض الصدرية كالدرن والربو وكذلك الأمراض الباطنية كقرحة المعدة والأثنى عشر والقولون، والاضطرابات الهضمية، ومخفض للسكر والضغط، ومنظم لضربات القلب ومعدلات التنفس وضربات الشمس. وقد أظهرت دراسة عمانية تفوق حليب الإبل في علاج التهاب الكبد المزمن مقارنة باستخدام حليب النوق لعلاج الاستسقاء واليرقان ومشاكل الطحال والدرن والربو وفقر الدم والبواسير وقد أنشئت عيادات خاصة تستخدم فيها حليب الناقة لمثل هذه العلاجات. وفي دراسة على سكر الدم قامت بها طالبة تحضر لدرجة الماجستير بجامعة الجزيرة بالسودان حيث جربت لبن الإبل على معدل السكر في الدم فاختارت عدداً من المرضى لأجراء تجربة عملية استغرقت سنة كاملة وقد قسمت المتبرعين إلى فئتين تناولت الفئة الأولى جرعة من لبن الإبل بمعدل نصف لتر يومياً على الريق. أما الفئة الثانية فلم تتناول أي شيء. وعند نهاية الدراسة أتضح أن نسبة السكر في الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط أفراد الفئة الأولى مقارنة بأفراد الفئة الثانية. وقد أثبتت تلك التجربة مدى تأثير حليب الإبل في تخفيض نسبة سكر الدم.
وفي دراسة حديثة أجريت في الهند ونشر نتائجها في مجلة (Mer Medicus2004) أتضح فيها أن حليب الإبل حسن التحكم في مرض السكر المعتمدين على الأنسولين. وقد قامت الباحثة أماني عليوي الرشيدي في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الملك عبدالعزيز أن حليب الإبل أستخدم في علاج مرض السرطان وقد تم في البحث حقن فئران التجارب بمواد مسرطنة ثم تم تغذية بعض الفئران بحليب الإبل وإعطاء البعض الآخر علاجاً كيماوياً. وفي نهاية الدراسة أتضح أن الفئران التي غذيت بحليب الإبل تحسنت حالتها إلى درجة قريبة من الفئران التي عولجت بالدواء

حليب الغنم

حليب الغنم

حليب الإبل

حليب الإبل

الكيماوي، فيما كانت أفضل النتائج في الفئران التي عولجت بالدواء الكيماوي حيث يستفيد المجتمع بحليبها ولحمها ووبرها وجلدها وحتى ابوالها ودمنها.
( فوائد وخصائص حليب البقر )

يقول علماء التغذية: يعتبر حليب البقر أكثر أنواع الحليب وفرة واستعمالاً، وأشدها ملاءمة للإنسان بعد حليب الأم، ويعتبر حليب النعاج أكثر أنواع الحليب دسماً يليه البقري ثم الماعز ثم حليب الإبل .
يقول ابن القيم: وأجود ما يكون اللبن حين يحلب، وأجوده ما اشتد بياضه ولذّ طعمه، وكان فيه حلاوة يسيرة ودسامة معتدلة، وهو محمود يولد دماً جيداً، ويرطب البدن اليابس، ويغذي غذاءً حسناً، وينفع من الوسواس والغمّ، وإذا شرب مع العسل نقّى القروح الباطنية من الأخلاط العفنة، وهو يوافق الصدر والرئة، وهو جيد لأصحاب السل، وهو موافق للفطرة الأصلية.
ويؤكد علماء التغذية أن اللبن هو الغذاء الوحيد الكامل الذي يستطيع الإنسان الاعتماد الكامل عليه في التغذية؛ إذ يحتوي على جميع المركبات الأساسية الضرورية للجسم؛ فهو يحتوي على البروتين اللازم لتركيب أنسجة الجسم، بالإضافة إلى الفيتامينات الهامة وخاصة (ج) ومجموعة فيتامين (ب 1) و(ب2)و(ب ب) و(أ)و(د)، كما يحتوي على العناصر الهامة للعظام مثل الكالسيوم والفوسفور وكذلك الحديد والبوتاسيوم والصوديوم والمنغنيز، كما أن له دسماً.
دواء طبيعي: وقد أظهرت الاختبارات الأولية بأن أحد البروتينيات الموجودة في الكولوستروم يمكن أن يساعد في علاج أمراض المعدة والأمعاء ويقول البروفيسور ري بلايفورد، وهو أستاذ الجهاز الهضمي في مستشفى همرسميث في لندن إن الحليب قد أثبت فائدته في معالجة التأثيرات التي تسببها العقاقير المضادة للالتهاب، الخالية من الهورمونات المنشطة، المسماة بستيرويد بإمكان هذه العقاقير أن تهاجم الغشاء الداخلي للمعدة متسببة في نزيف معوي، وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي ألفي شخص يموتون في بريطانيا وحدها من تأثيرات هذه العقاقير على المعدة ويوجد الكولوستروم، وهو أحد مشتقات الحليب، في محلات الأغذية الصحية على شكل سائل أو أقراص ويؤكد البروفيسور بلايفورد أن الحليب الذي أجريت عليه الاختبارات قد أخذ من أبقار سليمة من مرض جنون البقر ومن الجدير بالذكر أن الحكايات الشعبية الأيرلندية تشير إلى فائدة حليب البقر في الأيام الأولى للولادة، ويقوم السكان بصنع كعكة مخلوطة بهذا الحليب الغني بالكولوستروم ويقول البروفيسور بلايفورد إن من الواضح أن الكولوستروم يمكن أن يساعد في علاج الكثير من الأمراض المعوية المزعجة، والتي قد تهدد الحياة في بعض الأحيان ويضيف البروفيسور بلايفورد أن هذه الدراسة تؤكد على ما يبدو الاعتقاد بأن حليب البقر في الأيام الأولى للولادة يدخل في علاج العديد من أمراض المعدة والأمعاء التي يعاني منها الأطفال والبالغون ويخلص البروفيسور بلايفورد إلى القول: إن حليب البقر في الأيام الأولى للولادة هو غذاء طبيعي جيد وأن هذا الاكتشاف يعتبر اكتشافا مثيرا .


( فوائد وخصائص حليب الغنم )

في كثير من مناطق العالم، يُفضل الكثيرون تناول حليب الغنم بدلاً من حليب البقر أو غيره. فهل الأمر له علاقة بسهولة هضم الأمعاء له واحتوائه على كميات أقل من المواد المسببة للحساسية أم ثمة أسباب أخرى؟
المقارنة، كما يُقال رأساً لرأس، فيما بين العناصر الرئيسة في حليب الغنم وبين التي في حليب البقر تحديداً، تشير إلى جملة من الاختلافات في جوانب شتى، قد تصب في صالح حليب الماعز وتبرر تفضيل البعض له. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن الرائحة التي تصطحب حليب الماعز، كما تشير كثير من المصادر العلمية، ليست بسبب وجود مواد كيميائية فيه بالدرجة الأولى، بل الطريقة غير السليمة في تنظيف الضرع ومنع تلوثه بأي مواد على جلد الماعز تكون سبباً في وجود الرائحة تلك في حليب الماعز.
لكن، قبل عرض المقارنة، دعونا ننظر إلى تركيبة مكونات الحليب عموماً ولماذا يبدو مزيجه بهذه الهيئة.
* مكونات الحليب على اختلاف مصادره، لو نظرنا إليه عن بعد، نجده سائلاً أثخن من الماء، وذا لون أبيض. ولو اقتربنا في النظر أكثر نجده عبارة عن مزيج كرات صغيرة من الزبدة الدهنية المستحلبة في سائل مائي. والمقصود بكلمة استحلاب، هو إجبار كريات الزبدة الدهنية على الامتزاج والوجود في داخل هذا السائل المائي.
ولو اقتربنا أكثر وأكثر للنظر في كل من الجزء الدهني والجزء المائي نجد التالي:
* كريات الزبدة الدهنية butterfat globules هذه محاطة بغلاف من مركبات فسفورية دهنية وبروتينات. وأهمية هذا الغلاف الحاجز تكمن في أمرين:
ـ الأول أن يعمل على إبقاء كريات الزبدة الدهنية متباعدة ومنفصلة عن بعضها، أي غير متجمعة كما يحصل عند خض الحليب لعزل الزبدة لوحدها.
- والثاني أن يحمي هذه الزبدة الدهنية من التحلل والهضم بفعل الأنزيمات الموجودة في الجزء المائي السائل.
وفي هذه الكريات الدهنية توجد الفيتامينات الدهنية المعروفة، وهي فيتامين إيه A, و كي K, وديD , و إيE.

*الفروقات الموجودة في حليب الغنم عن أي حليب آخر وتشمل:
ـ يحتوي حليب الغنم على أنواع مختلفة من البروتينات. حليب الماعز يُوفر نوعاً أكثر ليونة من خثارة curd الحليب، ما يجعل من السهل مروره في الأمعاء وهضمها . هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن حليب الماعز يحتوي على كميات أقل من المواد البروتينية المسببة للحساسية . مع العلم بأن كمية البروتينات التي يُؤمنها للجسم حليب الماعز أعلى من تلك التي في حليب البقر.
ـ حليب الغنم يحتوي على كميات أقل من سكريات لاكتوز، لكن الفارق في هذا طفيف بالمقارنة مع حليب البقر. ـ بالرغم من التشابه الكبير بين كلا نوعي الحليب في محتواهما من الأملاح والمعادن، إلا أن حليب الماعز يمتاز بأن نسبة الكالسيوم فيه أعلى بمقدار 13%. ومعلوم أن دور الكالسيوم ليس فقط في بناء العظم، بل في تسريع حرق الدهون وإزالتها من الجسم. وكذلك كمية فيتامين بي ـ 6 في حليب الماعز هي أعلى بمقدار 25%، وكمية فيتامين إيه أعلى بمقدار 47%. والأهم من هذا وذاك لصحة شرايين القلب ولخفض ضغط الدم، هو أن حليب الماعز يحتوي على كمية أعلى من البوتاسيم بمقدار يتجاوز 134%. وكذلك بكميات أعلى بنسبة 400% من عنصر الزنك، وبنسبة 300% من فيتامين نياسين، وبنسبة 27% من عنصر سيلينيوم المضاد للأكسدة والمقلل من سرطان البروستاتة. لكن ثمة أمرين يمتاز بهما حليب البقر هما أنه أعلى محتوى بنسبة 500% بفيتامين بي ـ 12، و1000% بفيتامين فولييت، وكلاهما مقويان لخلايا الدم الحمراء، ما يفرض تعزيز حليب الماعز بهما عند إنتاجه.

* الدهون وحليب الغنم الدهون والكولسترول في حليب الماعز تختلف عن تلك التي في حليب البقر من جوانب شتى، لكن أهمهما أمرين.
الأول أن كمية الكولسترول في كل كوب من حليب الماعز أقل بمقدار 30% مما هي في حليب البقر.
والثاني أن كمية الدهون بالجملة، أي المُشبع وغير المشبع منها، في حليب الماعز أقل بنسبة 10% مما هو في حليب البقر، وبنوعية أفضل. ولذا حتى لو تشابهت أو تقاربت كمية الدهون في حليب الماعز مع تلك في حليب البقر، فإن الميزة الأهم في حليب الماعز هي أن دهونه سهلة الهضم ولا تتراكم على بعضها بسهولة. وأيضاً فإن نوعية الدهون نفسها مختلفة في حليب الماعز، ومن الأنواع الصحية. لأن حليب الماعز يحتوي كمية أكبر من بعض أنواع الأحماض الدهنية، مثل لينوليك linoleic وأراكنودونك arachnodonic والأنواع القصيرةshort-chain والمتوسطة medium-chain من الأحماض الدهنية في سلسلة تركيبها، وهي كلها دهون يسهل على أنزيمات أمعاء الإنسان هضمها، مايعني أن ثمة اختلافا في طول سلسلة مركب الدهن ومدى تشبعه. إذْ في حين تتكون الدهون في حليب البقر من 17% دهونا متوسطة طول سلسلة تركيبها، فإن دهون حليب الماعز تحتوي منها كمية أعلى تصل إلى 35%. وتمثل اليوم هذه النوعية من الدهون المتوسطة الطول مجالاً خصباً للبحث العلمي حول فوائدها الصحية على الأمعاء والقلب نظراً لقدرتها على تلبية حاجة الجسم من الطاقة وتقليل فرص ترسب الكولسترول.
والواقع أن مستقبل الإقبال على حليب الغنم غالباً ما سيكون بإجراء مزيد من الدراسات حول الجانب الدهني الصحي فيه من نواحي تدني الكولسترول وارتفاع الأنواع القصيرة والمتوسطة من مركبات الأحماض الدهنية. وكذلك على محتواه العالي من البوتاسيوم وفيتامين نياسين،وهما مفيدان للقلب ولخفض امتصاص الأمعاء للكولسترول. وأيضاً للمحتوى العالي نسبياً من الكالسيوم والسيلينيوم وفيتامين إيه.

الخلاصة:
تعرف الماعز بقدرتها على مقاومة الأمراض وتمتعها بصحة ممتازة بالإضافة إلى انعدام إمكانية إصابتها بالسرطان، يعمل حليب الماعز على حماية الخلايا ويساعد بصورة إيجابية في إعادة حيويتها، ويحتوي على نسب عالية من فيتامينات (أ، ب1، ب2، ج، د) والمعادن (الكالسيوم والصوديوم والمغنسيوم) وعناصر الترطيب مثل البانثينول، وتعمل الزيوت الثمينة على حماية البشرة من ظهور علامات تقدم العمر المبكرة ويساعد على نعومة البشرة.
وقد أثبتت أحدث الأبحاث التي أجريت على حليب الماعز أهمية حليب الماعز ومكوناته مثل الإنزيمات المساعدة Q10 وما يزيد عن 70 حمض دهني غير مشبع. ونظراً لانخفاض درجة ذوبانها عند 37 درجة سيليزيوس فإنه يمكن امتصاص زبدة الماعز بسهولة داخل الطبقات العميقة من البشرة، مما يعكس التأثير الإيجابي على امتصاص المواد الأساسية الطبيعية ذات الفاعلية العالية.

( المقارنة بين فوائد حليب الماعز وحليب البقر )

يحتوي حليب الماعز على كميات عالية وأفضل من حليب البقر في مجموعة من الفيتامينات والمعادن المهمة
عند المقارنة بين حليب الماعز وحليب البقر، من ناحية التركيب الكيميائي الغذائي، نلحظ عدة مميزات صحية لحليب الماعز، وهي:

أولا: يحتوي حليب الماعز على كميات عالية وأفضل من حليب البقر في مجموعة من الفيتامينات والمعادن المهمة، وهي: كمية معدن الكالسيوم في حليب الماعز أعلى بنسبة 13 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم أهمية وفائدة الكالسيوم للعظام والقلب والقولون، وزيادة سرعة حرق الدهون.
- كمية فيتامين «بي - 6» في حليب الماعز أعلى بنسبة 25 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم أهمية فائدة هذا الفيتامين للأعصاب وغيرها.
- كمية فيتامين «إيه» في حليب الماعز أعلى بنسبة 47 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم أهمية وفائدة هذا الفيتامين لصحة شرايين القلب وخفض ضغط الدم، وسلامة البشرة والجلد. - كمية معدن البوتاسيوم في حليب الماعز أعلى بنسبة 135 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم أهمية وفائدة هذا المعدن لصحة شرايين القلب وخفض ضغط الدم، وانتظام نبضات القلب، وحيوية ونشاط الجسم.
- كمية معدن الزنك في حليب الماعز أعلى بنسبة 400 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم أهمية وفائدة هذا المعدن لزيادة قوة جهاز مناعة الجسم، وقدرات الرجل الجنسية، وسرعة التئام الجروح وغيرها.
- كمية معدن السيلينيوم في حليب الماعز أعلى بنسبة 27 في المائة منها في حليب البقر. ومعلوم فائدة هذا المعدن لصحة البروستاتا لدى الرجل، وحمايتها من السرطان، وزيادة نشاطها في تكوين السائل المنوي.
- كمية فيتامين نياسين في حليب الماعز أعلى بنسبة 300 في المائة عما هي في حليب البقر. ومعلوم أهمية وفائدة هذا الفيتامين لخفض الكولسترول والدهون الثلاثية وحماية شرايين القلب، وزيادة طاقة نشاط الجسم.

ثانيا: كمية الدهون والكولسترول في حليب الماعز أقل، وأخف تأثيرا على الجهاز الهضمي. وتلاحظ النقاط التالية:
- كمية الكولسترول في حليب الماعز أقل بنسبة 30 في المائة منها في حليب البقر.
- كمية الدهون في حليب الماعز أقل بنسبة 10 في المائة منها في حليب البقر.
- نوعية الدهون في حليب الماعز هي في الغالب من الأنواع ذات «مركبات قصيرة الحجم»، بخلاف الدهون التي في حليب البقر، التي هي غالبيتها من الأنواع ذات «مركبات طويلة الحجم». ومعلوم طبيا أن تناول الدهون ذات «مركبات قصيرة الحجم» هو أسهل على المعدة والأمعاء في الهضم، وأقل تسببا لأمراض شرايين القلب، وأسهل لجهة إنتاج الطاقة وبعث النشاط في الجسم.
ثالثا: إن كمية البروتينات في حليب الماعز أعلى من كمية البروتينات في حليب البقر. وإضافة إلى الكمية فإن نوعية بروتينات حليب الماعز أفضل من تلك التي في حليب البقر، للسببين التاليين:
- بروتينات حليب الماعز ذات ليونة أكبر، وحينما يصل حليب الماعز إلى المعدة فإنه يكوّن «خثارة» لينة وسهلة الهضم، وأقل تسببا لـ«التلبّك» المعوي. ولذا فهو أخف على المعدة، وأسهل على الأمعاء في الهضم وامتصاص العناصر الغذائية منه.
- بروتينات حليب الماعز أقل تسببا للحساسية، ولذا فإن 40 في المائة من الناس الذين لديهم حساسية من حليب البقر لا يعانون من الحساسية عند شرب حليب الماعز.

حليب البقر




حليب الإبل

 
إنضم
7 فبراير 2010
المشاركات
50
الكنية
أبو أيوب
التخصص
علوم شرعية
المدينة
بيش
المذهب الفقهي
مذهب المحدثين
رد: إحياء السنن في شرب اللبن ،وأحكام الحليب

جزاك الله خيرا وبارك فيك
 
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: إحياء السنن في شرب اللبن ،وأحكام الحليب

وفيك بارك ...أخي عمر
 
إنضم
6 فبراير 2010
المشاركات
84
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو محمد
التخصص
هندسة ميكانيكية
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
حنبلي عموماً
رد: إحياء السنن في شرب اللبن ،وأحكام الحليب

إخوتي في الله ... هذه نسخة من البحث على صيغة pdf لمن أحب ذلك...

وجزاكم الله عني خيراً
 

المرفقات

  • إحياء السنن في شرب اللبن وأحكام الحليب pdf.pdf
    11.7 MB · المشاهدات: 0
أعلى