العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من آله وممن تحرم عليهم الصدقة

إنضم
7 فبراير 2010
المشاركات
50
الكنية
أبو أيوب
التخصص
علوم شرعية
المدينة
بيش
المذهب الفقهي
مذهب المحدثين
أزواج النبي r من آله وممن تحرم عليهم الصدقة
قد تقدم في القول الخامس من باب (من هم آل البيت) كلام ابن عبد البر وغيره في أن أزواج النبي r من آله وذكر ما استدلوا به هناك، وهو مذهب الإمام أحمد كما في (المغني).
وأزيد هنا بيانا لذلك فأقول:
دلّ كتاب الله وصحيح سنة رسول الله r على أن أزواج النبي r من آله ودخولهن في آل البيت إنما هو بالتبعية لا بالأصالة، لتبعيتهن للنبي r .
ففي سورة الأحزاب قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)".
قال ابن كثير رحمه الله في (تفسيره) لهذه الآيات :" وهذا نص في دخول أزواج النبي r في أهل البيت هاهنا لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إمّا وحده على قول أو مع غيره على الصحيح.
وروى ابن جرير: عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق:"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، نزلت في نساء النبي r خاصة.
وهكذا روى ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله:"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت". قال: نزلت في نساء النبي r خاصة.
وقال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي r.
فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك.
ثم ذكر رحمه الله حديث الكساء بطرقه وألفاظه ثم قال:" ثم الذي لا يشك فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبي r داخلات في قوله تعالى:"إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله:"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ" أي: اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة. قاله قتادة وغير واحد". أهـ
وقال البيهقي في (السنن الكبرى):" باب الدليل على أن أزواجه r من أهل بيته فى الصلاة عليهن، وذلك لأن الله تعالى خاطبهن بقوله تعالى (يا نساء النبى لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول) ثم ساق الكلام إلى أن قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وإنما قال (عنكم) بلفظ الذكور لأنه أراد دخول غيرهن معهن فى ذلك ثم أضاف البيوت إليهن فقال ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)". أهـ
قال أبو أيوب عفا الله عنه : وعليه: فإن هذه الآية واضحة الدلالة ــــ لمن تأملها بعدل وإنصاف ــــ على دخول أزواج النبي r في آله حتما؛ لأن سياق الآيات قبلها وبعدها خطاب لهن، ولا ينافي ذلك ما جاء في حديث الكساء السابق إذ هو لا يقتضي تخصيص آل علي t بذلك ــ كما تقدم ــ وإنما يدل على دخوله t وآله في الآية مع أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن هذه الآيات، فيكون دخول علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في هذه الآية ــ مع أمهات المؤمنين ــ قد دلت عليه السنة في حديث الكساء، واسم الإشارة "هؤلاء" في قوله r "هؤلاء أهل بيتي" ليس من أدوات الحصر، ولم يأت في الحديث ما يدل على الحصر، وإنما غاية ما يدل عليه هو تضمين الرسول r لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم لأهل البيت، وهذا واضح بيّن.
ولا ينقضي العجب من أقوام أرادوا إخراج أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن من آيات نصّت على مخاطبتهن ونزلت فيهن، فكيف يمكن ذلك؟!.
قال ابن القيم رحمه الله في (جلاء الأفهام):" وإنما دخل الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي r تشبيها لذلك بالنسب، لأن اتصالهن بالنبي r غير مرتفع ـــ يعني غير منقطع ــــ، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي r قائم مقام النسب، وقد نص النبي r على الصلاة عليهن، ولهذا كان القول الصحيح وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله أن الصدقة تحرم عليهن لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع، وآله من كل أوساخ بني آدم.
ويا لله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله r: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"، وقوله في الأضحية: "اللهم هذا عن محمد وآل محمد"، وفي قول عائشة رضي الله عنها: "ما شبع آل رسول الله r من خبز بر"، وفي قول المصلي: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، ولا يدخلن في قوله: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"، مع كونها من أوساخ الناس، فأزواج رسول الله r أولى بالصيانة عنها والبعد منها؟".أهـ
قال الشنقيطي رحمه الله في (أضواء البيان):" قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا لذلك أمثلة متعدّدة في الترجمة، وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك.
ومما ذكرنا من أمثلة ذلك في الترجمة قولنا فيها: ومن أمثلته قول بعض أهل العلم: إن أزواجه r لا يدخلن في أهل بيته، في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فإن قرينة السياق صريحة في دخولهن؛ لأن الله تعالى قال: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ}، ثم قال في نفس خطابه لهن: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}، ثم قال بعده: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ}. وقد أجمع جمهور علماء الأصول على أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، فلا يصح إخراجها بمخصص".
ثم قال : والتحقيق إن شاء الله: أنهن داخلات في الآية، وإن كانت الآية تتناول غيرهن من أهل البيت.
ثم قال: الصواب شمول الآية الكريمة لأزواج النبيّ r، ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين، رضي اللَّه عنهم كلّهم". أهـ
ومن الأدلة على ذلك من السنة النبوية بالإضافة إلى ما ذكره ابن القيم رحمه الله سابقا ما جاء عن عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك قالت: فقال رسول الله r:"من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي". متفق عليه. فسمّى رسول الله r عائشة أهل بيته.
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله r نحر عن آل محمد ــ تعني زوجاته ــ في حجة الوداع بقرة واحدة. رواه أبو داود. فسمّت زوجاته آله .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: "يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة" . رواه أحمد . فسمّى رسول الله r زوجاته آله .
وعن ابن أبي مليكة أن خالد بن سعيد بعث إلى عائشة رضي الله عنها ببقرة من الصدقة فردتها، وقالت: إنا آل محمد r لا تحل لنا الصدقة". رواه ابن أبي شيبة .
فدلّ ما تقدم على صحة إطلاق لفظ آل البيت وأهل البيت على أمهات المؤمنين رضوان عليهن جميعا وأنهن داخلات في ذلك دخولا أوليا بلا شك ولا ريب.

من بحثي (تحرير القول في بيان جكم الصدقة على آل الرسول)
 
أعلى