العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الأديب الكبير «محمود محمد شاكر»:

إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
محمود محمد شاكر، ولد في الإسكندرية، مصر عام 1327هـ / 1909م. تلقَّى تعليمه الأساسي في القاهرة، ثم التحق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بالجامعة المصرية، واستمر بها إلى السنة الثانية، بيد أنه ترك الدراسة لخلاف شديد نشب بينه وبين أستاذه الدكتور طه حسين، حول منهج دراسة الشعر الجاهلي.
تفرغ منذ عام 1925م للتأليف والتحقيق ونشر النصوص، فأخرج جملة من أمهات الكتب العربية؛ مثل: "تفسير الطبري"، و"طبقات فحول الشعراء"؛ لمحمد بن سلام الجمحي، و"جمهرة نسب قريش"؛ للزبير بن بكار.
شارك في إخراج الوحشيات لأبي تمام، وشرح أشعار الهذليين، كما ألف كتابه الشهير "أباطيل وأسمار"، وأعاد طبع كتابه عن المتنبي.
في عام 1957م أسس مع آخرين مكتبة دار العروبة لنشر كنوز الشعر العربي ونوادر التراث، وكتب بعض المفكرين. وأصبح بيتُه مقصدَ أجيال من دارسي التراث العربي والمعنيين بالثقافة الإسلامية من مختلف أرجاء العالمينِ العربي والإسلامي.
اختير عضوًا مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضوًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة.
مُنح جائزة الدولة التقديرية في الآداب من الحكومة المصرية عام 1981م.
وإذا كان مؤلفاه القيمان: "المتنبي"، و"أباطيل وأسمار" في طليعة مؤلفاته، فإن ما حققه من الكتب لا يقل أهمية، ومنها: "فضل العطاء على العسر"، و"إمتاع الأسماع"؛ لتقي الدين المقريزي، و"المكافأة وحسن العقبى"؛ لأحمد بن يوسف الداية الكاتب، و"جامع البيان عن تأويل آي القرآن"؛ للإمام الطبري، وغيرها.
حصل على جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1404هـ / 1984م، وكان موضوع الجائزة: الدراسات التي تناولت الأدب العربي في القرن الرابع الهجري.
انتقل إلى رحمة الله تعالى في 4 ربيع الآخر 1418هـ الموافق 7 آب / أغسطس 1997م.
بعض ما كتب عنه: شيخ العربية وحامل لوائها أبو فهر محمود محمد شاكر بين الدرس الأدبي والتحقيق؛ لمحمود إبراهيم الرضواني، وقد طبعته دار الخانجي في حياة الشيخ رحمه الله عام 1415هـ.
محمود محمد شاكر الرجل والمنهج؛ لحسن القيَّام.
شاهدة ربع قرن؛ لعايدة الشريف، فيه فصل خاص بأبي فهر، والكتاب طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وهناك كتاب طبعته دار الخانجي بعنوان (دراسات عربية وإسلامية) مهداة للأستاذ محمود شاكر بمناسبة بلوغه السبعين شارك في كتابة هذه البحوث والمقالات عدد من طلاب الشيخ ومحبيه.

==============================================================

«محمود محمد شاكر»: كيف شكل نزاع العلوم عقل الفتى؟


طراءة العلم: فصول فى نشأة العلماء (1)


عبد الفتاح جمال الدرعمي

04/05/2016








%D8%B4%D8%A7%D9%83%D8%B1-750x422.jpg

صورة نادرة للأستاذ محمود محمد شاكر فى صباه
في مجلسِ شِعرٍ بِرُواقِ السِّنَّاريَّة بالأزهر الشريف سنة 1919 تجري مُطارحةٌ شِعريةٌ بين جمعٍ من طلبة العِلم والأدب يتدارسون فيها شعر المتنبي ويتناشدونه، وفيهم فتًى ليس منهم لا يدري من الشعر إلا قليلًا، قد ملأ المجلسُ نفسَه، واستَنْبَثَ هذا الشاعرُ كامنًا في حَناياهُ كان ظنَّه قد تلاشى.
ثُمَّ بعد المجلس يُحادِث الفتى قريبًا له من أهل هذا النَّادي:
– لقد أحسنَ الله إليَّ على يدك إذ هديتَنِي إلى هذا المجلس، ولكنْ مَن هذا الشاعر ؟
فيرد: إنه المتنبي الذي ملأ الدنيا وشَغَل الناسَ
– إذن أريدك أن تُعيرَني ديوانَه
– لن أفعلَ حتى تقضِيَ لي أمرًا عند عَمَّتي
– لن أقضيَ لك أمرَك عند أُمِّي حتى تُعيرَني الديوانَ
– حسنًا ! إليك الديوانَ على أن تقضيَ لي أمري

نِزاع العربية والإنجليزية

أمَّا الفتى فهو محمود محمد شاكر، وأمَّا الجمع فناشِئَةٌ من طلاب الأزهر منهم ابن خاله الشيخ أبو الفضل محمد هارون، وأمَّا الكامن الذي تحرَّك في نفسه فهو الكلمة العربية التي اغتالها دانلوب «بلُغةٍ غريبةٍ تُنَازِع لغتَه على لسانه قبل أن تستحكمَ فيه».
وكان من عاقبة هذا السهم النافذ إلى قلبه أن استثقل العربية التي نشأ عليها في بيته، وعرف أهميَّتَها قبل أن تطغى عليها الإنجليزية، وصار الفتى ضعيفًا في العربية جدًّا، حتى رسب في امتحانها في السنة الرابعة.
فلم يكد الفتى يأخذ الديوانَ من ابن خاله حتى جعله وِردَه في ليله ونهاره، فكان لا يلقاه أحدٌ إلا والمتنبي في يده منشدًا لقصيدة أو مترنِّمًا بما يتراءى له من معانيه، حتى قال ابن خاله عبد السلام هارون «حتى كِدْنا نحفظ ما حَفِظ» فأتمَّ حفظ الديوان في العام الذي رسب فيه. وحَفِظَ أيضًا المعلقاتِ العشرَ الجاهليةَ، وعرف تاريخها وتاريخ أصحابها ومعانيها وغريب ألفاظها.

فجَّر المتنبي عينًا دفينةً في أعماق نفسه، وسرت أنغام الشعر العربي تتردَّدُ فيها
لقد فجَّر المتنبي عينًا دفينةً في أعماق نفسه، وسرت أنغام الشعر العربي تتردَّدُ فيها، وكأنَّه لم يجهلْها قطُّ، وعادتِ الكلمةُ العربيَّة إلى مكانها مرة أخرى.
لكن لم يكن هذا الديوان كافيًا ليتخلَّص الفتى من غلبة الإنجليزية على نفسه، لكنه أقام تنازعًا في نفسه بين العربية والإنجليزية، يقول: «نعم أحببْتُ العربيَّةَ حبًّا شديدًا، ولكن الإنجليزية كان لها التقدم دائمًا والغلبة أحيانًا».

جيل ثورة 19

عندما قام الحدث الجلل في مصر، ثورة 1919، كان التنازع القائم في نفس الفتى يزيد، بل هو لا يرى سببًا للثورة إلا هذا التنازع، يقول: «وانفجر الأمرُ انفجارًا بعد ثورة سنة 1919، ووقع النزاع بين الفطرة السَّلِيمة التي تستكنُّ في قلوب الشعوب، وبين الثقافة المُجتَلَبة التي تضرب على الأعين غِشاوِةً، وعلى القلوب سدًّا صفيقًا من الجهل والغطرسة».
Ramses_Station_During_the_1919_revolution.jpg
تجمع المتظاهرين أمام محطة مصر – المعروف بميدان رمسيس حاليا بل ثَمَّ ما هو أكبرُ .. إنه يرى هذا التنازع قائمًا في نفوس الشعوب العربية والإسلامية الثائرة على الاحتلال، إذ يقول: «في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) انتفض العالم العربي والعالم الإسلامي، وبدأت أول انتفاضة في مصر في مارس 1919، وتتابعت الانتفاضات على درجات مختلفة في جميع بلاد العرب والإسلام، ثُمَّ زُلْزِل هذا العالمُ كلُّه حين ألغى مصطفى كمال الخلافةَ الإسلاميةَ سنة 1924 … وفي هذا الذهول الغامر ما بين سنة 1919 إلى 1924 نزع العالم العربي بفطرته السَّلِيمة إلى التشبُّث بالحبال الباقية التي تربط بعضَه ببعض، وهي اللسان العربي، وصار مفهومًا واضحًا عند الجماهير، أن إحياء اللغة العربية هو إحياء الأمة العربية … فكان الجيل الذي عاش تلك الأيام يتشبَّث بلغته، ويقاوم عناصر الهدم الخبيثة التي أطلقتها وزارة الاستعمار البريطاني».

فتى الثانوية وعلماء عصره

انتقل معه هذا التنازع المُرُّ إلى المرحلة الثانوية، وفي هذه المرحلة بدأ يتَّصل بجَمْعٍ من العلماء والأدباء، فاتَّصل بالرافعيِّ، وتتلمذ على سيد علي المرصفيِّ، وارتبط ارتباطًا وثيقًا بمُحِبِّ الدين الخطيب.
لم يكن اتصاله في هذه المرحلة بهؤلاء الأعلام فقط، بل اتصل بغيرهم أيضًا مثل أحمد تيمور باشا، والشيخ محمد الخِضْر حسين، وأحمد زكي باشا، والشيخ إبراهيم أَطَّفَيِّش، والكُتْبِي محمد أمين الخانْجِي، والشاعر أحمد شوقي، وكان لبعضهم تأثيرٌ كبيرٌ في نشأته، لكنَّ الثلاثة الأُوَلَ الذين قدَّمْتُهم كان أثرُهم بالغًا جدًّا في مرحلة التنازُع هذا، وامتدَّ أثرُهم إلى غير هذه المرحلة أيضًا.
يقول عن الرافعي: «كُنتَ أخي وصديقي ومَن أستودِعُه سِرَّ قلبي المعذَّبِ في تنُّور الحياة المُوحِشَة التي يضْطَرم جوُّها بالصمت المتوهِّج والوَحْدة المُستَعِرة»
ويقول: «ولقد عَرَفنا الرافعيَّ زمنًا – طال أو قصر – فأجبْناه ومنحْنَاه من أنفُسِنا ومنحَنا من ذات نفسِه، ورَضِيناهُ أبًا وأخًا وصديقًا وأستاذًا ومؤدبًا، فلم نجِدْه إلا عند حسن الظنِّ به في كلِّ أبوَّته وإخائه وصداقته وأستاذِيَّته وتأديبه».

ولقد عَرَفنا الرافعيَّ زمنًا – طال أو قصر – فأجبْناه ومنحْنَاه من أنفُسِنا ومنحَنا من ذات نفسِه، ورَضِيناهُ أبًا وأخًا وصديقًا وأستاذًا ومؤدبًا
وأمَّا الشيخ المرصفيُّ، فقد قرأ عليه أمَّهاتِ كتب الأدب واللغة، فقرأ عليه كتاب الكامل، وحماسة أبي تمَّام، ولسان العرب، وشيئًا من أشعار الهذليين، وجزءًا من أمالي القالي والعقد الفريد لابن عبد ربه.
وأما مُحِبُّ الدين الخطيب فيقول عنه: «وكنتُ أؤمِّل آمالًا كثيرةً يمُدُّها خيالي وتَزِينُها أحلامي، وكان يقوم على تهذيب نفسي وتشذيب آمالي وأحلامي رجلٌ أُحِبُّ أن أعترِفَ بفضِله عليَّ، وهو الأستاذُ مُحبُّ الدين الخطيب». وكان يُوجِّهُه لقراءة الكُتُب المُهِمَّة لكُتَّاب عَصرِه.
فكان هؤلاء الثلاثةُ القدوةَ والأُسوةَ التي يحتاجها في هذه المرحلة «فالقدوة والأسوة هي مادَّةُ الشباب التي يَتِمُّ بها تكوينُه العقليُّ على امتداد الزمن وكثرة التحصيل وطول الدُّرْبَة»

الرياضايات تدخل إلى الصراع

وفي الصف الثالث الثانوي حُبِّبَ إليه علمٌ ثالثٌ شَغَله عن المُنازَعَةِ الأُولى بعضَ الشُّغل، وهذا العلم الثالث هو الرياضِيَّات، يقول: «قذف الله في قلبي حُبَّها فكان لها كلُّ اهتمامي وعِظَمُ إقبالي، ولم يكن لي همٌّ سوى إتقانِها والتوسُّعِ فيها والتزوُّدِ منها ما استطعْتُ وفوق ما أستطيع، وإن كان ذلك لم يصرِفْني عن قراءة تراث العربية وعن الشعر خاصَّةً في العربية وغير العربية»
نعم لم تصرفه الرياضِيَّات عن قراءة تراث العربية، فقد قرأ في هذه الفترة -غيرَ ديوان المتنبي وحِفْظِ المعلقات – كتابَ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني كاملًا، وقرأ معجم لسان العرب لابن منظور كاملًا، وقرأ كتاب سيبويه – وكان له أثرٌ كبيرٌ عليه سنراه بعد قليل-، وقرأ دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، ومفتاح العلوم للسَّكَّاكي وكُتُبَ التَّفْتَازَاني في علوم البلاغة وغيرَها من الكتب.
كانت هذه المرحلة إيذانًا بانتهاء نزاع العربية والإنجليزية، وإرهاصًا لنزاعٍ جديدٍ لم يَأْنِ وقتُ اضْطِرامه بعدُ وهو نزاع الشعر الجاهلي.

الأدب الجاهلى يتربع النزاع

بالرغم من وَلُوعِه الشديدِ بالرياضيات طغى الأدبُ عليها خاصَّة الشعر الجاهلي الذي كان يَدْرُسه على شيخه المرصفي، بل لم يكتَفِ طغيان الأدب على الرياضيات حتى سخَّرها في دراسة الشعر الجاهلي، يقول: «بدأتُ أقرأ ما بقي لدينا من دواوين شعر الجاهليَّة شاعرًا شاعرًا، ثُمَّ أشعارَ مئاتٍ من أهل الجاهليَّة ممَّن لا دواوينَ لهم، أو كانت لهم دواوينُ ولم تقع لي بعدُ دواوينُهم … أوغلْتُ في القراءة وأكثرْتُ ملتزمًا بهذا النظام الذي هداني إليه وَلُوعي بالرياضيات فيما أظنُّ».
كان الوَلُوع بالرياضيات من صُنع الله له كما يقول، فقد حسَمَتْ هذا الصراع الكبير في نفسِه عندما انتهت المرحلة الثانويَّةُ وأخذتْه حَيْرَةُ اختيار الكليَّة التي يلتحق بها.​

علَّمني كتابُ سيبويهِ يومئذٍ أن اللغة هي الوجه الآخر للرياضيات العُليا
يقول: «لم يستطع وَلَعي بالرياضيات أن يقومَ بشَغَفِي بالأدب والتاريخ فتحولْتُ مخالِفًا سيرةَ زُملائي في القسم العلمي … فكان هذا التحوُّل هو أيضًا بدءَ تحوُّلِ حياتي تحوُّلًا تامًّا. هجرْتُ الرياضياتِ هجرًا مُصمَتًا ، وأقبلْتُ على الشعر والأدب والتاريخ بقلبي كُلِّه” ويقول: «علَّمني كتابُ سيبويهِ يومئذٍ أن اللغة هي الوجه الآخر للرياضيات العُليا».
وهكذا انتهى صراعٌ عنيفٌ في نفس الفتى، لقد بلغ من تمكُّنه من الإنجليزية مبلغًا جعله – وهو في هذه السن – يُفضِّل نفسَه على المستشرق الإنجليزي مرجليوث – أكبرِ مُسَعِّرٍ لفتنة الشعر الجاهلي – فيقول: «أنا بلا شَكٍّ أعرِفُ مِن الإنجليزِيَّة فوق ما يعرِفُه هذا الأعجمُ مِن العربيَّة أضعافًا مضاعفَةً، بل فوق ما يُمكِنه أن يعرفَه منها إلى أن يبلُغ أرذلَ العُمر، وأستطيع أن أتلعَّبَ بنشأة الشعر الإنجليزي منذ شوسر إلى يومنا هذا تلعُّبًا هو أفضلُ في العقل مِن كُلِّ ما يدخُلُ في طاقتِه أن يكتُبَه عن الشعر العربي».
لكن نزعه عرق العربية الذي تأصل في أصلابه، وعادت إليه الكلمة مرة أخرى.
 
التعديل الأخير:
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأديب الكبير «محمود محمد شاكر»:

(ما لنا ولنوبل): قال محمود شاكر رحمه الله
(أنا لا أحب الجنس الأوربى عن بكرة أبيه ولا أفضل الغرب المسيحى كله وليس له ميل فى نفسى وأولاد (فيصل)(الملك فيصل) عملوا عملا كبيرا لأنهم أوجدوا جائزة الملك فيصل فما لنا نحن ونوبل؟ ان جائزة نوبل لا تهمنى ولا يصح أن ينتظرها أحد)
(ابوعبدالرحمن الأثرى)
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: الأديب الكبير «محمود محمد شاكر»:

رحمه الله رحمة واسعة …
 
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأديب الكبير «محمود محمد شاكر»:

رحمه الله رحمة واسعة …
آمين

المقال الثاني :

«محمود محمد شاكر»: الشرارات الأولى للمنهج

طراءة العلم: فصول فى نشأة العلماء (2)


عبد الفتاح جمال الدرعمي

28/06/2016








%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%A7%D9%83%D8%B1-750x422.jpg

الأديب المصري «محمود محمد شاكر» (أبو فهر)
يطرُق الفتى بابَ شيخِه، فيفتح الباب وينظر إليه متعجبًا ويقول له: كأنك آيبٌ من سفرٍ بعيدٍ أيها الفتى. فينظر الفتى إليه ثم يُدخله الشيخ ليبدأ الدرس.
ظلَّ الفتى محمود محمد شاكر على هذا العهد حتى وفاة شيخه المرصفي أو قريبًا من وفاته، كان يحضرُ له دروسه أول الأمر في مسجد البرقوقي، فقرَّبه الشيخ منه لسابق معرفته بأبيه الشيخ محمد شاكر، فقرأ على الشيخ في بيته كتاب الكامل للمبرد، وحماسة أبي تمام، ولسان العرب لابن منظور، وشيئًا من أشعار الهذليين، وجزءًا من أمالي القالي، والعقد الفريد لابن عبد ربه.
كان أهمَّ ما ينتفع به الفتى في هذه المجالس الخاصة التي كانت في بيت الشيخ، طريقةُ الشيخ في إلقاء الشعر، ومواضع وقفه وابتدائه عند قراءة الشعر والمعاني التي كان يفقهها من هذه الطريقة في الإلقاء، يقول: «كانت للشيخ رحمه الله وأثابه عند قراءةِ الشعرِ وقفاتٌ، يقف على الكلمة أو على البيت أو على الأبيات يُعِيدُها ويُرَدِّدُها، ويُشير بيده وتَبْرُقُ عيناهُ، وتُضِيءُ مَعارِفُ وجهِه، ويهتزُّ يَمْنةً ويَسْرَةً، ويرفع من قامته مادًّا ذراعَيْهِ، مُلَوِّحًا بهما يَهُمُّ أن يطير، وترى شفَتَيْهِ والكلماتُ تخرج من بينهما، تراه كأنه يَجِدُ للكلمات في فمه من اللذة والنشوة والحلاوة ما يفوق كلَّ تصوُّر، كنتُ أنصِتُ وأُصْغِي إليه لا يفارِقُه نظري، لا تكاد عيني تطرُفُ، وصوتُه ينحدر في أقصى أعماق نفسي، فإذا كفَّ عن الإنشادِ والترَنُّم أقبلَ يشرح ويُبَيِّنُ، ولكنَّ شرحَه وتبيينَه لهذا الذي يُحرِّكُه كلَّ هذا التحريك، كان دُونَ ما أُحِسُّه وأفهَمُه ويتغلغل في أقاصي نفسي من هيئته وملامحه وهو يترنَّم بالشعر أو يُرَدِّد»، ويقول: «فإذا سمعتُ الشعرَ وهو يقرؤه فهمتُه على ما فيه من غريب أو غموض أو تقديم أو تأخير أو اعتراض، فكأنه يُمَثِّله لك تمثيلا لا تحتاج بعده إلى شَرْحٍ أو توقيف».

الرحلة من المتنبي إلى الشعر الجاهلي

كان الفتى مولعًا بالمتنبي، لكن شيخه المرصفي كان يتعصب لشعر الجاهليين، «وكان لا يصح في رأيه أحد من الشعراء المولدين وبخاصة أبو الطيب وكان يدسُّ في أذواق تلاميذه الكراهة له والنفور من شعره» كما ذكر تلميذه الأديب أحمد حسن الزيات. كان هذا التعصب ظاهرًا في كل ما كان يُقْرِئه الشيخ المرصفي لتلاميذه، فكل هذه الكتب المذكورة تُعْنَى في أكثر مادتها بالشعر الجاهلي، وقل أن يكون فيها شعرُ إسلاميٍّ أو أموي فضلا عن عباسي. يقول: «وفي زمان هذه القراءة كان أثر الشيخ عليَّ أثرًا شديدًا، فقد أثار اهتمامي وصرف قلبي كله إلى الشعر الجاهلي، وبعضِ الشعر الأموي».
يرجع ولع محمود شاكر بالشعر الجاهلي حصرًا، إلى توجيهات أستاذه الشيخ المرصفي، ومن بعده طريقة الشيخ محمد عبد المطلب في تدريس الشعر.
أخذ صاحبَنا نهمٌ بالشعر الجاهلي ثبَّط همته عن الشعر العباسي، بل عن ديوان المتنبي الذي كان أول ما قرأ من الشعر، يقول: «فثبَّط هِمَّتي عن الشعر العباسي بعضَ التَّثْبِيط. وكان ممَّا ثبَّط عنه هِمَّتي أشدَّ التثبيط ديوانُ أبي الطيب… فأغفلْتُه من يومئذٍ كلَّه». وصار يتلمس كل سبيل إلى الشعر الجاهلي، ويبحث عن كل معتنٍ به. فسمع عن شاعر يلقب بالشاعر البدوي لأنه كما يقول: «رجلٌ عربيٌّ احتفظ بعربيته في القرن العشرين يُحاكِي شعرَ أجدادِنا وأجدادِه… استطاع في شعره أن يُعطِيَنا صورةً حيَّةً من إنسانيَّةٍ قد مضت ونَفَذَ بها الأَجَلَ في ثَوْبٍ من العربية الفصيحة التي لا عُجْمَةَ فيها ولا فسادَ»، ويقول: «كانت الكلماتُ العربيَّةُ الخالصِةُ تتحدَّر من لسانه ومن بين شفَتَيْهِ وعليها مِيسَمُ العَرَبِ الخُلَّصِ».
اتصل به شاكر وذهب إلى بيته وهاله أول ما هاله مكتبته الكبيرة التي كانت أكثر كتبها في علم القراءات، وكان الشيخ محمد عبد المطلب مدرسًا للأدب العربي في مدرسة دار العلوم، وكان له – كما روى تلميذُه محمد محمود جلال بك – مذهبٌ في تدريس الشعر يخالف به كثيرًا من مدرسي عصره لا سيما دعاة التيسير، فقد كان يتلو على الطالب قصائد لمختلف الشعراء من عصر واحد، وفي شتى أغراض الشعر، ثم لشاعر واحد من شعراء هذا العصر، دون أن يوضح معنى أو يعرف بالشاعر، يكفيه فقط أن يعرف الطالب أنه يُتلى عليه شعر جاهلي، وأن الشاعر المتلو شعره من الشعراء الجاهليين، وكذلك الأمر في عصر صدر الإسلام وشعرائه، والعصر الأموي وشعرائه إلى آخر تقسيم العصور، ولا يكلف الطالب أكثر من الإصغاء الدقيق إليه. وكان يقول: «إنما أريد أن يعتادَ سمعُك شعرَ عصرٍ مُعَيَّنٍ؛ ثم نعود إلى مثل ذلك لشاعر بعينه، فتنشأَ لديك ملكةُ تمييزٍ، بحيث تُرجِعُ ما تسمعُ ولأول ما تسمعُ إلى عصرِه. فإذا كانتِ الخطوة التالية وهي الاستماع لشاعر بذاته استطعْتَ كذلك أن تَتَبَيَّن الشاعرَ مِن نَفَسِه وطريقَتِه والشائعِ من فَنِّه».
فلعل شاكر درس على الشاعر البدوي بهذه الطريقة، أو لعله نصحه أن يدرُسَ الشعر بها، فنبَّهَتْه لما بين شعر الجاهلية الذي ولع به على شيخه المرصفي وبين شعر العصور الأخرى من التباين، وبين شعر كل منهم وغيرهم من الشعراء الذين أتوا بعدهم. لكن يبقى الفضل في ذلك لشيخه الأول في هذا الشأن الشيخ المرصفي، إذ يقول عنه: «وهو الذي أثارني إلى هذا وحرَّكني؛ هو وحده دون سواه».

نظامٌ رياضيٌ لاستقصاء الشعر الجاهلي

كانت هذه المرحلة هي مرحلة النزاع بين العربية والإنجليزية في نفسه، وفي هذا الوقت حُبِّب إليه علم الرياضيات فأتقنها وتوسع فيها وتزود منها، ثم سخرها في دراسة الشعر الجاهلي يقول: «بدأتُ أقرأ ما بقي لدينا من دواوين شعر الجاهليَّة شاعرًا شاعرًا، ثُمَّ أشعارَ مئاتٍ من أهل الجاهليَّة ممَّن لا دواوينَ لهم، أو كانت لهم دواوينُ ولم تقع لي بعدُ دواوينُهم… كلما فرغت من ديوان شاعر بدأت في صحبة شاعر آخر وكلما وجدت لشاعر جاهلي علاقة ما بشاعر جاهلي آخر، صحبت ديوانه بعده أو معه… أوغلْتُ في القراءة وأكثرْتُ ملتزمًا بهذا النظام الذي هداني إليه وَلُوعي بالرياضيات فيما أظنُّ».
بسبب ولعه المبكّر بالرياضيات، اتبّع محمود شاكر نظامًا رياضيًا متواليًا لاستقصاء الشعر الجاهلي والتوغّل فيه.
كان صاحبنا – قبل أن يوغل في قراءة الشعر الجاهلي – يحفظ المعلقات العشر الجاهلية، ويعرف تاريخها وتاريخ أصحابها ومعانيها، لكن كل ذلك بالنسبة له كان زيادة في ثروة معرفته بالعربية، فلما أوغل في قراءة الشعر الجاهلي ملتزمًا بالنظام الرياضيِّ الذي انْتَهَجَه وأبصرَ فيه ما لم يُبْصِرْه في قراءته منجَّمًا غيرَ مجموع، يقول: «وجدت في الشعر الجاهلي شيئًا لم أكن أجده من قبل وأنا أقرأ الشعر الجاهلي متفرقًا لشعراء مختلفين، عندئذ اختلف علي الأمر، ولم يعد مجرد ثروة أستزيدها في المعرفة بالعربية وبالشعر. بدأت أجد في هذا الشعر الجاهلي شيئًا مبايِنًا مباينةً سافرةً لما في الشعر العباسي كله بل أكبر من ذلك أني افتقدت هذا الشيء أيضًا في أكثر ما قرأت من الشعر الأموي الذي لا يفصل بينه وبين الجاهلية إلا المائة الأولى من التاريخ الهجري».
لم يكن محمود شاكر يستطيع أن يعبر عن هذه الفروق التي أدركها بين الشعر الجاهلي وبين الشعر العربي، فلم يكن يجد في نفسه إلا التذوَّقَ المحضَ والإحساسَ المجرَّدَ، يقول: «وبهذا التذوُّق المتتابع الذي أَلِفْتُه، صار لكل شعرٍ عندي مذاقٌ وطعمٌ وشذًا ورائحةٌ، وصار مذاقُ الشعر الجاهلي وطعمُه وشذاه ورائحتُه بَيِّنًا عندي بل صار تميُّزُ بعضٍ من بعضٍ دالًّا عندي على أصحابه».
وأصبح دأْبُه وعادتُه أن يحدِّثَ شيوخَه وأساتذتَه عمَّا يجدُه في نفسه من هذه المُبايَنَةِ التي تذوقها فرحَّب بذلك بعضُهم وأعرض عنه آخرون، وكان ممَّن يُرحِّب به ويستمع لنشوتِه بالشعر الجاهلي ويتابع تطوُّرَ هذا الذَّوْقِ عنده شيخُه أحمد تيمور باشا، لكنَّ الغريبَ أن شيخَه المرصفيَّ كان من المُعرِضِين عما يقوله شاكر، لكنه لم يَكُفَّ عن الإلحاح عليه، حتى فهم عنه ما كان يعجز عن الإبانة عنه، فأقبل عليه، وأفاده، وسدَّد خطاه.

إعجاز القرآن وشرارات «التذوّق» الأولى

لم يكن إدراكه مقتصِرًا على هذا فقط، بل كان يعلم أن الله خص هؤلاء الجاهليين بنزول القرآن عليهم وتحدَّاهم به أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور منه، أو بسورة واحدة؛ وبالرغم من هذه القدرة البيانية في التعبير التي يمتلكونها والتي فاقت مقدرة مَن بعدَهم على البيان، عجزوا عن التحدي، واعترفوا بهذا العجز بل اعترفوا بمباينة القرآن لكلام البشر. لذلك كانت هذه المباينة التي توصل إليها محمود شاكر بين الشعر الجاهلي وبين الشعر العربي بعده هي أهم دليل عنده على إعجاز القرآن، لأن الجاهليين هؤلاء كانوا أقدر العرب على التعبير على كل ما يجيش في الصدور، وبالرغم من ذلك عجزوا واعترفوا بالعجز، فإذا صحَّ ما مضى، دلَّ على مباينة القرآن لكلام البشر، ودلَّ أيضًا على أن العجز عن التحدي في من دون الجاهليين آكَد.
قادت إحاطة محمود شاكر بالشعر الجاهلي إلى التدليل المباشر على إعجاز القرآن الكريم ومباينته لكلام البشر
في سنة 1923 نشرت مجلة كوكب الشرق مقالة بعنوان «عَثَرَات» للشاعر الأديب حسن القاياتي يُفضِّل فيها القول العربي «القَتْلُ أَنْفَى للقَتْلِ» على قول الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتَّقون}، يقول محمود شاكر: «غَلَى الدَّمُ في رأسي حين رأيتُ الكاتِبَ يَلِجُ في تفضيل قول العرب على قول الله تعالى في كتابه الحكيم».
كانت هذه المقالة فرصة لمحمود شاكر ليثبت صحة دليله على إعجاز القرآن، فهمَّ بأن يكتبَ للرد على هذه المقالة، ولكنه أمسك عن الكتابة لما تذكر كاتبه الأثير مصطفى صادق الرافعي، وكان يتابع كل ما يكتبه بنهم وشغف، فكتب إلى الرافعي رسالة غاضبة ساخطة، علّق عليها الرافعي: «قرأت هذا الكتاب فاقشعر جسمي»، ثم كتب الرافعي في الرد على مقالة القاياتي، وفند كل أدلته في تفضيل قول العرب على قول الله تعالى، بل قلبها عليه.
ولكن لعل أهم ما وقع في نفس شاكر من هذه المقالة نفي الرافعي كون هذه العبارة عبارة جاهلية، وطريقته في التدليل على كلامه، وتفضيله قول أبي تمام: «الدم يحرسه الدم» عليها، كان هذا أول ما وقع عليه الفتى من نفي لجاهلية هذه العبارة، وقد نسبها كثير من المتقدمين إلى الجاهلية، وكان هو أيضا يظنها جاهلية، دفعه ذلك للنظر في ظاهرة الانتحال في الأدب العربي، وهي نسبة شعر أو قول لغير قائله أو لغير عصره، فقرأ كتابا كان من أهم الكتب الفارقة الفاصلة في حياته، وهو كتاب طبقات الشعراء – أو طبقات فحول الشعراء كما أثبت شاكر فيما بعد – لابن سلام الجمحي، وهو كتاب يناقش في ثناياه هذه المسألة بدقة، ومناقشة هذه القضية في كتب التراث هي أظهر الأدلة على عناية المتقدمين برواية الشعر الجاهلي ونقد زيفه.
لذلك لما أطلعه شيخه أحمد تيمور في المكتبة السلفية سنة 1925 على مقالة مرجليوث «نشأة الشعر العربي» المنشورة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية ليقرأه ويبدي رأيه فيه، قال: «لم أُلْقِ بالًا إلى هذا الذي قرأْتُ، وعندي ما عندي من هذا الفرق الواضح بين الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي».
وهكذا، كانت ومضاتٌ متتابعة آخذة في الحضور عبر ممارسةٍ وصفها شاكر بأنها: «ممارسة جاهلة جافية غامضة بلا منهج صحيح آوي إليه وأستعين به»، ولم تسعفه مع أول محنةٍ حقيقية تختبرها. لذا احتاج إلى أن يتعمق ويغوص في دراسة ما كان درسه من قبل، وفي تذوق ما تذوقه من قبل، لتتحوّل هذه الممارسة الغامضة الأولى إلى منهجٍ ناضجٍ مستوٍ على سوقه؛ منهج «التذوّق».
 
التعديل الأخير:
إنضم
23 يناير 2013
المشاركات
2,604
الإقامة
ميت غمر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
عقيدة
الدولة
مصر
المدينة
ميتغمر
المذهب الفقهي
شافعي
رد: الأديب الكبير «محمود محمد شاكر»:

محمود محمد شاكر: الاغتراب والعزلة والهجرة

طراءة العلم: فصول فى نشأة العلماء (3)



عبد الفتاح جمال الدرعمي

27/08/2016 -





%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B4%D8%A7%D9%83%D8%B1-%D8%B3%D9%86%D8%A9-1950-750x422.jpg

وإني لأسأل نفسي اليوم: أبجهل مني لا حلم فيه كان يومئذ للفظ الجامعة هذا المعنى في نفسي؟ أخالني لست أدري. دخلت الجامعة ومعي هذا المعنى يتسع ويتراحب يومًا بعد يوم، حتى بلغ مبلغًا يرتد عنه البصر خاسئًا وهو حسير. دخلتها ومعي فورة الشباب وأحلامه وتهاويله. دخلتها ومعي كل ما قرأته وسمعته من أدب أمتي وتاريخها وأخلاق علمائها وعظمة رجالها.
[FONT=Greta_Bold]محمود شاكر متحدثا عن الجامعة[/FONT]​
كان محمود شاكر كما ذكرنا من قبل في حيرة من أمره في اختيار الكلية التي يلتحق بها في الجامعة، فهو ولوع بالأدب والشعر، لكن تخصصه الدراسي الرياضيات، ثم هو ولوع بها أيضا، ثم هي اختيار أبيه له، ولكنه حسم أمره للأدب لما ذكرناه في المقالتين السابقتين، فقرر الالتحاق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب.
وبعد أن هدأت حيرته واستقر على اختياره واجهته مشكلة أخرى، وهي أنه لا حق لحامل البكالوريا من القسم العلمي في الالتحاق بالقسم الأدبي، لكن لم تدم هذه المشكلة طويلا، فعلاقته بالدكتور طه حسين قد سهلت هذا الأمر.

قضية الشعر الجاهلي

كانت العلاقة بين محمود شاكر وأستاذه طه حسين علاقة وطيدة من قبل الجامعة، كما ألمحت منذ قريب، فقد عرف من شيخه المرصفي أن طه حسين قرأ عليه مثلما يقرأ عليه شاكر، ثم نشأت بينه وبين طه حسين صلة وطيدة ومحبة.
وظلت هذه الصلة كما هي إلى أن بدأ طه حسين يلقي محاضراته عن الشعر الجاهلي، التي جمعها في كتاب فيما بعد بعنوان «في الشعر الجاهلي»، وموجز هذا الكتاب هو إنكار صحة الشعر الجاهلي كله، وإنكار ما يحتويه من معان تدل على حياة الجاهليين، وأن الأشعار التي بين أيدينا هي من اختراع الرواة على هؤلاء الجاهليين، وحشد الأدلة على هذا الزعم، متكئًا في ذلك كله على منهج ديكارت في الشك، وقد سبقه إلى هذا الزعم عدد من المستشرقين منهم: الألماني نولدكه والمجري جولد تسيهر وغيرهما.
لم تكن هذه هي المشكلة الكبرى بالنسبة لشاكر، ولكن المشكلة كانت إدارك شاكر أن هذه المحاضرات سطو مجرد من أستاذه طه حسين على مقالة مرجليوث التي قرأها قبل أن يدخل الجامعة، يقول شاكر: «ومع كل محاضرة يرتد إلي رجع من هذا الكلام الأعجمي الذي غاص في يمّ النسيان (أي مقالة مرجليوث) وثار تنفسي، وعندي الذي عندي من المعرفة بخبيئة هذا الذي يقوله الدكتور طه».
لكنه لم يكن يستطيع أن يصارح أستاذه بهذا الأمر، يقول: «فللدكتور طه علي يدٌ لا أنساها وحفظ الجميل أدب لا ينبغي التهاون فيه. وأيضا فقد كنت في السابعة عشرة من عمري، والدكتور طه في السابعة والثلاثين، فهو بمنزلة أخي الكبير».
ظل مدة لا يستطيع أن يجاهر بمعرفته بفعلة أستاذه، بل لم يناقشه في رأيه هذا، ولكن نفسه لم تخفَّ ثورتها.

مثاقفة منهج التذوق ومناقشة الأباطيل

وكان له صديق اسمه محمود محمد الخضيري وكان طالبًا في قسم الفلسفة لكنه كان يحضر معه محاضرات الدكتور طه حسين بكلية الآداب، وهو مترجم كتاب «مقال في المنهج» لديكارت إلى العربية، وكانت تجرى بينهما مناقشات حول هذا الأمر، وفي مرة دار بينهما حوار فاصل
لخص فيه شاكر اعتراضه على أستاذه في أربع نقاط، ووافقه عليها صديقه الخضيري:

– أن اتكاء الدكتور على «ديكارت» في محاضراته، اتكاء فيه إرادة التهويل بذكر «ديكارت الفيلسوف»، وأن تطبيق الدكتور لهذا المنهج في محاضراته، ليس من منهج «ديكارت» في شيء.

– أن كل ما قاله الدكتور في محاضراته، ليس إلا سطوًا مجردًا على مقالة «مرجليوث»، بعد حذف الحجج السخيفة، والأمثلة الدالة على الجهل بالعربية، وأن ما يقوله الدكتور لا يزيد على أن يكون «حاشية» وتعليقًا على هذه المقالة.

– الفروق الظاهرة بين شعر الجاهلية وشعر الإسلام، التي أدركها بقراءته التذوقية التي اتبعها في قراءة الشعر الجاهلي.

– أن الحديث عن صحة الشعر الجاهلي، قبل قراءة نصوصه قراءة متنوعة مستوعبة، لغو باطل وأن دراسته كما تدرس نقوش الأمم البائدة واللغات الميتة، إنما هو عبث محض.
IMG-20160813-WA0000-183x300.jpg
محمود محمد الخضيري خرج بعد هذا الحوار مع صديقه وهو عازم على مناقشة أستاذه في هذا الأمر، يقول: «وفي يوم بعد المحاضرة، طلبت من الدكتور طه أن يأذن لي في الحديث، فأذن لي. وبدأت أدلل على أن الذي يقوله عن المنهج وعن الشك غامض، وأنه مخالف لما يقوله ديكارت، ولما كدت أفرغ من كلامي، انتهرني الدكتور طه وأسكتني، وقام وقمنا لنخرج، وبعد قليل أرسل إلي يناديني فدخلت عليه وجعل يعاتبني، يقسو حينًا ويرفق أحيانًا، وأنا صامت. لم أستطع أن أكاشفه بأن محاضراته مسلوخة من مقالة مرجليوث، لأنها مكاشفة جارحة من صغير إلى كبير، ولكني على يقين من أنه يعلم أني أعلم، فقمت فجأة وخرجت غير مودع ولا مبال بشيء».
كانت هذه الواقعة فاصلة في حياته، فهي بداية سقوط هيبة الجامعة في نفسه، لم يكف بعدها عن مناقشة أستاذه في المحاضرات، يدحض مزاعمه على منهج ديكارت.
وكانت فرصة أخرى ليختبر ممارسته للشعر الجاهلي، فقد صرف همه في مناقشاته إلى ضرورة قراءة الشعر الجاهلي والأموي والعباسي قراءة متذوقة مستوعبة، ليستبين الفرق بين الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي قبل الحديث عن صحة نسبة هذا الشعر إلى الجاهلية.
لكنه لم يكف أيضا عن إذاعة أن أستاذه سطا سطْوًا كريهًا على مقالة مرجليوث بين زملائه، ولم يكن عنده شك أن ذلك يبلغ أستاذه، حتى تدخل في ذلك أستاذاه نلّينو وجويدي، فصارحهما بالسطو، وكانا يعرفان، ولكنهما يداوران، على حد قوله.
أثبتت هذه التجربة أن ممارسته للشعر الجاهلي وما سواه من شعر، وإداركه للفوارق بينهما لم تكن على أرض صلبة، بل يمكن القول بأن محاضرات د. طه حسين قد نالت من ثقته في ممارسته هذه، لا سيما وأن أستاذه لم يكن يكف عن السخرية من ممارسته هذه، ومن الفوارق التي توصل إليها.

الهجرة طلبًا للعزلة

فعزم على الهجرة من مصر، يقول: «عزمتُ على أن أفارق مصر كلها، غير مبال بإتمام دراستي الجامعية طالبا التفرغ. حتى أستبين لنفسي وجه الحق في «قضية الشعر الجاهلي» بعد أن صارت عندي قضية متشعبة كل التشعب».
فانقطع عن الذهاب إلى الجامعة، واستخرج شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية، واستخرج جواز سفر ليولي وجهه شطر أرض الحجاز طلبا للعزلة.
وقد فتح عليه هذا القرار أبواب النقد من كل أحد، فقد تكررت زيارة الأستاذ نلينو إلى بيته لإثنائه عما اعتزمه من السفر وترك دراسته في الجامعة، يقول: «أخبرني والدي أنه دعا الأستاذين نلينو وجويدي على الغداء بعد غد، جاء هذا الغد لأجد في البيت الأستاذين نلينو وجويدي ومعهما أكثر من عشرين ضيفًا كلهم كان يعرفني، وهم من الأساتذة في دار العلوم ومدرسة القضاء الشرعي وفي الأزهر وآخرين، كل يتكلم مسفِّهًا لي ضِمنًا أو علانيةً، فلم أجد لي مخلصا إلا المصارحة». فقلت (مخاطبا نلينو): «نعم أنا مقتنع بكل ما تقوله عني وعن مخاطرتي بمستقبلي، ولكن معنى الجامعة في نفسي قد أصبح أنقاضا ركاما، فإن استطعت أن تعيد لي البناء كما كان فأنا أول ساكن يدخله لا يفارقه، أنت تعلم ما كنت أقوله عن مسألة الشعر الجاهلي في محاضرات الدكتور طه، وأن هذا الذي نسمعه ليس إلا سطوا مجردا على مقالة مرجليوث، وأنت وجميع الأساتذة تعلمون صحة ذلك، ولكن لم يكن لهذا عندكم في الجامعة صدى إلا الصمت، فهذا الصمت إقرار من الجامعة وأساتذتها بمبدأ السطو، فلم أعد قادرا على التوفيق بين معنى الجامعة في نفسي وبين هذا المبدأ الذي أقررتموه».
سافر إلى جدة برغم كل ما سبق، يقول: «وبعد يومين كنت على ظهر الباخرة التي تقلني إلى مدينة جدة فنزلتها وشددت الرحال إلى بيت الله الحرام فقضيت عمرتي ثم عدت إلى جدة بعد أيام».
وقد تعرَّف في جدة على الشيخ محمد نصيف الذي يصفه بـ«كبير جُدّة وعماد الحجاز والأمل الممتدّ في جزيرة العرب»، ويقول: «هما رجلان ألان الله لهما من صخرتي أوّلَما رأيتهما: السيد الجليل محمد نصيف، والسيد المبارك محمد عبد الحيّ بن عبد الكبير الكتّانيّ الإدريسيّ».
يقول عنه الشيخ محمد رشيد رضا: “نزلت بجدة في دار السيد محمد نصيف، وهي كأنها مجمع علمي يحتوي على مكتبة عامرة، يؤمه جميع أقطاب جدة وأشرافها. والسيد محمد نصيف عالم محقق، ورجل شريف يزوره جميع من يمر بجدة من العلماء والنبلاء قبل ذهابهم إلى مكة”.
وقد توطدت علاقة محمود شاكر بهذا البيت، وآنس من أفراده الترحاب والمودة، فاتخذ حسين محمد نصيف صديقًا له في غربته، يقول «كان لي صديق من أسرة كريمة، وكان بيني وبين أسرته مودة»، ويقول: «إن للأخ حسين ووالده عندي نعما مشكورة ما بقيت والصداقة التي بيني وبينه لتجعل بعض أخطائه في نفسي بمنزلة من الصواب».
وكلفه الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء مدرسة جدة الابتدائية وعمل مديرا لها وهو في الثامنة عشرة من عمره، وتتلمذ له في تلك المدرسة عدد من طلبة السعودية الذين صاروا أدباء كبارا فيما بعد.
وقد حملته على الزواج بل اتخذ في هذا الأمر خطوة وخطب فتاة عام 1929م، ولكن حال دون إتمام الأمر عودته مرة أخرى لمصر.

الحجازُ مَهجَرًا مؤقتًا

لكن اللافت في اختياره لهذا البلد أنه لم يكن لها بعدُ ميزة علمية أو مادية، ولم تكن دولة السعودية قد أقيمت بعدُ.
أوقفتني لاستجلاء هذا الأمر مقارنة عقدها بينه وبين د. محمد مندور زميله في الدراسة الجامعية وكان قد سافر في بعثة علمية إلى فرنسا، يقول فيه: «ورحل محمد مندور إلى بلاد أعدائه وأعدائي ليتزود من علمهم، وعدت أنا من رحلة في أرض أجدادي لكي أقيم ذاهلا عن ركب الغرباء الأول، منقطعًا عنهم إلى غربتي أحمل معولا بعد معول، أحطم به عن عقلي الأغلال التي طوقني بها عِلمُ أعدائي الملوث».
فسفره هذا بالنسبة له كان إعلانا بالولاء لهذه الأرض التي يقول فيها: «وهذه الجزيرة على ما فيها من الضعف هي مادة التناصر وهي مهوى قلوب الأمم العربية والإسلامية وهي معقد الآمال، وهي حصن العرب وإليها تحشد القوى الأعجمية وتدير الدسائس وفيها تلقى الفتن وتوقد نيران العداوة بين أهليها».
وكان إعلانا أيضًا لما تحمله هذه الأرض من ثقافة، والاستزادة من هذه الثقافة فهي مهد العربية ومهد الإسلام، وكانت في هذا الوقت تشهد صحوة دينية كتب هو عنها فيما بعد في كتابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.
لكن بالرغم من ذلك يرى المطلع على ديوانه «الحجازيات» الذي كتبه في مدة إقامته بالحجاز، أنه كان نادمًا أشد الندم على إنفاذ عزمه بالسفر وعلى عصيان ناصحيه سيما أبوه. يقول:
كنتُ أبنِي ثُمَّ لم أُلْفِ بناءً كنتُ أبني​
ليتني لم أُنْفِذِ العزمَ، ولكن … ليتَ أنِّي​
ثم لم أَجْنِ سوى الأتعاب والسُّقْمِ المُبِنِّ​
ثم ألمَّت بأهله في مصر مُلمّة، رجحت عايدة الشريف أنها وفاة أخته صفية، وفي ديوانه «الحجازيات» ما يمكن أن يرجح ذلك أيضًا، وبدأ يتلقى رجاء الأهل والأساتذة للعودة، ورجع إلى مصر.
وبالرغم من قلقه المستمر في غربته، لم يَقِرَّ قلقُه هذا بعد عودته إلى مصر، ففي رسالة خاصة أرسلها لابن خاله عبد السلام هارون سنة ظ،ظ©ظ£ظ¢م، تراه يتحسر فيها «على ما فات وعلى ما ضيعتُ برجوعي إلى بلدٍ أحبُّ ما يكون فيه إلى نفسٍ نازحةٍ أبغضُ – ما وجدتُ- إليَّ». بالرغم من انسلاخ ثلاث سنوات منذ عودته.
 
التعديل الأخير:
أعلى