العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

إنضم
4 يوليو 2008
المشاركات
46
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
الفلسفة والفكر والحضارة
المدينة
تطوان
المذهب الفقهي
الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
فليس من الغريب اليوم أن ترى شخصا ممن ورثوا الإسلام, ممن يعد العدة ليدفن في أحد مقابر باريس أو روتيردام أو بروكسيل أو برشلونة!يمشي مع زوجة له شقراء نصرانية.
فإن سئل قال : هي كتابية, وزواجنا بالكتابيات حلال!
هنا ينتهي علمهم بأحكام الشريعة غالبا إلا من رحم الله! والذي يخفى عليهم وعلى جملة الورثة... أن الأمر ليس على إطلاقه ...وليس بهذه السذاجة.
فقد روى الطبري (2/378) وسعيد بن منصور (1/224) وابن أبي شيبة (3/474) وصالح بن أحمد بن حنبل في مسائله (2/321)والجصاص في أحكام القرآن(3/323)عن الصلت بن بهرام عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : (تزوج حذيفة يهودية, فكتب إليه عمر: خل سبيلها. فكتب إليه :أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام, ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن) وهذا إسناد صحيح.
ورواه عبد الرزاق (6/78)عن معمر عن قتادة بلفظ ( طلقها فإنها جمرة. قال: أحرام هي؟ قال :لا. فلم يطلقها حذيفة لقوله, حتى إذا كان بعد ذلك طلقها)
ويشهد لقول عمر قوله تعالى في سورة المائدة: ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ).والإحصان هنا على قول الجمهور العفاف.لقوله تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا).
قال ابن كثير في تفسيره (1/258): (قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيات: وإنما كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس في المسلمات أو لغير ذلك من المعاني)
وقال الجصاص في أحكام القرآن (2/16): (ما روي عن ابن عمر فيه فلا دلالة فيه على أنه رآه محرما وإنما فيه عنه الكراهة)
ومما غفل عنه أغلب أو جل أو أكثر المسلمين أنه وإن كان الإجماع على جواز نكاح الكتابية مستندا إلى كتاب الله تعالى - وقد روي أن عثمان بن عفان تزوج نائلة ابنة الفرافصة الكلبية النصرانية وأسلمت على يديه كما عند البيهقي في الكبرى (7/172). وهي القائلة حين دخلوا على عثمان فقتلوه : ( إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيى الليل بركعة يجمع فيها القرآن) وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية من الشام كما في الكبرى للبيهقي أيضا. وتزوج حذيفة يهودية كما مر وكانت تحته حرتان مسلمتان عربيتان - فقد كره العلماء نكاحهن في بلاد الحرب, وبل حرم بعضهم ذلك اعتبارا للمقاصد الشرعية.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/496):
(لا أعلم خلافا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا, إذا لم تكن من نساء أهل الحرب !
فإن كن حربيات, فأكثر أهل العلم على كراهية نكاحهن, لأن المقام له ولذريته بدار الحرب حرام علي.
ومن تزوج بدار الحرب فقد رضي المقام بها .
أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا: حدثنا محمد بن نصر قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن المسعودي عن الحكم بن عتبة قال قلت لإبراهيم أتعلم شيئا من نساء أهل الكتاب حراما؟ قال: لا .قال الحكم: وقد كنت سمعت من أبي عياض أن نساء أهل الكتاب محرم نكاحهن في بلادهن. فذكرت ذلك لإبراهيم فصدق به وأعجبه.
قال أبو عمر: أبو عياض هذا من كبار التابعين وفقهائهم, أدرك عمر بن الخطاب. فكان يروي عن أبي هريرة وابن عباس, ويفتي في حياتهما, ويستفتى في خلافة معاوية, قيل اسمه قيس بن ثعلبة .
واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي أن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال, إلا أنهم يكرهون ذلك من أجل الولد والنساء .
وقال سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير في المرأة من أهل الكتاب حربية تدخل أرض العرب: لا تنكح إلا أن تظهر السكنى بأرض العرب قبل أن تخطب, وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.) اهـ
قلت: والكتابية في بلدها يغلب عليها اتخاذ الخدن والزنا والله أعلم.وما كره لأجله مالك وغيره الزواج بالكتابية في دار الحرب صار اليوم مصيبة قائمة بنفسها لا تحتاج إلى من يخوف منها.. وتأملوا إن شئتم حال السناتور الأمريكي أوباما المرشج الديمقراطي للسكنى بالبيت الأبيض! والعاقل من اتعظ بغيره.
 
إنضم
4 يوليو 2008
المشاركات
46
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
الفلسفة والفكر والحضارة
المدينة
تطوان
المذهب الفقهي
الحديث
إن كنت تقصد أنني جانبت الدليل وأخذت بأقوال الفقهاء دون حجة فأظنك ظلمتني أخي الحبيب ولا بأس إن شاء الله تعالى
أما أن نكاح الكتابية الحربية في بلادها فهو حكت تبع لحكم إقامة المسلم في بلاد الحرب وأنت إن شاء الله تعالى تعرف أصل الحكم في المسألة
وأنت تعرف أيضا أن الله تعالى يقول: قو أنفسكم وأهليكم نار . فهل يحقق هذه الآية من تزوج بكتابية في بلادها وهو يعرف أن لازم ذلك ضياع الولد وعدم تمكن الوالد من وقايته من عذاب النار يوم القيامة
وإطلالة سريعة على حال الأزواج المسلمين في بلاد الكفر يعرف ما أقصد وأنا خبير بذلك فأنا أؤم وأخطب الجمعة في مدينة سبتة واعرف ما الذي يحصل......!!!
 

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
حاليا اليهودي عند اليهود هو من أمه يهودية!!!!!
لذلك يلزم على علماء الأمة التدخل حتى لا يصبح في المستقبل من أبنائنا حاخامات!!!!
 

سيدي محمد ولد محمد المصطفى ولد أحمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
2,243
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
كرو
المذهب الفقهي
مالكي
رد: كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

إن كنت تقصد أنني جانبت الدليل وأخذت بأقوال الفقهاء دون حجة فأظنك ظلمتني أخي الحبيب ولا بأس إن شاء الله تعالى
أما أن نكاح الكتابية الحربية في بلادها فهو حكت تبع لحكم إقامة المسلم في بلاد الحرب وأنت إن شاء الله تعالى تعرف أصل الحكم في المسألة
وأنت تعرف أيضا أن الله تعالى يقول: قو أنفسكم وأهليكم نار . فهل يحقق هذه الآية من تزوج بكتابية في بلادها وهو يعرف أن لازم ذلك ضياع الولد وعدم تمكن الوالد من وقايته من عذاب النار يوم القيامة
وإطلالة سريعة على حال الأزواج المسلمين في بلاد الكفر يعرف ما أقصد وأنا خبير بذلك فأنا أؤم وأخطب الجمعة في مدينة سبتة واعرف ما الذي يحصل......!!!

بارك الله فيك أخي الكريم طارق
ونكاح الكتابيات مكروه عند كثير من العلماء هذا في زمانهم عليهم رحمة الله
قال في الكفاف وهو على مذهب مالك :
وكرهوا نُكْحَ الكتابياتِ ........... وفَرْتَنى(1)أو لا تجوزُ هاتِي
وبعضهم يجوز نكاح الذميات فقط وأين من يعطي الجزية اليوم منهن ؟

(1)- ( فرتنى ) : الزانية

والله أعلم
 

انبثاق

:: مخضرم ::
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,228
التخصص
الدراسات الإسلامية..
المدينة
بريدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

قال د.ياسر عبد الكريم بكار:
(كان والده يأمل أن يصبح طبيبا،وعند ظهور النتائج النهائية لامتحانات السنة الأخيرة من الثانوية كان معدله لا يؤهله لدراسة الطب في بلده فأرسله إلى دولة من دول أوروبا.
خرج (سعد) من قوقعة والده إلى العالم الفسيح حيث لاقيود ! وسارت الأمور بشكل سيء!حيث أحب فتاة شقراء(نصرانية) وتزوجها وأنجب منها ولاأحد يدري،لم يستطع أن يوفق بين هذا وبين مناهج الكلية الصعبة فرسب المرة تلو الأخرى! حوَّل إلى جامعة أخرى ولافائدة.انتقل إلى فرع آخر أسهل ونجح.أبرق إلى والده بالقصة كاملة وجلس ينتظر ردة فعل والده دون أن يبالي كيف حطم آماله وسنوات انتظاره.
عندما كنت أكتب هذه الكلمات كان (سعد) قد مر بتجربة مأساوية مع زوجته تلك،ولم يبق له سوى عض أصابع الندم على قراره ذاك...يقول: (آآآه..ليتني لم أفعل..لقد فات العمر..وأضعت أولادي الذين يتربون الآن في الكنيسة..أوه تبا للعجلة)...
صدقني أن لي الكثير من الزملاء الأطباء ممن يعملون كاستشاريين في أرقى المستشفيات،وارتكبوا نفس الخطأ،ولم أجد منهم من لم يندم على قراره ذاك.
فهذا طبيب القلب في لاخمسين من عمره والذي يعيش الآن لوحده؛ لن زوجته الفرنسية أحبت العيش في (باريس) مع الأولاد من أجل تعليمهم تعليما أفضل،او ربما من أجل ان تعيش هي حياة أفضل..!!
يعود هذا طبيب القلب كل يوم إلى بيته حسير القلب مكسور الفؤاد وحيدا لا يهنأ له عيش ولا مقام.
وصديق آخر تزوج من (أمريكية) وأنجب منها فتاة في غاية الجمال،وعندما أصر ان تكون مسلمة وأن تعيش في بلد إسلامي،لفَّقت له تهمة وأرسلت في إِثره المخابرات الأمريكية لتخطف ابنته من بيته في لد عربي!! ومن ثم تغير الأم اسم الفتاة الصغيرة،و(تغسل مخها) ، وتحرمه منها إلى الأبد..!!)
من كتاب: (عشرة أمور تمنيت لو عرفتها قبل دخولي الجامعة) ص 134-135
 

د ايمان محمد

:: متخصص ::
إنضم
2 أبريل 2008
المشاركات
88
التخصص
فقه
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
شافعى
رد: كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

أ عتقد والله أعلم أننا هنا دخلنا في مسألة من فقه الأولويات ، فما بالكم نسيتم نسبة العنوسة ، وعدد المطلقات ، والأرامل في بلاد المسلمين ، فمن يسعى إلى الزواج من كتابية لأجل الجنسية أو المال بدعوى أنه مباح ويترك الزواج من المسلمات فلا شك أنه فعل خلاف الأولى ، أما إن تزوجها كتابية وهو يعلم أنه بزواجه منها سيكون داعية لدخولها في الإسلام ، أو تيقن فعلا من أنها ستدخل الإسلام فلا شك أن هذا هو الأولى ، لأن زواجه منها سيكون سببا لرسوخ قدمها في الإسلام . والله أعلم
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

إن الناظر في الشروط التي ذكرها علماء الشافعية مثلا في حل الزواج من الكتابية أو حل ذبيحتهم يعلم أن الزواج منهم والأكل في ذبيحتهم في هذا العصر لا يجوز؛ لتعذر استيفاء الشروط
 
إنضم
12 نوفمبر 2011
المشاركات
54
الكنية
أبو هاجر
التخصص
فقه الأقليات المسلمة
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
سني مالكي
رد: كلمة في نكاح كتابيات زماننا !

السلام عليكم إخوتي الأفاضل، أخواتي الفضليات، لقد وردت أسئلة من جاوه الصينية على الشيخ محمد رشيد رضا من قبل رسالة ملخصها: نؤمل من فضلكم ، متع الله الوجود بوجودكم ، وأفاض من بحر علومكم وجودكم : أن تفيدونا عن حكم الله ورسوله في نكاح الرجل المسلم المرأة غير المسلمة ، هل يجوز أم لا ، إذا وعدته بإسلامها بعد عقد النكاح ، كما هو جارٍ عندنا لاسيما من الصينيات ؟ فهل يجوز له الهجوم على نكاحها وهي على دين قومها ؛أملاً في إسلامها بعدُ ؟ وهل تستثنى من غير المسلمات الكتابيات ، ومن هن الكتابيات ؟ فهل الإفرنج اليوم على اختلاف مذاهبهم في النصرانية وعقائدهم وتبديلهم يعدون كتابيين ؟ تفضلوا يا سيدي أفيدونا بحكم الله - تعالى - في هذه المسألة ، فهي وإن كانت واضحة لديكم ، فهي لدينا من المعضلات ، فلا تهملوها وأخواتها لوضوحها لديكم ولعله سبق كلام فيها ، فالمأمول الإعادة ؛ لتعم الإفادة، فنحن في قلق حتى يفد إلينا جوابك الشريف ؛ لأن السؤال من الوقائع الحالية عندنا.وأجاب الشيخ على هذه المسألة في مجلة المنار[العدد12،ص260] بمايلي:زواج المسلم بغير المسلمة وهل الأوربيون نصارى ذهب بعض السلف إلى أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بغير المسلمة مطلقًا . لكن الجمهور من السلف والخلف على حِل الزواج بالكتابية ، وحرمة الزواج بالمشركة ،ويريدون من الكتابية اليهودية والنصرانية ، وأحل بعضهم المجوسية أيضًا ، وبالمشركة الوثنية مطلقًا ، بل عدوا جميع الناس وثنيين ما عدا اليهود والنصارى ،ومن الناس من قال : إنهم من المشركين . ولكن التحقيق أنهم لا يطلق عليهم لقبالمشركين ؛ لأن القرآن عندما يذكر أهل الأديان يعد المشركين أو الذين أشركواصنفًا ، وأهل الكتاب صنفًا آخر ، يعطف أحدهما على الآخر ، والعطف يقتضيالمغايرة كما هو مقرر . وكذا المجوس في قول ، وسيأتي بيان ذلك .والذي كان يتبادر إلي الذهن من مفهوم لفظ المشركين في عصر التنزيلمشركو العرب ؛ إذ لم يكن لهم كتاب ، ولا شبهة كتاب بل كانوا أميين .والأصل في الخلاف في المسألة آيتان في القرآن ، إحداهما في سورة البقرةوهي قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ( البقرة : 221 ) ، الآيةالثانية في المائدة ؛ وهي قوله عز وجل : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواالكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَأُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } ( المائدة : 5 ) ، وقد زعم من حرم التزوج بالكتابيات : أنهذه الآية منسوخة بتلك ، وردوه بأن سورة المائدة نزلت بعد سورة البقرة ، وليس فيهامنسوخ ، فإن فرضنا أن أهل الكتاب يدخلون في عداد المشركين ، يجب أن تكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة مستثنية أهل الكتاب من عمومها ، وإلا فهي نص مستقل في جواز التزوج بنسائهم .وقد سكت القرآن عن النص الصريح في حكم التزوج بغير المشركات والكتابيات ؛ من أهل الملل الذين لهم كتاب أو شبهة كتاب : كالمجوس والصابئين ومثلهم البوذيون والبراهمة وأتباع كونفوشيوس في الصين ، وقد علمت أن علماءناالذين حرص بعضهم على إدخال أهل الكتاب في عداد المشركين ، لا يترددون فيإدخال هؤلاء كلهم في عموم المشركين ، وإن ورد في الكتاب والسنة ما هو صريحفي التفرقة والمغايرة . فكما غاير القرآن بين المشركين وأهل الكتاب خاصة ، فيمثل قوله : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُالبَيِّنَةُ } ( البينة : 1 ) وقوله { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَأَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً } ( آل عمران : 186 ) وذكر أهل الكتاب بقسميهم في معرضالمغايرة في قوله : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواوَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } ( المائدة : 82 ) الآية ،كذلك ذكر الصابئين والمجوس وعدهم صنفين غير أهل الكتاب والمشركينوالمسلمين، فقال في سورة الحج : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَوَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ( الحج : 17 ) ، فهذا العطف في مقام تعداد أهلالملل ، يقتضي أن يكون كل من الصابئين والمجوس طائفتين مستقلتين ليسوامن الصنف الذي يعبر عنه الكتاب بالمشركين وبالذين أشركوا .وذلك أن كلا من الصابئين والمجوس عندهم كتب يعتقدون أنها إلهية . ولكنبعد العهد وطول الزمان جعل أصلها مجهولاً ، ولا يبعد أن يكون من جاؤوا بها منالمرسلين ؛ لأن الله تعالى يقول : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍإِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} ( فاطر : 24 ) ، وقال : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } (الرعد : 7 ) ، وإنما قويت فيهم الوثنية ؛ لبعد العهد بأنبيائهم على القاعدة المفهومةمن قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّوَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْفَاسِقُونَ } ( الحديد : 16 ) ومعلوم أن فسق الكثير من أهل الكتاب عن هداية كتبهمودخول نزغات الوثنية والشرك عليهم ، لم يسلبهم امتيازهم في كتاب الله علىالمشركين ، وعدهم صنفًا آخر ، كما أن فسق الكثيرين من المسلمين عن هداية القرآنودخول نزغات الوثنية في عقائدهم لا يخرجهم من الصنف الذي يطلق عليه لفظالمسلمين ولفظ المسلمين ولفظ المؤمنين ، وإن كانوا هم الذين يعنيهم الخطباء علىالمنابر بقولهم : ( لم يبق من الإسلام إلا اسمه ) ، ويطبق العلماء عليهم حديثالصحيحين : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع ) ، قالوا : يا رسولالله ، اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ) وبهذا يرد قول من حاولوا إدخال أهلالكتاب في المشركين وتحريم التزوج بنسائهم ؛ مستدلين بقوله تعالى بعد ذكر اتخاذهمأحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله : ( 319 سبحانه وتعالى عما يشركون ) ، فإنإطلاق اللقب على صنف من أصناف الناس ، لا يقتضي مشاركة صنف آخر له فيهإن أسند إليه مثل فعله ، كما بيناه في تفسير آية { وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ} ( البقرة :221 ) ، لاسيما إذا كان الفعل الذي أسند إلى الصنف الآخر ليس هو أخص صفاته،وليس عامًّا شاملاً لأفراده : كاتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابًا ، يتبعونهمفيما يحلون لهم ويحرمون عليهم ، فإن وصفهم الأخص اتباع الكتاب ، وإن كثيرينمنهم يخالفون رؤساءهم في التحليل والتحريم ، ومنهم الموحدون كأصحاب آريوسعند النصارى وقد كثر في هذا الزمان فيهم الموحدون القائلون بنبوة المسيح ؛ بسببالحرية في أوربا وأمريكا ، وكانوا قلة باضطهاد الكنيسة لهم .والظاهر أن القرآن ذكر من أهل الملل القديمة الصابئين والمجوس ، ولم يذكرالبراهمة والبوذيين وأتباع كنفوشيوس ؛ لأن الصابئين والمجوس كانوا معروفين عندالعرب الذين خوطبوا بالقرآن أولاً ؛ لمجاورتهم لهم في العراق والبحرين ، ولميكونوا يرحلون إلى الهند واليابان والصين فيعرفوا الآخرين ، والمقصود من الآيةحاصل بذكر من ذكر من الملل المعروفة ، فلا حاجة إلى الإغراب بذكر من لايعرفه المخاطبون في عصر التنزيل من أهل الملل الأخرى ، ولا يخفى علىالمخاطبين بعد ذلك أن الله يفصل بين البراهمة والبوذيين وغيرهم أيضًا .ومن المعلوم أن القرآن صرح بقبول الجزية من أهل الكتاب ، ولم يذكر أنهاتؤخذ من غيرهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء ( رضي الله عنهم )لا يقبلونها من مشركي العرب ، وقبلوها من المجوس في البحرين وهجر وبلادفارس ، كما في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث . وقد روى أخذ النبيالجزية من مجوس هجر أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم ، من حديثعبد الرحمن بن عوف أنه شهد لعمر بذلك عندما استشار الصحابة فيه . وروىمالك والشافعي عنه أنه قال : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول:( سُنُّوا بهم سُنة أهل الكتاب ) وفي سنده انقطاع ، واستدل به صاحب المنتقى وغيرهعلى أنهم لا يعدون أهل كتاب ، وليس بقوي فإن إطلاق كلمة ( أهل الكتاب ) علىطائفتين من الناس ؛ لتحقق أصل كتبهما ، وزيادة خصائصهما لا تقتضي أنه ليسفي العالم أهل كتاب غيرهم ، مع العلم بأن الله بعث في كل أمة رسلاً مبشرينومنذرين وأنزل معهم الكتاب والميزان ؛ ليقوم الناس بالقسط ، كما أن إطلاق لقب( العلماء ) على طائفة معينة من الناس لها مزايا مخصوصة ، لا يقتضي انحصارالعلم فيهم وسلبه عن غيرهم .وقد ورد في روايات أخرى التصريح بأنهم كانوا أهل كتاب ، قال في نيلالأوطارعند قول صاحب المنتقى : واستدل بقوله (سنة أهل الكتاب) على أنهم ليسواأهل كتاب . ما نصه : لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عنعليٍّ : ( كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرءونه ، فشرب أميرهم الخمرفوقع على أخته ، فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم ، وقال : إن آدم كان ينكحأولاده بناته فأطاعوه ، وقتل من خالفه ، فأسري على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منهفلم يبق عندهم منه شيء ، وروى عبد بن حميد في تفسير سورة البروج بإسنادصحيح عن ابن أبزى . لما هزم المسلمون أهل فارس ، قال عمر : اجتمعوا ( أيقال للصحابة اجتمعوا للمشاورة ، كما هي السنة المتبعة والفريضة اللازمة ) ، فقال :إن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم الجزية ، ولا من عبدة الأوثان فنجريعليهم أحكامهم ، فقال علي : بل هم أهل كتاب . فذكر نحوه لكن قال فوقع علىابنته ، وقال في آخره فوضع الأخدود لمن خالفه ، فهذه حجة من قال كان لهم كتاب .وأما قول ابن بطال : لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ، ولما استثنى حلذبائحهم ونكاح نسائهم . فالجواب أن الاستثناء وقع تبعًا للأثر الوارد ؛ لأن في ذلكشبهة تقتضي حقن الدم ، بخلاف النكاح فإنه يحتاط له ، وقال ابن المنذر: ليس تحريمنكاحهم وذبائحهم متفقًا عليه ولكن الأكثر من أهل العلم عليه .إذا علمت هذا ، تبين لك : أن العلماء لم يجمعوا على أن لفظ المشركينوالذين أشركوا يتناول جميع الذين كفروا بنبينا ، ولم يدخلوا في ديننا ، ولا جميعمن عد اليهود والنصارى منهم ، فهذا نقل صحيح في المجوس ، ومنه تعلم أنللاجتهاد مجالاً لجعل لفظ المشركات والمشركين والقرآن خاصًّا بوثني العرب ، وأنيقاس عليهم من ليس لهم كتاب ، ولا شبهة كتاب يقربهم من الإسلام ، كما أن أهلالكتاب فيه خاص باليهود والنصارى ، ويقاس عليهم من عندهم كتب لا يعرفأصلها . ولكنها تقربهم من الإسلام بما فيها من الآداب والشرائع ؛ كالمجوس وغيرهمممن على شاكلتهم ، وقد صرح قتادة من مفسري السلف : بأن المراد بالمشركينوالمشركات في الآية العرب كما سيأتي .وعلى هذا لا يكون قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (البقرة : 221 ) نصًّا قاطعًا في تحريم نكاح الصينيات الذي أكثر منه المسلمون فيالصين ، وانتقل الاقتداء بهم إلي جاوه أو كاد ، وقد كان ذلك من أسباب انتشارالإسلام في الصين . ولا أدري مبلغ أثره في ذلك عندكم ، وبنفي كونه نصًّا قاطعًافي ذلك ، لا يكون استحلاله كفرًا وخروجًا من الإسلام ؛ وإلا لساغ لناأن نحكم بكفر من لا يحصى من مسلمي الصين .هذا ، وإن المشهور عند العلماء أن الأصل في النكاح الحرمة ، وإن كانالأصل في سائر الأشياء الإباحة ، وعلى هذا لا بد من النص في الحل ، ويمكن أنيقال إذا لم تقل : بأن هذا يدخل في القاعدة العامة بأن الأصل الإباحة في كل شيءحتى يرد النص بحظره ، فإننا نرد الأمر إلى الكتاب العزيز ، فنسمعه يقول بعدالنهي عن نكاح أزواج الآباء : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْوَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَالرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّفَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنتَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَالنِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوابِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } ( النساء : 23-24 ) الآية .فنقول على أصولهم : إن قوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } (النساء:24 ) لا يخلو أن يكون قد نزل بعدما جاء في البقرة من النهي عن نكاح المشركات ،وفي سورة النور من تحريم نكاح المشركة والزانية أو قبله ، فإن كان نزل بعده صحأن يكون ناسخًا له ، وإن كان نزل قبله يكون تحريم نكاح المشركة والزانية مستثنىمن عموم : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ( النساء : 24 ) بطريق التخصيص سواءسمي نسخًا أم لا ، كما يستثنى منه ما ورد في الحديث من منع الجمع بين البنتوعمتها قياسًا على تحريم الجمع بين الأختين أو إلحاقًا به ، وجعل ما يحرم منالرضاع كالذي يحرم من النسب على القول المشهور في الأصول بجواز تخصيصالقرآن بالسنة ، على أن الجمهور أحلوا التزوج بالزانية . وعلى كل حال ، يكون نكاحالكتابيات ومن في حكمهن ( كالمجوسيات عند من قال بذلك كما نقل الحافظ ابن المنذر)داخلاً في عموم نص: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } (النساء : 24 ) وأكد حل نكاحالكتابيات في سورة المائدة التي نزلت بعدما تقدم كله .وخلاصة ما تقدم أن نكاح الكتابيات جائز لا وجه لمنعه ونكاح المشركاتمحرم ، وكون لفظ المشركات عامًّا لجميع الوثنيات أو خاصًّا بمشركات العرب محلاجتهاد وخلاف بين علماء السلف . قال ابن جرير في تفسير { وَلاَ تَنكِحُواالمُشْرِكَاتِ } ( البقرة : 221 ) وقال آخرون : ( بل أنزلت هذه الآية مرادًا بحكمهامشركات العرب ، لم ينسخ منها شيء ) وروى ذلك عن قتادة من عدة طرق ، وعنسعيد بن جبير ولكن هذا قال : ( مشركات أهل الأوثان ) ، ولم يمنع ذلك ابن جريرمن عده قائلاً : بأنها خاصة بمشركات العرب ، ثم قال بعد ذكر سائر روايات الخلاف:وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة من أنه تعالى ذكره عنى بقوله : { وَلاَتَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ( البقرة : 221 ) من لم يكن من أهل الكتاب منالمشركات ، وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها ، لم ينسخ منها شيء . وأن نساءأهل الكتاب غير داخلات فيها ... إلخ ، ما أطال به في بيان نكاح الكتابيات .هذا ما يظهر بالبحث في الدليل ، ولكننا لم نطلع على قول صريح لأحد منالعلماء في حل التزوج بما عدا الكتابيات ؛ والمجوسيات من غير المسلمين ، قد صرحبحل المجوسية الإمام أبو ثور صاحب الإمام الشافعي الذي تفقه به حتى صارمجتهدًا ، وصرحوا بأن تفرده لا يعد وجهًا في مذهب الشافعي ؛ فالشافعية لا يبيحوننكاح المجوسية فضلاً عن الوثنية الصينية .ولا يأتي في هذا المقام قول بعض أهل الأصول : إن النهي لا يقتضيالبطلان في العقود والمعاملات وهو مذهب الحنفية ، فإنهم استثنوا منه النكاح ،وعللوا ذلك بأنه عقد موضوع للحل ، فلما انفصل عنه ما وضع له بالنهي المقتضيللحرمة كان باطلاً بخلاف البيع ؛ لأن وضعه للملك لا للحل ، بدليل مشروعيته فيموضع الحرمة كالأمة المجوسية ؛ فلذلك كان النهي عن شيء منه غير مقتضٍلبطلان العقد ، فلا يقال عندهم : إن نكاح الصينية يقع صحيحًا وإن كان محرمًا .وأما البحث في المسألة من ناحية حكمة التشريع ، فقد عنى تعالى في ذلك آيةالنهي عن التناسخ بين المؤمنين والمشركين في آية البقرة بقوله : { أُوْلَئِكَ يَدْعُونَإِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} ( البقرة : 221 ) ، وقد وضحناذلك في تفسير الآية ، وبينا الفرق بين المشركة والكتابية فيه فيراجع في الجزء الثانيمن التفسير ( من ص 357-361 ) ، ومنه أن أهل الكتاب لكونهم أقرب إلىالمؤمنين شرعت مودتهم ؛ لأنهم بمعاشرتنا ومعرفة حقيقة الإسلام منا بالتخلق والعمليظهر لهم أن ديننا هو عين دينهم مع مزيد بيان وإصلاح يقتضيه ترقي البشر ،وإزالة بدع وأوهام دخلت عليهم من باب الدين ، وما هي من الدين في شيء . وأماالمشركون فلا صلة بين ديننا ودينهم قط . ولذلك دخل أهل الكتاب في الإسلاممختارين بعدما انتشر بينهم ، وعرفوا حقيقته ، ولو قبلت الجزية من مشركي العربكما قبلت من أهل الكتاب ، لما دخلوا في الإسلام كافة ، ولما قامت لهذا الدين قائمة .ومن الفرق بينهما في القرب من الإسلام أو الدعوة إلي النار : أن أهل الكتاب لميكونوا يعذبون من يقدرون عليه من المسلمين ؛ ليرجع عن دينه ، كما كان يفعل مشركو العرب .ثم إن للإسلام سياسة خاصة في العرب وبلادهم ؛ وهي أن تكون جزيرةالعرب حرم الإسلام وقلبه الذي تتدفق منه مادة الحياة إلى جميع الأطراف ، وموئلهالذي يرجع إليه عند تألب الأعداء عليه ؛ ولذلك لم يقبل من مشركي جزيرة العربالجزية ، حتى لا يبقى فيها مشرك ، بل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم : بأن لايبقى فيها دينان ، كما بينا ذلك في الفتوى الرابعة المنشورة في الجزء الثاني( ص 97 ) من هذا المجلد ، وتدل عليه الأحاديث الواردة في كون الإسلام يأرزفي المستقبل إلى الحجاز ، كما تأرز الحية إلى جحرها ، وهذا يؤيد تفسيرقتادة المشركين والمشركات في الآية .وإذ كان الازدواج بين المسلمين والمشركين ينافي هذه السياسة التي هيالأصل الأصيل في انتشار الإسلام ، وكان تزوج المسلمين بالصينيات مدعاةلدخولهن في الإسلام ، كما هو حاصل في بلاد الصين ، فلا يكون تعليل الآيةللحرمة صادقًا عليهن ، وكيف يعطى الضد حكم الضد ؟ !وقد حذرنا في التفسير من التزوج بالكتابية إذا خُشي أن تجذب المرأةُ الرجلَ إلي دينها ؛ لعلمها وجمالها وجهله وضعف أخلاقه ، كما يحصل كثيرًا في هذا الزمان في تزوج بعض ضعفاء المسلمين ببعض الأوربيات أو غيرهن من الكتابيات ،فيفتنون بهن وسد الذريعة واجب في الإسلام .والله تعالى أعلم
 
التعديل الأخير:
أعلى