العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هام معنى فاقدروا له

إنضم
18 مارس 2017
المشاركات
17
الكنية
أبو مالك
التخصص
فقه لغة
المدينة
الصالحية الجديدة
المذهب الفقهي
مقارن
بسم الله الرحمن الرحيم

الظاهر من الأحاديث الصحيحة أن جملة: (فاقدوا له)، إي للهلال وليس للشهر، والهلال لا يضيق عليه لأنك إن ضيقت عليه وجب الإفطار لأنه أصغر ما يكون الهلال هو ابن يوم، وعلى هذا يكون ظاهر لفظ: (أقدروا له) التقدير بمعنى الحساب، وللجمع بين هذا المعنى الظاهر وحديث: (فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ)، أن يقال أن الأمة التي تقدر الشهر بالحساب تقدير صحيح تعتمد الحساب، والأمة التي لا تستطيع الحساب أو لا تتقنه فعليها أن تكمل عدة شعبان ثلاثين. والله أعلى وأعلم وأحكم.
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: معنى فاقدروا له

أليس راوي الحديثين هو عبدالله بن عمر، يعني: راويا واحدا، فالأصل أن يحملان على معنى واحد، فتأمل الروايات
ففي صحيح مسلم (2/ 760): ... ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، إِلَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ»
وفي صحيح البخاري (3/ 27): ... عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِينَ».
وهناك رواية ثالثة عن ابن عمر أيضا، بمعنى الحديثين السابقين، وهو ما رواه البخاري (3/ 27) ... ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ.
ورواية مسلم (2/ 761): «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ «وَالشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا» يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ

فالأصل أن تحمل على معنى واحد، وفي الرواية الأخيرة ما يخالف ما قلتَه
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/ 127): (وَالْمُرَادُ بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرِهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ.
وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ.
بَلْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ: يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي: ((فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ))، وَلَمْ يَقُلْ: فَسَلُوا أَهْلَ الْحِسَابِ ... وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِ التَّسْيِيرِ فِي ذَلِكَ، وَهُمُ الرَّوَافِضُ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالح حجَّة عَلَيْهِم، وَقَالَ ابن بَزِيزَةَ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، فَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ، لَيْسَ فِيهَا قَطْعٌ وَلَا ظَنٌّ غَالِبٌ، مَعَ أَنَّهُ لَوِ ارْتَبَطَ الْأَمْرُ بِهَا لَضَاقَ؛ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيلُ).

والله أعلم
 
إنضم
6 مايو 2017
المشاركات
20
الكنية
أبومحمد
التخصص
الفقه
المدينة
فارياب
المذهب الفقهي
حنفي
رد: معنى فاقدروا له

صدق محمد بن عبدالله بن محمد جزاكم الله خيرا قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ذهب كافة الفقهاء إلى أن معنى قوله عليه السلام: (فاقدروا له) ، مجمل يفسره قوله: (فأكملوا العدة ثلاثين يوما) ، ولذلك جعل مالك فى الموطأ (فأكملوا العدة ثلاثين يوما) ، بعد قوله: (فاقدروا له) ، كما صنع البخارى، لأنه مفسر ومبين لمعنى قوله: (فاقدروا له) ، وحكى محمد بن سيرين أن بعض التابعين كان يذهب فى معنى قوله عليه السلام: (فاقدروا له) ، إلى اعتباره بالنجوم، ومنازل القمر، وطريق الحساب، ويقال: إنه مطرف بن الشخير. وقوله عليه السلام: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما) ، نص فى أنه عليه السلام لم يرد اعتبار ذلك بالنجوم والمنازل، لأنه لو كلف ذلك أمته لشق عليه، لأنه لا يعرف النجوم والمنازل إلا قليل من الناس، ولم يجعل الله تعالى فى الدين من حرج، وإنما أحال عليه السلام على إكمال ثلاثين يوما، وهو شىء يستوى فى معرفته الكل، وقد انضاف إلى أمره باعتبار العدد ثلاثين عند عدم الرؤية فعله فى نفسه. فروى عن عائشة أنها قالت: (كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من سائر الشهور، فإذا رأى هلال رمضان صام، وإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما وصام)
 
إنضم
18 مارس 2017
المشاركات
17
الكنية
أبو مالك
التخصص
فقه لغة
المدينة
الصالحية الجديدة
المذهب الفقهي
مقارن
رد: معنى فاقدروا له

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوان الكريمان محمد بن عبد الله، والأخ عبد الودود عبد الله

بارك الله فيكما ونفع بعلمكما، وجعل مشاركاتكما في ميزان الحسنات وعظم أجركما في تدارس كتاب الله والحرص على الفقة في الدين،

أشكر لكما هذه الردود والإضافات الرائعة، التي أن تدل فإنها تدل على الحرص على العلم والتعلم والإرشاد إلى الخير،

وأسأل الله أن يجعلنا ممن قال الله فيهم : { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

وبعد:

فكما تكرمتما ففي صحيح البخاري وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصُوموا حتى تَرَوا الهلالَ، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوْهُ ، فإنْ غُمَّ عليكم فَاقْدُروا لهُ)).

والذي تدل عليه مجموع هذه الأحاديث وغيرها أن:
كلمة فاقدروا له في الحديث معناها الحساب وأن الأمة التي لا تتقن الحساب تعمل بالحديث إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ومما يؤيد هذا المذهب الآتي:

1- أن الأصل أن مادة قدر تعني التقويم والحساب والتحديد ((مبلغ الشيء واستحقاقه، كقولهم قدر فلان لفلان قدره أي حق له حقه وأعطاه ما يستحق)) ولا تصرف لغير معناها الشائع المعروف لدى العرب إلا بقرينة وليس في سياق الحديث قرينة تدل على التضييق، ولو راجعت الآيات والأحاديث وأقوال العرب التي أتت فيها مادة قدر بمعنى التضييق فستجد قرينة للصرف، وللتمثيل بدون إطالة قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، فكلمة يبسط قرينة لصرف كلمة يقدر إلى التضييق، وهذا كثير.
ويلاحظ حرف الجر له، في قوله فاقدروا له، ولو أراد التضييق لقال فاقدروا عليه، وهذا واضح في أن المراد هو الحساب وليس التضييق.

2- إذا قلنا بالتضييق فالتضييق في الحديث منصرف إلى الهلال وإذا ضيقنا على الهلال كان ابن يوم ومقتضي هذا أن نفطر (وهذا مذهب ابن عمر رضي الله عنه راوي الحديث، وهو نفسه راوي حديث إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما فعلم بذلك أنه لم يعمل بالحديثين في اتجاه واحد)، وهذا مخالف لنص الحديث الآخر، فعلم بذلك أنه ليس المقصود بذلك التضييق، فإن قال قائل أن التضييق على الشهر نقول الضمير يعود على الهلال وراجع جيدا نص كل الروايات، فإن قال قائل أن التضييق معناه أن يكون الهلال عدم ولم يولد نقول أن العدم والذي لم يولد لا يضيق عليه لعدم وجوده، وهذا مخالف لفصاحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

3- أن القول بأن المعنى هو التضييق مخالفة للبيان الذي وصف الله سبحانه وتعالى به كلام رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وكان يتكلم بالكلمة تؤدي معناها بدقة وتحمل كثيرا من المعاني الإضافية، فإذا قال فاقدوا له، إي للهلال أي ضيقوا عليه، فكان الأولى أن يقول صلى الله عليه وسلم إذا كان هذا هو المعنى أن يقول فصوما أو أفطروا مثلا، فما الحكمة من تغيير هذا إلى هذا اللفظ إلا أن يكون ذلك غير مراد.

4- أن حمل هذه الرواية على الرواية الأخرى، يصار إليه إذا لم يمكن الجمع، أما إذا كان الجمع ميسورا بأن نقول أن الأمة التي لا تتقن الحساب تعمل بحديث إكمال شعبان ثلاثين كما قال رسول الله في الحديث: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ))، فدل هذا اللفظ على أنهم إن كانوا يكتبون ويحسبون فإن الأمر مخالف لذلك وجاءت الرواية الثانية تدل على أنهم أن كانوا يحسبون وتتقنون منازل القمر فإنهم يعملون بالتقدير الذي علمهم الله أياه وهو يقين وليس كما يقولون ظن، فإنه ظن عند الأمة التي لا تتقنه، ويقين عند الأمة التي تتقنه.

5- أن القول بأن المعنى التضييق فيه إهمال للنص، فما الذي استفاده علم الفقة من هذه الجملة، فاقدوا له أي ضيقوا عليه ليكون كالعدم، وأكملوا عدة شعبان ثلاثين.

6- وأما القول بأنه طالما الرواي واحد فمعناهما واحد فهذا مخالف لعلم المصطلح، خاصة وأن ابن عمر رضي الله عنهما خالف فعله روايته فكان لا يكمل عدة شعبان، ويصوم أن غم عليهم، فالأصل أنه صرح بالسماع هنا وصرح بالسماع في الحديث الآخر فدل على أنهما حديثان وليسا حديثا واحدا، وأن هذا يكمل الآخر، وهذا للأمة التي لا تتقن الحساب، والآخر للأمة التي تتقن الحساب.

7- وأما قوله أن الأصل أن يحمل كل هذا على معنى واحد، فمن أين أتوا بهذا الأصل، والشريعة الأصل فيها أنها تصلح لكل زمان ومكان ولك الأمم: الأمية والتي تتقن الحساب، والأمم التي تتقن الحساب، فإعمال هذه الأحاديث على ظاهرها يدل على أنها يعمل بهذا في زمان دون زمان، ويعمل بهذا في مكان دون مكان، وهذا يدل على أن قماشة الشريعة واسعة، وعلى الفقيه أن يضيقها لتناسب كل شخص وكل زمان وكل مكان بما يناسبها، فيما لا يخالف نصا محكما، وأما الحمل على المعنى الواحد فيه تضييق، والله سبحانه وتعالى واسع عليم، وما جعل في الدين من تضييق بل الأصل هو التيسير ورفع الحرج.

8- وقول ابن بَزِيزَةَ رحمه الله: (فَقَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ)
فأين هذا النهي
وقوله رحمه الله: (إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيلُ)، هذا في زمانهم أما الآن فكلنا نفطر على هذا العلم ونصوم على هذا العلم ولا يرتفع إنسان فوق تلة ((إلا النادر))، ويستطلع طلوم الفجر لنصوم أو غروب الشمس لنفطر، والعلماء متوافرون لا ينكرون ذلك.

9- وأما قولهم بالإجماع فأين هذا الإجماع
.

10- وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها من فعله صلى الله عليه وسلم فإن فعله صلى الله عليه وسلم محكوم بقوله والقول وحي والفعل يحتمل وقد قال صلى الله عليه وسلم أنهم أمة أمية لا يكتبون ولا يحسبون لذلك كان يصير إلى إكمال شعبان ثلاثين يوما، وأما الأمة التي تكتب وتحسب وتتقن ذلك عن يقين وليس ظنا فعليها أن تعمل بالحديث الآخر، وفي ذلك سعة ورفع للحرج.

11- أن تعليق دخول الشهر بالرؤية، وتعليق الحساب بالغيم يفيد أيضا أن يدقيق في حساب دخول الشهور قبل رمضان.


هذا والله أعلى وأعلم وأحكم.

وصلى الله على محمد، وعلى آل محمد.
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: معنى فاقدروا له

أخي المعتز
حفظك الإله، ووفقك وسدد خطاك، ومحا خطاياك



إنّ فيما ذكرتَه من أدلةٍ واحتجاجات دَخَلاً ولبسًا سأوضح بعضه إن شاء الله
فمن ذلك:
أن لعلماء السلف اختلافا في معنى (فاقدروا) هل هو للتضييق كمذهب الإمام أحمد أم هو للحساب والعد كمذهب جمهور العلماء.
لكن الحِساب الذي قصدوه غيرُ الحساب الذي ترومه وتهدف إليه.
والحساب الذي قصدوه هو الحساب الذي يظهر في الروايات الأخرى كما نقلتُها لك، فمعناها واحد، أي: احسبوا شهر شعبان، فإذا بلغ 30 يوما فصوموا، وهو واضح ظاهر.

ومن ذلك قولك في التضييق
ويلاحظ حرف الجر له، في قوله فاقدروا له، ولو أراد التضييق لقال فاقدروا عليه، وهذا واضح في أن المراد هو الحساب وليس التضييق.
فهذه غير دقيق ألبتة، تأمل معي قولَه تعالى: { اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)} [العنكبوت: 62]، وقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) } [سبأ: 39].
ولم يقل: (عليه)، بل قال: (له).


ومن ذلك قولك:
الأصل أن مادة قدر تعني التقويم والحساب والتحديد
فهذا أيضًا غير دقيق، بل وردت في القرآن على المعنيين، وكذلك في لغة العرب.
ولذا قال ابن فارس مقاييس اللغة (5/ 62): (الْقَافُ وَالدَّالُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى مَبْلَغِ الشَّيْءِ وَكُنْهِهِ وَنِهَايَتِهِ)، وفرق بينه وبين: (التقويم والحساب والتحديد).
فالمادة يحتمل معناها التضييق: أي يعطى ويحكم له بقدر يسير.
وتحتمل معنى الحساب الذي ذكره أئمتنا.

ومن ذلك:
أن حمل هذه الرواية على الرواية الأخرى، يصار إليه إذا لم يمكن الجمع،
وأما القول بأنه طالما الرواي واحد فمعناهما واحد فهذا مخالف لعلم المصطلح
ونحوها من العبارات، مما لا معنى لها في هذا المقام، ولا سيما قولك:
فالأصل أنه صرح بالسماع هنا وصرح بالسماع في الحديث الآخر فدل على أنهما حديثان وليسا حديثا واحدا، وأن هذا يكمل الآخر، وهذا للأمة التي لا تتقن الحساب، والآخر للأمة التي تتقن الحساب
ومثل هذا كثير تحتاج إلى أن تدقق فيه وتمحصه



ولأرجع إلى صلب المسألة فأقول: قولك:
فدل هذا اللفظ على أنهم إن كانوا يكتبون ويحسبون فإن الأمر مخالف لذلك
الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام التشريع، فإن كان مَن يخاطبهم -وهم العرب الخلص- لا يعرفون الحساب (حساب سير القمر) فكيف يأمرهم بذلك؟!، أعني: كيف يوجه الخطاب بأمر لا يدركه السامع في موقف هو محتاج فيه إلى حكم تشريعي.
فتخَيَّلْ نفسك حاضرًا مع ابن عمر رضي الله عنهما ومن كان معه من الصحابة، ولا يعرف الحضور كيفيَّة حساب القمر، وقد أُبلس عليهم شهر رمضان، فهل تتخيل أن يقول لهم الحبيب صلى الله عليهم وسلم: «فاقدروا له»، احسبوا حساب سير القمر!!!.
يريدون معرفة حكم تتعلق به عبادةٌ شرعيةٌ، فيخاطبهم بأمر لا يعرفونه!!.

قال رسول الله في الحديث: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ))
قال صلى الله عليه وسلم: «أمة»، وهو لا ينطق عن الهوى.
فماذا تستفيد من قوله: «أمة»؟، لم يقل: (معاشر العرب)، أو (نحن العرب)، قال: «أمة»، وهو يعلم أنه بعث للناس كافة.


فاقدوا له أي ضيقوا عليه ليكون كالعدم، وأكملوا عدة شعبان ثلاثين
الظاهر من هذا النص أنك لا تعرف ما معنى التضييق الذي ذكروه!!.
فالذين قالوا بالتضييق يصومون يوم الثلاثين.
والذين قالوا بالحساب يُتِمُّون شعبان ثلاثين، فلا يصومون.
وكل هذا في يوم الشك، فإنّ يوم الثلاثين من شعبان: إما أن يكون صحوًا، وإما أن يغم:
فإن كان صحوا ورأوا الهلال فلا كلام
وإن كان صحوا ولم يروا الهلال فلا صيام -وإن قال حساب القمر بولادته، فلا عبرة بقولهم-، هذا لا خلاف فيه.
وإن غم، سمي يوم الشك: وفيه الخلاف، فمَن فَهِم معنى التضييق صام يوم الشك كما فعل ابن عمر رضي الله عنه، وذهب إلى هذا الإمام أحمد.
ومن فهم معنى الحساب أفطر وعدَّه من شعبان، وأتم شعبان 30 يوما.




ثم يا رعاك الله، أيّ معنى في قوله: (غُمَّ)؟!!!.
ولِمَ يأمرُنا بالصيام لرؤيتِه؟.
أوليس العقل والمنطق -إن كان للحساب اعتبار كما تزعم- أن نصومَ بحساب القمر، غُمَّ علينا أو لم يغم؟!!، ألم يقل صلى الله عليه وسلم -كما في موطأ مالك ت الأعظمي (3/ 408) وغيره-: «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ. فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ»، فأي فائدة في رؤية الهلال إن كان المعتبر الحساب؟.

أم أنك تطالب بحساب سير القمر إن غم فقط، فإن كان ثَم صحوٌ فلا تَعْتَبِرُ بحساب القمر ولا بما يقولونه؟!، وأعتذر فإني لم أفهم هذا من كلامك، بل الذي فهمته أنك تتكلم مطلقا، وفيه مخالفة للحديث الذي قَيَّد (اقدروا) بـ(فإن غم).


أخي بارك الله فيك
لا شك أنك وقفت على هذه الروايات قبل أن تصل لنتيجتك الماضية، فماذا ظهر لك منها؛ وهي:
رواية صحيح مسلم (2/ 759): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»، وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ».
ورواية مصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 156): عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِهِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ثُمَّ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوَا لَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا».
كيف تفسر تقييد (اقدروا) بـ(ثلاثين)؟
وعلامَ يعودُ الضمير في هذا الحديث: (له) هل هو للهلال، أم لشعبان؟، وما الفرق بين عوده لهذا أو ذاك؟

ورواية سنن أبي داود (2/ 297): من طريق حَمَّاد، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ»، قَالَ [القائل: هو نافع]: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نَظَرَ لَهُ، فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ، وَلَا قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ، أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ، وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ.
فهذا راوي الحديث: (لا يأخذ بهذا الحساب).
واسم الإشارة (هذا) يدل على أن علم سير القمر قد عرف وعلم، ومع هذا رفض ابن يعمل به، ولو كان فَهِمَ -وهو ابنُ بجدة اللغة- حساب القمر لبَيَّن لتلامذتِه، فهذا من فروض الكفاية.


فمعنى الأحاديث واحدٌ، والخلاف بين الأئمة واضح لمن قرأ كتبَهم، وفَهِم ما معنى التضييق، وما معنى الحساب الذي أرادوه، فالحساب الذي أرادوه هو ما في الأحاديث الأخرى، ومنها ما في صحيح ابن حبان (8/ 228): ((فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثم صام)).



والله أعلم
 
إنضم
18 مارس 2017
المشاركات
17
الكنية
أبو مالك
التخصص
فقه لغة
المدينة
الصالحية الجديدة
المذهب الفقهي
مقارن
رد: معنى فاقدروا له

[FONT=&quot]الأخ العزيز محمد بن عبد الله

[/FONT][FONT=&quot]بارك الله فيك، وعظم الله أجرك، ونفع الله بعلمك،،،[/FONT]

[FONT=&quot]يبدو أن الأوراق اختلطت قليلا، فأسأل أن يجمع قلوبنا على حبه:[/FONT]

[FONT=&quot]أبدأ من جديد في نقاط قصيرة فإن وافقتني نعود:[/FONT]

[FONT=&quot]1- نحن متفقون على أن الرؤية ضرورية لدخول الشهر سواء كانت الأمة تتقن منازل القمر أم لا، وهذا يؤيد مذهب القائلين باختلاف المطالع على تفصيل في المسألة.[/FONT]

[FONT=&quot]2- نحن متفقون على أن التقدير في الحديث للحساب، وليس للتضييق على الهلال.[/FONT]

[FONT=&quot]3- نحن متفقون على أنه يجب الاحتياط في أهلة الأشهر قبل رمضان حتى يكون الحساب دقيقا.[/FONT]

[FONT=&quot]4- نحن مختلفون في طريقة التقدير والحساب إذا لم يظهر الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان.[/FONT]

[FONT=&quot]هل هذه الفرضيات صحيحة؟[/FONT]
 

محمد بن عبدالله بن محمد

:: قيم الملتقى الشافعي ::
إنضم
15 مايو 2008
المشاركات
1,245
الإقامة
المملكة العربية السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو منذر
التخصص
اللغة العربية
الدولة
المملكة العربية السعودية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: معنى فاقدروا له

يبدو أن الأوراق اختلطت قليلا، فأسأل أن يجمع قلوبنا على حبه:
اللهم آمين



نحن متفقون على أن الرؤية ضرورية لدخول الشهر
إلى هنا نعم



2- نحن متفقون على أن التقدير في الحديث للحساب، وليس للتضييق على الهلال.
الحديث محتمل للحساب والتضييق، والذي ذهب إليه الجمهور الحساب، لكن يبقى المعنى الثاني محتملا



3- نحن متفقون على أنه يجب الاحتياط في أهلة الأشهر قبل رمضان حتى يكون الحساب دقيقا.
نعم



4- نحن مختلفون في طريقة التقدير والحساب إذا لم يظهر الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان.
قبل هذا:
نحن مختلفون هل الحديث المقصود منه شيء واحد لكنه روي بروايات مختلفة، أم هو عدة أحاديث.
وبعد هذا:
هل يجوز لنا اليوم أن نفسر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما فسرها السابقون، أو أن نأتي بمعان لها غير ما ذكره الأولون؟
ولا أعني أحاديثه في الإعجاز النبوي، بل أحاديثه في الأحكام التشريعية
 
إنضم
18 مارس 2017
المشاركات
17
الكنية
أبو مالك
التخصص
فقه لغة
المدينة
الصالحية الجديدة
المذهب الفقهي
مقارن
رد: معنى فاقدروا له

بارك الله فيك، ونفع بعلمك

الآن نحن عندنا نقاط كثيرة اجتمعنا عليها تبقى نقطة رئيسة

الحديث محتمل للحساب والتضييق، والذي ذهب إليه الجمهور الحساب، لكن يبقى المعنى الثاني محتملا

لا أستطيع أن أكمل الحوار إلا إذا رجحت أنت، فهل تؤيد رأي الجمهور ونكمل على ذلك أم تؤيد رأي من يقول بالتضييق؟

علما بأن الآيات التي جاءت فيها قدر له، لا تخالف الآيات التي قال فيها قدر عليه،

وذلك أن الآيات التي قال فيها قدر عليه على بابها، أما عندما قال الله تعالى قدر له، فهذا يسميه أهل اللغة التضمين، بمعنى أنها جاءت بمعتى التضييق وتضمنت معنى أضافي وهي أن هذا التضييق من الله ليس تعذيب أو نحو ذلك سبحانه وتعالى، وأنما من باب أن ذلك أصلح له، فقال تعالى قدر له أي ضيق عليه بما يكون أصلح له.

أنتظر منك الإجابة؟ هل ترى رأي الجمهور أم لا؟
 
أعلى