العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

الرد العراقي الحاسم على قانون المساواة بالميراث في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم

إنضم
3 فبراير 2012
المشاركات
15
الكنية
ام ابراهيم
التخصص
فقه واصوله
المدينة
بغداد
المذهب الفقهي
شافعي
الرد العراقي الحاسم
على قانون المساواة بالميراث في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم

مبحث مقتبس من رسالتي الموسومة
(حقوق المرأة في الميراث بين الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية العراقي)
د. رقية مالك الراوي
خلال الفترة (1959م- 1963م)

بعد التغيرات السياسية الحاصلة في العراق عام 1958م بتحول الحكم من الملكي إلى الجمهوري وفي عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، أصدرت الحكومة العراقية قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959م[SUP]([1])[/SUP].
بالرغم من المزايا الجليلة التي جاء بها القانون بتوحيد الأحكام الشخصية المناسبة لواقع المجتمع ومتغيرات الحياة، دون التقييد بآراء مذهب محدد، إلّا أنّه سلك في أحكام الميراث مسلكا مخيبا للآمال، لما فيه من نص يقضي بمساواة نصيب الأنثى بنصيب الذكر من الأولاد في تركة المتوفى, وقد أثار هذا المسلك الغريب جدلاً كبيرا، واستفزازا لمشاعر الغيورين على دينهم من المسلمين من الطائفتين، لأنّ هذه الأحكام تخالف نصوص القرآن الكريم، بمساواتها لنصيب الذكر والأنثى من الأولاد, ولم يهدأ الجدل حول هذه الأحكام حتى ألغيت بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالزعيم عبدالكريم قاسم، في 8/ شباط /1963م مباشرة، إذ صدر التعديل الأول، بموجب القانون رقم (1) لسنة 1963م.

موقف العلماء والقضاة من التشريع المخالف لأحكام الإسلام
o رفع الشيخ نجم الدين الواعظ، والشيخ كمال الدين الطائي، مذكرة باسم جمعية الآداب الإسلامية إلى رئيس الوزراء، وكذلك الشيخ محمد الخالصي، وكان الجميع يطالبون بإلغاء هذه المادة وحذف كل ما يخالف أحكام الإسلام في القانون[SUP]([2]).[/SUP]
o كما قدم الى بغداد القاضي علاء الدين خروفة الذي كان قاضيا في البصرة في حينها، وقابل وزير العدل معترضاً، وطلب مواجهة الزعيم، وحين لم يتحقق له ذلك، كتب مذكرة مطولة رفعها إلى رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم، ونشرتها في ذات الوقت صحيفة الحرية البغدادية الصادرة بتاريخ 29/5/1960م في العدد (1591)، وجاء فيها ما نصه: ( لقد أستبشر المسلمون خيرا بقانون الأحوال الشخصية، لأنّه طفرة في سبيل الإصلاح وتوحيد كلمة المسلمين، أو الأخذ بما هو أقوم للجميع ... ولكنهم فوجئوا بالمادة (74) التي تساوي في الميراث بين الرجل والمرأة، لأنّها مخالفة صريحة لقوله تعالى: ( للذكر مثل حظالانثيين) [SUP]([3])[/SUP]... إنني في الوقت الذي أذكركم بأنّ هذه المادة مخالفة لكتاب الله ولما قاله المفسرون جميعا، ألتمس منكم حذفها)[SUP]([4])[/SUP].

رأي المؤيدين للتشريع المخالف لأحكام الإسلام
وبعد بيان تشريع تلك الأحكام المخالفة للشريعة وما أثارته من الاحتجاج والمطالبة بالإلغاء من قبل المخلصين لدينهم، حتى تحقق لهم ذلك, لابد من أنْ نبين أنّ هناك الكثيرين ممن أيدوا تلك الخطوة، بل لازال البعض منهم يدعوا للعودة إليها وتطبيقها:
o قال المحامي محسن ناجي:( كما تمتاز قواعد الميراث الجديدة أيضا[SUP]([5])[/SUP] بأنّها ساوت في الميراث بين الذكر والأنثى، فقضت على التفاوت الذي كان موجودا بينهما في السابق، الذي طالما سبب وقوع كثير من الخلافات بين الإخوة والأخوات، خصوصا وأنّ مبدأ التفاوت بين الذكر والأنثى، لم يعد مقبولا في الوقت الحاضر )[SUP]([6])[/SUP].
o وفي دراسة نشرها معهد الدراسات الاستراتيجية، لمناقشة مسودة الدستور لعام 2003م، ورد الآتي: ( أثار صدور قانون الأحوال الشخصية في حينه ردود فعل شديدة من قبل الأوساط الدينية المتعصبة التي لم تكن تستوعب أي تغيير يستهدف تنظيم العلاقات الأسرية وحفظ الحقوق وإنصاف المرأة حتى لو كان كل ذلك مستمداً من الشريعة الإسلامية، ولم تهدأ الحملات ضد القانون إلى أنْ تمّ تعديله بعد الانقلاب في الثامن من شباط عام 1963م... وكان الهدف من ذلك إلغــاء النص الخاص بحكم الإرث بين الذكور والإنــــــــــــــــــاث )[SUP] ([7])[/SUP].
ولا نريد هنا أنْ نناقش هذه المغالطات المعروفة وذلك الزيغ، ولكن ذكرناه لبيان أنّه لازال في مجتمعنا من يتباكى على ذلك الشطط ويدعوا إليه بحجج التقدم أو المساواة المزعومة, ويكفي أنْ نذكر أنّ الكثير من النساء المتقيات في ذلك الوقت لم يرضين بذلك، وامتنعن عن أخذ حصة مساوية لحصة أخيها، فقسمنّ الإرث وفق الشرع، رغم صدور القسام القانوني بخلافه، وأعدنّ الزيادة إلى بقية الورثة خارج المحكمة.

إعادة العمل بالأحكام الشرعية في الميراث ( الصادر عام 1963م)
أمَرَت السلطة الحاكمة بعد انقلاب عام 1963م، بتشكيل لجنة برئاسة القاضي محمد شفيق العاني رئيس محكمة التمييز حينها، للنظر فيما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية في قانون الأحوال الشخصية[SUP]([8])[/SUP]، وقد أتمت اللجنة عملها في مدة وجيزة، ونشر قانون التعديل في الجريدة الرسمية يوم 21/3/1963، ومما جاء في الأسباب الموجبة للتعديل ما يأتي: ( قامت ثورة الرابع عشر من رمضان المبارك لسنة 1382هـ لتصحيح ما انحرف وتقويم ما أعوج بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958م، وكان أبرز انحراف في التشريع أحدثته حكومة ( قاسم ) هو هدمها أحكام المواريث الشرعية ...)[SUP] ([9])[/SUP].
كما أظهرت ردود فعل المجتمع العراقي حول التشريع السابق، فنصت على ذلك بالآتي:( وكان هذا الحدث الجاري مثار ضجة واستنكار شملت المجتمع العراقي بطبقاته، لمخالفته نصوص الكتاب الكريم الذي درج المجتمع العراقي على تطبيق أحكامه في هذه المواضيع منذ قرون مضت مع اشراقة الإسلام في هذه الربوع، وكانت الناس بمختلف العصور تقبل على أتباعها برضا لا إكراه فيه، وطاعة لا ترهقها شكوى ولا ينتابها ضجر، بالنظر لما اشتملت عليه من حكمة في التشريع وعمق في الهدف، حتى جاءت حكومة الثورة الوطنية للرابع عشر من رمضان سنة 1382هـ فقطعت على نفسها العهد بتعديل هاتيك المواد من قانون الأحوال الشخصية بما يعيد الحق إلى نصابه والباطل إلى صوابه فتقدمتْ بالتعديل هذا وأقرت تشريعه وفق الأصول )[SUP]([10])[/SUP].
خلاصة وتوصيات:
لقد اهتم الإسلام بالمرأة ورفع شأنها وأعاد لها مكانتها التي خلقها الله من أجلها، وضمن لها حقوقها في الحياة، وأنّ هذه الحقوق نابعة من العقيدة الإسلامية وليست انتقائية أو شعارات ترفع، فالميراث هو أحد تلك الحقوق التي نالتها المرأة في ظل الإسلام، وقد كانت محرومة منها قبله.
فالشريعة الإسلامية ساوت في أصل الميراث بين الرجال والنساء، وليس في المقدار، فالتفاوت في المقدار له حكمه وبواعثه، لاختلاف التكاليف والواجبات، وضمنت للمرأة حقها في الملكية، فأنصفتها من فوضى الاستبداد والطمع، وما تعرضت له من سلبٍ لحقوقها، وحرمانها من الميراث الذي كان سائدا في الأمم التي سبقت الإسلام. والإسلام لا علاقة له بأي ظلم وقع على المرأة نتيجة فهم خاطئ أو تطبيق غير عادل من قبل الناس.
فنظام الإرث في الإسلام نظام في غاية الدقة والوضوح، وأن أحكامه مبنية على أساس العدل والحكمة بين الناس، فقد تولاه الله بنفسه، فكانت أحكامه قطعية الدلالة والثبوت، وكان للمرأة النصيب الأوفر من هذه النصوص، فغالب أنصبتها مقدرة بالفرض، الذي له موقع الاولوية في الأداء.
فأحكام الميراث أمر تعبدي جاء بنصوص قطعية الدلالة، فلا يحق للدولة أنْ تشرع فيه، فمخالفة هذا الأمر مخالفة لنصوص القرآن الكريم، فإذا كان النص صريحاً واضحاً في إفادة الحكم الذي سيق لأجله بحيث لا يحتمل التأويل، فلا يجوز تأويله بما يخرجه عن ظاهره، ذلك وفق القاعدة الفقهية (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص)[SUP] ([11])[/SUP].
ولقد أوردنا موقف المشايخ والعلماء والقضاة العراقيين، حين أظهروا كلمة الحق التي ينبغي إظهارها أمام تشريع خالف نصوص القرآن الكريم، ( ونفذ بسلطة الدولة طيلة خمس سنوات، للفترة من عام 1959-1963م، رغم رفض عامة المجتمع له ) وقد كانت الملابسات التي رافقت تلك التجربة الفريدة والغريبة في التشريع محطة يجب الوقوف عندها ودراستها دراسة مستفيضة من قبل المشرع العراقي وغيره، حرصاً على عدم تكرار الوقوع في مثل هذا الخطأ الجسيم.


([1]) الوقائع العراقية، العدد (280) في 30/12/1959م.
([2]) شرح قانون الأحوال الشخصية: علاء الدين خروفه، مطبعة المعارف- بغداد، 1963م, 2/357.
([3]) ( سورة النساء: من الآية 11).
([4]) شرح قانون الأحوال الشخصية: علاء الدين خروفه، 2/359-360.
([5]) يقصد بها الأحكام النافذة قبل التعديل الصادر عام 1963م فالكتاب مؤلف أيام نفاد وتطبيق تلك الأحكام.
([6]) شرح قانون الأحوال الشخصية: محسن ناجي، مطبعة الرابطة – بغداد، ط1، 1962, ص451.
([7]) الموقع الالكتروني لمعهد الدراسات الاستراتيجية: الحوار المتمدن، العدد(1396)، والمنشور بتاريخ 11/12/2005م، المحور، حقوق المرأة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات.
([8]) ينظر: شرح قانون الأحوال الشخصية: علاء الين خروفة، 2/6.
([9]) الوقائع العراقية: العدد (785) في 21/3/1963.
([10]) المصدر نفسه
([11]) ينظر: الوجيز في شرح القواعد الفقهية: د. عبدالكريم زيدان، مؤسسة الرسالة – دمشق، ط1، 2010م، ص37.
 
التعديل الأخير:
أعلى