محمد بن فائد السعيدي
:: متخصص ::
- إنضم
- 23 مارس 2008
- المشاركات
- 677
- التخصص
- الحديث وعلومه
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعي
قاعدة "الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال"
هذه قاعدة صارت من القواعد البارزة التي يتكأ عليها بعض من أرادوا هدم أي أصل أو رد أي دليل....
فهل صحيح أن هذه القاعدة على إطلاقها عند العلماء؟، وهل صحيح أن الدليل يسقط بمجرد تطرق الاحتمال إليه؟ وهل بمجرد إيراد الإشكال على الدليل يعني إبطاله؟
أقول: لو قلنا بهذا على إطلاقه لما بقي لنا دليل مطلقاً، ولا استقام لنا أصل من الأصول، لان أي احتمال ليس من الصعب إيراده على الدليل، لذا -والله أعلم – أن مراد العلماء ليس هو مراد الشهوانيين وهو الإطلاق لكل احتمال أو إيراد كل إشكال، وإنما ما كان من الاحتمالات قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، وغير هذا من الاعتبارات الشرعية لا بمجرد الاحتمال ذاته، لأن أكثر الأدلة الشرعية إلا ويتطرق إليها الاحتمال، ولو فتح باب إبطال الأدلة بالاحتمالات لم يبق شيء من الأدلة إلا وسقط الاستدلال به، ليس في الفروع فقط وإنما حتى في الأصول فتُبطل أدلة كثيرة في الأصول والفروع بدعوى تطرق الاحتمال إليها.
أمثلة ذكرها بعض العلماء:
أخرج البخاري ( الفتح 1/413 ) ومسلم ( 1/145 ) عن عائشة قالت : (( كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها )) .
فهذا الحديث يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، واعترض عليه بعض المتعصبة باحتمال الخصوصية، وهو احتمال بعيد لا تسنده الأصول والقواعد، وأورد آخرون احتمالاً آخر وهو أن اللمس لم يكن مباشرا وإنما من وراء حائل، وهذا لا شك أنه أيضا احتمال فيه تكلف وتمحل.
وقد تعقب هذا الكلام العلامة أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي ( 1/142 ) فقال : ومن البين الواضح أن هذا التعقيب لا قيمة له ، بل هو باطل ، لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح ، واحتمال الحائل لا يفكر فيه إلا متعصب ! انتهى.
وابن تيمية يذكر هذا الضابط المهم لهذه القاعدة في أمثلة كثيرة كما في مجموع الفتاوي ومنها ما ذكره في سياق رده على من أرادوا إبطال الأصول ببعض الاحتمالات وقد ذكر مثل هذه مثالاً عند ذكره لأقوال بعض الفقهاء الذين حكموا بنجاسة المياه بمجرد احتمالا نجاسة الماء أو نجاسة الأنية التي فيها الماء بدون يقين، قال: "وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ: أَنَّهُ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ يَتَوَضَّئُونَ وَيَغْتَسِلُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي فِي الْآنِيَةِ، وَالدِّلَاءِ الصِّغَارِ، وَالْحِيَاضِ، وَغَيْرِهَا، مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، بَلْ كُلُّ احْتِمَالٍ لَا يُسْنَدُ إلَى أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ"
ويقول أيضا في موضع أخر عن نفس المسألة:" وَقَدْ ثَبَتَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ مَعَ قِيَامِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ( احتمال أن يكون الماء نجساً) وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَاحِبٌ لَهُ بِمِيزَابٍ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ مِلْؤُك طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟
فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ لَا تُخْبِرُهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأَئِمَّةُ: كَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ، نَصُّوا عَلَى: أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَمَارَةَ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ لَمْ يَلْزَمْ السُّؤَالُ عَنْهُ، بَلْ يُكْرَهُ..
فالاحتمال أنه لم يعتبر.
الحاصل: أن ما أردت أن أشير إليه هنا أن مجرد الاحتمالات الضعيفة وإيراد الإشكالات التي لا تسندها قرائن شرعية على الأصول والأدلة الشرعية لا يبطل الاستدلال بالأصول ولا يسقط الأدلة الشرعية...
-نعم -القاعدة كقاعدة صحيحة لكن لا يصلح أن تُستعمل إلا بضوابطها، فمن الجناية على العلم والأصول أن تستعمل مثل هذه القاعدة مطلقة مرسلة وفي غير موضعها خصوصا إذا قُصد بذلك مجرد إبطال الاستدلال بالنصوص الشرعية..أو الاعتراض على الأصول العلمية...
والله أعلم
هذه قاعدة صارت من القواعد البارزة التي يتكأ عليها بعض من أرادوا هدم أي أصل أو رد أي دليل....
فهل صحيح أن هذه القاعدة على إطلاقها عند العلماء؟، وهل صحيح أن الدليل يسقط بمجرد تطرق الاحتمال إليه؟ وهل بمجرد إيراد الإشكال على الدليل يعني إبطاله؟
أقول: لو قلنا بهذا على إطلاقه لما بقي لنا دليل مطلقاً، ولا استقام لنا أصل من الأصول، لان أي احتمال ليس من الصعب إيراده على الدليل، لذا -والله أعلم – أن مراد العلماء ليس هو مراد الشهوانيين وهو الإطلاق لكل احتمال أو إيراد كل إشكال، وإنما ما كان من الاحتمالات قوياً له وجه شرعي يسنده، وقرائن احتفت به تقويه، وغير هذا من الاعتبارات الشرعية لا بمجرد الاحتمال ذاته، لأن أكثر الأدلة الشرعية إلا ويتطرق إليها الاحتمال، ولو فتح باب إبطال الأدلة بالاحتمالات لم يبق شيء من الأدلة إلا وسقط الاستدلال به، ليس في الفروع فقط وإنما حتى في الأصول فتُبطل أدلة كثيرة في الأصول والفروع بدعوى تطرق الاحتمال إليها.
أمثلة ذكرها بعض العلماء:
أخرج البخاري ( الفتح 1/413 ) ومسلم ( 1/145 ) عن عائشة قالت : (( كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتها )) .
فهذا الحديث يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، واعترض عليه بعض المتعصبة باحتمال الخصوصية، وهو احتمال بعيد لا تسنده الأصول والقواعد، وأورد آخرون احتمالاً آخر وهو أن اللمس لم يكن مباشرا وإنما من وراء حائل، وهذا لا شك أنه أيضا احتمال فيه تكلف وتمحل.
وقد تعقب هذا الكلام العلامة أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي ( 1/142 ) فقال : ومن البين الواضح أن هذا التعقيب لا قيمة له ، بل هو باطل ، لأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل صريح ، واحتمال الحائل لا يفكر فيه إلا متعصب ! انتهى.
وابن تيمية يذكر هذا الضابط المهم لهذه القاعدة في أمثلة كثيرة كما في مجموع الفتاوي ومنها ما ذكره في سياق رده على من أرادوا إبطال الأصول ببعض الاحتمالات وقد ذكر مثل هذه مثالاً عند ذكره لأقوال بعض الفقهاء الذين حكموا بنجاسة المياه بمجرد احتمالا نجاسة الماء أو نجاسة الأنية التي فيها الماء بدون يقين، قال: "وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ: أَنَّهُ مَا زَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ يَتَوَضَّئُونَ وَيَغْتَسِلُونَ وَيَشْرَبُونَ مِنْ الْمِيَاهِ الَّتِي فِي الْآنِيَةِ، وَالدِّلَاءِ الصِّغَارِ، وَالْحِيَاضِ، وَغَيْرِهَا، مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، بَلْ كُلُّ احْتِمَالٍ لَا يُسْنَدُ إلَى أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ"
ويقول أيضا في موضع أخر عن نفس المسألة:" وَقَدْ ثَبَتَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ مَعَ قِيَامِ هَذَا الِاحْتِمَالِ ( احتمال أن يكون الماء نجساً) وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَاحِبٌ لَهُ بِمِيزَابٍ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ مِلْؤُك طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟
فَقَالَ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ لَا تُخْبِرُهُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأَئِمَّةُ: كَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ، نَصُّوا عَلَى: أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ مَاءٌ مِنْ مِيزَابٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَمَارَةَ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ لَمْ يَلْزَمْ السُّؤَالُ عَنْهُ، بَلْ يُكْرَهُ..
فالاحتمال أنه لم يعتبر.
الحاصل: أن ما أردت أن أشير إليه هنا أن مجرد الاحتمالات الضعيفة وإيراد الإشكالات التي لا تسندها قرائن شرعية على الأصول والأدلة الشرعية لا يبطل الاستدلال بالأصول ولا يسقط الأدلة الشرعية...
-نعم -القاعدة كقاعدة صحيحة لكن لا يصلح أن تُستعمل إلا بضوابطها، فمن الجناية على العلم والأصول أن تستعمل مثل هذه القاعدة مطلقة مرسلة وفي غير موضعها خصوصا إذا قُصد بذلك مجرد إبطال الاستدلال بالنصوص الشرعية..أو الاعتراض على الأصول العلمية...
والله أعلم