العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

المسعى الجديد؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الصفا والمروة
تاريخها، ومقترحات لتوسعة عرض المسعى

إعداد
الأستاذ الدكتور/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش

مكــــــة المكرمـــــة
رمضان 1427هـ


مقدمة :
الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له سبحانه على نعمه الظاهرة والباطنة .
والصلاة والسلام على سيد البرية، وهادي البشرية، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم أنفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً. أما بعد :
فإن الباحثين المخلصين من هذه الأمة ينشدون من خلال أبحاثهم مرضاة الله عز وجل، ورفع الحرج عن المسلمين، والتخفيف عنهم، برفع المشقة، وجلب التيسير لهم.
وكلما ضاق الأمر على المسلمين في أمور عبادتهم، بحثوا في الثروة الفقهية، وتمكنوا من إيجاد الحلول العملية للتوسيع عليهم حتى يؤدوا عبادتهم في سهولة ويسر، وذلك عن طريق الاجتهاد والاستنباط في حل المعضلات التي تواجههم .
ومن ذلك مشعر الصفا والمروة، الذي يواجه ضيقاً بسبب زيادة أعداد المسلمين القاصدين مكة للنسك، وضيق مكان هذه العبادة، وفي هذا البحث ذكرت ملامح من تاريخ الصفا والمروة، كما قدمت مقترحاً لتوسعتهما توسعة على المسلمين الساعين بينهما .

وأرجو الله عز وجل أن أكون قد وفقت فيما عرضت، مرضاة لوجهه الكريم .



والله أسال التوفيق والسداد ..
أ.د. عبد الملك بن دهيش
الصفا والمروة في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة :
قال الله عز وجل : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائر اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ }(1) .
روى الطبري عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال ثنا يزيد بن زريع، قال ثنا داود، عن الشعبي أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إسافا، ووثنا على المروة يسمى نائلة، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين، فلما جاء الإسلام، وكسرت الأوثان قال المسلمون إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر )) (2) .
عن عروة قال : سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها : أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائر اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قالوا يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائر اللّهِ ...} الآية، قالت عائشة رضي الله عنها : وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال إن هذا لعلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائر اللّهِ ...} الآية، قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت(1) .
سبب نزول الآية :
وذكر أن قوماً من الصحابة قالوا : يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنّا نصنعه في الجاهلية، ولما جاء الإسلام وكسرت الأصنام، كره المسلمون الطواف بينهما، لأجل الصنمين، فانزل الله في كتابه الكريم : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا }. وذلك لنفي فكرة أنه شرك من جهة، ولإعلان أن الصفا والمروة من شعائر الله من جهة أخرى.
قال ابن عباس: كراهية المؤمنين للطواف بين الصفا والمروة من قبل الصنمين اللذين كانا عليهما(2) .
عن عاصم الأحول قال : قلت لأنس بن مالك أكنتم تكرهون الطواف بين الصفا والمروة حتى نزلت الآية، قال : نعم كنا نكره الطواف بينهما، لأنهما من شعائر الجاهلية، حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائر اللّهِ}(1).
فظاهر هذه الآية هو رفع الإثم، ونفي الحرمة، عمّن يسعى بين الصفا والمروة، وأن السعي سائغ وليس فيه حرمة .
روى الطبري عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني أبو الحسين المعلم قال ثنا سنان أبو معاوية عن جابر الجعفي عن عمرو بن حبشي، قال: قلت لابن عمر: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، قال : انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فأتيته فسألته، فقال : إنه كان عندهما أصنام، فلما حرمن أمسكوا عن الطواف بينهما، حتى أنزلت : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا }.
وروى أيضاً عن عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قوله إن الصفا والمروة من شعائر الله وذلك أن ناسا كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فأخبر الله أنهما من شعائره والطواف بينهما أحب إليه فمضت السنة بالطواف بينهما(2) .
وروى أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إنما كان من أهل بمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}. فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلموالمسلمون، قال سفيان : مناة بالمشلل من قديد، وقال عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، قال عروة : قالت عائشة : نزلت في الأنصار كانوا هم وغسان قبل أن يسلموا يهلون لمناة مثله، وقال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها : كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة، ومناة صنم بين مكة والمدينة، قالوا : يا نبي الله كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيماً لمناة نحوه(1) .
واختلف المفسرون في وقت نزول الآية, ويبدو أن الأرجح إنها نزلت في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، ففي هذه السنة كانت مكة خالية مـن الأصنام، وكانت كراهة المسلمين السعي بين الصفا والمروة بسبب السوابق التاريخية لهذين المكانين حيث انتصب فيهما اساف ونائلة .
السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحج :
إذن فالسعي بين الصفا والمروة يعد من مناسك الحج، وطواف الحجاج بهما قدر طوافهم بالكعبة، أي سبعة أشواط، وكانت قريش تسعى بينهما. وكان بعض العرب لا يسعى بينهما .
ويتضح من الأخبار أن الذين كانوا يطوفون بالصنمين ويسعون بينهما هم قريش خاصة : لأنها كانت تعبد الصنمين، وليس كل من كان يحج من العرب، وقد استبدل الإسلام الطواف بالسعي بين الموضعين، وذكر أنّ السعي بين الصفا والمروة من شعائر الله القديمة من عهد إبراهيم عليه السلام.
وقد كان إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام قد أسكن إسماعيل وأمه هاجر مكة، وهي أرض قفر، لا زرع فيها ولا ماء، ولا حتى بشر .
أول من سعى بين الصفا والمروة ( قصة السعي ) :
فكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام أول من سعى بين الصفا والمروة(1) .
تعريف الصفا والمروة :
الصفا : جمع صفاة، وهو الحجر العريض الأملس، أو الصخرة الملساء القوية المختلطة بالحصى والرمل، وهو : جبل صغير يبدأ منه السعي وهو في الجهة الجنوبية مائلا إلى الشرق على بعد نحو 130 متر من الكعبة المشرفة، والمراد به هنا : مكان عال في أصل جبل أبي قبيس جنوب المسجد قريب من باب الصفا، وهو الآن شبيه بالمصلى طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة، وارتفاعه نحو مترين.
المروة : واحد المرو، وهي حجارة بيض، أو الصخرة القوية المتعرجة، وهو: جبيل صغير من حجر المرو، وهو الأبيض الصلب، ويقع في الجهة الشرقية الشمالية على بعد نحو 300 متر من الركن الشامي للكعبة المشرفة، وهو منتهى المسعى الشمالي، واحد مشاعر الحج، والمراد هنا مكان مرتفع في أصل جبل قعيقعان (1)، في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، قرب باب السلام، وهو شبيه بالمصلى، وطوله أربعة أمتار، في عرض مترين، وارتفاع مترين، وكان متصلاً بجبل قعيقعان.
وجبلا الصفا والمروة عبارة عن أكمة، وسط مكة تحيط بهما بيوت أهل مكة، والتي منها: دار الأرقم، ودار السائب ابن أبي السائب العائذي، ودار الخلد وغيرها، فهما جبلان مشهوران بمكة، ويرجع بدء السعي بينهما إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ويقعان شرقي المسجد الحرام, في الجهة المقابلة للحجر الأسود ومقام إبراهيم.
والطريق الذي بين الصفا والمروة هو : المسعى، أو مكان السعي، والمسعى الآن داخل في المسجد الحرام نتيجة التوسعة السعودية التي تمت عام 1375 هـ، واللفظان اليوم علمان لهذين الجبلين .
وكان بين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وغيرها، ولم تكن بمكة سوق منظم سوى هذا السوق الذي كان يقع بالمسعى، مما جعل الساعين يجدون مشقة أثناء السعي لازدحام الناس على حوانيت الباعة، ثم حدثت التجديدات السعودية، فأصبح المسعى يتكون من طابقين بطول (395 متراً)، وعرض (20 متراً)، وفي وسط المسعى وفي الطابق السفلي يوجد حاجز يقسم المسعى إلى طريقين، أحدهما مخصص للسعي من الصفا إلى المروة، والثاني من المروة إلى الصفا، وفي الوسط ممر ضيق ذو اتجاهين، مخصص لسعي العاجزين وغير القادرين على الهرولة، وذلك بواسطة عربات خصصت لهذا الغرض، وللمسعى ستة عشر باباً في الواجهة الشرقية، وللطابق العلوي مدخلان أحدهما عند الصفا، والآخر عند المروة، ويمكن الوصول لهذا الطابق بواسطة سُلّمين من داخل المسجد أحدهما عند باب الصفا، والآخر عند باب السلام (1) .
لم أقف في المصادر التاريخية لمكة المكرمة والحرم المكي الشريف لذكر من قام بأول عملية تسوية لأرض المسعى الواقعة بين جبلي الصفا والمروة، وتمهيدها وإزالة الأحجار والعقبات منها، لأن أرض المسعى كانت وادياً بين هذين الجبلين وفيها ارتفاع، وانخفاض، واعوجاج، كما كانت تتعرض كثيراً للسيول والأمطار .
ومعلوم أن توسعة الخليفة المهدي العباسي للحرم المكي الشريف تعد من أعظم التوسعات للحرم، قبل التوسعة السعودية، وقد استنتج بعض المؤرخين أن تكون تلك التوسعة قد شملت جزءاً من أرض المسعى، بعد أن تمت إزالة بعض الدور والدكاكين وقد توالت من بعده أعمال الخلفاء والملوك .
أما فرش المسعى بالبلاط فلم يُعرف لأحد قبل مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله حيث فرشه بحجارة مربعة، وكان ذلك في عام 1345هـ، فهو أول من بلط المسعى كاملاً، منعاً لإثارة الغبار والأتربة .
وعن أول من سقف المسعى منذ تاريخ بناء المسجد الحرام فهو ملك الحجاز الشريف حسين بن علي بن عون، حيث لم يكن له سقف يقي الساعين شدة الشمس وحرارتها، وكان ذلك في شوال سنة 1341هـ . وامتد هذا السقف من المروة إلى باب العباس فقط، ولم يكمل لقصر المسافة المتبقية .
وفي عهد الملك عبد العزيز آل سعود أمر رحمه الله في عام 1366هـ بإعادة سقف المسعى بطريقة معمارية روعي فيها الإتقان والجودة العالية، وامتد السقف طول المسعى ما عدا آخر ثمانية أمتار من جهة باب علي، حيث كانت بهواً وميداناً متسعاً، وممراً للمشاة والعربات القادمين من الشرق إلى الغرب وبالعكس .
مراحل تجديد وتوسعة المسعى:
تُعد توسعة المسعى بينَ الصَّفا والمروة من الأعمال التي شغلت بال الخلفاء والأمراء منذ القدَم.
ولم يكن بين الصّفا والمروة في قديم العهد بيوت ولا عمائر، اللهم سوى الجبال والصخور... ولم تمتد يد الإعمار إليهما .
ومنذ أن أسكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هاجر، وابنها إسماعيل عليه السلام بهذا الوادي، وبعد أن ظهرت زمزم، وجاورت جُرهُم بدأت ملامح الحياة تظهر، وأخذت ملامح البناء تنمو.
وبعد أن رفع إبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السلامُ القواعدَ من البيت، جرت إصلاحاتٌ بسيطةُ في مواضع سُكنى الناس.
وفي العصر الجاهلي قسّم قُصي بن كلاب أمور مكة إلى ستة أقسام، وقد أمر قومه أن يبنوا بيوتهم حول الكعبة ومن جهاتها الأربع، وبني هو دار الندوة في الجانب الشمالي .
وعند بروز فجر الإسلام، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في المسعى دور كثيرة قد بُنيت في عرضه، وأن بعض الدور التي بُنيت في عرضه إنما بناها الناس فيما بعد.
ثم بدأ بعض كبار الصّحابة في توسعة المسجد الحرام، وأول من أمر بتجديد وتوسعة المسجد الحرام كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وفي عهد التابعين ازداد عدد سكان مكة، والقادمين إليها، فبدأت توسعة المسجد الحرام في ذلكَ العهد.
وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65 – 86هـ) تمت إضاءة مابين الصفا والمروة بالقناديل ليلاً (1) .
ومنذ عهد الخليفة الثاني للدولة العباسية أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عليّ بن العباس (136-158هـ)، ما زال الخلفاء والسّلاطين يقومون بتوسعة المسجد الحرام، والمسْعَى بين الصّفا والمروة .
وعندما أراد الخليفة محمد بن عبد الله بن محمد بن عليّ العباسيّ ثالث خلفاء بني العباس (158-169هـ)، أن يوسع المسجد الحرام، سنة (176هـ)، قام بهدم هذه البيوت، لم يُنكر عليه أحد من الأئمة الذين عاصروه أمثال: الإمام أبي عبد الله مالك ابن أنس أبن مالك الأصبحيّ، إمام دار الهجرة (93-179هـ).
والإمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاريّ (113-182هـ)، صاحب أبي حنيفة وتلميذه.
والإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشّيبانيّ (131-189هـ) الذي نشر علم أبي حنيفة.
والإمام نافع بن عمر الحُمَحيّ القرشيّ المكي، محدث مكة وحافظها (ت169هـ)، وغير هؤلاء من الأئمة الذين عاصروا توسعة المسعى، ولم يعترضوا عليه.
كما أن أحداً من الأئمة الذين جاءوا من بعدهم كالإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس الهاشميّ القرشيّ الشّافعيّ (150-204هـ)، والإمام عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل الشيبانيّ البغداديّ (164-241هـ).
وقد تقدمَ أن الصفا والمروة لم يكن فيهما بناء ولا درَجٌ، وكانت الصفا والمروةَ يُسنِدُ فيهما من سعي بينهما، ولم يكن فيهما بناء ولا درجٌ، حتى كان عبد الصّمد بن عليّ في خلافة أبي جعفر المنصور، فبني درجهما.
ولقد تعرّض جبلا الصّفا والمروة بمرور الزمن إلى التكسير، بسبب الفيضانات، أو بسبب بناء البيوت، والدكاكين والحوانيت على جانبيهما، فقد روى أبو الوليد الأزرقي (ت250هـ)، في (( أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ))(1)، قال وهو يتحدّث عن ربع آل داود ابن الحضرمي، واسم الحضرمي عبد الله بن عمار: لهم دارهم التي عند المروة، يقال لها: دار طلحة، بين دار الأزرق بن عمرو الغسّانيّ، ودار عتبة بن فرقد السُّلَميّ.
وقال أيضاً : ومن رباعهم الدار التي عند المروة في صف دار عمر بن عبد العزيز، ووجهها شارع على المروة، الحَجّامون في وجهها، وهي اليوم في الصوافي، اشتراها بعض السلاطين .
ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دَرَجٌ على الصّفا ولا على المروةِ. فقد ذكر الأزرقي(2) قال: حدثني جدي أحمد بن محمد، قال: كانت الصّفا والمروة يُسنِدُ فيهما مَن سعى بينهما، ولم يكن فيهما بناء ولا دَرَجٌ، حتى كان عبد الصمد بن على في خلافة أبي جعفر المنصور، فبني درجهما التي هي اليوم درجهما، فكان أول مَن أحدثَ بنائها، ثمّ كُحّل بعد بالنّورة في زمن مبارك الطبري في خلافة المأمون.
وقد نقل هذا الخبر الإمام محمد بن إسحاق الفاكهيّ (توفي بعد 272هـ)، وكان معاصراً للأزرقيّ، في كتابه ((أخبار مكة في قديم الدّهر وحديثه))(1) .
ولقد وصف أبو الحسين محمد بن أحمد بن جُبير الكنانيّ الأندلسيّ الشاطبيّ البلنسي (ت614هـ)، في كتابه الموسوم بـ ((رحلة ابن جُبير)) فصل (الصفا، وتوسعة المسجد الحرام)(2) .
وقد أورد ابن الصلاح، أبو عمرو، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان (ت 643هـ) فصلاً في كتابه الموسوم بـ (( صلة الناسك في صفة المناسك )) بعنوان : ((في السعي بين الصفا والمروة)) أورد فيه فوائد تتعلق بالمسعى، انقلها مختصرة على النحو التالي : (( وإذا استلم الحجر عند انفصاله من البيت، فليخرج من باب الصفا، فإذا خرج منه فليقطع عرض السوق الملاصقة للمسجد، حتى ينتهي إلى سفح جبل الصفا والدرجات الموضوعة فيه، فَيَصْعد قدر قامة إلى حيث يرى منه البيت وهو يترائى له على الصفا من باب المسجد باب الصفا، لا من فوق جدار المسجد بخلاف المروة ... )) (3)، ثم أردف يقول : (( ثم ينزل فيمشي، حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق على يساره في ركن المسجد بنحو ستة أذرع سعى سعياً شديداً، حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد، ودار العباس، ثم يمشي حتى يرقى على المروة، حتى يبدوا له البيت، إن بدا له، ثم يصنع عليها ما صنع على الصفا، ثم يعود، وهكذا حتى يكمل سبع مرات، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة .
وقد أوضح الشيخ أبو محمد الجويني، حال موضع السعي، إيضاحاً شافياً، فذكر : أن الوادي الذي يسيل بالمطر هناك واقع في المسعى، وأن ما قبل بطن الوادي مَشْيٌ كُله، وما بعد الوادي مَشْيٌ كُله، والسعي ليس إلا في بطن الوادي، والوادي ليس بعميق حتى يتميز بطنه عن جادة السوق، فبنوا في سالف الدهر ميلاً على شفير الوادي من الجانب الذي لي الصفا، علامة لابتداء شدة السعي، وبنوا من الجانب الثاني ميلين أخضرين، أحدهما معلق بفناء المسجد الحرام، والآخر معلق بدار العباس، فكان السيل يحطم الميل الواحد الذي إلى جانب الصفا ويهدمه فيعاد، ثم يحطم ويعاد، وهو ميل صغير أخضر، فَنَحّوا ذلك الميل عن موضعه، وعلقوه على ركن جدار المسجد الحرام عالياً، فحصل بين موضعه القديمة وموضعه اليوم - يقصد في زمنه - من المسافة قدر ستة أذرع، فلهذا قال الشافعي - رحمه الله - ينزل من الصفا، ويمشي حتى يبقى بينه مبين الميل الأخضر المعلق على ركن المسجد قد ستة أذرع، ثم يسعى سعياً شديداً حتى يحاذي الميلين الأخضرين :
أحدهما : عن يمينه، وهو يقصد المروة، وهو الذي ألصق بدار العباس رضي الله عنه.
والثاني : عن شماله، وهو الذي ألصق بباب المسجد، وهو باب الجنائز .
وبينهما عرض السوق، فإذا حاذى هذين الميلين ترك المسعى، وابتدأ المشي إلى المروة، وأما مسافة المشي بين الصفا والوادي، فإنما هي خطوات يسيرة، ولعل مسافة العدو والمشي ضعف تلك الخطوات اليسيرة، أو قريب من ضعفها، وإنما الطول في مسافة المشي إلى المروة .
قال : وإذا عاد من المروة إلى الصفا، مشى حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين ويبتدأ منهما السعي، حتى يجاوز الميل الأخضر بقدر ستة أذرع إلى المكان الذي ابتدأ السعي في المرة الأولى .



صورة قديمة للصفا


وذكر ابن الشيخ أبي محمد، وهو الشيخ أبو المعالي- يقصد الجويني - صاحب: (( النهاية )) أنهم إنما وضعوا الميل الأخضر على ركن المسجد المذكور مع تأخره عن مبتدأ السعي بستة أذرع، لأنهم لم يجدوا على السَّمت أقرب من ذلك الركن .
وإن معنى قولنا حتى يحاذي الميلين الأخضرين : أن يتوسطهما، وأن رؤية الكعبة مع الصعود في المروة بالمقدار المشروع، وقد تعذر بما أحدثه الناس من الأبنية )) (1) .
ولقد تحدّثَ عن درج الصّفا والمروة شهابُ الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمريّ الدّمشقيّ (ت749هـ) صاحب كتاب (( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار))، وشرف الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بابن بطّوطة (ت779هـ). كما جاء في كتاب ((رحلة ابن بطوطة)) (ذكر الصّفا والمروة).
وتحدّثَ أيضاً الإمام تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد بن عليّ الفاسي المكيّ المالكي (ت832هـ)، في كتابه ((شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام))، عن (توسعة المسجد الحرام وعمارته وذرعه).
وأضاف الفاسي قوله : الصّفا هو مبدأ السّعي، وهو في أصل جبل أبي قُبيس، على ما ذكره غير واحد منَ العلماء، ومنهم أبو عُبيد البكري والنوويّ، وهو موضع مرتفع من جبلٍ لهُ درج، وفيه ثلاثة عقودٍ، والدرج من أعلى العقود وأسفلها، والدرج الذي يصعد من الأولى إلى الثانية .
وذكر النجم عمر بن فهد (ت885هـ)، في كتاب ((إتحاف الورى بأخبار أمِّ القرى)): في حوادث (سنة 167)، مبدأ توسعة المسجد الحرام، وتحدث عن المسعى، وهدم ما كان بين الصفا من الدور .
وذكر الإمام أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ت 909هـ) في كتابه: ((حواشي الشرواني، وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج)) قوله: ((فجرى على أن الدرج المشاهد اليوم في الصفا ليس شيء منه بمحدث، وأن سعي الراكب صحيح، إذا ألصق حافر دابته بالدرجة السفلى، بل الوصول لما سامت آخر الدرج المدفونة كاف، وإن أبعد عن آخر الدرج الموجود الآن باذرع، قال وفي هذا فسحة كبيرة لأكثر العوام، فأنهم [لا] (1) يصلون لآخر الدرج، بل يكتفون بالقرب منه، هذا كله في درج الصفا .
أما المروة فقد اتفقوا فيها على أن العقد الكبير المشرف الذي بوجهها هو حدها، لكن الأفضل أن يمر تحته، ويرقى على البناء المرتفع بعده )) (2) .



صورة قديمة للمروة

وفي سنة (1072هـ) أمر السلطان محمد الرابع (1058 – 1099هـ) بوضع ثمانية قناديل في المسجد بعد أن أمر بترميم المسجد(1) .
ولقد وصف المسعى العديد من المصنفينَ ومنهم: إبراهيم رفعت باشا بن سويفيّ المصري (1353هـ)، والذي ولي إمارة الحج ثلاث مرات (1320و21و25)، وصنّف كتاب ((مرآة الحرمين))، والذي يدل على اطلاع واسع، ومعرفة دقيقة.
ووصف المسعى وتوسعة المسجد الحرام المؤرخ عبد الله بن محمد الغازي الهندي المكي (ت1356هـ)، في كتابه ((إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام))، وتحدثَ عن عمارته وتوسعته.
وكذا كتب الأستاذ محمد طاهر بن عبد القادر بن محمود الكردي المكيّ (ت1400هـ)، في كتابه ((التاريخ القويم لِمكة وبيت الله الكريم))، عن المسعى وتوسعته، وكان كتابته من أوسع الكتابات.
وكذا تحدّث الأستاذ أحمد محمد السباعيّ (ت 1404هـ) في كتابه ((تاريخ مكة))، عن المسعى وتوسعته، وغير ذلك من الكتابات الحديثية والفقهية، والتاريخية القديمة والمعاصرة التي تناولت وصف الصفا والمروة، والمسعى وتحدثت عن توسعة المسجد الحرام، والمسعى.
وفي العهد السعودي أمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1293-1373هـ)، مؤسس الدولة السعودية رحمه الله تعالى في سنة (1345هـ)، بفرش المسعى بالحجارة منعاً لإثارة التراب والغبار، فسهل السّعي بعد رصف وتبليط المسعى، وأيضاً تسقيفه في عام 1366هـ، حيث بلغ عرض السقيفة التي أمر الملك عبد العزيز بإنشائها (20 متراً) وبطول (350 متراً) من الصفا وحتى المروة، ماعدا ثمانية أمتار متبقية لبلوغ المروة، مقابل باب علي وتركت لتكون بمثابة الميدان(1)، كما أسلفنا في ص (10) من هذا البحث .
وقد كان الساعون يجدون مشقة كبيرة في سعيهم بين الصفا والمروة، نتيجة إحاطة طرفي المسعى بالبيوت والدكاكين، التي أضاقت المسعى، بالإضافة إلى تعرج الطريق، واختلاط الساعين بأعداد كبيرة من المتسوقين، مما يشوش على الساعي ويوثر على روحانية المكان، ويسبب إزعاجاً كبير للساعين عند أدائهم لنسكهم .
وكان لوجود المباني المنتشرة حول المسجد الحرام، وضيق الطرق المؤدية إليه، وصعوبة دخول المسجد والخروج منه .
فضلاً عن تضاعف عدد الحجّاج والزوّار القادمين للحرمين الشريفين، مما جعل الحاجة ملحَّة إلى توسعة الحرم المكي توسعة تتلاءم والأعداد الكبيرة من الوافدين إلى البلاد المقدسة، فواكب ذلك اهتمام الدولة السعودية بتوسعة المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف.
ولهذا أمر الملك سعود رحمه الله في عام 1368هـ بالبدء في توسعة شاملة لبيت الله الحرام وعمارته في ثلاث مراحل شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة في الجهة المقابلة للمسجد شرق المسعى، وكان منها : المدرسة المحمدية الابتدائية، وكذلك إزالة المباني التي كانت قريبة من المروة، ثم بدئ في بناء الدور الأرضي من المسعى وإدخاله داخل المسجد الحرام، ومن ثم تم بناء الطابقين اللذين في المسعى واللذين سبق الإشارة إليهما لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الساعين، وبلغ طول المسعى (395 متراً )، وبعرض (20 متراً)، وبلغ ارتفاع الدور الأرضي للمسعى (11.75 متراً) والدور الثاني (8.5 متراً ) مع إقامة حائط طولي ذي اتجاهين، وتخصيص مسار مزدوج يستخدمه العجزة الذين يستعينون بالكراسي المتحركة في سعيهم مع إقامة حاجز في وسط المسعى يقسمه إلى قسمين لتيسير عملية السعي. ونتيجة لهذه التعديلات والترميمات دمج المسعى داخل مباني المسجد الحرام.
ثم جرى حفر مجرى للسيل، صمم ليكون مغطى بعرض خمسة أمتار وارتفاع يتراوح مابين أربعة إلى ستة أمتار في المنطقة الواقعة من بداية جدار المسعى الشرقي، ويستمر في منطقة المسعى مما يلي باب الصفا وباب علي بمسافة (70 متراً تقريباً) .
كما أنشئ للحرم 16 بابًا في الجهة الشرقية (ناحية المسعى)، كما تمّ إنشاء درج ذي مسارين لكلّ من الصّفا والمروة؛ خصّص أحدهما للصّعود والآخر للهبوط. كما أنشئ مجرى بعرض خمسة أمتار وارتفاع يتراوح ما بين أربعة وستة أمتار لتحويل مجرى السّيل الذي كان يخترق المسعى ويتسرّب إلى داخل الحرم، واستمرت هذه التوسعات والإنشاءات حتى عام 1383هـ .
وفي عام 1374هـ أصدر سمو وزير الداخلية آنذاك الأمير عبد الله الفيصل قراراً شفهياً لهيئة المحكمة الكبرى بمكة المكرمة للوقوف على الميل القائم والبارز بالمسعى من جهة الصفا، لتنفيذ إرادة الملك سعود - رحمه لله - بإضافة دار آل الشيبي، ومحل الأغوات الواقعين بين موضع السعي من جهة الصفا وبين الشارع العام الملاصق للمسجد الحرام مما يلي باب الصفا، وتقرير ما يلزم شرطاً بشأن الميل المذكور .
وإنفاذا لهذه التوجيهات، فقد قامت الهيئة المعنية بالوقوف على الميل المذكور، مصطحبين معهم مهندس فنياً، وجرى البحث فيما يتعلق بتحديد عرض السعى مما يلي الصفا، وقد أصدرت اللجنة قراراً برقم (35) بتاريخ 23/9/1374هـ نصه : (( أن هذا الميل يقع على يسار الخارج، من باب الصفا القاصد إلى الصفا، وفي مقابل هذا الميل من الجهة الغربية على مسامتة ميل آخر ملتصق بدار الأشراف المناعمة، بينهما طريق الخارج من باب الصفا في سيره إلى الصفا، وما بين الميل الأول المذكور الذي بركن دار الشيبي المنتزعة ملكيتها حالا والمضافة إلى الصفا، وبين الميل الذي بركن دار المناعمة ثمانية أمتار وثلاثون سنتيمترا، هي سبعة عشر ذراعاً، ومن دار المفتاح التي تقع بين الساعي من الصفا إلى الميل الأول الواقع بدار الشيبي تسعة عشر متراً وثمانين سنتيمترا، كما أن بين الميل الذي بقرب الخاسكية ببطن الوادي، والميل الذي يجاريه بركن المسجد الحرام ستة عشر متراً ونصف متر، كما أن بين الميل الذي بدار العباس وباب العباس ستة عشر متراً ونصف متر تقريباً، هذا التقرير الفني من حيث المساحة )) .
ثم جاء في التقرير ذاته تحت عنوان : ثانياً ما نصه : (( قد جرت مراجعة كلام العلماء فيما يتعلق بذلك، قال في صحيح البخاري، باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة وقال ابن عمر رضي الله عنهما : السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين)) ( ) . قال في الفتح ( ) : (( نزل ابن عمر من الصفا حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة، ومن طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال : رأيت ابن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق بن أبي حسين قال سفيان هو بين هذين العلمين )) انتهى( ) .
والمقصود بهذا والله أعلم : سعيه في بطن الوادي، ولم نجد للحنابلة تجديداً لعرض المسعى .
ثم ساق التقرير المذكور قول ابن قدامة في المغني وفي الشرح الكبير، وكلام النووي والرملي من علماء الشافعية في تفصيل ذلك، وهو نفس القول الذي أوردته مفصلاً في بحثنا هذا ص (33) .
ثم أوردوا في تقريرهم كلام المؤرخين، فذكروا كلام الأزرقي والذي نصه : ((وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً ونصف ذراع، ومن العلم الذي على باب العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعاً )) .
ثم نقل كلام الإمام قطب الدين الحنفي في تأريخه : المسعى بالأعلام، لما ذكر قصة تَعَدِّ ابن الزَمِن على اغتصاب البعض من عرض المسعى في سلطنة الملك الأشراف قايتباي المحمودي إلا أن قاضي مكة وعلمائها أنكروا عليه، وقالوا له في وجهه : إن عرض المسعى كان خمسة وثلاثون ذراعاً، وأحضر النقل من تأريخ الفاكهي، وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرون ذراعاً ... إلخ .
وقال باسلامة في تاريخه ( عمارة المسجد الحرام ) : وذرع ما بين العلم الذي عند باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على دار العباس بن عبد المطلب، وبينهما عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعاً ونصف، ومن العلم الذي على باب دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذائه العلم الذي في حد المنارة وبينهما الوادي مائة ذراع وإحدى وعشرون ذراعاً . انتهى .
ثم أفاد التقرير بأن أعضاء الهيئة قاموا بمراجعة صكوك دار الشيبي، فوجد أن أقدمها صك مسجل بسجل المحكمة الكبرى بمكة بعدد (57) بتاريخ 25 محرم 1271هـ قال في حدودها :
شرقاً : الحوش الذي هو وقف الواقف .
وغرباً : الصفا، وفيه الباب .
وشاماً : الدار التي هي وقف خاسكي سلطاني .
ويمناً : الدار التي هي وقف الأيوبي .
قال المسجل : ولم يظهر ما يدل على حدود المسعى كما جرى سؤال أغوات الحرم المكي الشريف عن تاريخ وحدود دارهم التي أضيفت إلى ما هناك، وذكروا أن دارهم في أيديهم من نحو ثمانمائة سنة، وليست لها صكوك، ولا وثائق، هكذا .
وحيث أن الحال ما ذكر بعاليه، ونظراً إلى أنه في أوقات الزحمة عندما ينصرف بعض الجهال من أهل البوادي ونحوهم [ ... ] ( )، الصفا قاصد المروة يلتوي كثيراً حتى يسقط في الشارع العام، فيخرج من حد الطول من ناحية باب الصفا، والعرض معاً، ويخالف المقصود من البينية ( بين الصفا والمروة ) وحيث أن الأصل في السعي عدم وجود بناء، وأن البناء حادث قديماً وحديثاً وأن مكان السعي تعبدي، وإن الالتواء اليسير لا يضر لأن التحديد المذكور بعاليه للعرض تقريبي بخلاف الالتواء الكثير، كما تقدمت الإشارة إليه في كلامهم، فإننا نقرر ما يلي :
لا بأس ببقاء العلم الأخضر موضوع البحث الذي بين دار الشيبي ومحل الأغوات الموالين لأنه أثري، والظاهر أن لوضعه معنى ولمسامتته ومطابقته الميلين بباطن الوادي، بين الصفا والمروة على ألا يتجاوز الساعي حين يسعى من الصفا أو يأتي إليه إلى ما كان بين الميل والمسجد مما يلي الشارع العام، وذلك للاحتياط والتقريب .
إننا نرى عرض ما ذكرناه بعاليه على أنظار صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم حفظه الله تعالى .
هذا ما نقرره متفقاً عليه بعد بذلنا الوسع سائلين من الله تعالى السداد والتوفيق.
الهيئة( )
وفي الرابع من شهر ربيع الأول من عام 1375هـ بدأ العمل في هدم المباني الواقعة في مسار الطريق الجديد الذي تقرر فتحه خلف الصفا، كما أزيلت المنشئات السكنية والتجارية التي كانت قائمة في الجهة المقابلة للمسجد شرق المسعى، أو الواقعة في مسار مجرى السيل الجديد، حيث واصلت المعدات أعمالها في حفر مجرى السيل المغطى بعرض خمسة أمتار، وارتفاع يتراوح ما بين أربعة وستة أمتار في المنطقة الواقعة من بداية دار المسعى الشرقي، ويستمر في منطقة المسعى مما يلي باب الصفا، وباب عليَّ بمسافة (70 متراً) .
وفي 22/7/1375هـ صدر الأمر الملكي رقم 15/1/2925 باعتماد الخرائط والتصاميم الجديدة الخاصة بمشروع توسعة المسجد الحرام .
وقد شمل ذلك كل المباني القائمة شرق المسجد الحرام، وحول منطقة الصفا وعلى طول الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد، وتمت إزالة الأنقاض، وحفر الأرض لإنشاء طبقة من الأقبية بارتفاع ثلاثة أمتار ونص المتر تحت أرض المناطق المحيطة بالمسجد، وما أن انتهت أعمال تشييد الأقبية حتى بدئ في بناء الدور الأرضي من المسعى وإدخاله داخل المسجد الحرام، كما تم أيضاً الانتهاء من بناء مجرى السيل الذي بني بكامله بالخرسانة المسلحة بشكل سميك، وقد تم الانتهاء من بنائه عام 1377هـ ، وفي الوقت نفسه تواصلت أعمال البناء في المسعى(1) .
وأقيم فوق منطقة الصفا سقف شكله مستدير مقبب، وفي نهاية المسعى عند قبة الصفا أقيمت منارة عالية جديدة ارتفاعها حوالي (92 متراً)، وبذلك انقطع مرور السيارات والأفراد الذين كانوا يرتادون المتاجر التي كانت في المسعى، وأصبح المعتمرون والحجاج لأول مرة يؤدون نسكهم بين الصفا والمروة وهم في اطمئنان وخشوع تام وبدون أي إزعاج . كما أخذ المصلون يؤدون صلاتهم في المسعى مع جماعة المسجد مما ساعد على تخفيف الزحام الذي يشتد عند إقامة الصلاة في المواسم(2).
كما تم إقامة ممر دائري فوق منطقة الصفا على مستوى الطابق الأول للمسجد والمسعى، بحيث تتصل أروقة الدور الأرضي من الجانب الجنوبي للمسجد بالدور الأرضي من المسعى، وتكون منطقة الصفا حلقة وصل بين الجانبين وعلى مستوى واحد(1) .
وفي عام 1376هـ حدث تصدع في عِقدٍ عند المروة، وخشية من سقوطه على الساعين أصدر سمو ولي العهد الأمير فيصل بن عبد العزيز- رحمه الله - أمراً برقياً ملكياً برقم (10455) وتاريخ 17/9/1376هـ ونصه : (( بحث موضوع عقد المروة الذي ظهر به تصدع، يقتضي اجتماع كل من والدي الشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والسيد علوي مالكي، لمشاهدة التصدع الحاصل واتخاذ قرار بذلك لإجراء اللازم على أساسه )) (2).
وقد اجتمعت تلك اللجنة بناء على هذا التوجيه في عصر يوم الخميس الموافق 18 رمضان عام 1376هـ حول العقد المتصدع عند المروة وشاهدوه، وتوقعوا سقوطه متصدعا سيما من ركنه الشرقي، وفي وسطه تصدع يخشى سقوطه على الساعين لانهياره وقدمه، مع الاحتفاظ بمحله، فوجدت اللجنة أن بقائه فيه ضرراً على الساعين، فقررت هدم هذا العقد المتصدع إزالة للضرر، وللمصلحة .
وفي عام 1378هـ صدر التوجيه السامي لمقام وزارة الداخلية بالنظر في مشروعية المصعدين الذين أقيما ليؤديا إلى الصفا، وبناء على ذلك صدر أمر وزارة الداخلية رقم (1053) وتاريخ 28/1/1378هـ للجنة المكونة من كل من: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن جاسر، ووالدي الشيخ عبد الله بن دهيش، والسيد علوي مالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، بحضور صالح قزاز، وعبد الله بن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن للنظر في بناء المصعدين المؤديين إلى الصفا لمعرفة ما إذا كان في ذلك مخالفة للمصعد الشرعي القديم .
وقد جرى وقوف أعضاء اللجنة المذكورين على المصعدين اللذين جرى بنائهما هناك من قبل مكتب مشروع توسعة المسجد الحرام( ) .
وبعد دراسة الموضوع ومذاكرته فيما بين اللجنة اتضح للجنة المذكورة أن المصعد الشرقي المواجه للمروة هو مصعد غير شرعي، لأن الراقي عليه لا يستقبل القبلة، كما هو السنة، وإذا حصل الصعود من ناحيته فلا يتأتى بذلك استيعاب ما بين الصفا والمروة المطلوب شرعاً، وبناء على ذلك فإن اللجنة رأت إزالة المصعد والاكتفاء بالمصعد الثاني المبني في موضع المصعد القديم، لأن الراقي عليه يستقبل القبلة، كما هو السنة، كما أن مكان الصعود والنزول من ناحيته يحصل به الاستيعاب المطلوب شرعاً، ونظراً لكون مكان الصعود المذكور يحتاج إلى التوسعة بقدر الإمكان ليتهيأ الوقوف عليه من أكبر عدد ممكن من الساعين فيما بين الصفا والمروة وليخفف بذلك الضغط خصوصاً في أيام المواسم وكثرة الحجيج، وبالنظر لكون الصفا شرعاً هو الصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس، ولكون الصخرات المذكورة جميعها موضع للوقوف عليها، وحيث أن الصخرات المذكورة لا تزال موجودة للآن وبادية للعيان، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضاً، فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعاً من توسيع مكان الصعود المذكور بقدر عرض الصفا، وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهايته محاذيا الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتت موضع العقود القديمة فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر متراً، وعليه فلا مانع من توسعة مكان الصعود المذكور في حدود العرض الموجود على أن يكون مكان الصعود متجهاً إلى ناحية الكعبة المشرفة ليحصل بذلك استقبال القبلة كما هو السنة، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعاً، وبالنظر لكون الدرج الموجود حالياً - المقصود في زمن اللجنة - هو 14 درجة فقد رأت اللجنة أن تستبدل الست درجات السفلى منها بمزلقان يكون انحداره نسبياً حتى يتمكن الساعي من الوصول إلى نهايتها باعتباره من أرض المسعى وليتحقق بذلك الاستيعاب المطلوب شرعاً، ثم يكون ابتداء الدرج فوق المزلقان المذكور، ويكون من ثم ابتداء المسعى من ناحية الصفا ثانياً .
كما وقفت اللجنة أيضاً على المروة فتبين لها بعد الاطلاع على الخرائط القديمة والحديثة للمسعى، وبعد تطبيق الذرع للمسافة فيما بين الصفا والمروة، كما نص على ذلك الإمام الأزرقي، والإمام الفاسي في تاريخهما بان المسافة المذكورة تنتهي عند مواجهة موضع العقد القديم من المروة، وهو الموضع الذي أقيم فيه الجسر في الناحية الجديدة، وبذلك يكون المدرج الذي انشىء أمام الجسر، والذي يبلغ عدده ستة عشرة درجة جميعه واقع في أرض المسعى، وقد يجهل كثير من الناس ضرورة الصعود إلى نهاية الست عشرة درجة المذكورة ويعودون من أسفل الدرج ، كما هو مشاهد من حال كثير من الناس، فلا يتم بذلك سعيهم، لذلك رأت اللجنة ضرورة إزالة الدرج المذكورة، وبعد تداول الرأي مع المهندسين والإطلاع على الخريطة القديمة تقرر استبدال الدرج المذكورة بمزلقان ينحدر نسبياً ابتداء من واجهة الجسر المذكور إلى النقطة التي عينها المهندسون المختصون بمسافة يبلغ طولها (32 متراً)، وبذلك يتحتم على الساعين الوصول إلى الحد المطلوب شرعاً، وهو مكان العقد القديم الذي وضع في مكانه الجسر الجديد باعتبار المزلقان المذكور من أرض المسعى، ثم تكون الثلاث درجات التي تحت الجسر هي مبدأ الصعود للمروة وتكون هذه النقطة هي نهاية المسعى من جهة المروة، ثم ختمت اللجنة المذكورة تقريرها بالتوقيع( ).
وفي تاريخ 30/1/1380هـ وجه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي عام المملكة ورئيس قضاتها خطاباً إلى الملك سعود رحمه الله برقم (503) حول توسعة الصفا، هذا نصه : (( من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : فبناء على أمركم الكريم المبلغ إلينا من الشيخ يوسف ياسين في العام الماضي حول تنبيه الابن عبد العزيز على وضع الصفا ومراجعة ابن لادن لجلالتكم في ذلك، وحيث قد وعدتم جلالتكم بالنظر في موضوع الصفا، ففي هذا العام بمكة المكرمة بحثنا ذلك وتقرر لدي ولدى المشايخ : الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ علوي عباس مالكي، والأخ الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ عبد العزيز ابن رشيد على أن المحل المحجور بالأخشاب في أسفل الصفا داخل في الصفا ما عدا فسحة الأرض الواقعة على يمين النازل من الصفا، فإننا لم نتحقق أنها من الصفا، أما باقي المحجور بالأخشاب فهو داخل في مسمى الصفا، ومن وقف عليه فقد وقف على الصفا، كما هو مشاهد، ونرى أن ما كان مسامتا للجدار القديم الموجود حتى ينتهي إلى صبة الأسمنت التي وضع فيها أسياخ الحديد هو منتهى محل الوقوف من اليمين للنازل من الصفا، أما إذا نزل الساعي من الصفا، فإن الذي نراه أن جميع ما أدخلته هذه العمارة الجديدة فإنه يشمله اسم المسعى، لأنه ادخل في مسمى ما بين الصفا والمروة، ويصدق على من سعى في ذلك أنه سعى بين الصفا والمروة، هذا وعند إزالة هذا الحاجز والتحديد بالفعل ينبغي حضور كل من المشايخ الأخ عبد الملك، والشيخ علوي مالكي، والشيخ عبد الله بن جاسر، والشيخ عبد الله بن دهيش، حتى يحصل تطبيق ما قرر هنا وبالله التوفيق )) ( ).
وبناء على خطاب سماحة المفتي المذكور، تم رفع الأمر إلى الأمير فيصل - وكان آنذاك ولياً للعهد - بخطاب رئيس الديوان الملكي رقم 27/4/2/238 بتاريخ 11/2/1380هـ ، ثم اصدر الأمير فيصل أمره رقم 3561 وتاريخ 17/2/1380هـ باجتماع اللجنة المكونة من : الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والسيد علوي مالكي، والشيخ عبد الله بن جاسر، ووالدي الشيخ عبد الله بن دهيش، والمقاول الشيخ محمد بن لادن .
واجتمعت اللجنة في عصر يوم السبت الموافق 24/4/1380هـ بموقع الصفا، وقد اتخذوا قراراً استعرضوا في مقدمته ما جاء في خطاب سماحة المفتي الموجه للملك سعود والمذكور فيما سبق، وهذا نص ما خلصت إليه اللجنة : (( فاعتماداً على ذلك حصل التطبيق لما قرره سماحة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم المرفوع لصاحب الجلالة الملك المعظم برقم (503) في 30/1/1380هـ وبعد الإحاطة بما تضمنته المذكرة والقرار المذكور بخصوص موضوع الصفا جرى إزالة الحاجز الخشبي والتطبيق لما قرره سماحته والتحديد بالفعل بحضورنا جميعاً، واتفاقنا على ذلك، وعلى هذا حصل التوقيع )) ( ).
ثم وقعوا بصفتهم الوظيفية، وهم : (1) رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة . (2) عضو رئاسة القضاة بالمنطقة الغربية . (3) مدرس بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح . (4) الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف بالحجاز . (5) المعلم القائم بأعمال عمارة المسجد الحرام المكي وعمارة المسعى .
وفي شعبان من عام 1380هـ تمت إزالة مركز الصفا والمباني التي خلفه وضمها للمسعى(1) .
وفي عام 1386هـ في عهد الملك فيصل رحمه الله تم تشييد قبة الصفا المقببة، وكسوة واجهات الدور الأول من المسعى وأعمدته وأرضيته بالرخام، وتغطية سقفه بالزخارف المصنوعة من الحجر الصناعي الملون، وقد أصبحت مساحة المسعى بعد أن ألحق بالمسجد (16.700 متراً) للطابقين(2) .
وفي عهد الملك خالد رحمه الله تم تركيب مكيفات صحراوية ومراوح عادية في المسعى لتقليل درجات الحرارة، ووقاية الساعين بين الصفا والمروة من شدة الحر، وتم أيضاً تركيب حواجز معدنية على جانبي الحاجز الأوسط بطول ممر السعي بالدور الأرضي بعرض متر واحد في كل اتجاه لتكون ممراً لعربات العجزة والمعاقين الراغبين في السعي من الحجاج والمعتمرين ، وأيضاً تمت تغطية المنحدرات في منطقة جبلي الصفا والمروة برخام محفور مانع للانزلاق، وميسر للحركة صعوداً وهبوطاً للساعين(3).
وفي عهد الملك فهد رحمه الله شهد الحرمان الشريفان أكبر توسعة على مر التاريخ، فكانت توسعة عملاقة شهد بها القاصي والداني، ويسرت كثيراً على حجاج وزوار الحرمين، فكانت أكبر توسعة معتمدة على تكنولوجيات البناء الحديث، وزاد من مساحة الحرم، وساحات حول الحرم لاستيعاب الزيادة المطردة في جموع المصلين، مع تركيب مكيفات وثريات إضائية كبيرة وعملاقة ذات شكل جميل، وقد حظي المسعى باهتمام كبير ضمن هذه التوسعة فتم توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلا للساعين؛ وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا، عام 1415هـ .
وفي عام 1417هـ تم أيضًا إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع، حتى صارت مساحة المنطقة (375) مترًا مربعًا بدلا من المساحة السابقة وهي (245) مترًا مربعًا.
وفي العام نفسه حصلت أيضًا توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول، وأُحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المروة.
وفي العام التالي تم إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام. ويبلغ طول الجسر 72.5 مترًا، ويتراوح عرضه من عشرة أمتار ونصف إلى أحد عشر مترًا ونصف، وتم تنفيذه وفق أحدث التصاميم الإنشائية، وبما يتناسق مع الشكل الخارجي للمسجد الحرام، مع توسعة الممر الملاصق للمسعى الذي يستعمل للسعي بالطابق الأول في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى؛ حيث تمت توسعته، فأصبح عرضه تسعة أمتار وعشرين سنتيمترًا، ويبلغ طوله سبعين مترًا.
أراء العلماء واللجان في تعديل وتوسعة مسار المسعى :
أما عرض المسعى فأقدم من ذكر ذلك من المؤرخين :
1. الإمام أبو الوليد الأزرقي فإنه قال: عرض المسعى خمس وثلاثون ذراعاً ونصف(1).
2. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي: عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعاً، واثنتا عشرة إصبعاً(2). ونقل ذلك عنه تقي الدين الفاسي(3).
3. وقال الشيخ باسلامة: وعرض المسعى: ستة وثلاثون ذراعاً ونصف(4).
4. وقال الشيخ محمد طاهر كردي: وعرضه 20 متراً(5).
أما عرض المسعى عند الفقهاء فلم أجد للحنابلة رحمهم الله تحديداً لعرضه.
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: أنه يستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا فيرقى عليه حتى يرى الكعبة(6).
وقال في الشرح الكبير: فإن ترك مما بينهما - أي بين الصفا والمروة - ولو ذراعاً لم يجزئه حتى يأتي به.
هذا كلامهم في طول المسعى، ولم يذكروا تحديداً لعرضه.
وقال الإمام النووي: قال الشافعي والأصحاب: لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فمن مرّ وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه، لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره، كالطواف، قال أبو على البندنيجي في كتابه ((الجامع)): موضع السعي بطن الوادي.
قال الشافعي في القديم: فإن التوي شيئاً يسيراً أجزأه ولو أعدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجزئه، وكذا قال الدرامي: إن التوى في السعي يسيراً جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا(1).
وقال شمس الدين الرملي الشافعي: ولم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة، كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر. كما نص عليه الشافعي رحمه الله(2) .
وفي حاشية تحفة المحتاج شرح المنهاج بعد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله، قال عَقِبه: الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذا لا نص فيه يحفظ عن السُّنة، فلا يضر الالتواء اليسير لذلك، بخلاف الكثير، فإنه يخرج عن تقدير العرض ولو على التقريب(3) .
لقد أجمع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه، فإن ترك جزءا ولو صغيرا بطل سعيه، حتى لو كان راكبا اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقي بينهما فرجة عند الشافعي. وقال غيره: لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماما عرفا.
ولابد من الصعود على الصفا والمروة والذكر والدعاء عليهما كلما وصل إلى أحدهما ، وأن يذكر الله تعالى ويدعو وهو عليهما بما أحب، والدعاء بالوارد أفضل، عن جابر بن عبد الله حينما روى حجة الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ثم خرج إلى الصفا، ثم قال (( نبدأ بما بدأ الله به ))، وقرأ : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ }، فرقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم - أو غلب - الأحزاب وحده )) ثم دعا ورجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى حتى إذا أتى المروة فرقى عليها حتى إذا نظر إلى البيت قال عليها كما قال على الصفا(1) .
ويسن إذا صعد على الصفا أن يستقبل الكعبة عند الذكر الوارد، عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر وهو على : الصفا يدعو ويقول : (( اللهم إنك قلت : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }(2) وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني إلى الإسلام ألا تنزعه منى حتى تتوفاني وأنا مسلم ))(3) . والمرأة في كل ذلك مثل الرجل غير أنها تختار وقتا لا زحام فيه إن أمكن ذلك .
ويجب على الساعي المشي وعدم الركوب إلا لعذر، قال الشافعي وأحمد : المشي في السعي سنة، وقال الأحناف ومالك : هو واجب إلا لعذر كعدم القدرة على المشي، أو لتعليم الناس، كما فعل صلى الله عليه وسلم ، والذي يظهر أن المشي سنة وليس واجباً .
ويمشي الساعي متمهلا حتى يصل إلى ما بين الميلين الأخضرين فيسن له الرمل إلا لعذر، ولا رمل على النساء. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرع بين الميلين، وكان يسمى ما بينهما : بطن الوادي. وله أن يخرج من باب الصفا، بعد الانتهاء من سعيه.
وخلال الأعوام 1374هـ ، 1378هـ،1380هـ شكلت لجنة لدراسة وضع الصفا والمروة وإضافة دار آل الشيبي، ومحل الأغوات الواقعين بين موضع السعي، من كل من الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، ووالدي الشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ عبد الله بن جاسر، والسيد علوي مالكي، والشيخ يحي أمان. وقد جاء من ضمن قرار اللجنة وحيثياته ما يلي :
(( أنه في أوقات الزحمة عندما ينصرف الجهال من أهل البوادي ونحوهم من الصفا قاصدين المروة يلتوي كثيراً حتى يسقط في الشارع العام فيخرج من حد الطول من ناحية باب الصفا والعرض المقصود من البينية (بين الصفا والمروة) وحيث أن الأصل في السعي عدم وجود بناء، أن البناء حادث قديماً وحديثاً وأن مكان السعي تعبدي، وأن الالتواء اليسير لا يضر، لأن التحديد المذكور بعاليه للعرض تقريبي بخلاف الالتواء الكثير، كما تقدمت الإشارة إليه، فلا بأس ببقاء العلم الخضر موضوع البحث الذي بين دار الشيبي ومحل الأغوات لأنه أثري. والظاهر أن لوضعه معنى ولمسامتته ومطابقته الميلين بباطن الوادي مكان السعي، ولا بأس من السعي في موضع دار الشيبي لأنها على مسامتت بطن الوادي بين الصفا والمروة، على أن لا يتجاوز الساعي حين يسعى الشارع العام وذلك للاحتياط والتقريب( ).
أن الصفا شرعاً هو: الصَّخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس، ولكون الصخرات المذكورة جميعها موضع للوقوف عليها. وحيث أن الصخرات المذكورة لا تزال موجودة، وبادية للعيان، ولكون العقود الثلاثة القديمة لم تستوعب كامل الصخرات عرضاً فقد رأت اللجنة أنه لا مانع شرعاً من توسيع مكان الصعود بقدر عرض الصفا.
وبناءً على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتت موضع العقود القديمة، فظهر أن العرض يبلغ ستة عشر متراً، وعليه فلا مانع من توسعة مكان الصعود المذكور في حدود العرض المذكور على أن يكون الصاعد متجهاً إلى ناحية الكعبة المشرفة ليحصل بذلك استقبال القبلة، كما هو السنّة، وليحصل الاستيعاب المطلوب شرعاً )) .
المقترحات:
ذكرنا فيما سبق الجهود المبذولة من حكومة المملكة العربية السعودية الرشيدة في العناية بالحرمين الشريفين، وبذل كل غالً في سبيل تذليل كل الصعاب التي تعترض حجاج بيت الله الحرام وزواره، خاصة وأن الأعداد التي تفد إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة في زيادة مطردة تفوق كل التصورات، حتى أن المسجد الحرام الذي شهد أكبر توسعة في تاريخه قام بها الملك فهد رحمه الله يشهد ازدحاماً هائلاً - بالرغم من تلك الزيادة التي شهدها، والساحات التي وفرت لاستيعاب الحجاج والمعتمرين - وجميع الأماكن المقدسة في مكة والمشاعر تشهد ازدحاماً هائلاً، ومن ذلك المسعى بين الصفا والمروة .
وقد أجمع العلماء على ضرورة السعي في المسعى جميعه، والمراد من ذلك ألا يترك أي جزء من المسافة بين الصفا والمروة بغير سعي فيه، فإن ترك جزءاً ولو صغيراً بطل سعيه، حتى لو كان راكباً اشترط أن تضع الدابة حافرها على الجبل، ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل بحيث لا يبقي بينهما فرجة عند الشافعي. وقال غيره: لا يطلب إلصاق الرجل بجبل الصفا أو جبل المروة، إنما المطلوب هو ما يعتبر إتماماً عرفاً .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : (( السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين ))(1)
فيفهم من قول ابن عمر أن تحديد المسعى إنما كان في مبتدئه ومنتهاه، ولم يتعرض لعرضه .
حتى أن فقهاء الحنابلة والشافعية لم يتعرضوا لعرض المسعى، فقال ابن قدامة: ((يستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا، فيَرْقَى عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها ))(2) .
وجاء في الشرح الكبير : (( فإن ترك ما بينهما شيئا – أي مابين الصفا والمروة – ولو ذراعاً لم يجزئه حتى يأتي به ))(3) .
فكلام أكثر الفقهاء كان على طول المسعى، وليس عرضه، فالواجب هو استيعاب المسافة من جبل الصفا إلى جبل المروة .
وحيث أن القاعدة الفقهية قد نصت على أن : ((المشقة تجلب التيسير)) . وهذه من القواعد الكلية الكبرى في الفقه الإسلامي، ومعناها : أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف، ومشقة في نفسه، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف واستطاعته دون عسر أو حرج، ولهذه القاعدة أدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول(4) .
ومن فروع هذه القاعدة قاعدة شرعية أخرى هي : (( إذا ضاق الأمر اتسع )) وهذه مأثورة عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى(1) .
وإذا كان الفقهاء قد جوزوا الطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة في الدور العلوي، فإني لا أرى بأس من الزيادة في العرض، إعمالاً للقاعدة الفقهية المنوه عنها سابقاً .
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف بالبيت راكباً بعيره، ولم ينـزل صلى الله عليه وسلم من على ناقته لاستلام الحجر الأسود بيده الشريفة، وإنما كان يشير بمحجن كان في يده إلى الحجر، ثم يقبل المحجن، وكان معه عبد الله بن رواحة آخذ بزمام ناقته وهو يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله
نحن ضربناكـم على تأويله
ضربا يزيل الهـام عن مقيله
قال ابن سعد : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي قال أخبرنا أشياخنا أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على ناقته(2) .
وعن معروف بن خربوذ قال سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن(3) .
فدل ذلك إلى أن العصا التي كانت بيده الشريفة كانت وسيلة اتصال بينه وبين الحجر الأسود، فقد كان يستلم بها الحجر، ثم يقبل العصا صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من باب التيسير على المسلمين .
وقد دل الدليل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج، فعن جابر قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار، مثل حصى الخذف، وقال : (( خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا )) (1) .
وبالرغم أمره الكريم لسائر صحابته رضوان الله عليهم، وكانوا أكثر الناس التزاماً وحرصاً على إتباعه صلوات الله عليه وسلامه، إلا أن النفس البشرية قد غلبت عليهم، وأصابهم النسيان .
ومع ذلك نجد أن الرسول الكريم كان رفيقاً بأمته فأراد لها التيسير والتخفيف، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال : ((اذبح ولا حرج))، فجاء آخر فقال : لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال : (( ارم ولا حرج ))، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : (( افعل ولا حرج ))(2) .
قال ابن حجر العسقلاني : (( إن الدليل دل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله : (( خذوا عني مناسككم )) وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر )) (3) .
ثم أضاف: (( ... مجموع الأحاديث عدة صور، وبقيت عدة صور، لم تذكرها الرواة، إما اختصاراً، وإما لكونها لم تقع، وبلغت بالتقسيم أربعا وعشرين صورة، منها صورة الترتيب المتفق عليها )) (1).
فرخصة رسول الله صلوات الله عليه وسلامه لصحابته الذين سألوه عن تقديم أو تأخير بعض النسك، وهي رخصة نحن في أمس الحاجة إليها الآن، ولا نغفل ما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم وأباحه ورخص فيه عندما أجاب الصحابة رضوان الله عليهم بهذه الإجابة التي تنم عن تيسير .
وحيث أنه توجد في المنطقة الواقعة شرق المسعى ساحة كبيرة خصصت لاستيعاب المصلين، وهي ممتدة حتى حدود مكتبة مكة المكرمة من جهة الشرق، فإني أقترح زيادة المسعى بما يعادل قدر مساحته الحالية من هذه الجهة، ووجود هذه الساحة يسهل إنشاء هذه التوسعة، وذلك بعمل قواعد خراسانية تتصل بأصول جبلي الصفا والمروة، وتستمر في المنطقة المحاذية لمنطقة المسعى، بحيث تصل إلى ضعف المساحة التي هي عليها الآن، على أن تخصص المساحة المقترحة للساعين من الصفا إلى المروة، ويخصص الجزء القديم القائم حالياً للساعين من المروة إلى الصفا .
مع الاستفادة من الأبواب الموجودة على المسعى وعددها (16 باب) لتكون معابر للداخلين إلى المسجد الحرام، مع رفع المسعى الحالي عما هو عليه حالياً بمقدار يتراوح مابين 3 – 4 أمتار، أو إبقائه على حاله، مع خفض الممرات المقترحة أسفل المسعى الحالي، لتمكين المارين إلى داخل المسجد من المرور من تحته من غير مزاحمة الساعين، مع مراعاة التهوية اللازمة، وذلك بالاستعانة بأهل الخبرة من المهندسين والفنيين في ذلك .
وبذلك تتحقق فائدة، وهي : أن من يرغب السعي في المسعى المقترح زيادته سيكون هدفه الأساسي السعي فقط، دون أي هدف آخر كالصلاة ونحوها، كما أن الممرات التي سوف تخصص لمرور المصلين إلى داخل المسجد الحرام ستجعل للمرور انسيابية وسلاسة، ولا يختلط المصلون مع الساعين .
وحيث أن ارتفاع الدور الأول من المسعى يقارب (12 متراً)، فإذا اختزلنا منه (3 أو 4 أمتار) يبقى الارتفاع المقترح من 8 إلى 9 أمتار، وأرى أنه مناسب جداً، ويعمل في الدور الثاني من المسعى ما عمل في الدور الأول .
والمسعى المقترح يربط بجسر، ودرج من داخل المسجد، يصعد إليه من جهة الصفا، حيث مبتدأ السعي، ويعمل جسر مماثل، وكذا درج يهبط به من جهة المروة إلى الساحة الشرقية .
وقد يعترض البعض على هذه التوسعة بحجة أنها خرجت عن حدود جبلي الصفا والمروة .
والإجابة على هذا الاعتراض أن قاعدة الجبل أعرض طبيعة من قمته، وهي ممتدة في الأرض يميناً ويساراً بقدر يسمح بإضافة التوسعة المقترحة .
كما أن الزيادات الهائلة في أعداد الحجاج والزوار والمعتمرين تضطر، وهذا الأمر دفع ولاة الأمر في هذه البلاد السعودية إلى اتخاذ ما يرونه مناسباً للتيسير على المسلمين ودرء المشقة عنهم بما لا يخل بمقاصد الشرع، خاصة في ظل زيادة أعداد المسلمين في العالم والتي بلغت ما يقارب من المليار والنصف، مع تطور وسائل المواصلات، مما جعل القادمين للحج والعمرة في ازدياد مضطرد عاماً بعد آخر؛ حتى زاد عددهم عن المليونين .
فهذه التوسعة تشبه اتصال صفوف المصلين خارج المسجد عند امتلاء المسجد بالمصلين، واللجوء للساحات والشوارع المحيطة به، لأداء الصلاة مع الجماعة، وقد جوز الفقهاء ذلك، طالما اتصلت الصفوف .
وقد استجدت مستجدات، وطرأت أمور تتطلب أن نعيد النظر في مواجهة الأعداد الكبيرة من الحجاج والزوار والمعتمرين، بما لا يمكن بحال أن تستوعبه مساحة كل شعيرة، من هنا أصبح لزاماً علينا التفكير في الحلول المناسبة في ضوء مستجدات العصر، وتفعيل آراء الفقهاء المعتبرين المعتمدة أقوالهم، على اختلاف مذاهبهم، دونما تعصب لمذهب أو لرأى بعينه، ما دام أن ذلك يسهم في بلوغنا الهدف الأسمى وهو أداء نسك صحيح، مع الحفاظ على سلامة الحجاج والزوار والمعتمرين والمصلين، دون خروج عن مقاصد الشرع الشريف،
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين ..

كتبه
أ.د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
مكــة المـكرمــة
رمضان 1427هـ
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المسعى بعد التوسعة الجديدة
أ.د. سعود بن عبد الله الفنيسان 6/12/1428
15/12/2007

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
كثر الكلام عن حكم السعي في الزيادة في المسعى بعد توسعته الحالية بين العامة وبعض طلاب العلم فأحببت أن أقف بعض وقفات مختصرة حول هذا الموضوع مما يفيد الجاهل ويذكر طالب العلم:
الوقفة الأولى:
إن الله سبحانه حدد المشاعر لخليل الله إبراهيم عليه السلام وسماها الله مقاما لخليله وأمر الأنبياء وأممهم بإتباعها والوقوف عند حدودها فقال: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. ومقام إبراهيم فسر بأنه موضع القدمين لإبراهيم عليه السلام حينما كان يبني الكعبة مع ابنه إسماعيل كما قال تعالى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة:127]. وهو اليوم داخل زجاج بلوري مقابل باب الكعبة. والمراد باتخاذه مصلى: أداء ركعتي الطواف خلفه وهذا قول جمهور المفسرين. وفسر بعض العلماء (المقام) بالحرم كله أي ما بين الأميال مما يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر والظلم والقتال، وليس المسجد الذي في جوفه الكعبة ومحاط بالجدران وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه: "باب من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خارجاً من الحرم" وطاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلاة الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى (الأبطح) وأخرج البخاري بإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وهو بمكة لما أراد الخروج: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت" ومن هذا الحديث أخذ جمهور العلماء أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حل أو حرم. قال ابن المنذر احتملت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لآية: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً" [البقرة:125]. حين صلى ركعتي الطواف خلف المقام أن تكون صلاة الركعتين خلفه فرضا ولكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئة ركعتا الطواف حيث شاء. وليس ذلك أكثر من صلاة المكتوبة. ولعل الخلاف مبني على ما هو المراد بـ(المسجد الحرام) فتبين أن (مقام إبراهيم) و(المسجد الحرام) فيهما قولان:
الأول: المسجد الحرام هو الذي وسطه الكعبة والمحاط بالجدران. ومقام إبراهيم: موضع القدمين لخليل الله إبراهيم عليه السلام.
الثاني: أن المسجد الحرام ومقام إبراهيم هو الحرم كله الذي يحرم فيه قتل الصيد وقطع الشجر فمعظم مساكن ومساجد مكة في هذا القول داخله في المسجد الحرام تضاعف فيها الحسنات.
الوقفة الثانية:
معلوم أن الحرم كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز بعض صحن المطاف اليوم ولا زال الخلفاء والحكام على مدار التاريخ يوسعون فيه لحاجة الناس وتزايد أعدادهم وأكبر توسعة حصلت في تاريخ المسجد الحرام حتى يومنا هذا هي توسعة الحكومة السعودية وفقهما الله.
وكل زيادة في مساحة المسجد تعتبر شرعاً داخله فيه إذا القاعدة عند الفقهاء (أن الزيادة لها حكم المزيد) (وما بين الشرق والغرب قبله) فلو أدخلت بعض أحياء مكة في الحرم لكانت مسجداً.
الوقفة الثالثة:
طول المسعى هو ما بين جبل الصفا –وهو جبل أبي قبيس- والمروة وهو جبل قيقعان. والجبلان معروفان يشاهد كل الناس أجزاء منها بادية للعيان حتى بعد التوسعات المتكررة فمسافة المعسى في الطول معلومة عند الفقهاء والمؤرخين فالفقهاء نصوا على وجوب استيعاب الساعي مسافة ما بين الجبليين فقط ولا يلزم صعودهما.
أما المؤرخون فيحددون ما بينهما بالأذرع والأصابع أحياناً.
يقول المؤرخ الثقة أبو الوليد الأزرقي تـ(340)هـ في كتابه أخبار مكة (2/95) (... وذرع ما بين الصفا والمروة سبعمائة ذراع وستة وستون ذرعاً ونصف ذراع (766.5) وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذاءه على باب دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى: خمسة وثلاثون ذراعا ونصف (35.5) ومن العلم الذي على دار العباس إلى العلم الذي عند دار ابن عباد الذي بحذاء العلم في حد العمارة بينهما مائة ذراع وواحد وعشرون ذراعاً (121) قلت: وهذا طول المسيل أو الوادي الذي يرمل فيه بين العلمين.
وذكر البكري تـ(487)هـ في كتابه (المسالك والممالك) (1/309): أن طول المسافة ما بين العلمين في المسعى هي (112) ذراعاً أي بما يقل عما حدده الأزرقي بـ(9) أذرع.
واختلف المؤرخون في تقدير ما زاد على الذراع في ما بين الصفا والمروة أو ما بين العلمين فمحمد بن إسحاق الفاكهي: يقدر نصف الذراع بـ(20) إصبعا. وقدر البكري نصف الذراع في عرض المسعى بـ(12) إصبعا في حين أن الأزرقي اكتفى بذكر نصف الذراع مجمل دون تحديده بالأصابع.
الوقفة الرابعة:
وجدت في مصنف ابن أبي شيبة صـ(260) قولا لإمام مجاهد ابن جبر تلميذ ابن عباس رضي الله عنه يقول في ما بين العلمين في المسعى: (هذا بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الناس انتقصوا منه) وذكر الإمام ابن كثير تـ(774)هـ في كتابه البداية (وقال بعض العلماء: ما بين هذه الأميال أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإذا كان مجاهد ابن جبر يرى أن الناس في زمنه انتقصوا من مساحة بطن الوادي –الذي يرمل فيه- وابن كثير بعد أكثر من سبعمائة سنة يرى أن الناس وسعوا من مساحة بطن الوادي.
الوقفة الخامسة:
وإذا كان عرض المسعى كما قال الأزرقي (35.5) خمسة وثلاثون ذراعا ونصف الذراع وإذا كان (المتر) في قياسنا اليوم يساوي ذراعين تقريباً فعرض المسعى الحالي يقرب من (ثمانية عشر متراً) أو تزيد. وزيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وفقه الله تقرب من عشرين متراً مع عرض الجدار.


الوقفة السادسة:
لما عرض أمر التوسعة على هيئة كبار العلماء اختلف اجتهادهم في كيفية هذه الزيادة لا في أصلها فمنهم من منع الزيادة في عرض المسعى ورأى أن تكون الزيادة رأسياً بزيادة الأدوار. ومنهم من أجاز الزيادة الأفقية في عرض المسعى وهو الذي عليه جرت توسعة خادم الحرمين الشريفين الحالية. ويظهر لي والله أعلم أن الصواب مع من أجاز توسعة المسعى في عرضه لا في بناء أدوار علياء لمبررات منها:
1- أن تحديد عرض المسعى ليس فيه دليل نصي يوقف عنده بل كل ما نص عليه العلماء هو وجوب الاستيعاب في السعي طولا ما بين جبلي الصفا والمروة. أما عرضه فلم يشر إليه أحد من علماء المذاهب فيما اطلعت عليه. أما المؤرخون فمختلفون في تحديده فما حكاه ابن كثير رحمه الله يخالف قول مجاهد ابن جبر رضي الله عنه. في حين أن ابن كثير يرى أن الناس وسعوه ومجاهد يرى أنهم ضيقوه. ولو كان هناك نص في تحديد عرض المسعى يوقف عنده ما وقع الخلاف.
2- أن جبلي الصفا والمروة في أصلهما أطول وأعرض مما نشاهده في المسعى قبل توسعة الملك عبد الله الحالية.
3- وعلمت أن جماعة من كبار السن والخبرة من سكان مكة أثبتوا شهادتهم في المحكمة الشرعية بمكة المكرمة بأن جبلي الصفا والمروة أعرض وأكبر وأنهما ممتدان من الجهة الشرقية، ومن هؤلاء الشهود من كان بيته على الصفا وبعضهم على المروة.
4- وأخيراً إن توسعة الملك عبد الله الحالية في الدور الأرضي هي أولى من بناء أدوار عليا فالسعي في الدور الأرضي أسهل على الحجاج والمعتمرين إذ الصعود للأدوار حيث لا يستطيع الصعود كبار السن والعجزة والنساء حتى مع وضع السلالم الكهربائية وهي معرضة للأعطال والزحام فالتوسعة الحالية هي عين الصواب. والله أعلم
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سيتم نقل الموضوع إلى ملتقى الفقهي العام
حيث نبهنا أن جميع الموضوعات ستطرح في ذلك القسم حتى يجتمع لنا قسم صالح للتقسيم
وفقك الله وجزاك الله خيرا.
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
قد عثرت على بحث يقوّي المذكور ، كاتبه الدكتور هاني الجبير ،فقد وجدت فيه الاختصار المفيد ، مع نقل كلام الفقهاء في مثل هذه المسألة ؛ أسوقه بطوله بين أيديكم :


الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد وقفتُ على عدة فتاوى وقرارات حول توسعة المسعى، وحكم السعي في الجزء المزيد منه، وحكم من سعى فيه ولم يتمكن من السعي في المسعى القديم لإغلاقه حالاً، ولما كان في بعض هذه الفتاوى والقرارات ما يستدعي مناقشته والوقوف معه، فقد جاءت هذه الكتابة سائلاً الله تعالى العصمة والتوفيق.



أولاً: جاء الأمر بالسعي في الحج والعمرة، ولم يبين القرآن الكريم ولا السنة النبوية مقدار هذا المشعر الذي يتم فيه السعي طولاً ولا عرضاً سوى كون الجبلين (الصفا والمروة) ثَمّ.
وتحديد السعي طولاً بأنه ما بين الجبلين بحيث يلزم الساعي إلصاق عقبه بأصلهما -على الأقل- تحديد فقهي محترم، لكنه لم يرد في النصوص القطعية مثل هذا التحديد.
وتحديد عرض المسعى بأذرع معينة إنما هو تحديد لواقع معين يخبر عنه الذارع، مع أنَّ خبره تقريب وليس تحديداً، ولذا قال الشرواني في حواشيه على تحفة المحتاج (4/98) : (الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ عن السنة فلا يضر الالتواء اليسير لذلك).
وقال الرملي في نهاية المحتاج (3/283): (ولم أرَ في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي).
ولذا زاد بعضهم في عرض المسعى فقدره بستة وثلاثين ذراعاً ونصف.
كما في تاريخ عمارة المسجد الحرام ص: (299) مثلا.
مع أن هذا التحديد هو لبطن الوادي بين جبلي الصفا والمروة الذي حصل عليه اعتداء وبنيت داخله مبان كما قررته اللجنة (انظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 5/143).



ثانيا: بناء المسعى وتحديده بمبان حادث وليس قديماً، ولم يكن المسعى في السابق مبنياً، وقد سبق أن اعتدى على أجزاء منه ثم أزيلت، كما سبق أن وسع وزيد في عرضه وأدخل بعضه داخل المسجد الحرام، ففي صحيح البخاري أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: السعي من دار ابن عباد إلى زقاق بني أبي حسين، وفي حواشي ابن عابدين على البحر الرائق (2/359) قال: (وههنا إشكال عظيم ما رأيت أحداً تعرض له، وهو أن السعي بين الصفا والمروة من الأمور التعبدية في ذلك المكان المخصوص، وعلى ما ذكر الثقات أدخل ذلك المسعى في الحرم الشريف، وحُوذِل ذلك المسعى إلى دار ابن عباد، والمكان الذي يُسعى فيه الآن لا يتحقق أنه من عرض المسعى الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يصح السعي فيه وقد حول عنه محله. ولعل الجواب أن المسعى كان عريضاً، وبنيت تلك الدور بعد ذلك في عرض المسعى القديم، فهدمها المهدي وأدخل بعضها في المسجد الحرام وترك البعض ولم يحول تحويلاً كلياً وإلا لأنكره علماء الدين من الأئمة المجتهدين) انتهى.
ويشهد لذلك أن الرحالة الذين رأوا مكة قديما حددوا المسعى بأن عرضه تارةً عشرة أمتار وتارةً اثنا عشر متراً، مثل محمد صادق باشا في الرحلات الحجازية، والذي زار مكة عدة مرات بين عامي 1277هـ و 1303هـ. انظر الرحلات الحجازية ص: (102، 103) والمسعى القديم أنشئ بعد عامي 1392و 1396هـ بعرض عشرين متراً وطول ثلاثمائة وأربعة وتسعين متراً.



ثالثاً: لم يكن المسعى مستقيماً، بل كان منحنياً متقوساً كما يعرف ذلك من رسومات وصور المسعى القديمة، ومنها الرسوم التي في الرحلات الحجازية والتي تظهر الميلان الواضح.
والمسعى القديم مستقيم غير منحنٍٍ، وهذا يدل على إدخال بعض الأجزاء التي كانت خارجة إليه، أو إخراج بعض ما كان فيه خارجاً عنه.



رابعاً: اللجنة التي شُكِّلت في عام 1374هـ والتي قامت ببيان موضع السعي، وبيان جواز السعي في دار آل الشيبي ودار الأغوات اللتين هدمتا وأدخلتا في المسعى، استندت في رأيها بإدخال دار الشيبي أنها (مسامتة بطن الوادي) وأفادت في ختام رأيها أنه (احتياط وتقريب).
فهذه اللجنة إنما أرادت النظر في إدخال دارين أزيلتا لتكون ضمن المسعى، وليس مدادها تحديد حدود الصفا والمروة تماماً وتحديد ما يدخل في مسامتتهما.
ثم إنها إنما تستند على الواقع المعروف حينها ولا تزيد عليه، ولا تريد أن تحديد كل الحد الشرعي للسعي يدل لذلك أن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- أخبر عن أن الشيخ محمد بن إبراهيم اجتمع بالمشايخ لبحث هذه المسألة، وأن من الحاضرين من قال إن المسعى لا يحد عرضه بأذرع معينة، بل كل ما كان بين الصفا والمروة فإنه داخل في المسعى كما هو ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ومنهم من قال: يقتصر فيه على الموجود ولا يزاد فيه إلا زيادة يسيرة في عرضه وهو قول أكثر الحاضرين. قال الشيخ (ويظهر من حال الشيخ محمد بن إبراهيم أنه يعمل على قول هؤلاء لأنه لا يحب التشويش واعتراض أحد). الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة ص: (285).
فالتحديد الذي على وفقه تمت العمارة القديمة هو الاقتصار على المسعى الموجود آنذاك مع زيادة يسيرة دون استيفاء المكان الشرعي للسعي كله والمحصور بين الصفا والمروة، مع أن قرار اللجنة على فرض أنها أرادت تحديد كل الحد الشرعي لا يعدو كونه رأياً قد يخالفهم فيه غيرهم كما هو الحال في آراء اللجان التي اختلفت في تحديد حدود المشاعر، وحدود الحرم في مكة والمدينة، ولا يزال الخلاف في كل ذلك مستمراً حتى الآن كما هو معلوم.



خامساً: شهد عدد من الشهود كبار السن في المحكمة العامة بمكة على امتداد جبلي الصفا والمروة بأن المسعى أوسع مما هو عليه الآن، وهم من أهالي مكة ممن كان يقيم حول المسعى في مناطق القشاشية وغيرها، وصدرت فتوى الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين المنشورة في هذا الموقع (الإسلام اليوم) المتضمنة مشاهدته الشخصية عام 1369هـ بامتداد الجبل لأكثر من حد المسعى القديم.



سادساً: إذا نظرنا للأمر الشرعي بالسعي نجده أمراً لم يحدد موضع السعي طولاً ولا عرضاً إلا بالفعل النبوي المجرد (والذي لا مفهوم له ولا عموم له كما هو معلوم عند علماء الأصول).
ونجد القرآن الكريم في هذا الشأن يقول: " إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ". [البقر:158].
فالآية الكريمة ذكرت الطواف بهما، والطواف بالشيء هو المشي حوله أو الدوران حوله كما في تاج العروس (6/184) أو هو مطلق المشي. ويشهد لذلك قوله تعالى:" ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ" [الحج:29]. فقال في الموضعين يطوَّف به، والحال أن الطواف بالبيت مشي حوله باتفاق. ولذا قال أبو حيان في تفسيره (2/99) (وظاهر هذا الطواف أن يكون بالصفا والمروة، فمن سعى بينهما من غير صعود عليهما لم يعد طائفاً)، ولذا لما قرر الشافعي وغيره أن من انحرف يسيراً عن موضع السعي أجزأه كان نظره -والله أعلم- إلى عدم التحديد الشرعي له، فلم يكن مع ذلك له أن يفسد سعيه مع ذلك.
مع أن اتصال الشيء بالشيء يعطيه حكمه في الشريعة كما في اتصال الصفوف في الجماعة خارج المسجد، وكما قرره الفقهاء عند الازدحام والطواف تحت السقائف.
ولذا فإن من قواعد الفقه أن ما قارب الشيء أعطي حكمه.



سابعاً: ومع أن الظاهر لدي هو صحة الفتوى القائلة بأن المسعى القديم ليس كل المسعى الشرعي الواقع بين الصفا والمروة بل هو بعضه، وأن الزيادة في المسعى ولو زادت على ما بين الصفا والمروة جائزة ما دام قريباً عرفاً بالمسعى ومتصلاً به، فإن هذه المسألة ليست قطعيّة، بل هي من مسائل الخلاف الظنية التي يسوغ فيها الخلاف ويحتمل الاجتهاد ولا يجوز الإنكار، وأهل العلم يختلفون في مثلها وفي أكبر منها، ولمن اعتبر هذا القول مرجوحاً أن يتأمل في المصالح التي تترتب عليه، فإن المسعى القديم مقفل الآن ولا يتمكن أحد من السعي فيه، فالفتوى بعدم صحة السعي فيه تمنع من العمرة أو تعتبر المحرم محصراً، والأخذ بالقول المرجوح -على فرض ذلك - فيه مصلحة ظاهرة، ونعلم أن الأخذ بالمرجوح للمصلحة جائز، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم في عرضه لبعض آراء شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا من الشيخ -رحمه ا لله- بناء على قاعدة ذكرها في بعض كتبه، وهي أنه إذا ثبتت الضرورة جاز العمل بالقول المرجوح نظراً للمصلحة) (11/272).
ولما سئل عن ذلك الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- قال: (المسائل الاجتهادية مبنية على الاجتهاد، وإذا كان الاجتهاد في الحكم فكذلك في محله، فإذا كانت حال المستفتي أو المحكوم عليه تقتضي أن يعامل معاملة خاصة عمل بمقتضاها). كتاب العلم ص: (226). وذكر ذلك النووي في مقدمة ا لمجموع (1/88)، وابن الصلاح في أدب المفتي والمستفتي (1/46)، وتناولته في بحث بعنوان: (التيسير في الفتوى نشر قديماً).
وبعد فهذه وقفات عجلى موجزة لهذه المسألة، ولي فيها كتابة مفصلة لعلها تنشر قريباً، سائلاً الله تعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
 
أعلى