العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دعوة للمناقشة

إنضم
28 يناير 2009
المشاركات
11
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
القنيطرة
المذهب الفقهي
غير متمذهب
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
عندي سؤال ياإخوان"
هــل صحيح أن أبا حنيفة استتيب من القول بخلق القرأن؟، وهل وافق قول المعتزلة أم الجهمية في مسالة الإيمان؟؟؟؟؟
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
وعليك السلام ورحمة الله
من جهة النسبة في القول بخلق القرآن، فنعم نسب إليه
ويبدو أنه لا يصح لأن المسألة لم تكن مثارة في زمانه من حيث الأصل.
وقد بين الإمامان ابن عبد البر وابن تيمية أنه كان يحسد لفطنته ويخلتق عليه .
كما قد نسب إليه ما لا يمكن أن يقوله رجل يؤمن بالله واليوم الآخر فضلا عمن هو في مثل منزلته
--------
أما في مسألة الإيمان فإنما كان يقول بقول فقهاء أهل الكوفة من قول مرجئة الفقهاء
أما المعتزلة والجمهمية في مسألة الإيمان فهما متباينا جداً
فالعمل عند المعتزلة شرط في صحة الإيمان وعندهم من فعل كبيرة فهو في الدنيا في منزلة بين المنزلتين وفي الآخرة هو في حكم الكفار
أما الجمهمية فقولهم هو أن الإيمان هو المعرفة فقط
--------
https://feqhweb.com/vb/threads/2124
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
28 يناير 2009
المشاركات
11
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
القنيطرة
المذهب الفقهي
غير متمذهب
جزاك الله خيرا أخي قؤاد على المشاركة
أنا معك بالنسبة للأولى و للمزيد،
بالنسبة لمسألة خلق القرأن فقد أورد الخطيب البغدادي في تاريخه"3/384"الروايات عمن حكى عن ابي حنيفة هذا القول وأورد بالسند الصحيح ما يثبت خلاف ذالك
فأخرج بسنده عن أبي بكر المروذي ،قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول:لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول أن القرأن مخلوق.
وروى بسنده عن أبي سليمان الجوزجاني ومعلى بن منصور الرازي قالا:ماتكلم أبو حنيفة ولا أبو يوسف و لا زفر ولا محمد و لا أحد من أصحابهم في القرأن و إنما تكلم في القران بشر المريسي و ابن أبي دؤاد،فهؤلاء شانوا اصحاب ابي حنيفة.
قلت
ثم يتعجب القارئ بعد هذه النقول كيف يقول الخطيب بعد ذالك :أما القول بخلق القرأن،فقد قيل :إنا أبا حنيفة لم يكن يذهب إليه و المشهور عنه أنه كان يقوله،و استتيب منه" ؟؟؟؟؟؟




أما بالنسبة للإيمان قلت"أما في مسألة الإيمان فإنما كان يقول بقول فقهاء أهل الكوفة من قول مرجئة الفقهاء"و هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية ووافقه عليه كثير من العلماء المعاصرين.
والصواب عند البحث و التنقيب أنه الإيمان كان عنده هو المعرفة .ودلت عليه كثير من الأدلة
ساقتصر واحد تجنبا للإطالة.
1/أخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة ص370عن إسحاق الفزاز،قال: كان أبو حنيفة يقول :إيمان إبليس و إيمان أبي بكر الصديق واحد.قال أبو بكر: يارب و قال إبليس:يـارب.
و القول واضح على ما أظن هذا وإن كان هذا خطأ من هذا الإمام العظيم فيغمر في بحر حسناته.رحمه الله ورضي الله عنه.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
1/أخرج عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة ص370عن إسحاق الفزاز،قال: كان أبو حنيفة يقول :إيمان إبليس و إيمان أبي بكر الصديق واحد.قال أبو بكر: يارب و قال إبليس:يـارب.
و القول واضح على ما أظن هذا وإن كان هذا خطأ من هذا الإمام العظيم فيغمر في بحر حسناته.رحمه الله ورضي الله عنه.
أخي الكريم:
يعني إيمان إبليس وأبي بكر سواء عند الإمام أبي حنيفة
هذا ما لا يمكن أن يقع من أحد فسقة أو فجار المسلمين فضلا عن أبي حنيفة الإمام الذي سلم له القاصي والداني بديانة متينة وورع ثخين.
وما لا مجال لدي الآن للبحث لأثبت لك أن الاختلاق على أبي حنيفة شيء من الظهور بمكان، ومن جنس هذه الحكاية أصناف وألوان يجزم العارفون ببطلانها منذ الوهلة الأولى، ولله في خلقه شؤوون.
 
إنضم
28 يناير 2009
المشاركات
11
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
القنيطرة
المذهب الفقهي
غير متمذهب
أنا يا أخي ما سطرت هذه الاحرف تنقصا لهذا الإمام ،ولاكنها أقوال مسندة إليه ،فما العمل أنضرب به عرض الحائط ونقول الإمام لا يمكن أن يقول كذا ،و لا يصدرمنه كذا.....
فالواجب على طالب العلم الصادق أن يترفع عن هذه المسائل ويبحث في المسائل المنسوبة لأي كان في مظانها و يردها إن كانت باطلة بالدليل و البرهان ،لا بالدعاوي و الظنون
وأنا ماكتبت هذه المشاركة إلا لكي ازيد إطلاعا على هذه المسألة .
و الله الموفق لكل خير
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لا عليك أخي...
بالمناسبة د. يوسف الغفيص عضو هيئة كبار العلماء حالياً له رسالتان أحدهما في شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم وهي رسالة الماجستير والآخرى في "التداخل العقدي بين الفرق" وهي رسالة الدكتوراه
وهو شديد العناية بهذه المسائل قرر مرارا أن الثابت المحقق عن أبي حنيفة أنه كان على مذهب شيخه حماد بن أبي سليمان من القول بمرجئة الفقهاء.
 
التعديل الأخير:
إنضم
1 يناير 2008
المشاركات
76
التخصص
باحث شرعى
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفى
أخى الكريم عبد الرحمان أما بالنسبة لقول ابى حنيفة فى مسالة خلق القراءن الراجح انة لم يقول بة وهذا ما ذكرة الشيخ ابو زهرة فى كتابة عن الامام ولكن الاشكال يكمن فى ان حفيدة (اسماعيل بن حماد)أخذ بقول جهم وقال كان جدى يقول بة لكى ينشر مذهبة وقيل حماد (ابنة) تبنى هذا القول ايضا

أما بالنسبة لما ذكر فى كتاب السنة لعبد الله بن أحمد فية الكثير من الضعف والاسانيد المغلوطة

أما بالنسبة لقولة بالارجاء فهذا معروف عن الامام ولاخلاف فية

ويارب نترك ابى حنيفة فى حالة لان الامر اصبح ممل جدا مامن منتدى الا وكان بى حنيفة لة نصيب من السب والكلام عنة
موفقون باذن الله
وسلام
 

السرخسي المصري

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
25 فبراير 2009
المشاركات
29
أخى الكريم عبد الرحمان أما بالنسبة لقول ابى حنيفة فى مسالة خلق القراءن الراجح انة لم يقول بة وهذا ما ذكرة الشيخ ابو زهرة فى كتابة عن الامام ولكن الاشكال يكمن فى ان حفيدة (اسماعيل بن حماد)أخذ بقول جهم وقال كان جدى يقول بة لكى ينشر مذهبة وقيل حماد (ابنة) تبنى هذا القول ايضا

أما بالنسبة لما ذكر فى كتاب السنة لعبد الله بن أحمد فية الكثير من الضعف والاسانيد المغلوطة

أما بالنسبة لقولة بالارجاء فهذا معروف عن الامام ولاخلاف فية

ويارب نترك ابى حنيفة فى حالة لان الامر اصبح ممل جدا مامن منتدى الا وكان بى حنيفة لة نصيب من السب والكلام عنة
موفقون باذن الله
وسلام

بـــــــارك الله فيك أخي الحبيب
 
إنضم
17 ديسمبر 2009
المشاركات
30
التخصص
الفلسفة
المدينة
Manchester
المذهب الفقهي
حنفي
وعليك السلام ورحمة الله
من جهة النسبة في القول بخلق القرآن، فنعم نسب إليه
ويبدو أنه لا يصح لأن المسألة لم تكن مثارة في زمانه من حيث الأصل.

--------
https://feqhweb.com/vb/threads/2124

المسألة كانت موجودة في زمانه فإن المعتزلة أسسوا مذهبهم في عصر التابعين .

و أبو حنيفة أول من سجل في التأريخ عدم خلق القرآن في إملائه المسمى فقه الأكبر .

و ثبت عن أبي يوسف قوله : اتفق رأيي و رأي أبي حنيفة على أن القرآن غير مخلوق . نقلناه بمعنى .

والسلام
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
153
التخصص
شريعة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
حنبلي
للشيخ عبد العزيز بن أحمد الحميدي بحث - رسالة الدكتوراه - بعنوان :"براءة الأئمة مما نسب إليهم "

تعرض لكثير مما نسب إلى الأئمة مما لا تصح نسبته إليهم.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: دعوة للمناقشة

السلام عليكم

إجمالًا: فإن الإرجاء له عدة معانٍ، وعند التحقيق وُجد أن الإمام لا يقول بالمعنى المذموم عند أهل السنة.

وراجع: منهج الحنفية في نقد الحديث للدكتور كيلاني محمد ص(58- 67).

والله الموفق.
 
إنضم
9 ديسمبر 2011
المشاركات
103
الكنية
ابو حماد
التخصص
في الحديث
المدينة
ميلسي
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: دعوة للمناقشة

ساشارك انشاء الله وسابحث في المسئلتين واوافق الان بالاخ عمرو بن الحسن المصري فجزاكم الله خيرا ايها الاحباب
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: دعوة للمناقشة

ينبغي ـ في ظني ـ أن لا يناقش هذا الموضوع هنا ، بل ولا في غيره ، إذ لا يترتب عليه فائدة تعود على الطالب بالنفع ، بل هو كمناقشة بعضهم في العصور الأولى أحقاً فر عثمان من الزحف؟
هذا مع كون المنتدي كما هو ظاهر من اسمه فقهي ، فيا حبذا لو نلتزم توجهه الفقهي فإنه أنفع .
والله أعلم
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: دعوة للمناقشة

السلام عليكم

إجمالًا: فإن الإرجاء له عدة معانٍ، وعند التحقيق وُجد أن الإمام لا يقول بالمعنى المذموم عند أهل السنة.

وراجع: منهج الحنفية في نقد الحديث للدكتور كيلاني محمد ص(58- 67).
مذهب أبي حنيفة في الإرجاء:
من أسباب الطعن على الإمام أبي حنيفة ما نُقِلَ عنه من القول بالإرجاء، والإرجاء له عدة معانٍ، وعند التحقيق وُجِدَ أن الإمام لا يقول بالمعنى المذموم عند أهل السنة؛ ولنبدأ الآن في تفصيل تلك المسألة:

تعريف الإرجاء: الإرجاء في اللغة/ هو التأخير.
قال ابن منظور -كم في لسان العرب مادة (رجا)-: المرجِئة صنف من المسلمين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، كأنهم قدَّموا القول وأرجئوا العمل أي أخّروه؛ لأنهم يرون لو لم يصلوا ولم يصوموا لنجاهم إيمانهم. اهـ.
وقال ابن الأثير في النهاية (2/ 206): ورد في الحديث ذكر المرجئة: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سُمُّوا مرجئة؛ لأن الله أَرْجَأَ تعذيبهم على المعاصي. اهـ.
وقال ابن منظور مُعلِّقًا على كلام ابن الأثير: ولو قال ابن الأثير هُنا: سموا مرجئة؛ لأنهم يعتقدون أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي. كان أجود. اهـ.
وقال شارح الطحاوية -كما في شرح العقيدة الطحاوية ص(356)-: ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ردًّا على المرجئة فإنهم يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. اهـ.
ويقول الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 139): الإرجاء على معنيين: أحدهما/ بمعنى التأخير، كما في قوله تعالى: (قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ) [الشعراء: 36] أي أمهِلّه وأَخِّره. والثاني/ إعطاء الرجاء.
أما إطلاق اسما لمرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر؛ لأنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. اهـ.
هذا هو المعنى الشائع المشهور للإرجاء وهو المعنى المذموم، ويُطلق الإرجاء على معانٍ أخرى مشروعة، وعلى هذه الإطلاقات فليس كل من أطلق عليه الإرجاء متهمًا في دينه وخارجًا من السنة؛ بل يُنظر في المعنى الذي أطلق عليه، فإن كان بالمعنى المشروع فهو من أهل السنة والهداية، وإن كان بالمعنى المذموم فهو من أهل الضلالة والغاوية. راجع: التعليق على الانتقاء ص(293).

وهذه المعاني المشروعة يُمكن حصرها في ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول من معاني الإرجاء المشروعة:
يُطلق الإرجاء على تأخير القول في الحكم في تصويب إحدى الطائفتينِ المتقاتلتينِ بعد مقتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
يقول الحافظ ابن حجر في هدي الساري ص(459): منهم من أراد بالإرجاء تأخير القول في تصويب إحدى الطائفتينِ اللتين تقاتلتا بعد عثمان. اهـ.
ويقول الشيخ ظفر أحمد التهانوي في قواعد علوم الحديث ص(232- 234): ولا يخفى أن الإِرجاءَ بالمعنى الأول -هذا المعنى- ليس من الضلالة في شئ؛ بل هو -والله- الورَعُ والاحتياط، والسكوتُ عمَّا جرى في الصحابة وشجَرَ بينهم أَولى، فليس كل من أُطلِقَ عليه الإِرجاءُ متهمًا في دينه وخارجًا عن السنة؛ بل لا بُدَّ من الفحص عن حاله، فإن كان لإرجائه أَمْرَ الصحابة -الذين تقاتلوا فيما بينهم- إلى الله، وتوقُّفِهِ عن تصويب إحدى الطائفتين، فهو من أهل السنة ومن حزب الورعين حتمًا، ومن أُطِلقَ عليه ذلك لقوله بعدم إضرار المعاصي، فهو الذي يُتَّهَمُ في دينه. اهـ.
وأول من قال بالإرجاء بهذا المعنى المشروع هو التابعي الجليل أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المتوفى سنة مائة المعروف والده بابن الحنفية - تهذيب الكمال (6/ 316).
جاء في تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي (3/ 358): الإرجاء الذي تكلم به معناه أن يرجأ أمر عثمان وعليٍّ إلى الله تعالى فيفعل فيهم ما يشاء، ولقد رأيت أخبار الحسن بن محمد في مُسند عليٍّ ليعقوب ابن شيبة، فأورد في ذلك كتابه في الإرجاء، وهو نحو ورقتين فيها أشياء حسنة، وذلك أن الخوارج تولت الشيخين وبَرِئت من عثمان وعلي، وعارضهم السبئيَّة فبرئت من أبي بكر وعمر وعثمان وتولت عليًّا وأفرطت فيه. وقال المرجئة: الأولى نتولى الشيخينِ ونُرجِئ عثمان وعليًّا فلا نتولاهما ولا نتبرأ منهما. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 321): المراد بالإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد فيه غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السنة المتعلق بالإيمان، وذلك أني وقفت على كتاب الحسن بن محمد المذكور أخرجه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان له في آخره: قال حدثنا إبراهيم ابن عُيينة عن عبدالرحمن بن أيمن قال: كان الحسن بن محمد يأمرني أن أقرأ هذا الكتاب على الناس: أما بعد؛ فإنا نوصيكم بتقوى الله، فذكر كلامًا كثيرًا في الموعظة والوصية بكتاب الله واتباع ما فيه، وذكر اعتقاده، ثم قال في آخره: ونوالي أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- ونجاهد فيهما؛ لأنهما لم تقتتل عليهما الأمة ولم تشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله تعالى. إلى آخر الكلام.
فمعنى الذي تكلم فيه الحسن: أنه كان يرى عدم القطع على إحدى الطائفتين المقتتلتين في الفتنة بكونه مُخطئًا أو مُصيبًا، وكان يرى أنه يرجأ الأمر فيهما، وأما الإرجاء الذي يتعلق بالإيمان، فلم يعرج عليه، فلا يُلاحقه بذلك عاب. اهـ.
المعنى الثاني من معاني الإرجاء المشروعة:
ويُطلق الإرجاء على من اعتقد الإيمان بالله تعالى بقلبه وأقر به بلسانه وأخل بالعمل، بأن ضيَّع شيئًا من الفرائض أو ارتكب بعض الكبائر، كان مؤمنًا مذنبًا يستحق العذاب بالنار، وأمره مرجأ، أي مؤخَّرٌ إلى اللهِ تعالى، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذَّبه، وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة مع اختلافهم في التعبير عنه.
يقول الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 139): وقيل: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا، من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان، وقيل: الإرجاء تأخير علِيٍّ عن الدرجلة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان. اهـ.
ويقول سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد (2/ 238): اشتهر من مذهب المعتزلة أن صاحب الكبيرة بدون التوبة مُخلَّدٌ في النار وإن عاش على الإيمان والطاعة مائة سنة، ولم يُفرِّقوا بين أن تكون الكبيرة واحدة أو كثيرة، واقعة قبل الطاعات أو بعدها أو بينهما، وجعلوا عدم القطع بالعقاب وتفويض الأمر إلى الله -يغفر إن شاء ويعذب إن شاء على ما هو مذهب أهل الحق- إرجاءً بمعنى أنه تأخير للأمر وعدم جزم بالعقاب والثواب، وبهذا الاعتبار جعل أبو حنيفة وغيره من المرجئة. اهـ.
وقال الطحاوي -كما في العقيدة الطحاوية ص(416)-: وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر -عز وجل- في كتابه (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) [النساء: 48] وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يُخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته.
قال ابن أبي العز في الشرح: ردًّا لقول الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار لكن الخوارج تقول بتكفيرهم، والمعتزلة بخروجهم عن الإيمان لا بدخولهم في الكفر؛ بل لهم منزلة بين المنزلتين. اهـ.
ويقول أبو الحسنات اللكنوي في الرفع والتكميل ص(366): قد يُطلق الإرجاء على أهل السنة والجماعة من مُخالفهم المعتزلة زاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة. اهـ.
قال أبو الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي في تهذيب الكمال (2/ 111)، وفي تاريخ بغداد -كذلك- (6/ 109، 110): سمعتُ سُفيان ابن عُيَيْنَةَ يقولُ: ما قدم علينا خراساني أفضل من عبدالله بن واقد الهروي. قلتُ له: فإبراهيم بن طهمان؟ قال: كان ذلك مُرجئًا. قال أبوا لصلت: لم يكن إرجاؤهم هذا المذهب الخبيث: إن الإيمان قول بلا عمل، وإن ترك العمل لا يضر مع الإيمان؛ بل كان إرجاؤه أنهم يرجون لأهل الكبائر الغفران، ردًّا على الخوارج وغيرهم الذين يكفرون الناس بالذنوب وكانوا يُرجئون ولا يُكفرون بالذنوب ونحن كذلك. اهـ.
المعنى الثالث من معاني الإرجاء المشروعة:
ويُطلق الإرجاء على إرجاء العمل من أن يكون من أركان الإيمان الأصلية وهو إرجاء الحنفية الذين هم مرجئة أهل السنة.
يقول اللكنوي في الرفع والتكميل ص(367): قد يُطلق الإرجاء على الأئمة القائلين بأن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان وبعدم الزيادة والنقصان، وهو مذهب أبي حنيفة وأتباعه، من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال في الإيمان. اهـ.
وقال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 106): ذهب قوم إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معًا، فإذا عرف المرء الدين بقلبه وأقرّ بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام، وأن الأعمال لا تسمى إيمانًا، ولكنها شرائع الإيمان، فهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من الفقهاء. اهـ.
وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة اولشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح، وإن كل طاعة وعمل خير فرضًا كان أو نافلة فهي إيمان، وكل ما ازداد الإنسان خيرًا إيمانه، وكلّما عصى نقص إيمانه.
وقال في موضع آخر -ابن حزم في الفصل والأهواء والنحل (2/ 88)-: أقرب فرق المرجئة إلى أهل السنة من ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه إلى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معًا، وأن الأعمال إنما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط. اهـ.
وذكر الشهرستاني -في الملل والنحل (1/ 141)- فرق المرجئة ومقالتهم، وذكر منهم الغسانية فقال: الغسانية أصحاب غسان الكوفي، زعم أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسوله، والإقرار بما أنزل الله، وبما جاء به الرسول في الجُملة دون التفصيل، والإيمان لا يزيد ولا ينقص.
ثم قال: ومن العجيب أن غسان كان يحكي عن أبي حنيفة مثل مذهبه ويعده من المرجئة، ولعله كذب كذلك عليه، لعمري كان يُقال لأبي حنيفة وأصحابه مرجئة السنة وعده كثير من أصحاب المقالات من جُملة المرجئة، ولعل السبب فيه أنه لما كان يقول: الإيمان هو التصديق بالقلب وهو لا يزيد ولا ينقص، ظنُّوا أنه يُؤخِّر العمل عن الإيمان، والرجل مع تخريجه في العمل كيف يُفتي بترك العمل.
وله سبب آخر: وهو أنه كان يُخالف القدرية والمعتزلة الذي ظهروا في الصدر الأول، والمعتزلة كانوا يلقبون كل من خالفهم في القدر مرجئًا، وكذلك الوعيدية من الخوارج، فلا يُعد أن اللقلب إنما لزمه من فريقي المعتزلة والخوارج. والله أعلم. اهـ.
يقول ابن حجر الهيتمي في الخيرات الحسان ص(234): قد عد جماعة الإمام أبي حنيفة من المرجئة، وليس هذا الكلام على حقيقته:
أما أولًا: فلأنه قال شارح الموافق: كان غسان المُرجِئ ينقل الإرجاء عن أبي حنيفة ويعده من المرجئة وهو افتراء عليه، قصد به غسان ترويج مذهبه بنسبته إلى هذا الإمام الجليل.
وأما ثانيًا: فقد قال الآمدي: إن المعتزلة كانوا في الصدر الأول يُسمُّون مَنْ خالفهم في القدر مرجئًا، أو لأنه لما قال: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ظُنَّ به الإرجاء بتأخير العمل من الإيمان. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 46): قال السلف: الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل وبالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص، والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط. اهـ.
قال النووي -كما في شرحه مسلم (1/ 148)-: الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب السلف والمحدثين وجماعة من المتكلمين، وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه، وقالوا: متى قبل الزيادة كان شكًّا وكفرًا. قال المحققون من أصحابنا المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهو الأعمال ونقصانها. قالوا: وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف، وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون.
وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرًا حسنًا؛ فالأظهر -والله أعلم- أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة؛ ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبهة ولا يتزلزل إيمانهم بعارض؛ بل لا تزال قلوبهم منشرحة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق لا يُساويه تصديق آحاد الناس.
ولهذا قال البخاري في صحيحه -عقب حديث(47)-: قال ابن أبي مليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) [البقرة: 143] أجمعوا على أن المراد: صلاتكم. اهـ.
وقال ابن أبي العزّ الحنفي -كما في شرح العقيدة الطحاوية ص(373)-: ذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق ابن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين: إلى أن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. وذهب كثير من أصحابنا إلى ما ذكره الطحاوي: أنه الإقرار باللسان والتصديق بالجنان.
ثم قال: والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقينَ من أهل السنة اختلاف صوري، فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزءًا من الإيمان، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان؛ بل هو في مشيئة الله إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه - نزاع لفظي لا يترتب عليه فساد اعتقاد، والقائلون بتكفير تارك الصلاة ضمُّوا إلى هذا الأصل أدلة أخرى، وإلا فقد نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب، ولم يُوجب زوال اسم الإيمان عنهم بالكليَّة اتِّفاقًا.
ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد منا لعباد القول والعمل، وأعني بالقول: التصديق بالقلب والإقرار باللسان، وهذا الذي يعني به عند إطلاق قولهم: الإيمان قول وعمل. لكن هذا المطلوب من العباد، هل يشمله اسم الإيمان، أم الإيمان أحدهما وهو القول وحده، والعمل مُغاير له لا يشمله اسم الإيمان عند إفراده بالذكر، وإن أُطلِق عليهما كان مجازًا، هذا محل النزاع. اهـ.
ثم قال -كما في شرح العقيدة الطحاوية أيضًا ص(379)-: إذا كان النزاع في هذه المسألة بين أهل السنة نزاعًا لفظيًّا، فلا محذور فيه سوى ما يحصل من عدوان إحدى الطائفتين على الأخرى، والافتراق بسبب ذلك، وأن يصير ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام المذموم من أهل الإرجاء ونحوهم، وإلى ظهور الفسق والمعاصي بأن يقول: أن مؤمن مسلم حقًّا كاملُ الإيمان والإسلام ويٌّ من أوليا الله، فلا يُبالي بما يكون منه من المعاصي، وبهذا المعنى قالت المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله! وهذا باطل قطعًا، فالإمام أبو حنيفة نظر إلى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشارع، وبقية الأئمة -رحمهم الله- نظروا إلى حقيقته في عُرف الشارع، فإن الشارع ضمّ إلى التصديق أوصافًا وشرائط كما في الصلاة والصوم والحج ونحو ذك. اهـ.
قال الكوثري في التأنيب ص(66، 67): كان في زمن أبي حنيفة وبعده أُناس صالحون يعتقدون أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ويرمون بالإرجاء من يرى أن الإيمان هو العقد والكلمة، مع أنه الحق الصراح بالنظر إلى حجج الشرع، قال الله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات: 14] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان أن تؤمن بالله ولائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره). أخرجه مسلم -(102)- عن عمر، وعليه جمهور أهل السنة.
وهؤلاء الصالحون باعتقادهم ذلك الاعتقاد، أصبحوا على موافقة المعتزلة والخوارج حتمًا إن كانوا يعدون خلاف اعتقادهم هذا بدعة وضلالة؛ لأن الإخلال بعمل من الأعمال -وهو ركن الإيمان في نظرهم- يكون إخلالًا بالإيمان، فيكون من أخلَّ بعمل خارجًا من الإيمان، إما داخلًا في الكفر كما يقوله الخوارج، وإما غير داخل فيه بل في منزلة بين المنزلتين: الكفر والإيمان، كما هو مذهب المعتزلة.
وهم من أشد الناس تبرؤًا من هذين الفريقين، فإذا تبؤوا أيضًا مما كان عليه أبو حنيفة وأصحابه وباقي أئمة هذا الشأن، يبقى كلامهم متهافتًا غير مفهوم، وأما إذا عدوا العمل على أنهم لا يعدون العمل من كمال الإيمان فحسب؛ بل يعدونه ركنًا منه أصلًا ونتيجة ذلك كما ترى.
فإرجاء العمل من أن يكون من أركان الإيمان الأصلية هو السنة، وأنا الإرجاء الذي يُعدّ بدعة فهو قول من يقول لا تضر مع الإيمان معصية، وأصحابنا أبرياء من مثل هذا القول براءة الذئب من دم يوسف -عليه السلام-، ولولا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في هذه المسألة، للزم إكفار جماهير المسلمين غير المعصومين لإخلالهم بعمل من الأعمال في وقت من الأوقات، وفي ذلك الطآمة الكبرى. اهـ.
وقد غفل الكوثري أو تغافل عندما ظنَّ أن الإخلال بالأعمال يستلزم نفي الإيمان؛ لأن الإخلال بالعمل يستلزم نقصان الإيمان وليس نفيه، وبعبارة أخرى يستلزم الفسق لا الكفر، ثم إني وجدتُ كلامًا لابن حزم كالنص في الرد على الكوثري.
قال ابن حزم في الفصل (3/ 118): الإيمان اسم مشترك يقع على معانٍ شتَّى، فمن تلك المعاني شئ يكون الكفر ضدًّا له؛ ومنها ما يكونا لفسق ضدًّا له لا الكفر؛ ومنها ما يكون الترك ضدًّا له لا الكفر ولا الفسق، فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضدًّا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضدًّا لهذا الإيمان، وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضدًّا له لا الكفر، فهو ما كان من الأعمال فرضًا، فإنَّ تركَه ضدٌّ للعمل وهو فسق لا كفر، وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضدًّا فهو كل ما كان من الأعمال تطوعًا، فإنَّ تركَه ضدُّ العمل به وليس فسقًا ولا كفرًا. اهـ.
ثم وجدتُ تفصيلًا حسنًا لأنور شاه الكشميري قال فيه -كما في فيض الباري (1/ 53، 54)-: الإيمان عند السلف عِبارة عن ثلاثة أشياء: اعتقاد وقول وعمل، وقد مرَّ الكلام على الأولين، أي التصديق والإقرار، بقي العمل هل هو جزء للإيمان أم لا؟ فالمذاهب فيه أربعة:
قال الخوارج والمعتزلة: إن الأعمال أجزاء للإيمان؛ فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما، ثم اختلفوا: الخوارج أخروجه عن الإيمان وأدخلوه في الكفر، والمعتزلة لم يدخلوه في الكفر بل قالوا بالمنزلة بين المنزلتينِ.
والثالث: مذهب المرجئة فقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النجاة هو التصديق فقط، فصار الأولون والمرجئة على طرفي نقيض.
والرابع: مذهب أهل السنة والجماعة، وهم بين بين، فقالوا: إن الأعمال أيضًا لا بد منها، لكن تاركها مُفسق لا مكفَر، لم يشددوا فيها كالخوارج والمعتزلة، ولم يهونوا أمرها كالمرجئة.
ثم هؤلاء -أي أهل السنة- افترقوا فرقتين، فأكثر المحدثين إلى أن الإيمان مركب من الأعمال، وإمامنا الأعظم وأكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أن الأعمال غير داخلة في الإيمان، مع اتفاقهم -جميعًا- على فاقد التصديق كافر، وفاقد العمل فاسق، فلم يبق الخلاف إلا في التعبير، فإن السلف وإن جعلوا الأعمال أجزاءًا لكن لا بحيث ينعدم الكل بانعدامها بل يبقى الإيمان بانتفائها.
وإمامنا -أبو حنيفة- و الأعمال جزءًا لكنه اهتم بها وحرص عليها، وجعلها أسبابًا سارية في نماء الإيمان، فلم يهدرها هدر المرجئة، إلا أن تعبير المحدثين القائلين بجُزئيّة الأعمال، لما كان أبعد من المرجئة المنكرين جزئية الأعمال، بخلاف تعبير إمامنا الأعظم، فإنه كان أقرب إليهم من حيث نفي جزئية الأعمال، رمى الحنفية بالإرجاء، وهذا -كما ترى- جورٌ علينا؛ فالله المستعان. اهـ.
ويقول الشيخ عبدالحي اللكنوي في الرفع والتكميل ص(360) إيقاظ(22): جُملة التفرقة بين اعتقاد أهل السنة وبين اعتقاد المرجئة: أن المرجئة يكتفون في الإيمان بمعرفة الله ونحوه، ويجعلون ما سوى الإيمان من الطاعات، وما سوى الكفر من المعاصي - غيرَ مضرة ولا نافعة، ويتشبَّثون بظاهر حديث: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) -أخرجه مُسلم (145)-.
وأهل السنة يقولون: لا تكفي في الإيمان المعرفة؛ بل لا بُدَّ من التصديق الاختياري مع الإقرار اللساني، وإن الطاعات مُفيدة، والمعاصي مضرّة مع الإيمان، توصل صاحبها إلى دار الخسران.
والذي يجب علمه على العالم المشتغل بكتب التواريخ وأسماء الرجال أن الإرجاء يُطلق على قسمين:
أحدهما/ الإرجاء الذي هو ضلال وهو الذي مرَّ ذكره آنفًا.
وثانيهما/ الإرجاء الذي ليس بضلال، ولا يكون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجًا؛ ولهذا ذكروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة، ومرجئة أهل السنة، وأبو حنيفة وتلاميذه وشيوخه وغيرهم من الرواة الأثبات إنما عدّوا من مرجئة السنة لا مرجئة أهل الضلالة. اهـ.

هذا، والله أعلم.
 

أم يوسف السلفية

:: متابع ::
إنضم
27 يوليو 2015
المشاركات
14
الكنية
أم يوسف
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
دبي
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: دعوة للمناقشة

جزاكم الله خيراً.
الموضوع ذو شجون، وقد اتحفتمونا بما لا يقبل الزيادة؛ فقد وضحتم الإشكال وكفيتم.

نفع الله بكم.
 
أعلى