بذل المجهود في
إفحـام اليهـود السموأل بن يحيى المغربي
(الحبر شموائيل بن يهوذا بن آبون)
(ت 570هـ)
قصة إسلامه وتركه اليهودية
ودخوله في الإسلام
ومعه: الرسالة السبعية الحاوية للضوابط الإرشادية
للحبر الأعظم إسرائيل بن شموئيل الأورشليمي
تحقيق ودراسة دكتور محمود النجيري مكتبة جزيرة الورد القاهرة 2018
رد: إصدار جديد: بذل المجهود في إفحام اليهود للسموأل
تصدير
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يضم هذا الكتاب أربع رسائل. ثلاث منها للسموأل، الأولى بعنوان "قصة إسلام السموأل بن يحيى المغربي، ورؤياه النبي صلى الله عليه وسلم". والثانية بعنوان "بذل المجهود في إفحـام اليهـود". والثالثة رسالة إلى السموأل وجوابها. وأما الرابعة فعنوانها " الرسالة السبعية الحاوية للضوابط الإرشادية"، للحبر الأعظم: إسرائيل بن شموئيل الأورشليمي.
فأما السموأل، فقد كفانا كثيرًا جهد الترجمة لحياته[1]، وذلك بما سطر يراعه في رسالته التي افتتحنا بها هذا الكتاب، والتي عرض فيها لما يلي:
تعريف بوالد السموأل.
التعريف بوالدة السموأل.
رؤيا أمِّ السموأل أنها ستُرزق ولدًا.
العلوم العقلية والنقلية التي حصَّلها السموأل.
شغف السموأل بالعلم، وانقطاعه للتأليف.
السموأل طبيبًا وصيدلانيًا.
شغف السموأل بالتاريخ، واعتباره بأيامه.
اهتمام السموأل بالأدب، واكتسابه الفصاحة والبلاغة، مما ساعده على فهم القرآن، وإدراك وجوه إعجازه.
تحكيمه العقل في الكليات. ورفضه تقليد الآباء تقليدًا أعمى.
إثبات السموأل نبوة موسى، وعيسى، ومحمد بالتواتر. وإعلانه الإيمان بنبوة عيسى ومحمد عليهما السلام، بعد إضماره ذلك إلى حين.
ترك السموأل الرآسة الدينية التي كانت له في قومه، والتي انحدرت إليه من أبيه.
من هو السموأل؟
السموأل بن يحيى بن عباس المغربي. ولد في المغرب، ولا يُعرف له تاريخ ميلاد. ثم انتقل منها إلى بغداد. وسكن بلاد العجم مدة بأذربيجان ونواحيها، نشأ السموأل في بيئة علمية، فقد كان والده من علماء الرياضيات، وكان يتوقد ذكاء. ومن هنا شجعه والده على دراستها. وهو ذكر في ترجمته أنه درس كتاب "الأصول" لأقليدس، وكتاب "البديع في الجبر" للكرخي. كما درس معادلات الجبر التي ابتكرها أبو شجاع بن أسلم، عالم الحساب المصري، وغير ذلك. وتأثر السموأل بعلي بن ربَّن الطبري الطبيب (ت 247هـ/861م) الذي كان نصرانيًا فأسلم. ووضع كتابه "الدين والدولة في إثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم".
توفي السموأل قبل أن يكتهل بمراغة. واختلف في سنة وفاته، والراجح أنها (570هـ/1174م).
إنجازاته العلمية:
برع السموأل في العلوم الرياضية، حتى ضرب به المثل فيها[2]. وطوَّر الطريقة التحليلية في علم الجبر، التي مهدت لاكتشاف علم الجبر الحديث. واستطاع أن يؤلف في الرياضيات كتابًا فريدًا، أطلق عليه "الباهر في الجبر". وهو في التاسعة عشرة من عمره، ويتكون هذا الكتاب من أربعة أجزاء، يعرض الجزء الأول منه العمليات الرياضية التي تجري على كثيرة الحدود لمجهول واحد، بينما يتناول الجزء الثاني منه معادلات الدرجة الثانية، أما الجزء الثالث من الكتاب فقد خصصه لشرح الكميات غير القياسية، وانفرد الجزء الرابع بتطبيق الأسس الجبرية على عدد من المسائل الرياضية وغير الرياضية؛ فقد كان المغربي أيضا من مشاهير أطباء الأمة الإسلامية في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد مارس الطب والصيدلة معًا، وقدم الكسور العشرية في كتابه "القوامي في الحساب الهندي".
قال عنه الموفق عبد اللطيف إنه: "بلغ في العدديات مبلغًا لم يصله أحد في زمانه. وكان حاد الذهن جدًا؛ بلغ في صناعة الجبر الغاية القصوى".
مصنفات السموأل:
قال السموأل في ترجمته لنفسه ما يدل على نبوغه المبكر، وشغفه بالعلم، ومحبته للكتب، وتبريزه في علوم كثيرة: الرياضة والحساب، والجبر والمقابلة، والهندسة والمساحة، والطب والصيدلة، واللغة والأدب، والفلسفة والمنطق، والدين. وقد هيأ له ذلك بالإضافة إلى البيئة العلمية والدينية التي نشأ بها، وانقطاعه للتأليف- أن يضع عددًا من المؤلفات الفائقة في هذه العلوم في وقت باكر من حياته، وعدّتها خمسة وثمانون مصنفا فِي الحساب والمساحة والجبر والهندسة والنجوم والطبّ والأدب وغير ذَلِكَ. منها:
بذل المجهود في إفحام اليهود.
المفيد الأوسط في الطب.
كتاب الباه.
نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب.
الباهر في الجبر.
إعجاز المهندسين. صنفه في سنة سبعين وخمسمائة.
الموجز في الحساب.
كتاب " في المياه.
القوامي في الحساب الهندي.
القوانين في الحساب.
المثلث القائم الزاوية.
المنبر في مساحة أجسام الجواهر المختلفة لاستخراج مقدار مجهولها.
متى بدأ تأليف هذا الكتاب؟
قال السموأل عن اليوم الذي أشهر فيه إسلامه:
"وفي عشية ذلك اليوم، أعني عيد النحر[3]، ابتدأتُ بتحرير الحُجج المفحمة لليهود، وألفتها في كتاب، وسميته بـ "إفحام اليهود". واشتهر ذلك الكتاب، وطار خبره، وانتسخ مني في عدة بقاع نسخ كثيرة، بالموصل وأعمالها، وديار بكر، والعراق، وبلد العجم. ثم أضفت إليه بعد وقت فصولا كثيرة من الاحتجاج على اليهود من التوراة، حتى صار كتابًا بديعًا، لم يُعمل في الإسلام مثله في مناظرة اليهود البتة".
هدف السموأل من تأليف هذا الكتاب:
قال السموأل في مقدمته:
"وأنا أذكر سبب ما وفقني الله له من الهداية، وكيف انساقت بي الحالُ منذ نشأتُ، إلي انتقالي عن مذهب اليهود؛ ليكون عبرة وموعظة لمن يقع إليه؛ ولِيعلمَ متأمله أن اللطف الإلهي أخفى من أن يُحاط بكُنْهه[4]؛ فإن الله يَخُص بفضله من يشاء، ويؤتي الحكمة من يشاء، ويهديه صراطا مستقيمًا".
"والغرض الأقصى من إنشاء هذه الكلمة: الرد على أهل اللجاج والعناد، وأن يظهر ما يعتور كلمتهم من الفساد. على أن الأئمة- ضُوعِفَ ثوابهم- قد انتُدِبوا قبلي لذلك، وسلكوا في مناظرة اليهود أنواع المسالك. إلا أن أكثر ما نُوظروا به يكادون لا يفهمونه، أو لا يلتزمونه. وقد جُعل إلى إفحامهم طريقًا- مما يتداولونه في أيديهم من نص تنزيلهم، وأعماهم الله عنه عند تبديلهم؛ ليكون حجة عليهم، موجودة في أيديهم".
ومن هنا يظهر أن السموأل كان له أكثر من هدف لوضع "الإفحام"، بعضها يتعلق بشخصه، وبعضها يتعلق بالحقيقة الدينية المجردة. وهذه الأهداف هي:
أن يكون في قصة إسلامه عبرة وموعظة لمن يطالعها.
أن يرى المتأمل في ذلك عظيم لطف الله تعالى، وخفائه عن أن يحاط بكنهه؛ فإنه يختص برحمته من يشاء، ويهدي من يشاء!
الرد على أهل اللجاج والعناد، المكذبين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وإظهار ما يعتور أحكامهم من الفساد.
مناظرة اليهود وإفحامهم مما يتداولونه في أيديهم من نص تنزيلهم، وأعماهم الله عنه عند تبديلهم؛ ليكون حجة عليهم، موجودة في أيديهم.
أدلة السموأل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم:
ذكر السموأل عدة أدلة، ألزم بها اليهود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، هي:
دليل التواتر: حيث بيَّن أن كلا من موسى، وعيسى، ومحمد متساوون في هذا الدليل، فكل منهم نقلت نبوته نقلا متواترًا. ولا يمكن التصديق بنبوة أحدهم، وتكذيب الآخر؛ لأن الدليل واحد.
معجزة القرآن الخالدة: حيث بيَّن أن من أُعطي ذوْق الفصاحة؛ فإن إيمانه بإعجاز القرآن- إيمانُ من شاهد المعجزة، لا من اعتمد على الخبر. إلا أن هذه درجة لم يرسخ بها كل أحد[5].
البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في التوراة. وقد أعماهم الله عن بعضها فلم يُحَرِّفوها؛ لتكون شاهدة عليهم[6].
أسباب إسلام السموأل:
قراءته تاريخ الإسلام، واطلاعه على معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقوفه على سيرته العطرة، وحياة أصحابه الأطهار.
تمكنه من اللغة العربية أدى به إلى إدراك إعجاز القرآن، وأنه كتاب منزل من عند الله.
نشأة السموأل في بيت علم ودين أدى به إلى البحث الديني، والاهتمام بأسباب اختلاف الأديان وأصحابها، والرغبة في الوقوف على الصواب مما اختلف فيه الناس.
دَرَجَ السموألُ في بيئة يهودية، ولكنه كان قريبًا من المحيط الإسلامي الأوسع، من خلال العلماء المسلمين الذين درس عليهم، أو الكتب الإسلامية التي دَرَسَها، أو الأمراء والكبراء الذين عالجهم، أو المجتمع الإسلامي وحضارته التي احتضنته.
تحصيله العلمي في المنطق والحساب والهندسة والطب والصيدلة وغيرها وسَّع من مداركه، ورزقه عقلا حرًا، وفكرًا مستقيمًا، ونفسًا تتوق إلى معرفة الحقيقة، والإيمان بها.
[1] من المصادر التي ترجمت للسموأل: تاريخ الإسلام: الذهبي، 9/88. الوافي في الوفيات: الصفدي 1/49. كشف الظنون: حاجي خليفة 1/81. إخبار العلماء بأخبار الحكماء: القفطي، 1/93.
[2] ضرب القلقشندي بالسموأل المثل في كتابه صبح الأعشى (1/566) قال: ".... أو سلك في علوم الهندسة طريقا لقال إقليدس: هذا هو الخط المستقيم، وأعرض ابن الهيثم عن حل الشكوك، وولَّى وهو كظيم، وحمد المؤتمن بن هود عدم إكمال كتابه الاستكمال، وقال: عرفت بذلك نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. أو عرَّج على علوم الهيئة؛ لاعترف أبو الريحان البيروني أنه الأعجوبة النادرة، وقال ابن أفلح: هذا العالم قطب هذه الدائرة. أو صرف إلى علم الحساب نظره، لقال السموأل بن يحيى: لقد أحيا هذا الفن الدارس، وانجلت عن هذا العلم غياهبه، حتى لم يبقَ عَمَهٌ لِعامِه، ولا غمة على ممارس".
[3] رأى السموأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي ليلة الجمعة، تاسع ذي الحجّة، ثمان وخمسين وخمسمئة، فأصبح فأسلم.
[4] كنهه: كنه كلِّ شيءٍ قَدْرُه، ونِهايتُه، وغايَتُه. يقال: اعْرِفْه كُنْهَ المعرفةِ. وفي بعض المعاني: كُنْهُ كلِّ شيءٍ وَقْتُه، ووَجْهُه. تقول: بلَغْتُ كُنْهَ هذا الأَمر. أَي غايَته. وفعلت كذا في غير كُنْهِه. وأَنشد شاعرنا: وإنَّ كلامَ المَرْءِ في غير كُنْهِه لَكالنَبْلِ تَهْوِي ليس فيها نِصالُها (لسان العرب 13/536)
[5] للقرآن أوجه إعجاز يمكن أن يلحظها غير المتمكن من العربية، بل غير العربي. فإن المتمكن من الفصاحة، والواقف على البلاغة، يدرك إعجاز القرآن من الناحية اللغوية. وهناك جوانب إعجاز أخرى: طبية، وفلكية، وتاريخية، وتشريعية، وغيبية، لا يقتصر إدراكها على صاحب اللسان العربي. بل كل دارس لجانب من هذه الجوانب يقف على طرف من معجزة القرآن. ونضرب مثلا بالفرنسي "موريس بوكاي"، الذي درس درسًا معمقا الكتب المقدسة الثلاثة: التوراة، والإنجيل، والقرآن، في ضوء العلم الحديث. فخرج بنتائج مذهلة في هذا الجانب.
[6] سيورد السموأل بعض هذه البشارات في كتابه. وهناك كتب كثيرة، قديمة وحديثة أفردت للبشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل. مثل: الدين والدولة في إثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لعلي بن ربن الطبري. مسالك النظر في نبوة سيد البشر، لسعيد بن حسن الإسكندراني. محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس، لعبد الأحد داود الآشوري.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.