أمين بن منصور الدعيس
:: متخصص ::
- إنضم
- 24 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 339
- الجنس
- أنثى
- التخصص
- فقه
- الدولة
- السعودية
- المدينة
- الدمام
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
كثيرا ما يحتج بعض من لا خلاق لهم في زماننا عن سوء قصد، وبعض أهل الخير والصلاح والمنتسبين للعلم عن جهل وحسن نية على مشروعية بعض الأعمال مع ورود النهي عنها بحجة أن عمل الناس عليها ، وبأنه لو لم يكن لها وجه مشروعية لما كان عليها عمل الناس وأقرها المسلمون، وهنا قاعدة عزيزة أشار إليها ابن حجر الهيتمي تعليقا على كلام للحاكم في مستدركه – بغض النظر عن الحكم الجزئي في مسألة الكتابة على القبور- حاصلها أنه مثل هذا يكون حجة عند صلاح الأزمان وقيام سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فإنه قد يجري عمل المسلمين على ما هو مخالف للشريعة للبعد عن الدين وقلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفساد الزمان، وجور السلطان، وجلد الفاجر، وعجز الثقة، ولا يعني ذلك بحال مشروعية تلك الأعمال، بل هو دليل على غربة الدين .
قال الحاكم معلقا على أحاديث النهي عن الكتابة على القبور والبناء عليها: "هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ»
وتعقبه ابن حجر الهيتمي بقوله في تحفة المحتاج والعبادي (3/ 197) : " وَيُرَدُّ بِمَنْعِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَبِفَرْضِهَا فَالْبِنَاءُ عَلَى قُبُورِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَا سِيَّمَا بِالْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ، فَكَذَا هِيَ.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ وَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَكْثَرِيٌّ فَقَطْ إذْ لَمْ يُحْفَظْ ذَلِكَ حَتَّى عَنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ مَنْعَهُ، وَبِفَرْضِ كَوْنِهِ إجْمَاعًا فِعْلِيًّا فَمَحَلُّ حُجِّيَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ صَلَاحِ الْأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ يَنْفُذُ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ".
وقال المعلمي معلقا على كلام ابن حجر"آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (5/ 1/ 113) : "أقول: وهذا صحيح، وقد مضت عدة قرون لا تكاد تسمع فيها بعالم قائم بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم، بل لا تجد رجلاً من أهل العلم إلا وهو حافظ لحديث: "حتى إذا رأيت هوى متَّبعًا وشُحًّا مطاعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك ودع عنك أمر العامة" يعتذر به عن نفسه ويعذل به من رآه يتعرّض لإنكار شيءٍ من المنكر.
وقد وُجد ذلك في آخر عصر الصحابة بعد الثلاثين سنة, فكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه واحد عصره في التجاسُر على إنكار المنكر بقدْرِ الإمكان، حتى شدّد في ذلك عبد الملك بن مروان، خطب على منبر وقال: "والله لا يقول لي أحدٌ: اتق الله، إلا ضربت عنقه ... " .
ثم توارثها الملوك والأمراء إلا مَن شاء الله، ولهذا عَظم عند الناس ابن طاووس وعمرو بن عبيد وغيرهما ممن كان يتجاسر على النهي عن المنكر.
وعلى كل حال فالمعروفون من العلماء بذلك أفراد يعدون بالأصابع والجمهور ساكتون. وأما في القرون المتأخرة فشاعت المنكرات بين الملوك والأمراء والعلماء والعامة ولم يبق إلا أفراد قليلون لا يجسرون على شيء فإذا تحمّس أحدهم وقال كلمةً، قالت العامة: هذا مخالف للعلماء ولما عرفنا عليه الآباء.
وقال العلماء: هذا خارق للإجماع مجاهر بالابتداع.
وقال الملوك والأمراء: هذا رجل يريد إحداث الفِتن والاضطرابات، ومن المحال أن يكون الحق معه، وهؤلاء العلماء ومن تقدمهم على باطل، وعلى كلًّ فالمصلحة تقتضي زجره وتأديبه!
وقال بقية الأفراد من المتمسكين بالحق: لقد خاطر بنفسه وعرّضها للهلاك، وكان يسعه ما وَسِع غيره!
وهكذا تمَّت غُربة الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
والله المستعان
قال الحاكم معلقا على أحاديث النهي عن الكتابة على القبور والبناء عليها: "هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ»
وتعقبه ابن حجر الهيتمي بقوله في تحفة المحتاج والعبادي (3/ 197) : " وَيُرَدُّ بِمَنْعِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَبِفَرْضِهَا فَالْبِنَاءُ عَلَى قُبُورِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَا سِيَّمَا بِالْحَرَمَيْنِ وَمِصْرَ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا بِالنَّهْيِ عَنْهُ، فَكَذَا هِيَ.
فَإِنْ قُلْت: هَذَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ وَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَكْثَرِيٌّ فَقَطْ إذْ لَمْ يُحْفَظْ ذَلِكَ حَتَّى عَنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَرَوْنَ مَنْعَهُ، وَبِفَرْضِ كَوْنِهِ إجْمَاعًا فِعْلِيًّا فَمَحَلُّ حُجِّيَّتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ صَلَاحِ الْأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ يَنْفُذُ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ".
وقال المعلمي معلقا على كلام ابن حجر"آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (5/ 1/ 113) : "أقول: وهذا صحيح، وقد مضت عدة قرون لا تكاد تسمع فيها بعالم قائم بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم، بل لا تجد رجلاً من أهل العلم إلا وهو حافظ لحديث: "حتى إذا رأيت هوى متَّبعًا وشُحًّا مطاعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك ودع عنك أمر العامة" يعتذر به عن نفسه ويعذل به من رآه يتعرّض لإنكار شيءٍ من المنكر.
وقد وُجد ذلك في آخر عصر الصحابة بعد الثلاثين سنة, فكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه واحد عصره في التجاسُر على إنكار المنكر بقدْرِ الإمكان، حتى شدّد في ذلك عبد الملك بن مروان، خطب على منبر وقال: "والله لا يقول لي أحدٌ: اتق الله، إلا ضربت عنقه ... " .
ثم توارثها الملوك والأمراء إلا مَن شاء الله، ولهذا عَظم عند الناس ابن طاووس وعمرو بن عبيد وغيرهما ممن كان يتجاسر على النهي عن المنكر.
وعلى كل حال فالمعروفون من العلماء بذلك أفراد يعدون بالأصابع والجمهور ساكتون. وأما في القرون المتأخرة فشاعت المنكرات بين الملوك والأمراء والعلماء والعامة ولم يبق إلا أفراد قليلون لا يجسرون على شيء فإذا تحمّس أحدهم وقال كلمةً، قالت العامة: هذا مخالف للعلماء ولما عرفنا عليه الآباء.
وقال العلماء: هذا خارق للإجماع مجاهر بالابتداع.
وقال الملوك والأمراء: هذا رجل يريد إحداث الفِتن والاضطرابات، ومن المحال أن يكون الحق معه، وهؤلاء العلماء ومن تقدمهم على باطل، وعلى كلًّ فالمصلحة تقتضي زجره وتأديبه!
وقال بقية الأفراد من المتمسكين بالحق: لقد خاطر بنفسه وعرّضها للهلاك، وكان يسعه ما وَسِع غيره!
وهكذا تمَّت غُربة الدين، فإنا لله وإنا إليه راجعون".
والله المستعان