أبو عبيدة الغامدي
:: مخالف لميثاق التسجيل ::
- إنضم
- 6 فبراير 2009
- المشاركات
- 46
- التخصص
- إسلامية
- المدينة
- بيشة
- المذهب الفقهي
- حنبلي
إنـهم يبتسمون !!!
الحمد لله الواحد الأحد، القادر المقتدر ، الفرد الصمد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن استن بسنته إلى يوم الدين وبعد :
قال الله تعالى :{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:154) .
وقال تعالى :{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) وقال تعالى :{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس:58)
قوله :{فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال ابن كثير يرحمه الله ، أي : من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة .
نعم والله العظيم إن هذه الابتسامة التي خرج بها هؤلاء الشهداء من هذه الدنيا لهي خير مما يجمع الناس من نعيم زائل ، (ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) متفق عليه ، و ( لمناديل سعد بن معاذٍ في الجنة خير منها وألين ) وذلك يوم أُهديت له صلى الله عليه وسلم حُلة حرير فجعل الصحابة يلمسونها و يعجبون من لينها ، رواه مسلم في فضائل الصاحبة رقم : ( 2468 ) .
إن الابتسامة إحدى لغات الجسد ،وهي مفتاح ٌللقلوب ، فعلها لا يكلف شيئا ، ويؤكد خبراء الأحاسيس الإنسانية أن الشخص الذي يبتسم كثيراً يكون له تأثير إيجابي في نفوس الآخرين ، و ( ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي ) رواه البخاري .
إن تلك الابتسامة ورؤية من خرجت من وجهه لها أثرٌ يخترق القلوب ، ويُسلِبُ العقول ، ويذهب الأحزان ، فما ظنك لو رأيتها من وجوه رجال أمثال الذين {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}(الأحزاب: من الآية2 إنهم أولئك : ( الشهداء ) .
إن أكثر الابتسامات الصادرة من القلب نادراً ما تلبث ظاهرة ، أما ابتسامات أولئك الشهداء وهم أموات عفواً ( أحياء ) تعني أنه لا بد أنهم رأوا أشياء جعلتهم مبتسمين هكذا ، شيءٌ طال انتظاره ، هم به مؤمنون ، ووعِدُوا به ،{وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} (النساء: من الآية122) ، إن هذه الابتسامات التي خرجت من هذه الوجوه ، وجوه الشهداء قد خُلِدت في التاريخ ، وفي كل من نظر لها خٌلِدت في ذاكرته.
أخي تأمل ما لذي يجعل الشهيد مبتسم ؟!! إنه القتل في سبيل الله تعالى ، قتالهم من أجل الله ، من أجل إعلاء كلمة الله ، هم قُتلوا ، إلا أنهم أحياءٌ عند ربهم تبارك وتعالى : {بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} ، قال الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله : والمراد : أحياء عند ربهم ، كما في آية آل عمران ؛ وهي حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ؛ ولا تحتاج إلى أكل ، وشرب ، وهواء ، يقوم به الجسد ؛ ولهذا قال تعالى : {وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} أي : لا تشعرون بحياتهم ؛ لأنها حياة برزخية غيبية ؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ... ومن فوائد الآية : إثبات حياة الشهداء ؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛ بل هي أجلّ ، وأعظم ، ولا تعلم كيفيتها " انتهى ." تفسير سورة البقرة " ( 2 / 176 ، 177 ) .
إذاً هم أحياء ، لكن أين هي أرواحهم ؟! إنها في الجنة ، في أجواف طير خضر ، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا : من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال : فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} خرجه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1379 ) .
وعن مسروق قال : سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل في صحيح مسلم ( 1887)
أخي تأمل هذا الحديث واعلم لماذا يضحك الشهيد ، فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه ) رواه الترمذي(1663)وابن ماجه ( 2799) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
* يغفر له في أول دفعة من دمه ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويرى مقعده من الجنة ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويجار من عذاب القبر، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويأمن من الفزع الأكبر، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويشفع في سبعين من أقاربه )) ( فحق له أن يبتسم ) ، نعم حقاً لهذا الشهيد أن يبتسم .....
لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم مِن عظيم جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم ، فقال عنهم : {فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ،( آل عمران170 ) ، وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء ، ليفوزوا كما فازوا ، لِعِلْمِهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه ، إذا استشهدوا في سبيل الله مخلصين له ، وأن لا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا ، {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، ( آل عمران170 ) .
هل تأملت حال فاطمة بنت رسول الله صلى ألله عليه وعلى آله وسلم يوم سمعت بمرضه صلى الله عليه وسلم فهرعت حتى تطمئن عليه ، فبكت ثم ضحكت ، لماذا ضحكت ؟ إن في الأمر لسر !! فخذ هذه الحادثة :
قالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ، لم يغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطيء مشيتها مشية أبيها ، فقال : ( مرحباً بابنتي (فأقعدها عن يمينه أو عن شماله ، ثم سارَّها فبكت ، ثم سارَّها فضحكت ، فقلت لها : خصكِ رسول الله بالسرار وأنتِ تبكين ؟ فلما أن قامت قلت لها : أخبريني ما سارَّكِ ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي قلت لها : أسألكِ لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني ، قالت :أما الآن فنعم ، قالت : سارني في الأول قال لي : إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل مرة ، وقد عارضني في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك الأجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فاني نعم السلف أنا لك)) فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارّني قال : ( يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ) رواه البخاري ، كتاب الاستئذان رقم : ( 6285، 6286) .
إذاً ما لذي جعل فاطمة رضي الله عنها تضحك وتُسر بما بشرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها البُشرى التي بشرها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء الأمة ) ، أليس الذي بشرها بذلك هو الذي بشر الشهيد بما أعده الله من نعيم لمن يُقتل في سبيل الله .
إن هؤلاء الشهداء بما بذلوا في سبيل الله ، وقدموا أغلى ما يملك كل واحد منهم ، نفسه التي بين جنبيه وباعوها لله ، والله اشترى{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} جازاهم على ذلك الأمن من الفتنة في القبر، و{هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60) ولقد سئل الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله السؤال الآتي :هل يُسأل الشهيد ؟
فأجاب : لا ، واستدل على ذلك بقول القرطبي بخبر مسلم : هل يُفتن الشهيد في قبره ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ، قال : ومعناه : أن السؤال في القبر إنما جُعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق ، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه ، وإلا لفرّ إلى الكفار .
ويقول المناوي رحمه الله :
( ببارقة السيوف ) أي : بلمعانها . قال الراغب : البارقة : لمعان السيف .
( على رأسه ) يعني : الشهيد .
( فتنة ) : فلا يفتن في قبره ، ولا يسأل ، إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين ، فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره . وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة ، لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم " انتهى. "فيض القدير" (5/6)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وأما الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله فإنهم لا يسألون ؛ لظهور صدق إيمانهم بجهادهم . قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} التوبة/111، وقال : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران/169. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) ، وإذا كان المرابط إذا مات أمن الفتان ؛ لظهور صدقه ؛ فهذا الذي قتل في المعركة مثله أو أولى منه ؛ لأنه بذل وعرَّض رقبته لعدو الله؛ إعلاء لكلمة الله ، وانتصارا لدينه ، وهذا من أكبر الأدلة على صدق إيمانه " انتهى."مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (8/477)
يفتن الناس في القبور، وشهيدنا في القبر مسرور ... يموت الناس والشهيد لا يموت ... يبكي الناس ، والشهيد مبتسم ... فهنيئاً للشهداء في أرض العزة ( غزة ) هذه الابتسامة ... ولشهداء في كل مكان ....
نسأل الله تعالى لنا ولكم أحبتي في الله شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين ..
الحمد لله الواحد الأحد، القادر المقتدر ، الفرد الصمد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن استن بسنته إلى يوم الدين وبعد :
قال الله تعالى :{وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:154) .
وقال تعالى :{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169) وقال تعالى :{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس:58)
قوله :{فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال ابن كثير يرحمه الله ، أي : من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة .
نعم والله العظيم إن هذه الابتسامة التي خرج بها هؤلاء الشهداء من هذه الدنيا لهي خير مما يجمع الناس من نعيم زائل ، (ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) متفق عليه ، و ( لمناديل سعد بن معاذٍ في الجنة خير منها وألين ) وذلك يوم أُهديت له صلى الله عليه وسلم حُلة حرير فجعل الصحابة يلمسونها و يعجبون من لينها ، رواه مسلم في فضائل الصاحبة رقم : ( 2468 ) .
إن الابتسامة إحدى لغات الجسد ،وهي مفتاح ٌللقلوب ، فعلها لا يكلف شيئا ، ويؤكد خبراء الأحاسيس الإنسانية أن الشخص الذي يبتسم كثيراً يكون له تأثير إيجابي في نفوس الآخرين ، و ( ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي ) رواه البخاري .
إن تلك الابتسامة ورؤية من خرجت من وجهه لها أثرٌ يخترق القلوب ، ويُسلِبُ العقول ، ويذهب الأحزان ، فما ظنك لو رأيتها من وجوه رجال أمثال الذين {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}(الأحزاب: من الآية2 إنهم أولئك : ( الشهداء ) .
إن أكثر الابتسامات الصادرة من القلب نادراً ما تلبث ظاهرة ، أما ابتسامات أولئك الشهداء وهم أموات عفواً ( أحياء ) تعني أنه لا بد أنهم رأوا أشياء جعلتهم مبتسمين هكذا ، شيءٌ طال انتظاره ، هم به مؤمنون ، ووعِدُوا به ،{وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} (النساء: من الآية122) ، إن هذه الابتسامات التي خرجت من هذه الوجوه ، وجوه الشهداء قد خُلِدت في التاريخ ، وفي كل من نظر لها خٌلِدت في ذاكرته.
أخي تأمل ما لذي يجعل الشهيد مبتسم ؟!! إنه القتل في سبيل الله تعالى ، قتالهم من أجل الله ، من أجل إعلاء كلمة الله ، هم قُتلوا ، إلا أنهم أحياءٌ عند ربهم تبارك وتعالى : {بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} ، قال الشيخ ابن عثيمين يرحمه الله : والمراد : أحياء عند ربهم ، كما في آية آل عمران ؛ وهي حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ؛ ولا تحتاج إلى أكل ، وشرب ، وهواء ، يقوم به الجسد ؛ ولهذا قال تعالى : {وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} أي : لا تشعرون بحياتهم ؛ لأنها حياة برزخية غيبية ؛ ولولا أن الله عزّ وجلّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها ... ومن فوائد الآية : إثبات حياة الشهداء ؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛ بل هي أجلّ ، وأعظم ، ولا تعلم كيفيتها " انتهى ." تفسير سورة البقرة " ( 2 / 176 ، 177 ) .
إذاً هم أحياء ، لكن أين هي أرواحهم ؟! إنها في الجنة ، في أجواف طير خضر ، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة , وتأكل من ثمارها , وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش , فلما وجدوا مأكلهم ومشربهم ومقلبهم قالوا : من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق , لئلا ينكلوا عن الحرب , ولا يزهدوا في الجهاد , قال : فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} خرجه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم – وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1379 ) .
وعن مسروق قال : سألْنا عبدَ الله بن مسعود عن هذه الآية : {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال : أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل في صحيح مسلم ( 1887)
أخي تأمل هذا الحديث واعلم لماذا يضحك الشهيد ، فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه ) رواه الترمذي(1663)وابن ماجه ( 2799) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
* يغفر له في أول دفعة من دمه ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويرى مقعده من الجنة ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويجار من عذاب القبر، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويأمن من الفزع الأكبر، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ( فحق له أن يبتسم ) .
* ويشفع في سبعين من أقاربه )) ( فحق له أن يبتسم ) ، نعم حقاً لهذا الشهيد أن يبتسم .....
لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم مِن عظيم جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم ، فقال عنهم : {فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ،( آل عمران170 ) ، وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء ، ليفوزوا كما فازوا ، لِعِلْمِهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه ، إذا استشهدوا في سبيل الله مخلصين له ، وأن لا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا ، {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ، ( آل عمران170 ) .
هل تأملت حال فاطمة بنت رسول الله صلى ألله عليه وعلى آله وسلم يوم سمعت بمرضه صلى الله عليه وسلم فهرعت حتى تطمئن عليه ، فبكت ثم ضحكت ، لماذا ضحكت ؟ إن في الأمر لسر !! فخذ هذه الحادثة :
قالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ، لم يغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطيء مشيتها مشية أبيها ، فقال : ( مرحباً بابنتي (فأقعدها عن يمينه أو عن شماله ، ثم سارَّها فبكت ، ثم سارَّها فضحكت ، فقلت لها : خصكِ رسول الله بالسرار وأنتِ تبكين ؟ فلما أن قامت قلت لها : أخبريني ما سارَّكِ ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي قلت لها : أسألكِ لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني ، قالت :أما الآن فنعم ، قالت : سارني في الأول قال لي : إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل مرة ، وقد عارضني في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك الأجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فاني نعم السلف أنا لك)) فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارّني قال : ( يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ) رواه البخاري ، كتاب الاستئذان رقم : ( 6285، 6286) .
إذاً ما لذي جعل فاطمة رضي الله عنها تضحك وتُسر بما بشرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها البُشرى التي بشرها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء الأمة ) ، أليس الذي بشرها بذلك هو الذي بشر الشهيد بما أعده الله من نعيم لمن يُقتل في سبيل الله .
إن هؤلاء الشهداء بما بذلوا في سبيل الله ، وقدموا أغلى ما يملك كل واحد منهم ، نفسه التي بين جنبيه وباعوها لله ، والله اشترى{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} جازاهم على ذلك الأمن من الفتنة في القبر، و{هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ) (الرحمن:60) ولقد سئل الحافظ ابن حجر الهيتمي رحمه الله السؤال الآتي :هل يُسأل الشهيد ؟
فأجاب : لا ، واستدل على ذلك بقول القرطبي بخبر مسلم : هل يُفتن الشهيد في قبره ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ، قال : ومعناه : أن السؤال في القبر إنما جُعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق ، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه ، وإلا لفرّ إلى الكفار .
ويقول المناوي رحمه الله :
( ببارقة السيوف ) أي : بلمعانها . قال الراغب : البارقة : لمعان السيف .
( على رأسه ) يعني : الشهيد .
( فتنة ) : فلا يفتن في قبره ، ولا يسأل ، إذ لو كان فيه نفاق لفر عند التقاء الجمعين ، فلما ربط نفسه لله في سبيله ظهر صدق ما في ضميره . وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة ، لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم " انتهى. "فيض القدير" (5/6)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وأما الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله فإنهم لا يسألون ؛ لظهور صدق إيمانهم بجهادهم . قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} التوبة/111، وقال : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران/169. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) ، وإذا كان المرابط إذا مات أمن الفتان ؛ لظهور صدقه ؛ فهذا الذي قتل في المعركة مثله أو أولى منه ؛ لأنه بذل وعرَّض رقبته لعدو الله؛ إعلاء لكلمة الله ، وانتصارا لدينه ، وهذا من أكبر الأدلة على صدق إيمانه " انتهى."مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (8/477)
يفتن الناس في القبور، وشهيدنا في القبر مسرور ... يموت الناس والشهيد لا يموت ... يبكي الناس ، والشهيد مبتسم ... فهنيئاً للشهداء في أرض العزة ( غزة ) هذه الابتسامة ... ولشهداء في كل مكان ....
نسأل الله تعالى لنا ولكم أحبتي في الله شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين ..