العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فهم التشيع جزء 8 صراع المشروعية وأثره في تشكيل الفكر الشيعي (2)

د. نعمان مبارك جغيم

:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
197
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
الجزائر
المدينة
-
المذهب الفقهي
من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
صراع المشروعية وأثره في تشكيل الفكر الشيعي (2)

ثانيا: صراع المشروعية ضد العباسيين
نشأ تحالف بين العلويين وشيعتهم والعباسيين وشيعتهم من أجل إسقاط الدولة الأموية، ورفعوا شعارا مشتركا هو الدعوة إلى آل البيت، ولكن كان كلّ واحد منهما يخطط في الخفاء لاستغلال الطرف الآخر والاستئثار بالحكم في النهاية، وتمكن العباسيون من سحب البساط من تحت أقدام العلويين والاستئثار بالحكم. وقد أدى ذلك إلى نشوء صراع بين الطرفين بعد قيام الدولة العباسية، وبذلك فتح شيعة العلويين جبهة جديدة لصراع المشروعية ضدّ العباسيين. وكان من مظاهر ذلك الصراع وضع نصوص منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في التّحذير من العباسيين والقدح فيهم.

ومن ذلك ما نسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حذّر من شرِّ العباسيين وفتنتهم، فقال: "ويل لأمّتي من بني العبّاس، شَنَّعُوها وألْبَسُوها السّواد، ألبسهم الله ثيّاب النّار، هلاكهم على رجلٍ من أهل بيت هذه، وأشار إلى أمّ حبيبة".([1])

ونسبوا إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه كان في جماعة من العباسيين فقال لهم: هل فيكم غريب؟ قالوا: لا. قال: إذا خرجت الرايات السُّود فاستوصوا بالفُرس خيراً؛ فإنّ دولتنا معهم. فقال أبو هريرة: ألاَ أحدِّثُك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وأنت ها هنا! حدِّث. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقبلت الرايات السُّود من جهة المشرق، فإنّ أولَّها فتنة، وأوسطها هرج، وآخرها ضلالة".([2])

كما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أقبلت رايات ولد العباس من عقاب خراسان جاءوا ببغي الإسلام، فمن سار تحت لوائهم لم تَنَلْهُ شفاعتي يوم القيامة".([3])

وقد انجرّ بعض أنصار العباسيين إلى حرب المشروعية ضدّ الشيعة، ووضعوا نصوصا في فضل العباس وذريته توازي ما وضعه الشيعة في فضل عليّ بن أبي طالب وذريته، فنسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنّ الله اتَّخذني خليلاً كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً. ومنْزلي ومنْزل إبراهيم تجاهين في الجنة، ومنْزل العباس بن عبد المطلب بيننا، مؤمنٌ بين خليلين".([4])

وفي مقابل النصوص التي وضعها الشيعة في نفي أحقيّة العباسيين بالخلافة وحصرها في عليّ بن أبي طالب وبعض ذريّته، وضع بعض أنصار العباسيين نصوصاً تنصّ على أولويتهم بالخلافة، وعدم استحقاق ذرية عليّ بن أبي طالب للخلافة، ومن ذلك ما نسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان في مجلس حضره عمّه العباس وابن عمه عليّ بن أبي طالب، فقال للعباس: "يكون الـمُلْكُ في ولدك"، ثم التفت إلى عليّ فقال: "لا يملك أحد من ولدك".([5])

كما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخلافة في ولد عمي وصِنْو أبي حتى يسلِّموها إلى المسيح".([6])

وفي مقابل ما وضعه الشيعة في القول بأنّ عليّ بن أبي طالب هو وصيّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وضع بعض أنصار العباسيين نصّاً يقول بأنّ الوصيّ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم هو عمه العباس بن عبد المطلب، فرووا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوماً في مجلس من الصحابة فطلع العباس بن عبد المطلب، فقال: "هذا العباس بن عبد المطلب أبي، وعمي، ووصيي، ووارثي".([7])

وإذا كان للشيعة كساؤهم الذي يفتخرون به، فإن للعباسيين أيضاً كساؤهم الذي يبتغون فيه المشروعيّة، وهي مشروعيَّةٌ يرون أنّها لا تقلّ عن مشروعيّة العلويين. فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: إِذَا كَانَ غَدَاةَ الإثنينِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَكَ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ، فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ وَأَلْبَسَنَا كِسَاءً ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لا تُغَادِرُ ذَنْبًا اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ".([8])

وإذا كان الشيعة يتفاخرون بكون عليّ بن أبي طالب يمتاز بأنه أسلم منذ صباه، وربما غمزوا بني العباس بأنّ العباس لم يُسْلِم إلا متأخراً، فإن لأنصار بني العباس ردّهم على ذلك، فقد قالوا إنّ العباس أسلم مبكِّراً ولكنه كان يكتم إسلامه، ولم يتأخر في الهجرة إلاّ بناءً على رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وطلبه، فقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له: "يا عمّ! أَقِمْ مكانك الذي أنت به، فإن الله تعالى يَخْتِمُ بك الهجرة كما خَتَمَ بي النّبوّة".([9])

([1]) ابن الجوزي، جمال الدين عبد الرحمن بن علي. (1386هـ/ 1966م). الموضوعات. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان. المدينة المنورة: المكتبة السلفية. ج2. ص39.
([2]) ابن الجوزي. الموضوعات. ج2. ص38.
([3]) المرجع نفسه. ج2. ص38.
([4]) المرجع نفسه. ج2. ص32.
([5]) المرجع نفسه. ج2. ص33.
([6]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر. (د.ت.). تاريخ الخلفاء. تحقيق: حمدي الدمرداش. السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز. ج1، ص19.
([7]) ابن الجوزي. الموضوعات. ج2. ص31.
([8]) الترمذي، محمد بن عيسى. (1998م). سنن الترمذي، تحقيق: بشار عوااد معروف. بيروت: دار الغرب الإسلامي. كتاب المناقب. باب مناقب أبي الفضل عمّ النبي. ج6. ص113.
([9]) ابن الأثير، علي بن محمد بن عبد الكريم. (1415هـ/1994م). أسد الغابة في معرفة الصحابة. بيروت: دار الكتب العلمية. ج3. ص163.
 
أعلى