د. نعمان مبارك جغيم
:: أستاذ أصول الفقه المشارك ::
- إنضم
- 4 سبتمبر 2010
- المشاركات
- 197
- الجنس
- ذكر
- التخصص
- أصول الفقه
- الدولة
- الجزائر
- المدينة
- -
- المذهب الفقهي
- من بلد يتبع عادة المذهب المالكي
أهل البيت: المفهوم والأبعاد الدينية والسياسية
إن السبب الذي جعل منظّري الشيعة الإثني عشرية ينقلون مصطلح "أهل البيت" من البيت النّبوي إلى البيت العلوي (بيت عليّ بن أبي طالب) أن نشأة التيار الشيعي كانت نشأة سياسية تعتمد على تقديم علي بن أبي طالب بالخلافة بسبب قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الخلافة وراثية في ذريته. ومع مرور الوقت وتطور الفكر العقدي الشيعي ظهرت فكرة العصمة للأشخاص الذين افترضوهم أئمة لهم، وكانت تلك الفكرة محاولة لتحقيق نَصْر نظري على التيارات السياسية والفكرية المخالفة بادعاء أن زعماءهم الروحيين (الأئمة) يتفوّقون على زعماء التيارات المخالفة بكونهم معصومين ورثوا النبوة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الأمر الذي يعطيهم الأولوية المطلقة في الزعامة الدينية والدنيوية. وكان التيار الشيعي في حاجة إلى تسجيل هذا النّصر النظري للتعويض عن الهزائم الميدانية التي مُنِيَ بها في صراعه السياسي من أجل الاستيلاء على الحكم، وإعطاء أتباعه دفعا معنويا يجعلهم يشعرون أنهم أفضل من غيرهم من الناحية الدينية على الرغم من كونهم أقلية وفشلهم في محاولات الاستيلاء على الحكم.
وبسبب عدم وجود أساس شرعي لدعم فكرة العصمة سعى منظرو التيار الشيعي إلى ربطها بآية التطهير، حيث يكون التطهير علامة على العصمة. ولكن المشكلة أن آية التطهير تتحدث عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم زوجاته، وليس عن أهل بيت علي بن أبي طالب. ومن أجل حلّ هذه الإشكالية عمد منظرو التيار الشيعي إلى نسج شبكة من الأخبار تنص على أن المراد بأهل البيت هم: عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، وأن تلك الأخبار المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخرجت زوجاته أمهات المؤمنين من مفهوم أهل البيت، ونقلت هذا المفهوم إلى هؤلاء الأربعة. ثم بعد ذلك ألحقوا بهؤلاء الأربعة الأشخاص الآخرين الذين اختاروهم أئمة لهم.
أولا: مفهوم أهل البيت
جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي: "أهل الرجل زوجه، وأخصّ الناس به. التّأهُّل التّزوُّج، وأهل البيت سكّانه، وأهل الإسلام من يدين به".([1]) هذا الكلام يبيّن أن أوّل ما يُطْلَقُ عليه لفظ "أهل" هي الزوجة، فكلمة "أهل" في اللغة تشمل الزوجة قبل الأولاد، كما أن مصطلح "أهل البيت" يعني كلّ سكّان البيت. وهذا يبطل ما يزعمه بعض كُتّاب الشيعة من أن كلمة "أهل" في اللغة العربية لا تشمل الزوجة، ولا تُطلق عليها إلاّ بقرينة،([2]) فهو زعم مخالف لكلام أهل اللغة ومعهود العرب في استعمال كلمة "أهل". كما أنه مخالف لصريح القرآن الكريم، فالقرآن الكريم -وهو أصل اللغة العربية- يستعمل كلمة "أهل" أو "أهل البيت" بمعنى الزوجة خصوصاً، أو الزوجة والأولاد، ومن ذلك: قوله سبحانه وتعالى عن أهل إبراهيم عليه السلام: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (*) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (*) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).([3]) والمقصود بأهل البيت هنا إبراهيم عليه السلام وزوجته؛ إذ لم يكن لهما في ذلك الوقت أولاد تشملهم عبارة "أهل البيت".
وفي قول الله سبحانه وتعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)([4]) نجد أنّ أوّل من يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة من أهله هم زوجاته.
وفي قول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)([5])حديث عن غزوة أُحُد، وكان أهل الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت هم زوجاته وبناته، ولم يكن الحسن والحسين قد وُلِدَا بَعْدُ في ذلك الوقت حتّى يكونا مقصودين بالآية.
وقول الله سبحانه وتعالى عن موسى عليه السلام لَمّا كان راجعاً من مدين إلى مصر مع أهله: (إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)،([6]) وقوله تعالى: (إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)([7]) لا خلاف في دلالة "الأهل" في هذه الآيات على الزوجة، وبذلك فسَّرها المفسّر الشيعي الطباطبائي، حيث قال: "المراد بأهله امرأته، وهي بنت شعيب".([8])
هذا القرآن الكريم ناطقٌ صراحة لا كناية بأنّ أوّل من يشمله مصطلح "أهل/أهل البيت" هي الزوجة، فكيف يمكن بعد ذلك أن يُقَال إنه لا يُطْلَقُ على الزوجة إلاّ بقرينة تدلّ عليه؟!
ثانيا: تطهير أهل البيت ودلالاته الدينية والسياسية
آية التطهير في من نزلت؟
يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا (*) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (*) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا).([9])
يزعم الشيعة الإثني عشرية أن قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) -وهي التي يسمونها آية التطهير- نزلت خصوصاً في عليّ بن أبي طالب وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ولا يدخل فيها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
ونحن إذا نظرنا في الآيات السابقة نجد أنها تتحدّث عن إرشادات وتوجيهات لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أثناء تلك الإرشادات والتوجيهات بيانٌ للغرض والحكمة منها، وهو تطْهِيرهن وإذهاب الرجس عن أهل البيت النبوي الشريف. ولفظ "إنما" صريح في الدلالة على ذلك؛ فهو وارد لتعليل تلك التوجيهات والإرشادات وبيان الحكمة منها، وهي إذهاب الرّجس عن أهل البيت وتطهيرهم.
وما يُسمى "آية التطهير" لا تمثِّل آية مستقلة بل هي مقطع من آية، والآية الكاملة هي: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).([10]) فهل يمكن أن تكون العبارات الأولى من الآية في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والعبارات الأخيرة تُخْرِجُهُنّ من معناها؟ وأنت ترى أن المقطع الذي يتحدّث عن إذهاب الرجس والتّطهير إنّما هو تعليل وبيان للحِكْمَة من تلك الأوامر التي أمَرَ الله عزّ وجلّ بها زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، فهل يمكن أن يكون الحُكْمُ الـمُعَلَّلُ يتحدّث عن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم والعِلّة تتحدّث عن غيرهن وتخرجهنّ منها؟ هل يمكن فَصْلُ العلّة عن الحُكْمِ الـمُعَلَّل؟ وعلى ماذا يعود التّعليل إذا قطع عنه الحُكْمُ الـمُعَلَّلُ؟
نعم، لو كان ما يسمى "آية التطهير" آية مستقلَّة ولم تُصَدَّر بأداة التعليل لكان من الممكن القولُ بأنّ لها سبباً خاصّاً في النُّزول يختلف عن الآيات السابقة واللاحقة لها، ولكن تصديرها بأداة التعليل يجعل فَصْلَهَا عمّا قَبْلَها أمراً مستحيلاً؛ فكيف يمكن فصل العلة عن المعلول؟
أما استخدام صيغة التذكير في قوله تعالى: (لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ) فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل مع زوجاته وبناته في أهل البيت، وهو مثل قوله تعالى في إبراهيم عليه السلام: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) والمراد زوجته وهو عليه السلام.
وزيادة على كون سياق الآيات في غاية الوضوح على أن المراد بأهل البيت فيها زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الاستعمال اللغوي والعرف الشرعي ينفيان دخول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أهل البيت. فهو ليس من أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس فردا من أفراد البيت النبوي، وعلاقته بالرسول صلى الله عليه وسلم تقتصر على كونه ابن عمه وصهره. ونحن نتساءل: ما السبب في إدخاله ضمن أهل بيت النبوة؟ إذا كان سبب ذلك المصاهرة فعثمان بن عفان رضي الله عنه ينبغي أن يكون أيضا من أهل بيت النبوة لأنه تزوح بنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا كان السبب هو كونه ابن عمه، فأبناء عمومة الرسول صلى الله عليه وسلم كُثُر، فهم أيضا يكونون من أهل بيت النبوة.
أما ما نُسج من الآثار المرويّة حول هذه الآية وسبب نزولها فإنها ليس فيها خبر ثابت الصحة، ويظهر ذلك من خلال النظر في مَتْن تلك الأخبار وفي أسانيدها. أما من حيث المتن فإن مضمونها مخالف لما هو ثابت في القرآن الكريم من أن المراد بأهل البيت الزوجات والأولاد، وليس من الممكن أن يعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى إخراج زوجاته وأولاده من أهل بيته، وإحلال أهل بيت علي بن أبي طالب مكانهم، فهل يمكن لنبيّ أن يتبرأ من أهله ويدخل غيرهم مكانهم؟ وما الداعي إلى ذلك؟ إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لعلي بن أبي طالب وأهل بيته بالتطهير وإذهاب الرجس فإنه يفعل ذلك دون حاجة إلى أن يحلهم محلّ أهل بيته.
أما من حيث السند، فإن أسانيد تلك الأخبار كلها تشتمل على رواة مجروحين. وأفضل تلك الروايات هي الرواية الواردة عند مسلم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ -وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ- قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).([11]) عند النظر في أسانيد هذه الرواية نجدها تلتقي في مصعب بن شيبة، وهو راوٍ تكلّم فيه علماء الجرح والتعديل واختلفوا في توثيقه: وثّقه العجلي، وضعّفه آخرون منهم: أحمد بن حنبل وأبو حاتم والدارقطني. جاء في ميزان الاعتدال: "مصعب بن شيبة الحجبي المكي... قال أبو حاتم: لا يحمدونه. وقال غيره: ثقة. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال أحمد: أحاديثه مناكير."([12]) وجاء في تهذيب التهذيب لابن حجر: "قال الأثرم عن أحمد: روى أحاديث مناكير. وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا يحمدونه وليس بقوي. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث. وقال النسائي: منكر الحديث، وقال في موضع آخر: في حديثه شيء. قلت: وقال الدارقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ... وقال ابن عدي: تكلّموا في حفظه. وقال العجلي: ثقة."([13])وخلاصة القول فيه ما ذكره الذهبي في الكاشف، حيث قال: "فيه ضعف."([14]) وما ذكره ابن حجر في تقريب التهذيب، حيث قال: "لين الحديث".([15])
وبهذا يتبيّن أن هذا الراوي مجروح، وهو أمرٌ يشكك في ثبوت روايته، وقد روي عن الإمام أحمد أنه وصف روايته بأنها منكرة؛جاء في موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله: "قال أحمد بن محمد بن هانىء: ذكرت لأبي عبد الله الوضوء من الحجامة، فقال: ذاك حديث منكر، رواه مصعب بن شيبة، أحاديثه مناكير، منها هذا الحديث، وعشرة من الفطرة، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه مرط مرجل... وقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: مصعب بن شيبة روى أحاديث مناكير."[16] ومما يلقي بظلال الشك على ثبوتها أنها منسوجة على مقاس نظرية الشيعة في الإمامة، وأنها تعارض بشكل جليّ صريح القرآن الكريم الذي ينص على أن التطهير وإذهاب الرجز متعلق في الأساس بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا كله يرجح أنها رواية تسرّبت من الفكر الشيعي.
والظاهر أن الإمام مسلم رحمه الله أورد هذه الرواية في كتابه -على ما في سندها من ضعف- لأنه لم يجد ما هو أفضل منها في بابها فكانت هي الرواية الوحيدة التي أوردها في فضائل أهل البيت،([17]) وربما كان ذلك من باب التساهل في الروايات المتعلقة بالمناقب واستئناسا برأي من وثّق ذلك الراوي. والواقع أنه ينبغي التشديد في الروايات المتعلقة بالمناقب، خاصة ما كان منها متعلقا بالصراع السياسي والفكري الذي وقع في صدر الإسلام؛ لأن موضوع المناقب كان مَرْتَعا خصْباً لوضْع الأخبار، ولا ينبغي أن يُقبل منها إلا ما كان ثابت الصحة لا تشوبه شائبة.
أما عن كيفية نَسْج رجال الشيعة لتلك الشبكة من الروايات حول مفهوم أهل البيت وربطه بآية التطهير فالظاهر أن أصل قصة الكساء صحيح يرجع إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في وقت من أوقات البرد وعليه كساء يتدفأ به، فجاءه الحسن والحسين وهما طفلان صغيران فأدخلهما معه تحت الكساء للتدفئة والمداعبة كما يفعل الآباء والأجداد عادة مع أولادهم الصغار في مثل تلك الحال. ثم أخذ رجال الشيعة هذه الحادثة وبدأو بالنسج حولها، فأضافوا إليها فاطمة وعلي، ثم أضافوا قوله: هؤلاء أهل بيتي مع ربط ذلك بالآية، وبذلك يتمكنوا من ربط الآية بأسرة علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وادعاء أنهم هم أهل البيت، ثم بعد ذلك ربطوا التطهير بفكرة عصمة أئمة الشيعة الإثني عشرية.
الأبعاد السياسية والدينية لـ"آية التطهير"
بغضِّ النَّظر عَمَّنْ يشملهم لفظ أهل البيت وتشملهم إرادة التطهير، فإن الانتماء إلى البيت النبوي والتطهير لا يحملان بُعدا دينيّاً ولا سياسيّاً؛ فأولاد الأنبياء وأقاربهم ليسوا أنبياء، بل هم بَشَرٌ مثل غيرهم من البشر ينطبق عليهم قول الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)([18]) إن النسب قد يُعطي لصاحبه امتيازات اجتماعية حين يتفاضل الناس في الدنيا بالأنساب، ولكنه في ميزان الله تعالى لا يقدم ولا يؤخر، فميزان التفاضل في الدين هو التقوى كما بيّن ذلك القرآن في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،([19]) وكما بيّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا."([20]) وقوله صلى الله عليه وسلم: "ومَنْ بَطَّأ به عَمَلُهُ لم يُسْرِع به نَسَبُه."([21])
إن مصدر التشريع في الإسلام محصور في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس أهل البيت ولا الصحابة ولا غيرهم مصدرا للتشريع في الإسلام. والصحابة -ومنهم عليّ والحسن والحسين- وأهل بيت النبوّة رضي الله عنهم جميعا كان لهم الفَضْلُ في حِفْظ مصدريْ الإسلام (القرآن والسنة) ونقْلِهما إلينا، ولهم ميزة في فهم مصادر التشريع بحكم معايشتهم لها، ولكننا نفرِّقُ بين ما نقلوه إلينا من القرآن الكريم والسنّة النبويّة، وبين اجتهاداتهم وفهمهم للقرآن والسنّة. فما نقلوه إلينا من القرآن الكريم والسنّة النبويّة يجب علينا العمل به؛ لأنّه كلامُ الله تعالى وكلامُ رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو تشريعٌ مُلْزِمٌ لنا. وأما آراؤهم واجتهاداتهم فهي قابلة للصواب والخطأ، وما كان فيها من خطَأ فإنه لا يَقْدَح في عدالتهم ولا في عُلُوِّ مرتبتهم. إن المصادر الأساسية للإسلام هي القرآن الكريم وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ومن أراد أن يجعل لدينه مصادرَ أخرى غير هذين المصدرين، ويُلْزَم نفسه بما لم يُلْزِمه الله تعالى به فهو مسؤول عن نفسه، ولكن لا يحِقّ له أن يفْرِض ذلك على المسلمين.
لقد قام الشيعة بتضخيم ما يسمى "آية التطهير"، وحمّلوها أبعادا لا تحتملها، كل ذلك من أجل تبرير معتقداتهم. ونحن إذا نظرنا في القرآن الكريم نجد أن التطهير ليس خاصا بأهل البيت النبوي، بل هو واقعٌ لغيرهم من المسلمين أيضا. فالآيات التي تحدثت عن إرادة التطهير لأهل البيت ربطت ذلك التطهير بمجموعة من الأوامر والإرشادات. وكذلك نجد القرآن الكريم يتحدث عن تطهير وتزكية نفوس الذين يؤدون زكاة أموالهم في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).([22]) ونجد القرآن الكريم يتحدث عن تطهير الصحابة الذين كانوا في غزوة أحد وإذهاب رجز الشيطان عنهم بما أنزله عليهم من السماء من ماء في قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ).([23]) كما يتحدث القرآن الكريم عن جعل الوضوء والتيمم تطهيرا للمؤمنين في قوله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).([24])
وينبغي عدم الخلط بين التّطْهير والعِصْمَة، فالتّطْهير شيء والعِصْمة شيء آخر، ولا يلزم من التّطهير العِصْمة. ولو كان التطهير يقتضي العصمة لثبتت العصمة للذين اشتركوا في غزوة أحد لأن القرآن نص على تطهيرهم وإذهاب رجز الشيطان عنهم، وللذين يؤدون زكاة أموالهم إيمانا واحتسابا، وللمؤمنين الذين يتطهرون بالوضوء والتيمم.
ثالثا: فاطمة الزهراء وأبو بكر الصديق
تماشيا مع نظرية المؤامرة التي يروِّج لها الشيعة من أجل استعطاف الناس، تُظهر المصادر الشيعية الصحابة -خاصة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- بمظهر المتآمرين ليس فقط ضدّ علي بن أبي طالب بحرمانه من حقه في الخلافة، بل ضد فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم. والغرض من هذا رسم صورة للصحابة على أنهم لم يكتفوا بعصيان الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وخيانته بعد موته حين لم ينفذوا الوصية المزعومة بأن يكون علي بن أبي طالب هو وريثه في الحكم من بعده، بل تعدى الأمر ذلك إلى التآمر على أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم، خاصة ابنته فاطمة من خلال حرمانها من ميراثها نكاية وحقدا!
لقد سجّل لنا التاريخ حوادث كثيرة رُفِعَت إلى الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليحكم فيها، فحكم فيها بما عنده أو عند الصحابة من السنّة النبوية. ومنها أنّ جدّةً جاءت إلى أبي بكر تسأله حقّها في الميراث من حفيدها الذي مات، ولم يجد لها أبو بكر حقّاً في القرآن الكريم ولا فيما يعلم من السنّة فأَرْجَأَ الحكم في المسألة حتى يسأل أصحابه إنْ كان أحدهم يعلم قضاءً للرسول صلى الله عليه وسلم في المسألة. ولما سأل عن ذلك شهد صحابيّان بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسدس، وعند ذلك قضى لها أبو بكر بقضاء الرسول صلى الله عليه وسلم.([25])
وكان من القضايا التي رُفِعَت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قضيّة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أرسلت تطلب ميراثها من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقضى أبو بكر في المسألة بما عنده من نصوص شرعيّة، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ. إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ -يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ. وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".([26])
وأبو بكر رضي الله عنه في هذه المسألة كما في المسألة التي قبلها قاضٍ، والقاضي إنما يقضي بما هو منصوص عليه في القانون المعمول به وبما يفهمه من ذلك القانون، وقد وجد أَمَامَه حديثاً سَمِعَه هو نفسه من الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ الأنبيّاء لا يورثون، وأن ما تركوه يكون صدقة لبيت مال المسلمين، وتكون نفقة أهل الرسول صلى الله عليه وسلم من بيت مال الدولة، فقضى بذلك.
ولا فرق أمام القضاء الإسلامي بين جميع المواطنين، ولا امتيّاز لأحد مهما كانت رتبته؛ فكون فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطيها امتيازاً خاصّاً أمام القضاء. وهذا حُكْم الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته، فقد قال قولته المشهورة -عندما أراد بعض الناس الشّفاعة في عقوبة شرعيّة ثَبَتَتْ على امرأة من قومٍ ذوي مكانةٍ اجتماعيّة عاليّة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا".([27]) إنه إعلان صريح بمساواة الناس جميعاً أمام القضاء الإسلامي بما في ذلك بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويتساءل الإنسان هنا: ما الدافع الذي يمكن أن يدفع أبا بكر الصديق إلى حرمان فاطمة من ميراثها ظلماً وعدواناً كما يقول الشيعة؟
لو كانت القضيّة التي رُفعت إلى أبي بكر فيها نزاع بين فاطمة وأحد أقارب أبي بكر أو أصدقائه لأمكن القولُ بأنّ أبا بكر حكم ضدّ فاطمة لأنّه كان يريد أن يحكم لصالح أقاربه أو أصدقائه. ولو كانت القضيّة هي نزاع بين فاطمة وأيّ شخص آخر لأمكن القولُ إنّ أبا بكر حكم ضدّ فاطمة لأنه تلقّى رشوة من الطرف الآخر فحكم لصالحه.
لكن أملاك الرسول صلى الله عليه وسلم التي حكم أبو بكر بأن فاطمة ليس لها حقّ في الإرث منها إنما ذهبت إلى بيت مال الدولة ولم يستفد منها أبو بكر ولا أحد من أقاربه أو أصدقائه. بل على العكس، فإن أقارب أبي بكر وعمر قد خسروا بسبب حكم أبي بكر بعدم إرث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمن المعلوم أنّ الزوجات لهن حقّ في الميراث من الزوج الميّت، وقد كان من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وحُكْمُ أبي بكر بعدم إرث النبي صلى الله عليه وسلم أدّى إلى حرمانهما من حقيهما في الميراث. فحُكْمُ أبي بكر لم يَحْرِم فاطمة فقط، بل حَرَمَ معها ابنته عائشة وابنة عمر بن الخطاب حفصة وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم الأخريات.
موقف الشيعة أم موقف فاطمة؟
نعم، لقد غضبت فاطمة رضي الله عنها من حكم أبي بكر الصديق،([28]) ولكنّ تصوير موقف فاطمة رضي الله عنها من ذلك الحكم بالصورة التي تصوِّرها كتب الشيعة فيه مبالغات كثيرة دفعتهم إليها العواطف الجياشة وحِقْدُهُم على أبي بكر لدافع سياسيّ محض هو كونه تولَّى الخلافة قَبْل عليّ بن أبي طالب الذي يعتقدون أنه أولى بالخلافة منه.
وقد نسب الشيعة الإثني عشرية إلى فاطمة رضي الله عنها خطبة درامية طويلة تصوِّرها بصورة امرأة لاهثة وراء متاعٍ من الدنيا زائل، تثور من أجله على أبي بكر وعليّ زوجها، وتترك بيتها وتذهب إلى مجلس أبي بكر ساخطة ثائرة، وتقف خطيبة في المجلس مستعملة عبارات حادّة من السّبّ والشّتْم والتّكفير. ثم ترجع إلى بيت زوجها القاعد في داره المتخاذل عنها، فتصبّ عليه ما بقيّ من غضبها وشتائمها!
وفيما يأتي مقتطفات من تلك الخطبة الطويلة: "...فلما اختار الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم دار أنبيّائه ومأوى أصفيّائه، ظهر فيكم حَسَكَة النِّفَاق...وأطْلَعَ الشيطان رَأْسَه من مغرزه هاتفاً بكم، فأَلْفَاكُم لدعوته مستجيبين...ابْتِدَاراً زعمتم خوف الفتنة! ألاَ في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم محيطة بالكافرين. فهيهات منكم! "وكيف بكم وأنَّى تُؤْفَكُون؟ وكتاب الله بين أظهركم...ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين...وتستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، وإطفاء أنوار الدين الجليّ، وإخماد سنن النبيّ الصفيّ...وأنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا، أَفَحُكْم الجاهليّة يبغون؟ ومنْ أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟...يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟؟ لقد جِئْتَ شيئاً فَرِيّا!!...ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: ...سرعان ما أحدثتم...ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟...ألا قد قلتُ ما قلتُ على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم...فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: معاشر الناس! المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلاّ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم وساء ما به أشرت...ثم انكفأت (عليها السلام) وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه ويتطلّع طلوعها عليه. فلما استقرّت بها الدّار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام: يا ابن أبي طالب! اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين...".([29])
الناظر في هذه الخطبة الطويلة يجزم بأنها لا تشبه أسلوب الخطابة في عصر فاطمة رضي الله عنها، وأنها تحمل ملامح أسلوب العصر العباسي أو ما بعده. فقد خُصِّصَ جزءٌ كبيرٌ من الخطبة لبيان الحالة السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة للعالم بصفة عامّة، والعرب بصفة خاصة في وقت نزول الرسالة، ثم استعرضت الخطبة تعليل أبرز عقائد الإسلام وشرائعه. والتفصيل في هذه القضايا غير معهود في السنّة النبويّة وزمن الصحابة والتابعين! وإنما بدأت هذه التعليلات المفصَّلة في زمن متأخِّرٍ عندما اشتدَّ الصراع بين الفلسفة الإسلاميّة والفلسفات الوثنيّة، وظهر الطَّاعنون في شرائع الإسلام. هذا فضلاً عن أنّ المسائل الكلاميّة التي افْتُتِحَتْ بها الخطبة تعكس مرحلة زمنيّة متأخرة جداًّ عن زمن فاطمة رضي الله عنها، وهي مرحلة ظهور الفِرَق الكلاميّة والخلاف بينها في بعض المسائل، ومنها مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى، حيث تحرص الخطبة على تأكيد رأي المعتزلة -الذي تَبَنَّاهُ الشيعة الإثني عشريّة فيما بعد- في عدم إمكانية رؤية الله تعالى يوم القيامة، ولم تكن هذه المسألة مُثَارَةً قَبْلَ نهاية القرن الأوّل ناهيك عن وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم! وهذه كلّها دلائل تدلّ على أنّ الخطبة إنما وُضِعَتْ في وقت متأخِّر.
كما أنه لم يكن من عادة العرب في ذلك الوقت الإطالة في الخُطَب بهذا الشكل؛ فإذا نظرت في خُطَب الرسول صلى الله عليه وسلم وجدتها لا تتعدى عادة بضعة أسطر، وكذلك خُطَب مشاهير خطباء العرب والصحابة رضي الله عنهم. كما أنه لم يكن من عادة العرب وضع مقدمات طويلة لخطبهم يمهِّدُون بها بين يدي كلامهم، بل كانوا يَلِجُون إلى الموضوع مباشرة. وعلى العكس من ذلك ترى في هذه الخطبة أن المقدمات أكثر من صلب الموضوع، ولم يظهر هذا النوع من الخطب قبل زمن الدولة العباسية. ولم يكن العرب يعدُّون التكلُّف في السَّجْع والمحسِّنات اللفظيّة من علامات الفصاحة؛ فلم تكن الفصاحة عندهم هي صناعة الكلام، وإنما ظهرت صناعة الكلام بما تشتمل عليه من محسنات لفظية وبديعية في الأدب العربي في زمن العباسيين. لقد كانت الخطابة عند العرب سَجِيَّةً، ثم صارت بعد ذلك صناعة، وفاطمة رضي الله عنها عربيّة وبنت أَفْصَح العرب، ونشأت في قبيلة كانت هي أَفْصَح قبائل العرب، فلا يمكن أن تصدر منها خطبة مصنوعة مثل هذه، ولا يُعْقَلُ أن تصدر منها خطبة فيها من صناعة الكلام ما لم يظهر إلاّ بعد ما يقارب القرنين من بعد وفاتها!
إن التَّنَكُّرُ لأهل الفضل شيمة اللؤماء والغلاة. والأنصار -الذين يُنْسَبُ إلى فاطمة أنها سَبَّتْهُم واتهمتهم بالنفاق والرِّدّة والكفر- هم الذين وفَّرُوا الأمْن والسَّكن لها ولأبيها وزوجها وأولادهما، فهل يكون من المعقول أنْ تَعُضَّ فاطمة الزّهراء يَدَ الأنصار، وتَتَنَكَّرَ لفضل أولئك العظماء فتصفهم بالنِّفاق واتِّباع هُتَاف الشيطان وإطفاء نور الإسلام وإخماد سُنَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ إنّ اللجوء إلى تكفير المخالف واتِّهامه بالنِّفاق والتَّشْكِيك في دينه واستباحة دمه هي صفات الغلاة المتطرِّفين، وقد بدأت مع الرعاع الذين استباحوا دم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم امتدّ شرُّهم إلى الشيعة الخوارج الذين اختلفوا مع عليّ بن أبي طالب في مسألة الصلح مع معاوية فكفَّرُوه واستباحوا دمه وقتلوه، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الشيعة الذين كفّروا الأمويين والعباسيين، بل وصفوا الصحابة بالنِّفاق والردّة. وحاشا لفاطمة الزهراء أو لعليّ بن أبي طالب أن يكونا من أولئك الغلاة المتطرِّفين، وأن تصدر عنهم مثل هذه المواقف.
غضب فاطمة من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم!
كانت فاطمة رضي الله عنها أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم، وللولد الأصغر -عادة- مكانة خاصة عند الوالدين، فهو -عادة- يلقى من العطف والرعاية والدلال ما لا يلقاه من هو أكبر منه. ولم تكن لفاطمة رضي الله عنها ميزة دينيّة تميِّزها عن أخواتها، ولكن بحكم صغر سِنِّها كانت تحتاج إلى رعاية وعناية أكبر مما تحتاجه أخواتها اللاتي صِرْنَ أمّهات يمنحن من العطف والرعاية لأسرهن أكثر من حاجتهنّ للتّلقّي.
وقد حاول الشيعة أن يجعلوا لتلك الرعاية الحانيّة والعاطفة النّبيلة من الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه ابنته الصغيرة دلالةً على خصوصيتها، فحاولوا إعطاءَها بُعداً دينيّاً واستغلالَها في تصفيّة حساباتهم السياسيّة مع أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ومن ذلك أنهم أخذوا ما رُوِيَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي" للاستدلال به على أنّ أبا بكر الصديق قد تعرَّض لغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وغضب الله سبحانه وتعالى لأنه أغضب فاطمة عندما حكم بأنها لا يحق لها شرعاً أن ترث شيئاً من تَرِكَةِ الرسول صلى الله عليه وسلم.([30])
ولكن النّاظر في هذا النصّ يجد أنّه لا يدلّ من قريب ولا من بعيد على ما أراده الشيعة؛ فالنصّ قد ورد في عليّ بن أبي طالب لَمّا أغضب فاطمة رضي الله عنهما. ولكن الشيعة قطعوا النصّ عن سياقه، ونقلوه إلى معنى آخر لا علاقة له أصلاً بما ورد فيه.
فسبب ورود هذا النص هو أن عليّ بن أبي طالب أراد أن يتزوّج امرأةً ثانية (بنت أبي جهل) على فاطمة رضي الله عنها، وكان قد تقدّم فعلاً لخطبتها، ولَمّا علمت فاطمة بذلك كان من الطبيعي أن لا ترضى؛ فالمرأة عادة لا ترضى بأن يتزوّج عليها زوجها امرأة ثانية ويحضر لها ضرّة إلى بيتها، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تشتكي. ومن الطبيعي أنّ كلّ أب لا يحبّ أن يرى ابنته في وضع غير مريح، كما أنه من الطبيعي أن يحزن الوالدان لحزن أبنائهما، ولذلك اعترض الرسول صلى الله عليه وسلم على رغبة عليّ في الزواج من امرأة ثانية، خاصة وأن المرأة المخطوبة هي بنت أعدى أعداء الإسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن بصراحة أنّ ما يفعله ليس تحريماً لتعدّد الزوجات، ولكنه فقط لا يحبُّ أن يقع ذلك مع ابنته.
وإذا كان في هذه الأحاديث أيّ دلالة على غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على أحد، فهي تدلّ على غضبه على عليّ بن أبي طالب الذي وردت فيه، وليس على أبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو غيرهما من الصحابة.
روى البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي".([31])
وروى البخاري أيضا عن عَلِيّ بْن حُسَيْنٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: "إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ! فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ".([32])
وروى البخاري أيضا عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا".([33])
وفي رواية أخرى للإمام أحمد أنه قال: "...وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلالاً وَلا أُحِلُّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لا تَجْتَمِعُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَةُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا".([34])
([1]) الفراهيدي، الخليل بن أحمد. (د.ت.). كتاب العين. تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. (د.م.): دار ومكتبة الهلال. ج4. ص89.
([2]) يقول الكاتب الشيعي محمد مهدي الآصفي: "ويظهر من مراجعة اللغة والحديث أن كلمة (الأهل) و(الآل) لا تطلق على الزوجة إلاّ بقرينة تدلّ عليه، فإذا خلا الكلام من أي قرينة، فإنه يدلّ على أهله الذين يتصل إليهم بنسب قريب". محمد مهدي الآصفي. آية التطهير، مبحث: الروايات المخالفة، http://www.al-islam.org/short/ arabic/tathir/4.htm.
([3]) هود: 71-73.
([4]) طه: 132.
([5]) آل عمران: 121.
([6]) النمل: 7.
([7]) طه: 10.
([8]) الطباطبائي. الميزان في تفسير القرآن. ج15. ص342. نقلا عن: عبد الحميد خروب: رواية الحديث عند الشيعة الإمامية. ص87.
([9]) الأحزاب: 32-34.
([10]) الأحزاب: 33.
([11]) مسلم. صحيح مسلم. كتاب الفضائل. باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ج4. ص1883.
([12]) الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان. (1382هـ/1963م). ميزان الاعتدال في نقد الرجال. تحقيق: علي محمد البجاوي. بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. ج4. ص120.
([13]) ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي. (1326هـ). تهذيب التهذيب. الهند: مطبعة دائرة المعارف النظامية. ج10. ص162. وقد أورده ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين فقال: "مُصعب بن شيبَة الحَجبي يروي عَن طلق بن حبيب قَالَ أحْمَد روى أَحَادِيث مَنَاكِير، وَقَالَ الدراقطني لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلا بِالْحَافِظِ." (ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن. (1406هـ). الضعفاء والمتروكون. تحقيق: عبد الله القاضي. بيروت: دار الكتب العلمية. ج3. ص123.
([14]) الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان. (1413هـ/ 1992م). الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة. تحقيق: محمد عوامة أحمد محمد نمر الخطيب. جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن. ج2. ص267.
([15]) ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي. (1406هـ/ 1986م). تقريب التهذيب. تحقيق: محمد عوامة. سوريا: دار الرشيد. ص533.
[16] السيد أبو المعاطي النوري وآخرون (جمع وترتيب). موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله. (1417هـ/1997م). بيروت: عالم الكتب. ج3. ص357.
([17]) انظر: مسلم. صحيح مسلم. كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم. باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ج4. ص1883، حيث اكتفى بإيراد هذه الرواية فقط لأنه لم يجد ما يصحّ في هذا الباب.
([18]) النساء: 123-124.
([19]) الحجرات: 13.
([20]) مسلم. صحيح مسلم. كتاب الإيمان. باب في قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين. ج1. ص192؛ البخاري. صحيح البخاري. كتاب تفسير القرآن. باب في قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين. ج6. ص111.
([21]) مسلم. صحيح مسلم. كتاب الذكر والدعاء. باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. ج4. ص2074.
([22]) التوبة: 103.
([23]) الأنفال: 11.
([24]) المائدة: 6.
([25]) الترمذي. سنن الترمذي. أبواب الفرائض. باب ما جاء في ميراث الجدة. ج3. ص490-491.
([26]) البخاري. صحيح البخاري.كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم. ج4. ص578-579.
([27]) روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا." البخاري. صحيح البخاري، كتاب قطع السارق. ج8. ص160.
([28]) جاء في رواية البخاري لقصة حكم أبي بكر في قضية ميراث فاطمة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم: "… فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ…" البخاري. صحيح البخاري. كتاب المغازي. باب غزوة خيبر. ج5. ص99.
([29]) النص الكامل للخطبة موجود على الرابط الآتي: http://www.al-islam.org/arabic/short/KhutbatFatima.htm .
([30]) السماوي. ثم اهتديت. ص141 وما بعدها.
([31]) البخاري. صحيح البخاري. كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم. ج4. ص579.
([32]) البخاري. صحيح البخاري. كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم. ج4. ص582.
([33]) البخاري. صحيح البخاري. كتاب النكاح. باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. ج6. ص489.
([34]) أحمد بن حنبل. مسند أحمد. ج31. ص228.