العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

صحة الوصيَّة للوارث عند الإمام الصَّنعاني، وتوجيهه للأدلة.

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,137
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
صحة الوصيَّة للوارث عند الإمام الصَّنعاني، وتوجيهه للأدلة.

إسهاماً في تغيُّر الطَّرح للمسائل العلمية في ملتقى فقه المواريث وقسمة التركات جاء هذا الموضوع.
ومقصدي من إيراد هذه المسألة الوقوف على بعض اختيارات الأئمة المتأخرين؛ وإبراز اختياراتهم الفقهية؛ وتوجيهاتهم للأدلة.
ووقع الاختيار هنا على الإمام الصنعاني لاختصاصه بمؤلفٍ يعبر فيها عن رأيه الأخير.
وقد استقر رأي لإمام ابن الأمير الصنعاني (1099-1182هـ) - رحمه الله تعالى إلى صحة الوصية للوارث.
وذلك خلاف ما كان يقرِّره سابقاً في كتابيه: منحة الغفَّار، وسبل السَّلام من القول: بعدم صحَّة الوصية للوارث.
وهذا ما دعاه لتأليف رسالة بهذا الخصوص؛ يقرِّر ما انتهى إليه بحثه، ويتضح من خلالها مذهبه، وسماها: اقناع الباحث، بإقامة الأدلَّة بصحَّة الوصيَّة للوارث.
وإليك سوق المسألة بأقوالها وأدلتها.
القول الأول: صحة الوصيَّة للوارث.
وأدلتهم وتوجيههم الآتي:
1- قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }[البقرة:180].
وتوجيه الآيه: أنَّ نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الصِّحَّة أو الجواز.
2- وأمَّا توجيهه للحديث: (لا وصيَّة لوارث) فقد ذكر في رسالته السابق ذكرها: [أن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصيَّة لوارث) جملة متفرِّعة من الجملة الأولى؛ ولذا أتى فيها بفاء التَّفريع، والجملة الأولى هي قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقه الذي يستحقّه في علم الله تعالى؛ فلا وصيَّة لوارث؛ إذ الوصية التي أوجبها الله عليكم في آية البقرة كان إيجابها قبل إعطاء كل ذي حق حقه من الورثة، أي قبل مقادير الحقوق، فلما بينها الله تعالى، وتولَّى بيانها بنفسه ونصه، فلا يجب عليكم الإيصاء للوالدين والأقربين، بل هو سبحانه وتعالى قد عيَّن ذلك وتولاه بعلمه وحكمته؛ ولذا ختم آية المواريث بقوله: { فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }[النساء:11]، فبعلمه وحكمته قدَّر أنصبة المواريث، وبيَّن الوارثين.
وبعد معرفتك لهذا التَّقرير؛ تعلم أن الحديث ورد لبيان نفي الوصيَّة التي أوجبها الله تعالى في آية البقرة، ولا دخل للوصيَّة التي يتبرَّع بها الميّت، ولكن الناظرين لم يحقِّقوا البحث على وجهه، بل ينتزعون لفظ الحديث، وهو آخره غير ناظرين إلى أوله، ولا إلى سياقه، ولا إلى تفاسير الصحابة] (1).
فغاية ما يراه الإمام الصَّنعاني من معنى الحديث: أنه لا وصيَّة واجبة لوارث؛ ونفي هذا الوجوب لا يقتضي نفي صحة الوصية أو جوازها.
3- وقالوا: إن الآثار تدل على أن الوصية كانت واجبة للوالدين والأقربين قبل نزول الفرائض، فلما فرض الله تعالى الأنصبة، وبين مستحقيها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقه فلا وصية لوارث) نسخت الوصية الواجبة التي كانت للوالدين والأقربين وبقيت وصية التبرع على ما كانت عليه من الندب في حدود الثلث الذي تصدق الله به علينا؛ فترك لنا التصرف فيه في وجوه القرب؛ طلباً للمثوبة والأجر.
4- وقالوا: إن الميت أحوج أن تكون صدقته صدقتين؛ وهذا لا يتحصَّل إلا بالوصية لأقربائه.

القول الثاني: عدم جواز الوصيَّة للوارث مطلقاً.
وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله- (2) ، ومذهب الظاهرية؛ قال ابن حزم رحمه الله- في المحلى: (ولا تحل الوصية لوارث أصلاً؛ فإن أوصى لغير وارث فصار وارثاً عند موت الموصي بطلت الوصية له، فإن أوصى لوارث ثم صار غير وارث لم تجز له الوصية؛ لأنها إذ فقدها كانت باطلاً، وسواء جوز الورثة ذلك أو لم يجوزوا) (3).

وأدلتهم وتوجيههم الآتي:
1. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا وصيَّة لوارث)، قال ابن حزم رحمه الله-: (فإذا قد منع الله تعالى ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبتدؤا هبة لذلك من عند أنفسهم فهو ما لهم) (4).
2. الوصية للوارث غير صحيحة؛ (لأنها وصية لا تلزم لحق الوارث فلم تصح؛ كما لو أوصى بمال لهم من غير الميراث، فعلى هذا: الإجازة هبة مبتدأة يعتبر فيها ما يعتبر في الهبة) (5).

القول الثالث: جواز الوصيَّة للوارث بشرط إجازة الورثة.
وهو قول الجمهور من الحنفية (6) والمالكية (7) في غير المشهور من مذهبهم، والأظهر من قولي الشافعية (8)، والحنابلة (9).
وألحق المالكية إجازة الورثة في مرض الموت بالإجازة بعده في عدم الرجوع فيها.
وأما الجمهور فعلى جواز رجوع الورثة بعد إجازتهم في حياة الموصي (10).

وأدلتهم وتوجيههم الآتي:
1. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث إلاَّ أن يشاء الورثة) رواه الدارقطني.
قال ابن حجر رحمه الله- في بلوغ المرام: (وإسناده حسن).
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إلاَّ أن يشاء الورثة) يدل على أنها تصح وتنفذ الوصية للوارث إذا أجازها الورثة.
2. سبب المنع من الوصية للوارث إنما كان لأجل بقية الورثة؛ فإذا أجازوا زال المانع.
الترجيح:
لعلَّ القول الوسط بين القولين؛ قول الجمهور؛ وهو ما تدعمه زيادة الحديث، وأقرب للجمع بين الأدلة.



-----------------
(1) اقناع الباحث مخطوط.
(2) المحلى (10/425).
(3) المهذب (1/458).
(4) المحلى (10/425).
(5) المهذب (1/458).
(6) بدائع الصنائع (10/4855).
(7) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك (3/273-274).
(8) مغني المحتاج (3/43).
(9) الروض المربع ( /5).
(10) فتح الباري (5/166).
 
التعديل الأخير:

طارق موسى محمد

:: متفاعل ::
إنضم
5 أغسطس 2009
المشاركات
411
الإقامة
الاردن
الجنس
ذكر
التخصص
محاسبة
الدولة
الاردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: صحة الوصيَّة للوارث عند الإمام الصَّنعاني، وتوجيهه للأدلة.

جهودك مشكورة
وجزاكم الله خيراً
 
أعلى