رد: استلام الآفاقي غير مريد النسك بدل الحج في مكة
إذا دخل آفاقي مكة غير مريد النسك وهو يريد العمل فقط وبعد وصوله مكة عرض عليه بدل الحج للميت الآفاقي.
لا يعد من أهل مكة، بل عليه دم القرآن أو التمتع، ويأثم بفعله، ويحط من قدر الأجرة.
وقد جاء في فتاوى السبكي (1/ 255) من كِتَاب الْحَجِّ
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رِسَالَةٌ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ لِمَا حَصَلَ لِعُلَمَائِهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْآفَاقِيِّ إذَا وَصَلَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُعْتَمِرًا ثُمَّ قَرَنَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ مَعَ دَمِ التَّمَتُّعِ أَوْ لَا يَجِبُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ؟...)
ثم قال:
فتاوى السبكي (1/ 257)
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: وَعَلَيْهَا مَدَارُ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:
أَنَّ الْحُضُورَ هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ الِاسْتِيطَانُ أَوْ الْإِقَامَةُ أَوْ مُجَرَّدُ الْكَوْنِ هُنَاكَ؟
الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْمِ الْحَاضِرِ الِاسْتِيطَانُ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَسَكَنَ غَيْرَهَا ثُمَّ تَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالسَّكَنُ النَّقْلَةُ بِالْبَدَنِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إيطَانِ الْبِلَادِ وَالِانْقِطَاعِ إلَيْهَا لَا حَدَّ لِذَلِكَ إلَّا ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ: الْعِبْرَةُ فِيهِ بِالِاسْتِيطَانِ وَالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْشَأِ وَالْمَوْلِدِ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: لَوْ طَالَ مَقَامُ مَكِّيٍّ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَرَ مَعَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ وَطَنًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَكِّيًّا.وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ أَنَّ مَكِّيًّا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ تَاجِرًا فَلَمَّا عَادَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَهُوَ مِنْ الْحَاضِرِينَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَنَا دَمٌ بِلَا خِلَافٍ.
وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ عِنْدَنَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: يَلْزَمُهُ الدَّمُ.
فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ، وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي مَسَائِلَ:
مِنْهَا لَوْ كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَإِنْ كَانَ مُقَامُهُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ لَهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا وَكَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ فِي أَحَدِهِمَا دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ لَهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ عَزْمُهُ الرُّجُوعَ إلَى أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ فَالْحُكْمُ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ وَالْبَغَوِيِّ.
وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي: فَالِاعْتِبَارُ بِالْعُبُورِ عَلَى الْمِيقَاتِ.
وَعِبَارَةٌ ثَالِثَةٌ حَكَاهَا الرُّويَانِيُّ: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَوْضِعِ إحْرَامِهِ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
فَإِنْ كَانَ حَالُ مَا يُحْرِمُ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ مِنْ الْحَاضِرِينَ.
وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْكُوفَةِ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ.
وَلَوْ اسْتَوْطَنَ غَرِيبٌ مَكَّةَ فَهُوَ حَاضِرٌ.
وَلَوْ اسْتَوْطَنَ مَكِّيٌّ الْعِرَاقَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ.
وَلَوْ قَصَدَ الْغَرِيبُ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ مِنْ الْعُمْرَةِ، أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِهَا بَعْدَ مَا اعْتَمَرَ فَلَيْسَ بِحَاضِرٍ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوْطِنًا قَبْلَ الْعُمْرَةِ. هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ.
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْإِمْلَاءِ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ، مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا الْقِسْمَ الْآخَرَ فَلَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ.
وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا يَدُلُّ لِاعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ، فَلَا يُسَمَّى حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَكُونَ مُسْتَوْطِنًا هُنَاكَ.
وَمَنْ اسْتَوْطَنَ غَيْرَهَا مِنْ الْآفَاقِ خَرَجَ عَنْهُ اسْمُ الْحَاضِرِ، وَمَنْ اسْتَوْطَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ صَارَ حَاضِرًا، وَخَرَجَ عَنْهُ اسْمُ الْآفَاقِيِّ.
وَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْآفَاقِ، وَلَمْ يَسْتَوْطِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ اسْمُ الْحَاضِرِ. هَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَمِنْ الدَّلِيلِ لَهُ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] فَذَكَرَ الْأَهْلَ كِنَايَةً عَنْ الِاسْتِيطَانِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلَ غَالِبًا تَكُونُ حَيْثُ الشَّخْصُ مُسْتَوْطِنًا، وَلَا يَضُرُّنَا مَعَ قَوْلِنَا إنَّهُ كِنَايَةُ كَوْنِ الشَّخْصِ لَا أَهْلَ لَهُ أَوْ لَهُ أَهْلٌ لَيْسُوا مَعَهُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ الْحَاضِرَ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَوْطِنًا أَمْ مُسَافِرًا، حَتَّى إنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ عَنَّ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، ثُمَّ حَجَّ: لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ.قَالَ: وَإِنْ عَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَى مَنْ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَوْضِعِهِ، ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَاسْتَدَلَّ لِلُزُومِ الدَّمِ بِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي نَفْسِ مَكَّةَ أَوْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا حَوَالَيْهَا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَخِيرًا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ أَوَّلًا.
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرَهُ حَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَاسْتَبْعَدَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الثَّالِثَ جِدًّا، وَهُوَ كَمَا اسْتَبْعَدَ.
وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ لُزُومَهُ، وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ لُزُومَ الدَّمِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ.
وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الِاسْتِيطَانِ مُطْلَقًا: فَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ اتِّفَاقُهُمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ مَنْ بِمَكَّةَ مُقِيمًا، كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ مَكِّيًّا سَافَرَ إلَى بَعْضِ الْبِلَادِ وَاسْتَوْطَنَ بِهَا أَوْ لَمْ يَسْتَوْطِنْ فَإِذَا جَاءَ إلَى مَكَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي، وَذَلِكَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَكَمَا فُسِّرَ أَهْلُ مَكَّةَ بِمَنْ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوَاقِيتِ فَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّمَتُّعِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ فِي الْمَوَاقِيتِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» «وَأَمَرَ الْمُتَمَتِّعِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَوْطِنِينَ بِهَا وَلَا مُقِيمِينَ»، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَوَاقِيتِ مُجَرَّدُ الْكَوْنِ.
وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ.
وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَذَكَرَ أَهْلَ الشَّخْصِ كِنَايَةً عَنْ مَحَلِّ إقَامَتِهِ كَمَا سَبَقَ فَاتَّبَعْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ ذِي طِوًى حُكْمُ مَكَّةَ فِي التَّمَتُّعِ، وَلَيْسَتْ حُكْمَهَا فِي الْمِيقَاتِ.
فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ هَلْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ هُوَ مُنْفَرِدٌ بِذَلِكَ، وَمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَمَا فَائِدَتُهُ؟
قُلْت: إذَا أُخِذَ تَفْسِيرُ الْغَزَالِيِّ مُطَّرِدًا مُنْعَكِسًا كَانَ الْمُرَادَ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنَّ عَكْسَهُ يَقْتَضِي أَنْ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ بِحَاضِرٍ، مُسْتَوْطِنًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا.
وَيَقْتَضِي أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى بَعْضِ الْآفَاقِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ، ثُمَّ رَجَعَ وَتَمَتَّعَ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاضِرٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ الدَّمُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مَا عَدَا طَاوُوسًا.فَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ بِذَلِكَ: فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ.
وَأَمَّا طَرْدُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا وَصَلَ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ: يَكُونُ حَاضِرًا، وَهَذَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ، وَفِي تَلْوِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَتَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ.
وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَحْصُلُ مُوَافَقَتُهُ: فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّامِلِ وَصَاحِبَ الْبَيَانِ ذَكَرَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ إنَّهُ إذَا مَرَّ بِالْمِيقَاتِ، وَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ: فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ، وَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَلَا أَدْرِي هَلْ هَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَظَاهِرُهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.
وَأَنَّ اسْمَ الْحَاضِرِ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْتَهِي إلَى هُنَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
انتهى كلام السبكي