العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حديث التردد الإلهي !

مساعد أحمد الصبحي

:: مطـًـلع ::
إنضم
2 أكتوبر 2010
المشاركات
143
الكنية
أبو سعود
التخصص
عقيدة
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
ثبت عن النبي ﷺ: "إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادىٰ لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ." وفي رواية: "ولابد له منه" أي لابد أن يموت.

قلت:-
*الحديث شاهد قوي لما نبّه إليه ابن تيمية من أن الشرع جاء في صفات الله تعالى بالإثبات المفصّل والنفي المُجمل. لأن مجرد النفي والتنزيه لا يُـكَـوِّن تصورا عن شيء غائب عن الحس، والإطناب والتفصيل في التنزيه لا حاجة إليه لأنه يتقرر مفهوما عند التفصيل في صفات الجلال والجمال لله سبحانه وتعالى؛ فإثبات القوّة والغنىٰ نفيٌ للضعف والافتقار وهكذا، وفي الاشتغال بالنفي المفصّل تضييع للمقصود الأعظم للوحي من تدبر ما جاء به من إثبات مُـفَصّل، وهذا كيد عظيم من الشيطان الرجيم.

*وما كان متضمنا لمعنى لا يجوز على الله فإنا لا نُثبت لله منه إلا ما يناسب كمالَه وتفرّده عن خلقه سبحانه وتعالى. كما أن صفة الغضب والفرح وأنه سبحانه يَعجَب ونحوها من الصفات لايثبت لله منها ما يختص به المخلوق مما لا يليق بالخالق سبحانه. فالمخلوق يغشاه الغضبُ عفوًا بغير اختيار منه ويُضعف حكمته وبصيرته فيحمله أحيانا على ما لا يحسن من قول أو فعل أما الخالق سبحانه فهو منزّه بالضرورة عن هذه العوارض.

# فكذلك التردد في الحديث راجع إلى محبة الله العظيمة لعبده المؤمن وهذه المحبة من الله محبة قوية كاملة تليق به سبحانه، والموت شيء فظيع ينزل بالعبد وسكراته شديدة وآثاره عظيمة حتى يكون دفنه في التراب هو غاية إكرامه والإحسان إليه، فهل من كمال الله في حبه لأولياءه أن يكتب هذا عليهم بلا كراهية عظيمة لكتابته عليهم ؟!!!

إن الوالد المحب لولده حبا صادقا لو اقتضت الحكمة والمصلحة أن يضربه تأديبا ومنعا من التمادي فيما يضره فلابد أنه يكره هذا الضرب أشد الكراهية وتنزع به نفسه أن يصفح عنه ولكنه يمضي فيما توجبه الحكمة والنصح للولد وهو كُره له، ومن حبه لولده لم يهن عليه إيلامه حتى يكاد في كل مرة أن لا يفعل وهذا هو أصل التردد حقيقةً أما لو أنه أخذ العصا ثم غلبته الرحمة فوضعها فهذا أثر التردد الذي في قلبه وليس هو أصل التردد، فاضطرابه في الفعل هو النقص الذي يُنزّه عنه الخالق سبحانه، أما أصل التردد -الذي يقوم في النفس- فليس في إثباته للخالق نقص بل هو كمال عظيم في حبه سبحانه لأولياءه حتى اقتضى ذلك أن يكتب الله عليهم الموت وهو يحب أن لا يكتبه فهذا هو التردد الموصوف به كمالاً في محبته لأوليائه وكمالا في كراهيته سبحانه لما يسوؤهم.


ونقْصٌ في ذلك الوالد لو لم يتصف بأصل التردد-القائم في النفس- عند ضربه لولده لأن سببه ضعف محبة الولد، فصار يضربه ضرب العدو لعدوه، والسلامة من هذا النقص كمال يُمدح ، والله أولى بهذا الكمال كما يليق به سبحانه


ويُنفى عن الله سبحانه تردد المخلوقين -الذي يتضمّن غالبا اضطرابا في الفعل وتحيـّـرا- لأنه سبحانه لكمال علمه وقدرته وكمال حكمته وعزته لم يضطرب ولم يتحيّر عندما كتب الموت على أولياءه ولكنه سبحانه كره هذا السوء لأولياءه حين كتبه عليهم أشد الكره وأعظمه حتى كاد ألّا يكتبه عليهم، وهذا من كمال محبته لأوليائه المؤمنين.

ولله من الحكمة والعلم ما اقتضى كون الموت سنّة عامّة على خلقه في الدنيا، فأمضاه على أولياءه وأعدائه على السواء.

في مجموع فتاوى ابن تيمية [483/10] ومابعدها:-
«.. فهو سبحانه لما كره مساءة عبده المؤمن الذي يكره الموت كان هذا مقتضيا أن يكره إماتته مع أنه يريد إماتته؛ لما له في ذلك من الحكمة سبحانه وتعالى.»


ويزول الإشكال إذا علمنا أن إرادة الله المتعلقة بعموم الموجودات إيجادا وتقديرا لا يلزم منها أن تكون محبوبة لله سبحانه من كل وجه، ولكن الدنيا من أصلها دار تمحيص وبلاء وامتحان وليست أصلا دار كمال واستقرار وسلامة.


*في مجموع الفتاوى لابن تيمية[129/18] :-
وسئل شيخ الإسلام عن قوله ﷺ فيما يروي عن ربه عز وجل: "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته"، ما معنى تردد الله؟

فأجاب: هذا حديث شريف قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لايوصف بالتردد وإنما يتردد من لايعلم عواقب الأمور والله أعلم بالعواقب. وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة المتردد. والتحقيق: أن كلام رسوله ﷺ حق وليس أحد أعلم بالله من رسوله ﷺ ولا أنصحَ للأمة منه ولا أفصحَ ولا أحسنَ بيانا منه فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوأهم أدبا بل يجب تأديبه وتعزيره ويجب أن يصان كلام رسول الله ﷺ عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، ثم هذا باطل فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ويكرهه لما فيه من المفسدة لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحَـب من وجه ويُكرَه من وجه كما قيل:-

الشيب كرهٌ وكرهٌ أن أفارقه
* * * * * * * فاعجب لشيءٍ على البغضاء محبوبُ

* * * وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: "حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره" وقال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ} الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث فإنه قال: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق محبا له يتقرب إليه أوّلًا بالفرائض وهو يحبها ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ويكره ما يكرهه محبوبه والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده وهي المساءة التي تحصل له بالموت فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه وهذا حقيقة التردد وهو: أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته.*

* * ثم قال بعد كلام سبق ذكره: ومن هذا الباب ما يقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان فإن الله تعالى يبغض ذلك ويسخطه ويكرهه وينهى عنه وهو سبحانه قد قدره وقضاه وشاءه بإرادته الكونية وإن لم يرده بإرادة دينيةٍ هذا هو فصل الخطاب فيما تنازع فيه الناس: من أنه سبحانه هل يأمر بما لا يريده؟ فالمشهور عند متكلمة أهل الإثبات ومن وافقهم من الفقهاء أنه يأمر بما لا يريده، وقالت القدرية والمعتزلة وغيرهم: إنه لا يأمر إلا بما يريده. والتحقيق: أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة دينية شرعية وإرادة كونية قدرية: فالأول كقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقوله تعالى {ولكن يريد ليطهركم} وقوله تعالى {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم} إلى قوله: {والله يريد أن يتوب عليكم} فإن الإرادة هنا بمعنى المحبة والرضى وهي الإرادة الدينية. وإليه الإشارة بقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} . وأما الإرادة الكونية القدرية فمثل قوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ومثل قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فجميع الكائنات داخلة في هذه الإرادة والمشيئة لا يخرج عنها خير ولا شر ولا عرف ولا نكر وهذه الإرادة والمشيئة تتناول ما لا يتناوله الأمر الشرعي وأما الإرادة الدينية فهي مطابقة للأمر الشرعي لا يختلفان، وهذا التقسيم الوارد في اسم الإرادة يرد مثله في اسم الأمر والكلمات والحكم والقضاء والكتاب والبعث والإرسال ونحوه؛ فإن هذا كله ينقسم إلى كوني قدري وإلى ديني شرعي. والكلمات الكونية هي: التي لا يخرج عنها بر ولا فاجر وهي التي استعان بها النبي ﷺ في قوله: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر" قال الله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} . وأما الدينية فهي: الكتب المنزلة التي قال فيها النبي ﷺ "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وقال تعالى: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه} . وكذلك الأمر الديني كقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} والكوني: {إنما أمره إذا أراد شيئا} . والبعث الديني كقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} والبعث الكوني: {بعثنا عليكم عبادا لنا}. والإرسال الديني كقوله: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} . والكوني: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} . وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. فما يقع في الوجود من المنكرات هي مرادة لله إرادة كونية داخلة في كلماته التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وهو سبحانه مع ذلك لم يردها إرادة دينية ولا هي موافقة لكلماته الدينية ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء فصارت له من وجه مكروهة. ولكن هذه ليست بمنزلة قبض المؤمن فإن ذلك يكرهه لكراهة مساءة المؤمن وهو يريده لما سبق في قضائه له بالموت فلا بد منه، وإرادته لعبده المؤمن خير له ورحمة به؛ فإنه قد ثبت في الصحيح: "أن الله تعالى لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" . وأما المنكرات فإنه يبغضها ويكرهها؛ فليس لها عاقبة محمودة من هذه الجهة إلا أن يتوبوا منها فـيُـرحموا بالتوبة وإن كانت التوبة لا بد أن تكون مسبوقة بمعصية؛ ولهذا يجاب عن قضاء المعاصي على المؤمن بجوابين: أحدهما: أن هذا الحديث لم يتناولها وإنما تناول المصائب. والثاني: أنه إذا تاب منها كان ما تعقبه التوبة خيرا فإن التوبة حسنة وهي من أحب الحسنات إلى الله والله يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه أشد ما يمكن أن يكون من الفرح وأما المعاصي التي لا يتاب منها فهي شرعلى صاحبها، والله سبحانه قدر كل شيء وقضاه؛ لما له في ذلك من الحكمة كما قال سبحانه: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ} وقال تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه} فما من مخلوق إلا ولله فيه حكمة. ولكن هذا بحر واسع قد بسطناه في مواضع والمقصود هنا: التنبيه على أن الشيء المعين يكون محبوبا من وجه مكروها من وجه وأن هذا حقيقة التردد وكما أن هذا في الأفعال فهو في الأشخاص. والله أعلم.»

انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
https://ssifah.blogspot.com
 

عصام أحمد الكردي

:: متفاعل ::
إنضم
13 فبراير 2012
المشاركات
430
الإقامة
الأردن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو يونس
التخصص
عابد لله
الدولة
الأردن
المدينة
الزرقاء
المذهب الفقهي
ملة إبرهيم حنيفا
رد: حديث التردد الإلهي !

يقال أنّ الموت رحمة
 
أعلى