العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تطبيقات أصولية على حديث (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

جلال بن علي السلمي

معيد في أصول الفقه بجامعة أم القرى
إنضم
18 ديسمبر 2008
المشاركات
22
التخصص
اصول فقه
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
مجتهد
بسم الله الرحمن الرحيم

النص:​

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)

التطبيق:



_البحث في ثبوت الخبر: القاعدة في الأصول (أن الأخبار الآحادية يجب البحث في ثبوتها أولا قبل البحث في دلالتها)، وذلك لأن الدلالة فرع الثبوت، وتثبيتها يكون من خلال سبر إسنادها وتحقق شروط القبول فيه،

ويشترط لقبول الخبر شرطان: قبول الرواة، واتصال الاسناد،
وفي الحقيقة أن الشرط الثاني راجع للأول لأن السبب الحامل على اشتراطه هو عدم العلم بتحقق الأول، والراوي المقبول: هو العدل الضابط، ومن ليس كذلك فخبره ضعيف،
والقاعدة في الأصول (أن الأحاديث الضعيفة ليست حجة في اثبات الأحكام) إذا تقرر ذلك فإنه يتعين قبل البحث في دلالة هذا الحديث أن يبحث في اسناده لنعرف هل هو ثابت أم لا؟
فأقول:
حديث أبي سعيد أخرجه الشيخان كلاهما من طريق مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، ورجاله ثقات واسناده متصل
فتحقق بذلك شرط القبول، واختلف على ابن شهاب في إسناده فراوه عبد الرحمن بن إسحاق العامري عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه، قلت:هذا الاختلاف لا يقدح في اسناده لتحقق شروط القبول فيه، لاسيما وأن الزهري أحد الأئمة الكبار المعروفين بسعة الرواية، فلا يمتنع ثبوته على الوجهين، واختلف فيه أيضا على مالك، فرواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده، وقال الدارقطني في العلل بأنه خطأ، قلت: وعلى فرض صوابه فيقال فيه مثل ماقيل في سابقه.وقوله في الحديث (¤المؤذن¤) ادعى ابن وضاح أن لفظة المؤذن مدرجة في الحديث، ويجاب عن هذا: بأن الادراج لا يثبت بمجرد الدعوى، واتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على اثباتها.
إذا تقرر ثبوت الخبر فهذا أوان البحث في دلالته.


_استدل بالحديث على وجوب إجابة المؤذن في الأذان (مذهب الحنفية والظاهرية)،
ومأخذ الحكم من الحديث من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول [أن الأمرالمطلق للوجوب]، وذهب الجمهور إلى أن إجابة المؤذن مستحبة وليست واجبة،
واعترض عليهم بـ:أن هذا تأويل (أي القول بالاستحباب) والتأويل على خلاف الظاهر، والقاعدة في الأصول (يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها حتى يأتي مايصرفها)،
فأجابوا: بأنه قد جاء ما يصرف الأمر عن ظاهره وهو الوجوب إلى الاستحباب، وهو حديث أنس في صحيح مسلم وفيه
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لماسمع الرجل قال الله أكبرقال:على الفطرة،فلماتشهدقال خرجت من النار)،
ووجه الاستدلال:أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يقل مثل مايقول المؤذن، والقاعدة في الأصول [أن فعل النبي يدل على الجواز]، والواجب لايجوز تركه،
النتيجة: إجابةالمؤذن مستحبة،
وأجاب من قال بالوجوب بأن هذا الحديث ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل مثل ما يقول المؤذن، فيحتمل أنه قاله ولم ينقله الراوي اكتفاءا بالعادة، ونقل الزائد، والقاعدة في الأصول [إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال] قلت: ومن ثم لا يصح التأويل فيرجع إلى الظاهر،
واستعمل بعضهم الفرض الجدلي (أي على فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك) فالاحتمال المسقط للاستدلال قائم، فيحتمل أن الأمر بالإجابة حصل بعد هذا الترك وفيه بحث أصولي:
أيهما يقدم عند التعارض الاحكام أي عدم النسخ أم إبقاءالأمر على ظاهره؟


_وفي الحديث تحريم الاشتغال بمايشغل عن إجابة المؤذن، ومأخذ الحكم من قوله (فقولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (الأمر بالشئ نهي عن ضده)، والقاعدة في الأصول (النهي المطلق للتحريم)، والقاعدة في الأصول (أن وسيلة المحرم محرمة).


_وفي الحديث وجوب إجابة المؤذن على الفور ، ومأخذ الحكم من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر يقتضي الفور).


_وفي الحديث أنه يجب إجابة المؤذن عند سماعه مرة واحدة، ومأخذ الحكم من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول ( أن الأمر المطلق لطلب الماهية، وهذا يحصل بالمرة، والأصل عدم وجوب الزيادة عليها استصحابا لأصل براءة الذمة)،
نعم قد يتوهم بأن هذا الأمر ليس بمطلق من جهة تقيده بالشرط (إذاسمعتم)،
فالجواب:أنه مقيد في صورة الشرط مطلق في غيرها، ومن يقول بأن الأمر للتكرار يلزمه أن يقول به هنا.


_وفي الحديث أنه يجب إجابة الأذان عند التعدد، مأخذ الوجوب تقدم بيانه، وأما مأخذ ثبوته عند التعدد فمن قوله (إذاسمعتم...فقولوا) حيث علق الأمر بالإجابة على السماع بالشرط
فإن إذا أداة شرط، والقاعدة في الأصول [أن الأمر المعلق على شرط يقتضي التكرار بتكرر الشرط (قلت: بهذا القيد)].


_واستدل بالحديث على أن من رأى المؤذن وعلم أنه يؤذن بأمارة، ولم يسمعه لبعد أوصمم فإنه لا يجوز له إجابة المؤذن،
ومأخذ الحكم من قوله (إذاسمعتم...فقولوا) فمفهوم المخالفة مفهوم الشرط أنكم إذا لم تسمعوا فلا تقولوا، والقاعدة في الأصول (أن مفهوم المخالفة الشرطي حجة) هذا مذهب جمهور الأصوليين، والصحيح أنه ليس بحجة، ولعلها تأتي مناسبة لتثبيت ذلك ولايلزم من القول بعدم حجية هذا المسلك الدلالي القول بمشروعية الإجابة في هذه الصورة، بل هي محرمة استصحابا للأصل ،فالأصل في العبادة الحظر، لقوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).


_استدل بالحديث (بعض المالكية واختاره ابن تيمية) على مشروعية إجابة المؤذن في حال الصلاة، مأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الصلاة فمن قوله (إذا) فهي كما تقدم أداة شرط، (وذهب ابن يعيش كما في شرح المفصل إلى أنها اسم زمان مستقبل متضمن معنى الشرط)، والقاعدة في الأصول (أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الإجابة حال الصلاة، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، واحتجوا على ذلك بحديث ابن مسعود في الصحيحين مرفوعا (إن في الصلاة لشغلا)، فهذا خبر بمعنى الأمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق يفيد الوجوب) أي فليشتغل بها، وإجابة المؤذن تنافي ذلك، فيخص عموم حديث أبي سعيد بحديث ابن مسعود، فالقاعدة في الأصول (إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص لأنه أقوى حيث أنه لا يتطرق إليه الاحتمال بخلاف العام فيتطرق إليه احتمال التخصيص) ،وفي الحقيقة أن هذا تعارض بين نصين عامين وليس التعارض بين عام وخاص، وجه ذلك أنه قال (الصلاة) والقاعدة في الأصول (أن الألف واللام تفيدالعموم)، فتشمل كل صلاة، ومن ثم قد يدعى أنه مخصوص بالصلاة التي لا يسمع فيها النداء، والقاعدة في الأصول (إذا حصل التعارض بين نصين عامين ولم يعلم التاريخ فإنه يسقط الاستدلال بهما ويرجع إلى الأصل)والأصل هناالحظر.


_وفي الحديث دليل على مشروعية متابعة المؤذن في الترجيع إذاسمع، (والترجيع أن يأتي المؤذن بالشهادتين مرتين بصوت منخفض ثم يرجع فيأتي بهما مرتين بصوت مرتفع، وهو مشروع عند المالكية والشافعية لحديث أبي محذورة عند أبي داود وغيره
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأنه من قوله (فقولوا)، وأما كون المتابعة مشروعة في الترجيع فمن قوله(مثل مايقول) فما موصولة بمعنى الذي، والقاعدة في الأصول (أن الأسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله، ومن ذلك الترجيع، وفي رد المحتار أنه زيادة كما لو زاد في الأذان تكبير، فلا يشرع متابعته فيه، وهو قياس في مقابلة نص (فسادالاعتبار) والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،وفيه بحث تخصيص العموم بالقياس، وهو قياس باطل من جهة عدم تحقق الجامع في الفرع فالترجيع ليس زيادة كما ادعي.


_وفي الحديث مشرعية متابعة المؤذن في التثويب بنفس اللفظ (قاله بعض المالكية وبعض الشافعية) (والتثويب قول المؤذن الصلاة خير من النوم في الفجر، حكي الاتفاق على مشرعيته، واختلف في محله هل هو في الأذان الأول أم الثاني؟وهل هو بعد الحيعلتين أم بعد الأذان؟)
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، ومأخذ كون المتابعة في التثويب فتقريره بمثل ما تقدم في الترجيع،
وذهب الجمهور إلى أنه يشرع أن يقول بدله صدقت وبررت،
ودليلهم في ذلك القياس على لا حول ولا قوة إلا بالله، وأقامها الله وأدامها بجامع المناسبة، وهذا قياس معارض للنص والقاعدة في الأصول(أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،
ثم لا يسلم بثبوت ما جاء في الاقامة فحديث أبي أمامة عند أبي داود ضعيف في اسناده (محمد بن ثابت العبدي وشهر بن حوشب وكلاهما ضعيف، والرجل الشامي بينهما مجهول)، ومن شرط صحة القياس أن يكون حكم الأصل ثابتا بالنص، وليس هو هنا كذلك،
ويمكنهم أن يجيبوا عن ذلك بأن الأصل ثابت بنص أخر، هو حديث عمر في صحيح مسلم في شأن الحوقلة...إلخ، على أنه إذا سلم بالمناسبة في الحوقلة ،وسلم قبل ذلك بكون حكم الصورة الذي ورد به النص معقول المعنى....إلخ، على كل حال هو قياس باطل.


_وفي الحديث دليل على مشروعية متابعة المؤذن في الأذان من أوله إلى آخره كما هو مذهب الجمهور خلافا للمالكية،
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأنه مستفاد من قوله (فقولوا)، ومأخذ كون مشروعية المتابعة في الأذان من أوله إلى آخره مستفاد من قوله (ما يقول)، وتقدم أن ما اسم موصول بمعنى الذي، والقاعدة في الأصول (أن الأسماء الموصولة تفيد العموم)، فيشمل كل مايقول المؤذن من ألفاظ الأذان، واستدل المالكية كما في مواهب الجليل بحديث معاوية في البخاري وفيه أنه أجاب إلى الشهادتين فقط ثم قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ماسمعتم من مقالتي) ووجه الاستدلال:أن النبي لم يكمل إلى آخر الأذان، بل اقتصر على صدره إلى الشهادتين، والقاعدة في الأصول: (أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الصادر بقصد القربة يدل على الاستحباب)، فيخصص عموم حديث أبي سعيد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة في الأصول (يخصص العموم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم)،
قلت: وهذا تقرير خاطئ من وجوه:
الأول: أن حديث معاوية ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب المؤذن إلى آخرالأذان، بل غاية ما فيه السكوت عن الباقي، فيحتمل أن النبي أجاب المؤذن ولم يذكره معاوية اختصارا، والقاعدة في الأصول (إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال) والقاعدة (أن عدم العلم بالشئ ليس علما بالعدم) ومن ثم نأخذ بظاهر حديث أبي سعيد أي عمومه،
الثاني: أنه لو قام دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب المؤذن فيما بعد الشهادتين ما صلح أن يكون مخصصا للعموم الوارد في حديث أبي سعيد بل كان دليلا على جواز هذا الوجه لأن القاعدة في الأصول (فعل النبي يدل على الجواز) إلا إذا قيل بوجوب فعل ما فعل صلى الله عليه وسلم، فيصح حينئذ القول بأن الفعل في هذه الصورة مخصص للعموم، والصحيح عدم الوجوب، ولعلها تأتي مناسبة لتثبيت ذلك.


_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن لأذان نفسه كما هو مذهب الحنابلة خلافا للجمهور، ومأخذ المشروعية تقدم بيانه وأنه مستفاد من قوله (فقولوا)، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حق المؤذن نفسه فمستفاد من قوله (فقولوا) ضميرالجمع الواو، والقاعدة في الأصول (أن ضمير الجمع يفيد العموم)، فيعم كل أحد ومن ذلك المؤذن لنفسه، وضمير الجمع هل يفيد العموم أم لا؟ فيه خلاف مخرج : والصحيح أنه يفيدالعموم في بعض الصور وهذه منها،.
واستدل الجمهور بالقياس على النهي عن الكلام والامام يخطب فهو لا يشمله، فكذلك هنا، ذكره ابن رجب في الفتح، وهذا قياس في مقابلة نص، والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)، على أن هذا القياس غلط محض، لأن النهي عن الكلام إنما في حال كلام الامام، فكيف يقال له اسكت في حال كلامك، فتخصيصه ثابت بالعقل لأنه غيرمتصور، والقاعدة في الأصول (يخصص العموم بالعقل)، وهذا مثل قوله (الله خالق كل شئ)، على قول بأن المخاطب يدخل في عموم خطابه، وعلى القول بأن لفظ الشيئية صادق على الرب، وهو كذلك لقوله (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله)، فيخص الرب جل وعلا لأنه لا يتصور أن يكون الشخص <يصح اطلاق الشخص على الله لحديث لا شخص أغير من الله، خلافا لبعض المبتدعة> موجد النفسه من العدم، آسف على الاستطراد أردت التنظير.


_وفي الحديث دليل على أن من سمع صوت المؤذن ولم يدرك حرفه لبعد أو انشغاله بسماع شريط أونحو ذلك فإنه يجب عليه طلب ما يحصل به إدراك الحرف ليتمكن من المتابعة،
فإن كان السبب البعد قرب، وإن كان السبب شريطا أغلقه، وهكذا، ومأخذالوجوب من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمرالمطلق للوجوب)، والقاعدة في الأصول (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)،
واعترض علي بعضهم وقرر أن هذا من باب ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب لا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
فأجبته: الوجوب معلق على السماع لا على ادراك الحرف فهذا سبب الوجوب، فإذا لم يحصل لم يجب دركه، وادراك الحرف شرط عقلي لوجود الامتثال ليتمكن من المتابعة فيجب دركه، إذا تقرر ذلك صح قولي وأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فسر بذلك _وفقه الله_.


_وفي الحديث دليل على وجوب إجابة النداء عند سماعه سواء كان السماع عن طريق المباشرة أو عن طريق مكبر الصوت أو عن طريق أثير الاذاعة غير المسجل، مأخذ الوجوب تقدم بيانه، ومأخذ ثبوت الوجوب في الصور السابقة مستفاد من قوله (إذاسمعتم) فإنه فعل ينحل على نكرة، وهو في سياق الشرط، والقاعدة في الأصول (أن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم)، فيشمل كل سماع، والسماع في اللغة ادراك الصوت بالسمع، فهو صادق على الصور المتقدمة.


_واستدل بالحديث على مشروعية إجابة الاقامة كما هو مذهب الجمهور خلافا للمالكية، ومأخذ المشروعية تقدم بيانه وأما مأخذ ثوبتها في الإقامة فمن قوله (النداء)، والقاعدة في الأصول (أن الألف واللام تفيد عموم مدخولها)، فيشمل كل نداء والإقامة نداء، ونازع المالكية في كونها نداءا، فقالوا بأن لفظ النداء لا يصدق عليها، ولم يثبت الخبر في شأن متابعتها على جهة الخصوص كما تقدم، وهذا بحث مشكل متعلق بمبحث الحقائق عند الأصوليين، والحقيقة الشرعية للفظ النداء، وأيد الجمهور مذهبهم بحديث عبد الله بن عمروعند مسلم بلفظ (إذا سمعتم المؤذن)، أي يأذن، والاقامة أذان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مغفل (بين كل أذانين صلاة) فتشرع إجابتها.


_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في أذان الصبح الأول، المشروعية من قوله (قولوا) وتقدم بيان وجه استفادتها منه، وأما كونها ثابتة في أذان الصبح الأول فمستفاد من قوله (النداء) على الوجه الذي تقدم في الإقامة أي العموم، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعا: (إن بلالايؤذن بليل...) فسماه أذانا، فيدخل في عموم قوله (المؤذن) في حديث عبدالله بن عمرو.

_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في أذان الجمعة الذي يكون عند جلوس الامام، ومأخذ المشروعية من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، ومأخذ ثبوتها فيه من عموم قوله (النداء)، فالألف واللام للاستغراق، وقد جاء في الكتاب قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) فتحقق بهذه الآية مناط كونه نداءا، ومن ثم يدخل في عموم الخبر،

وهل يشرع إجابة المؤذن في أذان الجمعة الذي أحدثه عثمان؟،
فالجواب/ لا يشرع ذلك، حتى لو قيل بمشروعيته -أي الأذان-، لأنه لم يكن في زمن الوحي، وتسميته أذانا اصطلاح حادث، فلايصح حمل النصوص الواردة في الأذان عليه، لأن القاعدة في الأصول (لا يجوز حمل الألفاظ الشرعية على الاصطلاحات الحادثة)، وبناءا على ذلك فاجابته بدعة محرمة وكذلك الإتيان بالأذكار المخصوصة بعده، وكذلك صلاة ركعتين بعده على أنه هو والذي يكون عند جلوس الامام أذانان ، وفي حديث (بين كل أذانين صلاة)، وهذا غلط فاحش لأنه حمل للفظ الشرعي على الاصطلاح الحادث، ولما تقدم من أن المراد بالأذان الثاني الاقامة،
قال أبوعبدالله -عفي عن تقصيره-: والتحقيق عدم جواز الأذان الأول الذي أحدثه عثمان، وأنه بدعة من البدع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه، وكل تقرب بما لم يشرع فهو بدعة وفي الحديث (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وكون عثمان هوالذي أحدثه، لا يقتضي مشروعيته، فالقاعدة الأصولية (أن فعل الصحابي ليس بحجة ولو كان من الخلفاء)، على أن عثمان قد عارضه صحابي أخر هو ابن عمر فقد جاء عنه عند ابن أبي شيبة في المصنف أنه قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، وجاء عنه أنه قال: محدث، والقاعدة في الأصول عند جمهور من يقول بحجية مذهب الصحابي (أنه إذا عارضه صحابي آخر فليس بحجة) ومن ثم يجب الرد إلى نصوص الكتاب والسنة سواء كانت عامة أم خاصة، قال تعالى (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) وقد جاء في السنة (كل بدعة ضلالة....) فتعين القول بالتحريم، وعند ابن أبي شيبة عن الحسن أنه محدث، وعنده أيضا عن ابن الزبير أنه لا يؤذن للجمعة إلا أذانا واحدا، عذرا على الاستطراد أردت النصيحة.


_وفي الحديث دليل على وجوب تحريك الفم وإخراج الحروف من مخارجها لتتحقق إجابة المؤذن، ومأخذ الوجوب من قوله (فقولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق للوجوب)، والقول في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، والقاعدة في الأصول (أن الحقيقة اللغوية معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وبناءا على ذلك فلو أجرى كلمات الأذان على قلبه لم يكن ممتثلا للخطاب عاملا بمقتضاه.


_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في الحيعلتين بلفظها، وهذا مذهب بعض الحنابلة كما في الإنصاف للمرداوي، ومأخذ المشروعية من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، ومأخذ ثبوتها في الحيعلتين بلفظها من قوله (ما يقول) ما: اسم موصول والقاعدة في الأصول (أن الاسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله ومن ذلك الحيعلتين، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، وقالوا: إن عموم حديث أبي سعيد مخصوص بحديث عمر في صحيح مسلم مرفوعا وفيه: (إذاقال المؤذن الله أكبر..ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله..من قلبه دخل الجنة) لأنه خاص وحديث أبي سعيد عام والقاعدة في الأصول ( إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص)
وأجاب أصحاب القول الأول: بأن حديث عمر ليس فيه دلالة على ترك الاجابة في الحيعلتين بلفظها وليس متضمنا لاقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ترك ذلك ومن ثم يستدل به على الجواز، فيقال بالتخصيص، وهو أيضا لم يسق لبيان كيفية الاجابة، بل لبيان ترتب الفضل على الصفة غير المنافية لظاهر حديث أبي سعيد، بل لو ثبت أنه (أي حديث عمر) متضمن لترك إجابتها بنفس اللفظ، لم يكن مخصصا لعموم حديث أبي سعيدعلى هذا المعنى، بل كان دالا على جواز التخيير بينهما، وقد قال بذلك ابن المنذر في الأوسط، والصواب القول الأول.
أي أنه يشرع _عندي أنها مشروعية وجوب كماتقدم_ الاجابة في الحيعلتين بنفس اللفظ، وبهذا يحصل الامتثال للأمر الوارد في حديث أبي سعيد، ويستحب أن تزاد الحوقلة لحديث عمر، ومأخذ دلالته على الاستحباب من قوله (من قال:...دخل الجنة) حيث رتب الثواب على الفعل، والقاعدة في الأصول (أن ترتيب الثواب على الفعل يدل على المشروعية المشتركة بين الايجاب والاستحباب والأصل عدم الأول استصحابا لأصل براءة الذمة فتعين الثاني).
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن كلمة كلمة، ولا تؤخر الإجابة إلى أن يسكت المؤذن، أما مأخذ المشروعية فقد تقدم بيانه، وأنه مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما كون الامتثال لا يتم إلا على هذه الصفة، فمستفاد من قوله (يقول) فإنه فعل مضارع يفيد الحال، هذا الأصل فيه،
[وللفعل المضارع مخلّصات تخلصه للمضي مثل "لم" في قولنا "لم يقل"، ومخلصات تخلصه إلى الاستقبال كحروف التسويف في نحو قولنا "سوف يقول" (وهذه المخلصات قرائن لفظية تصرف المضارع عن ظاهره الذي هو الحال ]، والقاعدة في الأصول (أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وفي معنى هذا ماجاء عند النسائي في الكبرى وابن خزيمة في صحيحه من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت، إذا تقرر ذلك وأن هذا محل المشروعية، فهنا سؤال وهو:
إذافرغ المؤذن من الأذن ولم يجبه المرء فهل يشرع له القضاء أم لا؟
الجواب: لا يشرع له ذلك، لأن القاعدة في الأصول (أن القضاء لايشرع بالأمر الأول بل بأمر جديد) ومأخذ القاعدة أن ما بعد الوقت لم يتناوله اللفظ فلم يجب فيه الفعل كما قبل الوقت، وأن تخصيص الأمر بالوقت كتخصيصه بالشرط ولو علق الأمر بالشرط لم يجب مع عدمه فكذلك إذا علق على الوقت ولأن السيد من العرب إذا قال لعبده اجلس في الدار يوم الخميس لم يشمل الجمعة بدليل أنه يجوز له أن يقول اجلس يوم الخميس ولا تجلس يوم الجمعة، وهذا مذهب جمهور الأصوليين، ويخرج للمخالفين في المسألة الأصولية (الحنفية والحنابلة) مخالفة فروعية وهي: أنه يشرع القضاء في هذه الصورة.

_وفي الحديث دليل على أن من سمع بعض النداء فإنه يشرع له إجابة ذلك البعض، وقد حكي اتفاقا، ومأخذ المشروعية مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كونها ثابتة في هذه الصورة فمستفاد من قوله (نداء) والبعض المشروع (بهذا القيد) يصدق عليه أنه نداء (هذا بحث في الاطلاق الذي تضمنه اللفظ العام "النداء")،
واختلفوا هل يشرع قضاء مافات؟ فذهب بعض المالكية إلى عدم المشروعية وخالف في ذلك الجمهور، والصحيح مذهب بعض المالكية لما تقدم من أن القاعدة في الأصول (أن القضاء لا يشرع إلا بأمر جديد) ولا أمر في هذه الصورة.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، أما مأخذ المشروعية فتقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، فمن قوله (إذا) فهي أداة شرط كما تقدم، والقاعدة في الأصول:
(أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الاجابة في هذه الحال، وفي شرح مسلم للنووي القول بتخصيص هاتين الصورتين من العموم، ولاأعرف دليلا مستقيما لمن قال بالتخصيص.


أكتفي بهذا القدر في الكلام على هذا الحديث. والله أعلم.

وسأعود قريبا -إن شاء الله- للإجابة على الأسئلة والاستشكالات.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,147
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
نحن بحاجة إلى التحقُّق أكثر منه إلى غلق الموضوع! والتنبيه على التجاوزات!
 

أبو خلود الرمادي

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
7 يناير 2010
المشاركات
10
التخصص
الحديث
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاك الله خير الجزاء على هذا التأصيل العلمي المميز بل الفريد من نوعه
 

أبو خلود الرمادي

بانتظار تفعيل البريد الإلكتروني
إنضم
7 يناير 2010
المشاركات
10
التخصص
الحديث
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد ،،،
فقد تعجبت من هذا التهافت في تناول ما كتبه فضيلة شيخنا المحقق/ جلال بن علي السلمي - سدده الله - ،

ومشاركتي هذه إن شاء الله تعالى ستكون في التعقيب على مشاركة الأخ المسمى بطالب الهدى فقد ساءتني كتابته إساءةً بالغة، وذلك لما تضمنته من الخلط والتلبيس، والتوصل من خلال بعض المسلمات إلى الحط من كتابة الشيخ ومنهجه، فأقول مستمدا من الله العون:
قال الأخ:<<لم أطلع على هذا الموضوع إلا بعد أن طلب مني شيخنا الكريم عبد الحميد المشاركة في الموضوع>>.
أقول: من المعلوم أن هذا المقال مستل من الموضوع التفاعلي في استعمال القواعد الأصولية، وتطبيقها على النصوص، والذي سبق الدعوة إليه من بعض الإخوة في هذا الملتقى، بل إن هذا المقال لبنته الأولى، ومثاله المحتذى، وكاتبه هو من طلب منه أن يكون الآخذ بزمامه المنبه على ما قد يقع فيه من الخلل، وإليكم أيها الإخوة القراء كلام صاحب الهدى عن ذلك الموضوع:<< بارك الله في الشيوخ الكرام موضوع مفيد جدا وهو ينمي الملكة الفقهية والقدرة على الاستنباط والفهم ويظهر رونق أصول الفقه وعندي بعض الاضافات لعلها تكون نافعة في تأصيل الموضوع لا من باب التطبيق ... إلخ >>،
هل نسي كلامه وقراءته للموضوع أم ماذا؟!!!،
والذي يظهر لي أن حاله قريب من حال الأخ فؤاد يحيى هاشم الذي أشار إليه الأخ أحمد عماد رفع الله قدره ،والعجيب أن أفكار صاحب الهدى المذكورة هنا هي عين الأفكار المذكورة هناك، ولم يتغير إلا الأسلوب فقد كان هناك في مقام الإضافة للموضوع أم هنا فهو في مقام التنقص لشيخنا حفظه الله.
قال الأخ:<<ما ذكره الشيخ الكريم الأخ جلال هنا جيد ومفيد من الناحية التدريبية في النظر التطبيقي المبدئي ففيه دربة للمبتدئ في التعامل مع النصوص والقواعد الأصولية >>.
أقول:بل وللمنتهي غير المدرك لحقيقة الأصول،كما هو حال الأكثر،بل ولدفع التناقض الذي يكثر وقوعه من أكثر طلبة العلم،لكن أين من يعرف لأهل الفضل فضلهم؟!.
قال الأخ:<<لكنه ليس مسلكاً سليما بإطلاق في حال استنباط الأحكام>>.
أقول:هنا مربط الفرس ومحل البحث،هل مقال الشيخ سليم أو ليس سليما؟،وما وجه عدم السلامة فيه؟
فأفهم من كلامك أنك تسلم بأن هذا المنهج يكون في صورة صحيح وفي صورة ليس بصحيح.
قال الأخ:<<أن قضية استنباط الأحكام ليست عملية حسابية 1 + 1 = 2 ولا عملية كيمائية هيدروجين + أوكسجين = ماء ولا يصح التعامل مع النصوص بهذا المنطق لأن استنباط النص يعتمد على :أ - مجتهد أهل للاجتهاد بحيث يكون على سعة بالمنقول والمعقول وعنده استقراء للنصوص بحيث يعلم ما تعارض منها وأوجه الجمع والترجيح ومعرفة الناسخ والمنسوخ ونحو ذلك وأدلة ينظر فيها بالطرق السليمة ومعرفة بتحقيق المناط.ب الأدلة التي ينظر فيها المجتهد لتنزيل القواعد الأصولية عليها ج صحة القواعد الأصولية التي تنزل على الأدلة >>.
أقول:هذا الكلام غير علمي،ما وجه الفرق بين علم الحساب وعلم الأصول؟،قد يقال القطعية في علم الحساب والظنية في بعض قواعد الأصول،لكن الذي أفهمه من السياق غير ذلك فقد أتى بمثال كيمائي ومن المعلوم أن علم الكيمياء علم ظني، فقد لا يكون التفاعل فيه ناجحا مفضياً للنتيجة،والقدر المشترك بين الأمرين الذين نفى طالب الهدى كون استنباط الحكم مثلهما هو الوصول للنتائج بواسطة الوسائل،وما قاله من أمور يجب اعتمادها في علم الأصول،يمكن أن يقال مثالها في العلمين الآخرين،وهنا تنبيه لطيف، العملية الكيميائية المذكورة غير منتجة،فالماء عندهم عبارة عن ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين،فليتنبه إلى ذلك!،
وسبب الخطأ في التطبيق كون الأخ صاحب الهدى ليس من أهل الكيمياء!!
قال الأخ:<<2 أن النظر إلى الأدلة لا يعتمد فقط على القواعد الأصولية فهناك ما وراء ذلك مما يجب النظر إليه عند استنباط الأحكام ومن ذلك :
أ قضية الكلية والجزئية في النصوص فالحكم لا يعتمد فقط على دليل جزئي إذا بعض الأحكام تؤخذ من دليل وبعضها من دليلين وبعضها من أكثر من ذلك فهناك الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والتقييد قد يكون بمكان أو زمان أو حال أو عدد ، كما أن عندنا أصل معتمد وهو النظر في قضايا الأعيان وكيفية التعامل معها حينما تعارض الكليات>>.
أقول:يظهر من كلام الأخ صاحب الهدى أنه لا يدرك معنى الكلية والجزئية،حيث خلط بينهما وبين الدليل المركب والبسيط،، فالكلية الحكم على كل فرد بحيث لا يبقى فرد، والجزئية الحكم على بعض الأفراد،وكلاهما لا يخرج عن كونه مستفاداً بواسطة القواعد الأصولية،بل هما راجعان لمبحث العام والمطلق عند الأصوليين،وقوله فهناك الناسخ و المنسوخ....إلخ،
هذه كلها مبحث أصولية متضمنة لقواعدٍ تستعمل في معرفة الحكم،فكيف يجعله دليلا على أن القواعد ليست كافية في النظر في الأدلة لاستنباط الأحكام؟!!،
قد يقال بأنه يعتقد أن القواعد الأصولية هي القواعد المتعلقة بدلالات الألفاظ،لكن يشكل على هذا أنه قال بعد ذلك العام والخاص والمطلق والمقيد،وهي من أهم أبواب دلالات الألفاظ، فظهر بهذا أنه كلام متناقض تمنيت أن لم يقله صاحبه .
يقول:عندنا أصل معين في قضايا....
ما هو هذا الأصل؟لم يبينه! فكيف يجعله دليلا على قصور القواعد الأصولية عن إفادة الأحكام، وهنا سؤال ماذا يقصد بالكليات هل الكليات الأصولية؟
أم الكليات الفرعية الجزئية؟
يتوقف مناقشته في هذا على معرفة قصده.
قال الأخ:<<أضرب مثالاً : في الحديث الصحيح " فيما سقت السماء العشر " لو أردنا أن نسلك ما سبق من طريقة سنقول :
" ما " اسم موصول وهو من صيغ العموم فيلزم إخراج الزكاة من كل خارج من الأرض قليلاً أو كثيرا وسواء كان مكيلا او موزونا أو معدودا فيدخل في ذلك الخضروات والفواكه وكل ما خرج من الأرض .
فهل هذه الحكم هو الحكم الشرعي؟
ما نقول في حديث " ليس فيما دون خمسة أوسق صدق " فهو يدل على مقدار النصاب ويدل على أن المخرج لا بد أظن يكون مكيلا من قوله وسق و الوسق ستون صاعاً فيخرج من ذلك الفواكه والخضروات،هذا مثال قريب وبسيط جدا وأمثاله كثر في الشريعة وهو يدل على أن التطبيق الجزئي على دليل جزئي لا يكفي في معرفة الأحكام الشرعية،نحن نعلم أن للأحكام الشرعية شروط وأسباب وموانع وهذه الشروط والأسباب والموانع لم تؤخذ من دليل واحد بل من مجموعة أدلة فهي إذا مقيدات لما يمكن أن يرد في الدليل الجزئي من عمومات>>.
أقول:استعماله لمصطلح الدليل الجزئي خطأ بل يقال جزء الدليل الموصل للنتيجة المذكورة،ثم إن هذا المثال له أشباه ونظائر في كلام الشيخ سدده الله،وقد بين الأخ الفاضل أحمد عماد سابقا شروط الاستدلال بالدليل على إثبات الحكم الشرعي،
وأن منها أن يكون راجحاً على ما يعارضه،وقد تعامل الشيخ مع هذا الشرط بدقة،فتراه ذكر مخصصات مدعاةٍ لحديث أبي سعيد وناقشها،وذكر صارف الأمر في صدر البحث وذكر القياس المعارض للنص،فمثال صاحب الهدى ليس له محل هنا،وليته ينقله كمشاركة في الموضوع التفاعلي،وقوله: "مقيدات لما يمكن أن يرد في الدليل الجزئي من عمومات " يدل على أن صاحبنا -رزق الهدى- لا يدرك أن المقيد يقابل بالمطلق،والخاص يقابل بالعام،
وهذا البحث من الواضحات!.
قال الأخ:<<ب النظر في مقاصد الشريعة والمصالح والمفاسد والترجيح بينها عند التعارض>>
أقول:اعتبار المقاصد والمصالح والمفاسد لا يخرج عن كونه قواعد أصولية،فالمقاصد لها تعلق بمبحث مسالك التعليل سواء كانت منصوصة أو مدركة بالمناسبة،ومن ثم فلا يصلح أن يكون هذا دليلا على قصور القواعد الأصولية عن إفادة الأحكام من النصوص،ثم ما هو محل ذكر المصالح والمفاسد هنا وهو مبحث تعبدي؟!.
<<النظر لأسباب نزول الآية وأسباب ورود الحديث>>.
أقول:لا إشكال في هذا لكن ما وجه ذكره في هذا البحث وهل قصر الشيخ فيه هنا؟!!!.
قال الأخ:<<د النظر لقرائن الأحوال وأسلوب الخطاب في ذلك العصر ولذلك وجدنا اختلافا في فهم كثير من النصوص حتى بين الصحابة رضي الله عنهم مع أنهم جميعاً على علم باستعمالات اللغة لكن من شهد الخطاب أو باشره أو اطلع على بعض القرائن يستنبط أحكاما من النص خلاف الظاهر منه .هـ - معرفة فقه اللغة واستعمالات العرب في كلامهم >>.
أقول:هذا القدر لا إشكال فيه،وقد أشار إليه الشيخ في قوله والقاعدة في الأصول:[أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع].
قال الأخ:<<و هذه القواعد المذكورة على سبيل المثال ليست كلها مسلمة وإنما يقبل التخريج عليها فقط عند من يسلم بها>>.
أقول:أيضا هذا القدر لا إشكال فيه فالشيخ دائما ما يقرر أن الخلاف في الأصول نظير الخلاف في الفروع،فمنها ما هو اتفاقي،ومنها ما هو خلافي،والموقف من القواعد الخلافية السعي في معرفة الصواب منها،لا تلقيها عن الأشياخ على أنها مسلمات،ثم إن هناك فرق بين التخريج الاصطلاحي،وبين التطبيق الأصولي، فالتطبيق هو الاجتهاد المعروف عند الأصوليين،بينما التخريج هو توجيه الفروع الفقهية الصادرة من إمام من حيث الناحية الأصولية،والأخ طالب الهدى خلط بين الأمرين.
قال الأخ:<<كما أن بعض القواعد لا تطبق بهذا الشكل المباشر بل لها شروطها وقيودها ومعرفة توفر الشروط والقيود في ذلك النص المعين يحتاج على نظر واجتهاد لا يقوم به إلا من له معرفة بذلك >>.
أقول:هات هذه القواعد!!،
فقولك هذا دعوى مجردة عن الدليل لا يعجز عنها أحد!،
ثم الذي أعرفه عن الشيخ أنه لا يجوز استعمال القواعد الأصولية على جهة استفادة الحكم إلا إذا كانت القاعدة متحصلة للمستعمل اجتهادا،وكان من أهل ذلك،وشيخنا جلال السلمي سدده الله من أهل الاجتهاد،ولا ينازع في ذلك إلا حاسد أو جاهل،نعم قد يطرح الشيخ على الطلاب القواعد لاستعمالها في درس آيات الأحكام أو أحاديث الأحكام،والمقصود تنمية الملكة الاجتهادية مع حثه على التحقيق في القواعد ودراستها دراسة جيدة للحصول على نتيجة يمكن استثمرها في النصوص.
قال الأخ:<<ح النظر في متعلقات الحكم فقد يكون عرفا أو مصلحة أو علة تتغير من وقت لوقت ومن مكان لمكان ومن حال إلى حال ولا يمكن أن يدرك ذلك إلا من كان أهلاً لذلك >>.
أقول:وهذا القدر أيضا لا إشكال فيه ولا محل له فالشيخ جلال أهل لذلك.
قال الأخ:<<3 لو كان تطبيق القواعد الأصولية بهذه البساطة والسهولة لما وقع نزاع بين العلماء ولما تفاوتوا في التحرير والتحقيق فما الفرق بين واسع المعرفة بالنصوص وغيره ؟ وما الفرق بين العالم باللغة وغيره ؟ وما الفرق بين الفقيه المطلع على فروع الفقه المذهبية وغيره ؟ وما الفرق بين العالم بعلل الحديث وغيره ؟ >>.
أقول:فتح الله على شيخنا في هذا الباب وسعى في تيسير استعمال القواعد الأصولية على الطلاب،ومع ذلك تجد من يتنكر لهذا المعروف!،طريقة فاشلة في النقاش !،يَستدلُ على عدم صحة التطبيق بخلاف العلماء في الفروع ،ألا يعلم أن القواعد الأصولية خلافية!،فهذا سبب من أسباب الخلاف، وثمت أسباب أخر ليس هذا مقام ذكرها ،والعجيب أنه أقر به سابقا لكن للأسف في مقام الحط من كتابة الشيخ،ثم ما العلاقة بين سعة المعرفة بالنصوص وبين صحة التطبيق وعدمه؟!،فالأحكام لا تلزم إلا ببلوغ أدلتها،ولا يلحق العالم ذم إذا استفرغ وسعه ولم يقف على النص، على أن الأمر في زماننا أيسر من زمان العلماء السابقين فثمت محركات بحث يسرت الوصول إلى النصوص الواردة في الباب،
أما مسألة اللغة العربية فالشيخ يقرر أنها شرط في الاجتهاد،
ويقرر بأن أكثر القدر المشترط منها مذكور في أصول الفقه في مبحث دلالات الألفاظ،، قال أبو محمد ابن قدمة رحمه الله في الروضة:"ومعرفة شيء من النحو واللغة يتيسر به فهم خطاب العرب وهو ما يميز به بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيده ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه ولا يلزمه من ذلك إلا القدر الذي يتعلق به الكتاب والسنة ويستولي به على مواقع الخطاب ودرك دقائق المقاصد فيه".
أما ما ذكر من الفروع الفقهية فلا علاقة لها بصحة التطبيق وعدمه،قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:"فأما تفاريع الفقه فلا حاجة إليها لأنها مما ولده المجتهدون بعد حيازة منصب الاجتهاد فكيف تكون شرطا لما تقدم وجوده عليها".
وأما ما ذكر في علل الحديث فالشيخ يقرر أنه لا يجوز لأحد أن يستفيد حكما من حديث إلا إذا اعتقده ثابتا بالدليل،لأن القول في قبول الخبر ورده مبني على مسائل اجتهادية،مثل قبول المرسل وزيادة الثقة والراوي إذا نسي مرويه وهكذا،
والعلل معلوم أنها ترجع إلى قبول الرواة،ولا يشكل على ذلك الحديث المتضمن لنكارة المتن ونحوه فالحمل فيه على أحد رواته،والعلة قادح خفي،والظاهر السلامة منه،
والعمل بالظاهر متعين،ولا يعدل عنه إلا ببينة،
فينظر في القادح هل يصلح قادحاً أم لا؟،
وكثير من العلل التي يذكرها المحدثون لا تصلح أن تكون قادحاً،قال الإمام ابن دقيق رحمه الله في الاقتراح:"للفظ الأول : الصحيح :ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال مع التَّيقُظ ، العدالة المشترطة في قبول الشهادة ، على ما قُرِّر في الفقه ، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً،وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معلَّلاً . وفي هذين الشرطين نَظَرٌ على مقتضى مذهب الفقهاء ، فإن كثيراً من العلل ( التي ) يعلِّل بها المحدثون الحديث لا تجري على
أصول الفقهاء".
<< إذاً يكفينا أن نجمع هذه القواعد ضمن فهرس معين ثم نمر على كل دليل على حدة وننزل عليه هذه القواعد فيقوم بهذه العملية الصغير والكبير >>
ما هكذا طريقة شيخنا حفظه الله ، بل يقرر لنا تثبيت القواعد بالأدلة وعدم أخذها على أنها مسلمات، وهذه النتيجة التي توصلت إليها -غفر الله لك- من خلال هذا العرض الملبس لا يخفى على العاقل بطلانها وتهافتها.انتهى
وسأعود قريبا إن شاء الله تعالى لإكمال التعليق.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,147
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
بظني أن كلامي في غاية الوضوح:




نحن بحاجة إلى التحقُّق أكثر منه إلى غلق الموضوع! والتنبيه على التجاوزات!

فقد تعجبت من هذا التهافت في تناول ما كتبه فضيلة شيخنا المحقق/جلال بن علي السلمي - سدده الله - ،
ومشاركتي هذه إن شاء الله تعالى ستكون في التعقيب على مشاركة الأخ المسمى بطالب الهدى فقد ساءتني كتابته إساءةً بالغة، وذلك لما تضمنته من الخلط والتلبيس، والتوصل من خلال بعض المسلمات إلى الحط من كتابة الشيخ ومنهجه،فأقول مستمدا من الله العون:
قال الأخ:<<لم أطلع على هذا الموضوع إلا بعد أن طلب مني شيخنا الكريم عبد الحميد المشاركة في الموضوع>>.

والذي يظهر لي أن حاله قريب من حال الأخ فؤاد يحيى هاشم الذي أشار إليه الأخ أحمد عماد رفع الله قدره ،والعجيب أن أفكار صاحب الهدى المذكورة هنا هي عين الأفكار المذكورة هناك، ولم يتغير إلا الأسلوب فقد كان هناك في مقام الإضافة للموضوع أم هنا فهو في مقام التنقص لشيخنا حفظه الله.

وسبب الخطأ في التطبيق كون الأخ صاحب الهدى ليس من أهل الكيمياء!!
أقول:يظهر من كلام الأخ صاحب الهدى أنه لا يدرك معنى الكلية والجزئية،حيث خلط بينهما
وقد بين الأخ الفاضل أحمد عماد
صاحب الهدى ليس له محل هنا
يدل على أن صاحبنا -رزق الهدى- لا يدرك أن المقيد يقابل بالمطلق،والخاص يقابل بالعام،
وهذا البحث من الواضحات!.
والأخ طالب الهدى خلط بين الأمرين.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
فليعلم قبل أن أخانا الشيخ الفاضل: جلال السلمي محفوظٌ حقه؛ ولم أر ما يدعو إلى التَّنقٌّص من شخصه في هذا الموضوع!.
ومذ تأسيسي للملتقى أدركت أسباب فورة حدَّة النقاشات بوضوح؛ إلا في هذا الموضوع؛ فلم أجد المبرِّر الكافي لهذا التَّصعيد!.
ولا أدري لم يضيق الإخوة بنقد طريقة جديدة تحتمل الصواب والخطأ!.
ولم التصعيد وتسخين الموضوع بلا موجبٍ يفرضه؟!.
الأمر الآخر: التسجيل من أخينا -الرمادي- وفور استكمال تسجيله قصد قراءة هذا الموضوع! -كما في لوحة التحكم- ثم مسارعته للدخول في موضوع كهذا غير محمود!؛ فكأنه غرض!.
لا سيما مع خلع الألقاب على أخينا الشيخ جلال بأنَّه محقِّق مجتهد.
في مقابل تنقُّص متواصل ومسترسل -يزري بكاتبه- لفضيلة أخينا الشيخ الدكتور: طالب هدى = أبو حازم الكاتب؛ وهو أستاذ أصول الفقه في إحدى الكليات الشرعية؛ أمرٌ عجيب!
والأعجب منه أن يتصدَّر لهذا التقييم من الخلط وتغليط المتخصص ... إلخ ما سطره أعلاه طالب مرحلة البكالوريوس الذي جعل الخط بأكبر ما يجده في الأيقونة!!
بالإضافة لتكرار هذا الرد في الموضوع الآخر -وقد حذفته من هناك-!
من صميم سياسات الملتقى؛ ولعل أخي الرمادي لم يسعفه الحظ للاطلاع عليها:
وزن الحوارات بحسب معايير محددة. [كأن يكون المتحاوران ندَّين؛ فلا يصلح أن يفترض نقاش بين عالم جليل، وبين طويلب جريء؛ كما هو حاصل الآن في كثير من المنتديات].
ولذا فلا يناقش هنا أو هناك إلا من استحضر سياستنا؛ أو فليتزم أدب طالب العلم في السؤال والنقاش للعلم لا للانتصار!

وأذكر الجميع بتعاهد تصحيح نياتهم؛ لتصفوا لهم ألسنتهم وأعمالهم ...
والله من وراء القصد.

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,147
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
قرار إداري
تغلق جميع مواضيع الشيخ جلال السلمي حتى يعود للكتابة بمعرفه
ولا نقبل الوكالة في الردود عنه وهو حيٌ يرزق!
فنرحبِّ به للعود ثانية
 
التعديل الأخير:
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى