جلال بن علي السلمي
معيد في أصول الفقه بجامعة أم القرى
- إنضم
- 18 ديسمبر 2008
- المشاركات
- 22
- التخصص
- اصول فقه
- المدينة
- مكة
- المذهب الفقهي
- مجتهد
بسم الله الرحمن الرحيم
النص:
النص:
عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)
التطبيق:
_البحث في ثبوت الخبر: القاعدة في الأصول (أن الأخبار الآحادية يجب البحث في ثبوتها أولا قبل البحث في دلالتها)، وذلك لأن الدلالة فرع الثبوت، وتثبيتها يكون من خلال سبر إسنادها وتحقق شروط القبول فيه،
ويشترط لقبول الخبر شرطان: قبول الرواة، واتصال الاسناد،
وفي الحقيقة أن الشرط الثاني راجع للأول لأن السبب الحامل على اشتراطه هو عدم العلم بتحقق الأول، والراوي المقبول: هو العدل الضابط، ومن ليس كذلك فخبره ضعيف، والقاعدة في الأصول (أن الأحاديث الضعيفة ليست حجة في اثبات الأحكام) إذا تقرر ذلك فإنه يتعين قبل البحث في دلالة هذا الحديث أن يبحث في اسناده لنعرف هل هو ثابت أم لا؟
فأقول:
حديث أبي سعيد أخرجه الشيخان كلاهما من طريق مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، ورجاله ثقات واسناده متصل
فتحقق بذلك شرط القبول، واختلف على ابن شهاب في إسناده فراوه عبد الرحمن بن إسحاق العامري عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه، قلت:هذا الاختلاف لا يقدح في اسناده لتحقق شروط القبول فيه، لاسيما وأن الزهري أحد الأئمة الكبار المعروفين بسعة الرواية، فلا يمتنع ثبوته على الوجهين، واختلف فيه أيضا على مالك، فرواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده، وقال الدارقطني في العلل بأنه خطأ، قلت: وعلى فرض صوابه فيقال فيه مثل ماقيل في سابقه.وقوله في الحديث (¤المؤذن¤) ادعى ابن وضاح أن لفظة المؤذن مدرجة في الحديث، ويجاب عن هذا: بأن الادراج لا يثبت بمجرد الدعوى، واتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على اثباتها.
إذا تقرر ثبوت الخبر فهذا أوان البحث في دلالته.
_استدل بالحديث على وجوب إجابة المؤذن في الأذان (مذهب الحنفية والظاهرية)،
ومأخذ الحكم من الحديث من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول [أن الأمرالمطلق للوجوب]، وذهب الجمهور إلى أن إجابة المؤذن مستحبة وليست واجبة،
واعترض عليهم بـ:أن هذا تأويل (أي القول بالاستحباب) والتأويل على خلاف الظاهر، والقاعدة في الأصول (يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها حتى يأتي مايصرفها)،
فأجابوا: بأنه قد جاء ما يصرف الأمر عن ظاهره وهو الوجوب إلى الاستحباب، وهو حديث أنس في صحيح مسلم وفيه
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لماسمع الرجل قال الله أكبرقال:على الفطرة،فلماتشهدقال خرجت من النار)،
ووجه الاستدلال:أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يقل مثل مايقول المؤذن، والقاعدة في الأصول [أن فعل النبي يدل على الجواز]، والواجب لايجوز تركه،
النتيجة: إجابةالمؤذن مستحبة،
وأجاب من قال بالوجوب بأن هذا الحديث ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل مثل ما يقول المؤذن، فيحتمل أنه قاله ولم ينقله الراوي اكتفاءا بالعادة، ونقل الزائد، والقاعدة في الأصول [إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال] قلت: ومن ثم لا يصح التأويل فيرجع إلى الظاهر،
واستعمل بعضهم الفرض الجدلي (أي على فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك) فالاحتمال المسقط للاستدلال قائم، فيحتمل أن الأمر بالإجابة حصل بعد هذا الترك وفيه بحث أصولي:
أيهما يقدم عند التعارض الاحكام أي عدم النسخ أم إبقاءالأمر على ظاهره؟_البحث في ثبوت الخبر: القاعدة في الأصول (أن الأخبار الآحادية يجب البحث في ثبوتها أولا قبل البحث في دلالتها)، وذلك لأن الدلالة فرع الثبوت، وتثبيتها يكون من خلال سبر إسنادها وتحقق شروط القبول فيه،
ويشترط لقبول الخبر شرطان: قبول الرواة، واتصال الاسناد،
وفي الحقيقة أن الشرط الثاني راجع للأول لأن السبب الحامل على اشتراطه هو عدم العلم بتحقق الأول، والراوي المقبول: هو العدل الضابط، ومن ليس كذلك فخبره ضعيف، والقاعدة في الأصول (أن الأحاديث الضعيفة ليست حجة في اثبات الأحكام) إذا تقرر ذلك فإنه يتعين قبل البحث في دلالة هذا الحديث أن يبحث في اسناده لنعرف هل هو ثابت أم لا؟
فأقول:
حديث أبي سعيد أخرجه الشيخان كلاهما من طريق مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، ورجاله ثقات واسناده متصل
فتحقق بذلك شرط القبول، واختلف على ابن شهاب في إسناده فراوه عبد الرحمن بن إسحاق العامري عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه، قلت:هذا الاختلاف لا يقدح في اسناده لتحقق شروط القبول فيه، لاسيما وأن الزهري أحد الأئمة الكبار المعروفين بسعة الرواية، فلا يمتنع ثبوته على الوجهين، واختلف فيه أيضا على مالك، فرواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده، وقال الدارقطني في العلل بأنه خطأ، قلت: وعلى فرض صوابه فيقال فيه مثل ماقيل في سابقه.وقوله في الحديث (¤المؤذن¤) ادعى ابن وضاح أن لفظة المؤذن مدرجة في الحديث، ويجاب عن هذا: بأن الادراج لا يثبت بمجرد الدعوى، واتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على اثباتها.
إذا تقرر ثبوت الخبر فهذا أوان البحث في دلالته.
_استدل بالحديث على وجوب إجابة المؤذن في الأذان (مذهب الحنفية والظاهرية)،
ومأخذ الحكم من الحديث من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول [أن الأمرالمطلق للوجوب]، وذهب الجمهور إلى أن إجابة المؤذن مستحبة وليست واجبة،
واعترض عليهم بـ:أن هذا تأويل (أي القول بالاستحباب) والتأويل على خلاف الظاهر، والقاعدة في الأصول (يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها حتى يأتي مايصرفها)،
فأجابوا: بأنه قد جاء ما يصرف الأمر عن ظاهره وهو الوجوب إلى الاستحباب، وهو حديث أنس في صحيح مسلم وفيه
( أن النبي صلى الله عليه وسلم لماسمع الرجل قال الله أكبرقال:على الفطرة،فلماتشهدقال خرجت من النار)،
ووجه الاستدلال:أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يقل مثل مايقول المؤذن، والقاعدة في الأصول [أن فعل النبي يدل على الجواز]، والواجب لايجوز تركه،
النتيجة: إجابةالمؤذن مستحبة،
وأجاب من قال بالوجوب بأن هذا الحديث ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل مثل ما يقول المؤذن، فيحتمل أنه قاله ولم ينقله الراوي اكتفاءا بالعادة، ونقل الزائد، والقاعدة في الأصول [إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال] قلت: ومن ثم لا يصح التأويل فيرجع إلى الظاهر،
واستعمل بعضهم الفرض الجدلي (أي على فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك) فالاحتمال المسقط للاستدلال قائم، فيحتمل أن الأمر بالإجابة حصل بعد هذا الترك وفيه بحث أصولي:
_وفي الحديث تحريم الاشتغال بمايشغل عن إجابة المؤذن، ومأخذ الحكم من قوله (فقولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (الأمر بالشئ نهي عن ضده)، والقاعدة في الأصول (النهي المطلق للتحريم)، والقاعدة في الأصول (أن وسيلة المحرم محرمة).
_وفي الحديث وجوب إجابة المؤذن على الفور ، ومأخذ الحكم من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر يقتضي الفور).
_وفي الحديث أنه يجب إجابة المؤذن عند سماعه مرة واحدة، ومأخذ الحكم من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول ( أن الأمر المطلق لطلب الماهية، وهذا يحصل بالمرة، والأصل عدم وجوب الزيادة عليها استصحابا لأصل براءة الذمة)،
نعم قد يتوهم بأن هذا الأمر ليس بمطلق من جهة تقيده بالشرط (إذاسمعتم)،
فالجواب:أنه مقيد في صورة الشرط مطلق في غيرها، ومن يقول بأن الأمر للتكرار يلزمه أن يقول به هنا.
_وفي الحديث أنه يجب إجابة الأذان عند التعدد، مأخذ الوجوب تقدم بيانه، وأما مأخذ ثبوته عند التعدد فمن قوله (إذاسمعتم...فقولوا) حيث علق الأمر بالإجابة على السماع بالشرط
فإن إذا أداة شرط، والقاعدة في الأصول [أن الأمر المعلق على شرط يقتضي التكرار بتكرر الشرط (قلت: بهذا القيد)].
_واستدل بالحديث على أن من رأى المؤذن وعلم أنه يؤذن بأمارة، ولم يسمعه لبعد أوصمم فإنه لا يجوز له إجابة المؤذن،
ومأخذ الحكم من قوله (إذاسمعتم...فقولوا) فمفهوم المخالفة مفهوم الشرط أنكم إذا لم تسمعوا فلا تقولوا، والقاعدة في الأصول (أن مفهوم المخالفة الشرطي حجة) هذا مذهب جمهور الأصوليين، والصحيح أنه ليس بحجة، ولعلها تأتي مناسبة لتثبيت ذلك ولايلزم من القول بعدم حجية هذا المسلك الدلالي القول بمشروعية الإجابة في هذه الصورة، بل هي محرمة استصحابا للأصل ،فالأصل في العبادة الحظر، لقوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
_استدل بالحديث (بعض المالكية واختاره ابن تيمية) على مشروعية إجابة المؤذن في حال الصلاة، مأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الصلاة فمن قوله (إذا) فهي كما تقدم أداة شرط، (وذهب ابن يعيش كما في شرح المفصل إلى أنها اسم زمان مستقبل متضمن معنى الشرط)، والقاعدة في الأصول (أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الإجابة حال الصلاة، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، واحتجوا على ذلك بحديث ابن مسعود في الصحيحين مرفوعا (إن في الصلاة لشغلا)، فهذا خبر بمعنى الأمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق يفيد الوجوب) أي فليشتغل بها، وإجابة المؤذن تنافي ذلك، فيخص عموم حديث أبي سعيد بحديث ابن مسعود، فالقاعدة في الأصول (إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص لأنه أقوى حيث أنه لا يتطرق إليه الاحتمال بخلاف العام فيتطرق إليه احتمال التخصيص) ،وفي الحقيقة أن هذا تعارض بين نصين عامين وليس التعارض بين عام وخاص، وجه ذلك أنه قال (الصلاة) والقاعدة في الأصول (أن الألف واللام تفيدالعموم)، فتشمل كل صلاة، ومن ثم قد يدعى أنه مخصوص بالصلاة التي لا يسمع فيها النداء، والقاعدة في الأصول (إذا حصل التعارض بين نصين عامين ولم يعلم التاريخ فإنه يسقط الاستدلال بهما ويرجع إلى الأصل)والأصل هناالحظر.
_وفي الحديث دليل على مشروعية متابعة المؤذن في الترجيع إذاسمع، (والترجيع أن يأتي المؤذن بالشهادتين مرتين بصوت منخفض ثم يرجع فيأتي بهما مرتين بصوت مرتفع، وهو مشروع عند المالكية والشافعية لحديث أبي محذورة عند أبي داود وغيره)،
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأنه من قوله (فقولوا)، وأما كون المتابعة مشروعة في الترجيع فمن قوله(مثل مايقول) فما موصولة بمعنى الذي، والقاعدة في الأصول (أن الأسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله، ومن ذلك الترجيع، وفي رد المحتار أنه زيادة كما لو زاد في الأذان تكبير، فلا يشرع متابعته فيه، وهو قياس في مقابلة نص (فسادالاعتبار) والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،وفيه بحث تخصيص العموم بالقياس، وهو قياس باطل من جهة عدم تحقق الجامع في الفرع فالترجيع ليس زيادة كما ادعي.
_وفي الحديث مشرعية متابعة المؤذن في التثويب بنفس اللفظ (قاله بعض المالكية وبعض الشافعية) (والتثويب قول المؤذن الصلاة خير من النوم في الفجر، حكي الاتفاق على مشرعيته، واختلف في محله هل هو في الأذان الأول أم الثاني؟وهل هو بعد الحيعلتين أم بعد الأذان؟)
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، ومأخذ كون المتابعة في التثويب فتقريره بمثل ما تقدم في الترجيع،
وذهب الجمهور إلى أنه يشرع أن يقول بدله صدقت وبررت،
ودليلهم في ذلك القياس على لا حول ولا قوة إلا بالله، وأقامها الله وأدامها بجامع المناسبة، وهذا قياس معارض للنص والقاعدة في الأصول(أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،
ثم لا يسلم بثبوت ما جاء في الاقامة فحديث أبي أمامة عند أبي داود ضعيف في اسناده (محمد بن ثابت العبدي وشهر بن حوشب وكلاهما ضعيف، والرجل الشامي بينهما مجهول)، ومن شرط صحة القياس أن يكون حكم الأصل ثابتا بالنص، وليس هو هنا كذلك،
ويمكنهم أن يجيبوا عن ذلك بأن الأصل ثابت بنص أخر، هو حديث عمر في صحيح مسلم في شأن الحوقلة...إلخ، على أنه إذا سلم بالمناسبة في الحوقلة ،وسلم قبل ذلك بكون حكم الصورة الذي ورد به النص معقول المعنى....إلخ، على كل حال هو قياس باطل.
_وفي الحديث دليل على مشروعية متابعة المؤذن في الأذان من أوله إلى آخره كما هو مذهب الجمهور خلافا للمالكية،
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأنه مستفاد من قوله (فقولوا)، ومأخذ كون مشروعية المتابعة في الأذان من أوله إلى آخره مستفاد من قوله (ما يقول)، وتقدم أن ما اسم موصول بمعنى الذي، والقاعدة في الأصول (أن الأسماء الموصولة تفيد العموم)، فيشمل كل مايقول المؤذن من ألفاظ الأذان، واستدل المالكية كما في مواهب الجليل بحديث معاوية في البخاري وفيه أنه أجاب إلى الشهادتين فقط ثم قال سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ماسمعتم من مقالتي) ووجه الاستدلال:أن النبي لم يكمل إلى آخر الأذان، بل اقتصر على صدره إلى الشهادتين، والقاعدة في الأصول: (أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الصادر بقصد القربة يدل على الاستحباب)، فيخصص عموم حديث أبي سعيد بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة في الأصول (يخصص العموم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم)،
قلت: وهذا تقرير خاطئ من وجوه:
الأول: أن حديث معاوية ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب المؤذن إلى آخرالأذان، بل غاية ما فيه السكوت عن الباقي، فيحتمل أن النبي أجاب المؤذن ولم يذكره معاوية اختصارا، والقاعدة في الأصول (إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال) والقاعدة (أن عدم العلم بالشئ ليس علما بالعدم) ومن ثم نأخذ بظاهر حديث أبي سعيد أي عمومه،
الثاني: أنه لو قام دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب المؤذن فيما بعد الشهادتين ما صلح أن يكون مخصصا للعموم الوارد في حديث أبي سعيد بل كان دليلا على جواز هذا الوجه لأن القاعدة في الأصول (فعل النبي يدل على الجواز) إلا إذا قيل بوجوب فعل ما فعل صلى الله عليه وسلم، فيصح حينئذ القول بأن الفعل في هذه الصورة مخصص للعموم، والصحيح عدم الوجوب، ولعلها تأتي مناسبة لتثبيت ذلك.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن لأذان نفسه كما هو مذهب الحنابلة خلافا للجمهور، ومأخذ المشروعية تقدم بيانه وأنه مستفاد من قوله (فقولوا)، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حق المؤذن نفسه فمستفاد من قوله (فقولوا) ضميرالجمع الواو، والقاعدة في الأصول (أن ضمير الجمع يفيد العموم)، فيعم كل أحد ومن ذلك المؤذن لنفسه، وضمير الجمع هل يفيد العموم أم لا؟ فيه خلاف مخرج : والصحيح أنه يفيدالعموم في بعض الصور وهذه منها،.
واستدل الجمهور بالقياس على النهي عن الكلام والامام يخطب فهو لا يشمله، فكذلك هنا، ذكره ابن رجب في الفتح، وهذا قياس في مقابلة نص، والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)، على أن هذا القياس غلط محض، لأن النهي عن الكلام إنما في حال كلام الامام، فكيف يقال له اسكت في حال كلامك، فتخصيصه ثابت بالعقل لأنه غيرمتصور، والقاعدة في الأصول (يخصص العموم بالعقل)، وهذا مثل قوله (الله خالق كل شئ)، على قول بأن المخاطب يدخل في عموم خطابه، وعلى القول بأن لفظ الشيئية صادق على الرب، وهو كذلك لقوله (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله)، فيخص الرب جل وعلا لأنه لا يتصور أن يكون الشخص <يصح اطلاق الشخص على الله لحديث لا شخص أغير من الله، خلافا لبعض المبتدعة> موجد النفسه من العدم، آسف على الاستطراد أردت التنظير.
_وفي الحديث دليل على أن من سمع صوت المؤذن ولم يدرك حرفه لبعد أو انشغاله بسماع شريط أونحو ذلك فإنه يجب عليه طلب ما يحصل به إدراك الحرف ليتمكن من المتابعة،
فإن كان السبب البعد قرب، وإن كان السبب شريطا أغلقه، وهكذا، ومأخذالوجوب من قوله (قولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمرالمطلق للوجوب)، والقاعدة في الأصول (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)،
واعترض علي بعضهم وقرر أن هذا من باب ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب لا من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،
فأجبته: الوجوب معلق على السماع لا على ادراك الحرف فهذا سبب الوجوب، فإذا لم يحصل لم يجب دركه، وادراك الحرف شرط عقلي لوجود الامتثال ليتمكن من المتابعة فيجب دركه، إذا تقرر ذلك صح قولي وأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فسر بذلك _وفقه الله_.
_وفي الحديث دليل على وجوب إجابة النداء عند سماعه سواء كان السماع عن طريق المباشرة أو عن طريق مكبر الصوت أو عن طريق أثير الاذاعة غير المسجل، مأخذ الوجوب تقدم بيانه، ومأخذ ثبوت الوجوب في الصور السابقة مستفاد من قوله (إذاسمعتم) فإنه فعل ينحل على نكرة، وهو في سياق الشرط، والقاعدة في الأصول (أن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم)، فيشمل كل سماع، والسماع في اللغة ادراك الصوت بالسمع، فهو صادق على الصور المتقدمة.
_واستدل بالحديث على مشروعية إجابة الاقامة كما هو مذهب الجمهور خلافا للمالكية، ومأخذ المشروعية تقدم بيانه وأما مأخذ ثوبتها في الإقامة فمن قوله (النداء)، والقاعدة في الأصول (أن الألف واللام تفيد عموم مدخولها)، فيشمل كل نداء والإقامة نداء، ونازع المالكية في كونها نداءا، فقالوا بأن لفظ النداء لا يصدق عليها، ولم يثبت الخبر في شأن متابعتها على جهة الخصوص كما تقدم، وهذا بحث مشكل متعلق بمبحث الحقائق عند الأصوليين، والحقيقة الشرعية للفظ النداء، وأيد الجمهور مذهبهم بحديث عبد الله بن عمروعند مسلم بلفظ (إذا سمعتم المؤذن)، أي يأذن، والاقامة أذان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مغفل (بين كل أذانين صلاة) فتشرع إجابتها.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في أذان الصبح الأول، المشروعية من قوله (قولوا) وتقدم بيان وجه استفادتها منه، وأما كونها ثابتة في أذان الصبح الأول فمستفاد من قوله (النداء) على الوجه الذي تقدم في الإقامة أي العموم، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعا: (إن بلالايؤذن بليل...) فسماه أذانا، فيدخل في عموم قوله (المؤذن) في حديث عبدالله بن عمرو.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في أذان الجمعة الذي يكون عند جلوس الامام، ومأخذ المشروعية من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، ومأخذ ثبوتها فيه من عموم قوله (النداء)، فالألف واللام للاستغراق، وقد جاء في الكتاب قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) فتحقق بهذه الآية مناط كونه نداءا، ومن ثم يدخل في عموم الخبر،
وهل يشرع إجابة المؤذن في أذان الجمعة الذي أحدثه عثمان؟،
فالجواب/ لا يشرع ذلك، حتى لو قيل بمشروعيته -أي الأذان-، لأنه لم يكن في زمن الوحي، وتسميته أذانا اصطلاح حادث، فلايصح حمل النصوص الواردة في الأذان عليه، لأن القاعدة في الأصول (لا يجوز حمل الألفاظ الشرعية على الاصطلاحات الحادثة)، وبناءا على ذلك فاجابته بدعة محرمة وكذلك الإتيان بالأذكار المخصوصة بعده، وكذلك صلاة ركعتين بعده على أنه هو والذي يكون عند جلوس الامام أذانان ، وفي حديث (بين كل أذانين صلاة)، وهذا غلط فاحش لأنه حمل للفظ الشرعي على الاصطلاح الحادث، ولما تقدم من أن المراد بالأذان الثاني الاقامة،
قال أبوعبدالله -عفي عن تقصيره-: والتحقيق عدم جواز الأذان الأول الذي أحدثه عثمان، وأنه بدعة من البدع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرعه، وكل تقرب بما لم يشرع فهو بدعة وفي الحديث (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وكون عثمان هوالذي أحدثه، لا يقتضي مشروعيته، فالقاعدة الأصولية (أن فعل الصحابي ليس بحجة ولو كان من الخلفاء)، على أن عثمان قد عارضه صحابي أخر هو ابن عمر فقد جاء عنه عند ابن أبي شيبة في المصنف أنه قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، وجاء عنه أنه قال: محدث، والقاعدة في الأصول عند جمهور من يقول بحجية مذهب الصحابي (أنه إذا عارضه صحابي آخر فليس بحجة) ومن ثم يجب الرد إلى نصوص الكتاب والسنة سواء كانت عامة أم خاصة، قال تعالى (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) وقد جاء في السنة (كل بدعة ضلالة....) فتعين القول بالتحريم، وعند ابن أبي شيبة عن الحسن أنه محدث، وعنده أيضا عن ابن الزبير أنه لا يؤذن للجمعة إلا أذانا واحدا، عذرا على الاستطراد أردت النصيحة.
_وفي الحديث دليل على وجوب تحريك الفم وإخراج الحروف من مخارجها لتتحقق إجابة المؤذن، ومأخذ الوجوب من قوله (فقولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق للوجوب)، والقول في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، والقاعدة في الأصول (أن الحقيقة اللغوية معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وبناءا على ذلك فلو أجرى كلمات الأذان على قلبه لم يكن ممتثلا للخطاب عاملا بمقتضاه.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في الحيعلتين بلفظها، وهذا مذهب بعض الحنابلة كما في الإنصاف للمرداوي، ومأخذ المشروعية من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، ومأخذ ثبوتها في الحيعلتين بلفظها من قوله (ما يقول) ما: اسم موصول والقاعدة في الأصول (أن الاسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله ومن ذلك الحيعلتين، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، وقالوا: إن عموم حديث أبي سعيد مخصوص بحديث عمر في صحيح مسلم مرفوعا وفيه: (إذاقال المؤذن الله أكبر..ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله..من قلبه دخل الجنة) لأنه خاص وحديث أبي سعيد عام والقاعدة في الأصول ( إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص)
وأجاب أصحاب القول الأول: بأن حديث عمر ليس فيه دلالة على ترك الاجابة في الحيعلتين بلفظها وليس متضمنا لاقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ترك ذلك ومن ثم يستدل به على الجواز، فيقال بالتخصيص، وهو أيضا لم يسق لبيان كيفية الاجابة، بل لبيان ترتب الفضل على الصفة غير المنافية لظاهر حديث أبي سعيد، بل لو ثبت أنه (أي حديث عمر) متضمن لترك إجابتها بنفس اللفظ، لم يكن مخصصا لعموم حديث أبي سعيدعلى هذا المعنى، بل كان دالا على جواز التخيير بينهما، وقد قال بذلك ابن المنذر في الأوسط، والصواب القول الأول.
أي أنه يشرع _عندي أنها مشروعية وجوب كماتقدم_ الاجابة في الحيعلتين بنفس اللفظ، وبهذا يحصل الامتثال للأمر الوارد في حديث أبي سعيد، ويستحب أن تزاد الحوقلة لحديث عمر، ومأخذ دلالته على الاستحباب من قوله (من قال:...دخل الجنة) حيث رتب الثواب على الفعل، والقاعدة في الأصول (أن ترتيب الثواب على الفعل يدل على المشروعية المشتركة بين الايجاب والاستحباب والأصل عدم الأول استصحابا لأصل براءة الذمة فتعين الثاني). _وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن كلمة كلمة، ولا تؤخر الإجابة إلى أن يسكت المؤذن، أما مأخذ المشروعية فقد تقدم بيانه، وأنه مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما كون الامتثال لا يتم إلا على هذه الصفة، فمستفاد من قوله (يقول) فإنه فعل مضارع يفيد الحال، هذا الأصل فيه،
[وللفعل المضارع مخلّصات تخلصه للمضي مثل "لم" في قولنا "لم يقل"، ومخلصات تخلصه إلى الاستقبال كحروف التسويف في نحو قولنا "سوف يقول" (وهذه المخلصات قرائن لفظية تصرف المضارع عن ظاهره الذي هو الحال ]، والقاعدة في الأصول (أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وفي معنى هذا ماجاء عند النسائي في الكبرى وابن خزيمة في صحيحه من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت، إذا تقرر ذلك وأن هذا محل المشروعية، فهنا سؤال وهو:
إذافرغ المؤذن من الأذن ولم يجبه المرء فهل يشرع له القضاء أم لا؟
الجواب: لا يشرع له ذلك، لأن القاعدة في الأصول (أن القضاء لايشرع بالأمر الأول بل بأمر جديد) ومأخذ القاعدة أن ما بعد الوقت لم يتناوله اللفظ فلم يجب فيه الفعل كما قبل الوقت، وأن تخصيص الأمر بالوقت كتخصيصه بالشرط ولو علق الأمر بالشرط لم يجب مع عدمه فكذلك إذا علق على الوقت ولأن السيد من العرب إذا قال لعبده اجلس في الدار يوم الخميس لم يشمل الجمعة بدليل أنه يجوز له أن يقول اجلس يوم الخميس ولا تجلس يوم الجمعة، وهذا مذهب جمهور الأصوليين، ويخرج للمخالفين في المسألة الأصولية (الحنفية والحنابلة) مخالفة فروعية وهي: أنه يشرع القضاء في هذه الصورة.
_وفي الحديث دليل على أن من سمع بعض النداء فإنه يشرع له إجابة ذلك البعض، وقد حكي اتفاقا، ومأخذ المشروعية مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كونها ثابتة في هذه الصورة فمستفاد من قوله (نداء) والبعض المشروع (بهذا القيد) يصدق عليه أنه نداء (هذا بحث في الاطلاق الذي تضمنه اللفظ العام "النداء")،
واختلفوا هل يشرع قضاء مافات؟ فذهب بعض المالكية إلى عدم المشروعية وخالف في ذلك الجمهور، والصحيح مذهب بعض المالكية لما تقدم من أن القاعدة في الأصول (أن القضاء لا يشرع إلا بأمر جديد) ولا أمر في هذه الصورة.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، أما مأخذ المشروعية فتقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، فمن قوله (إذا) فهي أداة شرط كما تقدم، والقاعدة في الأصول:
(أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الاجابة في هذه الحال، وفي شرح مسلم للنووي القول بتخصيص هاتين الصورتين من العموم، ولاأعرف دليلا مستقيما لمن قال بالتخصيص.
أكتفي بهذا القدر في الكلام على هذا الحديث. والله أعلم.
وسأعود قريبا -إن شاء الله- للإجابة على الأسئلة والاستشكالات.
وسأعود قريبا -إن شاء الله- للإجابة على الأسئلة والاستشكالات.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: