طارق بن عبد الرحمن الحمودي
:: متابع ::
- إنضم
- 4 يوليو 2008
- المشاركات
- 46
- الكنية
- أبو عبد الله
- التخصص
- الفلسفة والفكر والحضارة
- المدينة
- تطوان
- المذهب الفقهي
- الحديث
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى الآل والصحب ومن والاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله أما بعد:
فمن المسائل الغريبة والطريفة التي يندر أن تجدها في مظانها حكم ثقب آذان الفتيات لأجل تحليتهن بالأقراط.وقد وقعت عيني على ما جمعته في بحث صغير استطرافا وسميته استظرافا:
(إفادة الأمهات بحكم ثقب آذان الفتيات)
وأبدأ من حديث جميل لعائشة رضي الله عنها عند البخاري (4893) في باب (حسن المعاشرة مع الأهل) وغيره تحكي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم قصة مجلس غيبة! جمع إحدى عشرة امرأة في الجاهلية , والحديث معروف عند الأزواج ! بحديث أم زرع.فجلس النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الحنون يستمع لقصتها باهتمام يسمع منها قصتها الطريفة ...
تكلمت أم زرع وكانت آخر من تكلم من هذه النسوة بعدما مدحت بعضهن أزواجهن وشتمت أخريات.وكان مما تبجحت به أم زرع أن قالت : (... وأناس من حلي أذني...) قال القزويني في (ضرة الضرع لحديث أم زرع): (قولها: أناس من حلي أذني،أي حركها بما حلاهما به من القرطة. والنوس: تحريك الشيء المتدلي، والإناسة: تحريكه).
قلت: ومنه قول ابن عمر كما عند عبد الرزاق في مصنفه (5/483): (دخلت على حفصة ونوساتها تنطف) أي ضفائرها وسماها نوسات لأنها تتحرك.قال الحافظ في الفتح (7/403): (ومعنى تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس أي تتحرك).وقصدي من هذا أن استعمال الأقراط لا يكون إلا بثقب الأذن لتعليقها.
وقد استمر العمل على ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم , فقد قال البخاري : (باب القرط للنساء وقال ابن عباس: أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن).
ثم روى (5544 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها)
قال الحافظ في الفتح (10/331): (استدل به على جواز ثقب أذن المرأة لتجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لهن التزين به وفيه نظر لأنه لم يتعين وضع القرط في ثقبة الإذن بل يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذى الأذن وتنزل عنها سلمنا لكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ونحوه قول أم زرع أناس من حلي أذني ولا حجة فيه لما ذكرنا وقال بن القيم كره الجمهور ثقب أذن الصبي ورخص بعضهم في الأنثى قلت: وجاء الجواز في الأنثى عن أحمد للزينة والكراهة للصبي قال الغزالي في الأحياء: يحرم ثقب أذن المرأة ويحرم الاستئجار عليه إلا أن ثبت فيه شيء من جهة الشرع قلت: جاء عن ابن عباس فيما أخرجه الطبراني في الأوسط : (سبعة في الصبي من السنة) فذكر السابع منها (وثقب أذنه) وهو يستدرك على قول بعض الشارحين لا مستند لأصحابنا في قولهم إنه سنة) اهـ
قلت: قول الحافظ : (يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذي الأذن وتنزل عنها) لا تساعده عليه رواية (فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها) وهي عند البخاري (921)ومسلم(884) ولا يمكن تثبيت الحلقة إلا بإدخال طرفها في ثقب في الأذن.
قال الحافظ نفسه في الفتح (3/313) : (والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن) ولا يساعده على ذلك كون أدنيها تنوس بسبب الأقراط. فإنها إن كانت غير معلقة بها ما ناست ولا تحركت شحمة أذنيها.
ويبقى قوله (ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء) له حظ من النظر!
وقد روى النسائي (5142 ) عن أبي هريرة قال : كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سوارين من ذهب قال سواران من نار قالت يا رسول الله طوق من ذهب قال طوق من نار قالت قرطين من ذهب قال قرطين من نار قال وكان عليهما سواران من ذهب فرمت بهما قالت يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده قال ما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصفره بزعفران أو بعبير) ولو صح الحديث لكان حجة واضحة ترد ما ما جوزه الحافظ من كونهن ثقبت آذانهن قبل مجيء الإسلام.ولكنه ضعيف, ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي!
لكن يقال للحافظ:
نحن استدللنا بإقراره صلى الله عليه وسلم على تعليقها في ثقب الأذن.وإقراره هذا يلزم منه إقرارهن على الثقب نفسه.وليس بمثل هذه الاحتمالات يورد على الاستدلال بالإقرارات!
جعلت ملاك العين والقلب في الهوى بناطقة القرطين صامتة القلب
تُصَحِّفُ لي ألحاظها لين قدها وتَقْلِبُه كيما تصيد به قلبي
وبعيدا عن مذهب الحافظ. قال الإمام ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية : (ويجوز ثقب أذن البنت للزينة , ويكره ثقب أذن الصبي . نص عليهما . قال في رواية مهنا: (أكره ذلك للغلام . إنما هو للبنات ) قال مهنا : قلت : من كرهه؟ قال : حريز بن عثمان.وقطع ابن الجوزي في منهاج القاصدين وغيره بأنه لا يجوز.)
وها هو ابن الجوزي الحنبلي يقول في أحكام النساء ((ص29 و30) مخالفا : (قال أبو الوفاء ابن عقيل: والنهي عن الوشم تنبيه على منع ثقب الأذن . قال المصنف رحمه الله : قلت: وكثير من النساء يستجزن هذا في حق النبات , ويعللن بأنه يحسنهن , وهذا لا يلتفت إليه. لأنه أذى لا فائدة فيه, فليعلم فاعل هذا أنه آثم معاقب,وقال أبو حاتم الطوسي: لا رخصة في تثقيب آذان الصبية لأجل تعليق الذهب .فإن ذلك جرح مؤلم.ولا يجوز مثله إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلق غير مهم.بل تعليقه على الأذن تفريط . وفي المخانق والأسورة كفاية عنه وهو حرام . والمنع منه واجب, والاستئجار عليه غير صحيح , والأجرة المأخوذة عليه حرام..)
وقال أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي في مختصر منهاج القاصدين (ص133): (لا رخصة في تثقيب ’ذان الصبية لأجل تعليق حلق الذهب .فإن ذلك جرح مؤلم لا يجوز)
قلت: تعجب جدا من قوله : (بل تعليقه على الأذن حرام وفي المخانق والأسورة كفاية) ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أولى منه بهذا حينما رآهن يأخذن الأقراط من آذانهن يوم العيد !. ولكني لم أره صلى الله عليه وسلم فعل. أم ترى أبا حاتم هذا حجر واسعا ؟! بلى ونحن على ذلك من الشاهدين!
وسمعت شيخنا محمد بوخبزة يقول : (منع من ذلك جمهور أهل العلم محتجين بآية (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام)) اهـ والثقب من ذلك.وهذا أضبط.أما دعوى أنه يؤلم فللناس اليوم وسائل يؤمن فيها الألم!فلم يبق لكلام هذه الثلة من الحنابلة موطن .
والقرط في حرة الذفرى معلقة تباعد الحبل منه فهو يضطرب
وها هو حنبلي آخر يختار الجواز .وينتصر له بقوة, قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى في تحفة المولود (ص209) في كلام طويل متقن كأنه بنيان مرصوص : (أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي خرصها الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) النساء (119 ) أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا ملحق بقطع أذن الأنعام قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز)
وقد ورد في سبب بداية ظهور هذه العادة عند النساء ما رواه إسحاق ـ كما عند ابن عبد البر في التمهيد (21/59) ـ عن حارثة بن مضرب عن علي (أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم فأصابها غارت سارة فحلفت ليغيرن منها ثلاثة أشياء فخشي إبراهيم أن تقطع أذنيها أو تجذع أنفها فأمرها أن تخفضها وتثقب أذنيها)
وروى البخاري (3184) عن ابن عباس قال : (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة)
قال الحافظ في الفتح (6/400و401) معلقا: (وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك)
وقال ابن كثير في قصص الأنبياء (ص113): (وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها, فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها, قال السهيلي: (فكانت أول من اختتن من النساء وأول من ثقبت أذنها منهن وأول من طولت ذيلها))وضعفها الشيخ مشهور حسن سلمان فلم يذكرها في صحيح قصص الأنبياء! فإنه ذكر أم من منهجه في الكتاب : (الاكتفاء بما صح...) والقصة ذكرها الشيخ ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (4/338/دار الغرب)
وقد يقول قائل : احك لنا في الصبيان شيئا.فقد رأينا الإمام أحمد يكره ذلك لهم. فهل كانوا يفعل بهم ذلك؟
قلت: كانت مسألة ثقب أذن الصبي معمولا بها عند بعض الناس زمانا.
روى أبو يعلى في مسنده ( 3645 )حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا يسار بن بالإجماع الرياحي أبو المنهال قال دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي وإن في أذني يومئذ قرطين أي غلام)
قال شعبة كما في سير أعلام النبلاء (8/462): (رأيت ابن عيينة غلاما معه ألواح طويلة عند عمرو بن دينار وفي أذنه قرط أو قال: شنف)قال الزبيدي في تاج العروس (10/372 و373): (القرط الشَّنْف , وقيل :والشنف في أعلى الأذن والقرط في أسفلها أو هو معلق في شحمة الأذن كما في الصحاح)
ونقل الصنعاني في سبل السلام (4/183)عن قاضي خان الحنفي في فتاواه (لا بأس بثقب أذن الطفل لأنهم كانوا في الجاهلية يفعلونه, ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم)
ومن طريقة الشيعة الروافض أنهم يحلون الصبيان من زنا المتعة بأقرطة الذهب أو الفضة ليميزوهم .فإن زنا المتعة عندهم من أعظم القربات إلى الله عليهم من الله ما يستحقون. أفادني هذا شيخنا محمد بوخبزة وأحالني على كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدنى) وفيه وجدت ذلك.!
ومن طرائف أو قل غرائب هذا الباب ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (6/347) والحافظ المزي في تهذيب الكمال (2/378) عن أبي الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك وقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا إما في الخير وإما في الشر)
قال الذهبي في السير (11/380): (هذا إسناد جيد وحكاية عجيبة )
وقال الإمام ابن القيم في التحفة (ص210و211) معلقا : (فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير والسنة والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه انتشرت هناك...)
ومن الأمور التي شاعت في بعض الأوساط النسائية ثقب الأنف ! وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال: (ثقب الأنف لا أذكر فيه لأهل العلم كلاما , ولكن فيه مثلة وتشويه للخلقة فيما نرى ولعل غيرنا لا يرى ذلك ,فإن كانت المرأة في بلد يعد تحلية الأنف فيها زينة وتجملا فلا بأس بثقب الأنف لتعليق الحلية عليه) (فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين /ج11/137).قلت: وممن يفعلن ذلك نساء الهند,والله أعلم.وعلى ذكر الهند فقد
قال ابن العماد في شذرات الذهب (2/189و190) في قصة فتح محمود بن سبكتكين للهندقال ابن الأهدل فتح ما لم يبلغه أحد في الإسلام وبنى فيها أي الهند مساجد وكسر الضنم المشهور بسر منات وهو عند كفرة الهند يحيى ويميت ويقصدونه لأنواع العلل ومن لم يشف منهم احتج بالذنب وعدم الإخلاص ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على مذهب أهل التناسخ ويتركها فيمن شاء وإن مد البحر وجزره عبادة له ويتحفه كل ملوك الهند والسند بخواص ما عندهم حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وخدمه من البراهمة ألف رجل وثلثمائة يحلقون رءوسهم ولحاهم عند الورود وثلثمائة امرأة يغنون ويضربون عند بابه وبين قلعة الصنم وبلاد المسلمين مسيرة شهر مفازة قليلة الماء صعبة المسلك لا تهتدي طرقها فأنفق محمود ما لا يحصى في طلبها حتى وصلها وفتحها في ثلاثة أيام ودخل بيت الصنم وحوله أصنام كثيرة من الذهب المرصع بالجوهر محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة فأحرق الصنم ووجد في أذنه نيفا وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن تلك الحلق فقالوا كل حلقة عبادة ألف سنة كلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة ولهم فيه أخبار طويلة انتهى)
والحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله أما بعد:
فمن المسائل الغريبة والطريفة التي يندر أن تجدها في مظانها حكم ثقب آذان الفتيات لأجل تحليتهن بالأقراط.وقد وقعت عيني على ما جمعته في بحث صغير استطرافا وسميته استظرافا:
(إفادة الأمهات بحكم ثقب آذان الفتيات)
وأبدأ من حديث جميل لعائشة رضي الله عنها عند البخاري (4893) في باب (حسن المعاشرة مع الأهل) وغيره تحكي فيه للنبي صلى الله عليه وسلم قصة مجلس غيبة! جمع إحدى عشرة امرأة في الجاهلية , والحديث معروف عند الأزواج ! بحديث أم زرع.فجلس النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الحنون يستمع لقصتها باهتمام يسمع منها قصتها الطريفة ...
تكلمت أم زرع وكانت آخر من تكلم من هذه النسوة بعدما مدحت بعضهن أزواجهن وشتمت أخريات.وكان مما تبجحت به أم زرع أن قالت : (... وأناس من حلي أذني...) قال القزويني في (ضرة الضرع لحديث أم زرع): (قولها: أناس من حلي أذني،أي حركها بما حلاهما به من القرطة. والنوس: تحريك الشيء المتدلي، والإناسة: تحريكه).
قلت: ومنه قول ابن عمر كما عند عبد الرزاق في مصنفه (5/483): (دخلت على حفصة ونوساتها تنطف) أي ضفائرها وسماها نوسات لأنها تتحرك.قال الحافظ في الفتح (7/403): (ومعنى تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت والنوسات جمع نوسة والمراد أن ذوائبها كانت تنوس أي تتحرك).وقصدي من هذا أن استعمال الأقراط لا يكون إلا بثقب الأذن لتعليقها.
وقد استمر العمل على ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم , فقد قال البخاري : (باب القرط للنساء وقال ابن عباس: أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن).
ثم روى (5544 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها)
قال الحافظ في الفتح (10/331): (استدل به على جواز ثقب أذن المرأة لتجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لهن التزين به وفيه نظر لأنه لم يتعين وضع القرط في ثقبة الإذن بل يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذى الأذن وتنزل عنها سلمنا لكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ونحوه قول أم زرع أناس من حلي أذني ولا حجة فيه لما ذكرنا وقال بن القيم كره الجمهور ثقب أذن الصبي ورخص بعضهم في الأنثى قلت: وجاء الجواز في الأنثى عن أحمد للزينة والكراهة للصبي قال الغزالي في الأحياء: يحرم ثقب أذن المرأة ويحرم الاستئجار عليه إلا أن ثبت فيه شيء من جهة الشرع قلت: جاء عن ابن عباس فيما أخرجه الطبراني في الأوسط : (سبعة في الصبي من السنة) فذكر السابع منها (وثقب أذنه) وهو يستدرك على قول بعض الشارحين لا مستند لأصحابنا في قولهم إنه سنة) اهـ
قلت: قول الحافظ : (يجوز أن يشبك في الرأس بسلسلة لطيفة حتى تحاذي الأذن وتنزل عنها) لا تساعده عليه رواية (فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها) وهي عند البخاري (921)ومسلم(884) ولا يمكن تثبيت الحلقة إلا بإدخال طرفها في ثقب في الأذن.
قال الحافظ نفسه في الفتح (3/313) : (والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن) ولا يساعده على ذلك كون أدنيها تنوس بسبب الأقراط. فإنها إن كانت غير معلقة بها ما ناست ولا تحركت شحمة أذنيها.
ويبقى قوله (ويجوز أن تكون آذانهن ثقبت قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء) له حظ من النظر!
وقد روى النسائي (5142 ) عن أبي هريرة قال : كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سوارين من ذهب قال سواران من نار قالت يا رسول الله طوق من ذهب قال طوق من نار قالت قرطين من ذهب قال قرطين من نار قال وكان عليهما سواران من ذهب فرمت بهما قالت يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده قال ما يمنع إحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصفره بزعفران أو بعبير) ولو صح الحديث لكان حجة واضحة ترد ما ما جوزه الحافظ من كونهن ثقبت آذانهن قبل مجيء الإسلام.ولكنه ضعيف, ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي!
لكن يقال للحافظ:
نحن استدللنا بإقراره صلى الله عليه وسلم على تعليقها في ثقب الأذن.وإقراره هذا يلزم منه إقرارهن على الثقب نفسه.وليس بمثل هذه الاحتمالات يورد على الاستدلال بالإقرارات!
جعلت ملاك العين والقلب في الهوى بناطقة القرطين صامتة القلب
تُصَحِّفُ لي ألحاظها لين قدها وتَقْلِبُه كيما تصيد به قلبي
وبعيدا عن مذهب الحافظ. قال الإمام ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية : (ويجوز ثقب أذن البنت للزينة , ويكره ثقب أذن الصبي . نص عليهما . قال في رواية مهنا: (أكره ذلك للغلام . إنما هو للبنات ) قال مهنا : قلت : من كرهه؟ قال : حريز بن عثمان.وقطع ابن الجوزي في منهاج القاصدين وغيره بأنه لا يجوز.)
وها هو ابن الجوزي الحنبلي يقول في أحكام النساء ((ص29 و30) مخالفا : (قال أبو الوفاء ابن عقيل: والنهي عن الوشم تنبيه على منع ثقب الأذن . قال المصنف رحمه الله : قلت: وكثير من النساء يستجزن هذا في حق النبات , ويعللن بأنه يحسنهن , وهذا لا يلتفت إليه. لأنه أذى لا فائدة فيه, فليعلم فاعل هذا أنه آثم معاقب,وقال أبو حاتم الطوسي: لا رخصة في تثقيب آذان الصبية لأجل تعليق الذهب .فإن ذلك جرح مؤلم.ولا يجوز مثله إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلق غير مهم.بل تعليقه على الأذن تفريط . وفي المخانق والأسورة كفاية عنه وهو حرام . والمنع منه واجب, والاستئجار عليه غير صحيح , والأجرة المأخوذة عليه حرام..)
وقال أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي في مختصر منهاج القاصدين (ص133): (لا رخصة في تثقيب ’ذان الصبية لأجل تعليق حلق الذهب .فإن ذلك جرح مؤلم لا يجوز)
قلت: تعجب جدا من قوله : (بل تعليقه على الأذن حرام وفي المخانق والأسورة كفاية) ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أولى منه بهذا حينما رآهن يأخذن الأقراط من آذانهن يوم العيد !. ولكني لم أره صلى الله عليه وسلم فعل. أم ترى أبا حاتم هذا حجر واسعا ؟! بلى ونحن على ذلك من الشاهدين!
وسمعت شيخنا محمد بوخبزة يقول : (منع من ذلك جمهور أهل العلم محتجين بآية (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام)) اهـ والثقب من ذلك.وهذا أضبط.أما دعوى أنه يؤلم فللناس اليوم وسائل يؤمن فيها الألم!فلم يبق لكلام هذه الثلة من الحنابلة موطن .
والقرط في حرة الذفرى معلقة تباعد الحبل منه فهو يضطرب
وها هو حنبلي آخر يختار الجواز .وينتصر له بقوة, قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى في تحفة المولود (ص209) في كلام طويل متقن كأنه بنيان مرصوص : (أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي خرصها الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام) النساء (119 ) أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا ملحق بقطع أذن الأنعام قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز)
وقد ورد في سبب بداية ظهور هذه العادة عند النساء ما رواه إسحاق ـ كما عند ابن عبد البر في التمهيد (21/59) ـ عن حارثة بن مضرب عن علي (أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم فأصابها غارت سارة فحلفت ليغيرن منها ثلاثة أشياء فخشي إبراهيم أن تقطع أذنيها أو تجذع أنفها فأمرها أن تخفضها وتثقب أذنيها)
وروى البخاري (3184) عن ابن عباس قال : (أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة)
قال الحافظ في الفتح (6/400و401) معلقا: (وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك)
وقال ابن كثير في قصص الأنبياء (ص113): (وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها, فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها, قال السهيلي: (فكانت أول من اختتن من النساء وأول من ثقبت أذنها منهن وأول من طولت ذيلها))وضعفها الشيخ مشهور حسن سلمان فلم يذكرها في صحيح قصص الأنبياء! فإنه ذكر أم من منهجه في الكتاب : (الاكتفاء بما صح...) والقصة ذكرها الشيخ ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات (4/338/دار الغرب)
وقد يقول قائل : احك لنا في الصبيان شيئا.فقد رأينا الإمام أحمد يكره ذلك لهم. فهل كانوا يفعل بهم ذلك؟
قلت: كانت مسألة ثقب أذن الصبي معمولا بها عند بعض الناس زمانا.
روى أبو يعلى في مسنده ( 3645 )حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا سكين بن عبد العزيز حدثنا يسار بن بالإجماع الرياحي أبو المنهال قال دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي وإن في أذني يومئذ قرطين أي غلام)
قال شعبة كما في سير أعلام النبلاء (8/462): (رأيت ابن عيينة غلاما معه ألواح طويلة عند عمرو بن دينار وفي أذنه قرط أو قال: شنف)قال الزبيدي في تاج العروس (10/372 و373): (القرط الشَّنْف , وقيل :والشنف في أعلى الأذن والقرط في أسفلها أو هو معلق في شحمة الأذن كما في الصحاح)
ونقل الصنعاني في سبل السلام (4/183)عن قاضي خان الحنفي في فتاواه (لا بأس بثقب أذن الطفل لأنهم كانوا في الجاهلية يفعلونه, ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم)
ومن طريقة الشيعة الروافض أنهم يحلون الصبيان من زنا المتعة بأقرطة الذهب أو الفضة ليميزوهم .فإن زنا المتعة عندهم من أعظم القربات إلى الله عليهم من الله ما يستحقون. أفادني هذا شيخنا محمد بوخبزة وأحالني على كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدنى) وفيه وجدت ذلك.!
ومن طرائف أو قل غرائب هذا الباب ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (6/347) والحافظ المزي في تهذيب الكمال (2/378) عن أبي الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن ذلك وقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا إما في الخير وإما في الشر)
قال الذهبي في السير (11/380): (هذا إسناد جيد وحكاية عجيبة )
وقال الإمام ابن القيم في التحفة (ص210و211) معلقا : (فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير والسنة والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه انتشرت هناك...)
ومن الأمور التي شاعت في بعض الأوساط النسائية ثقب الأنف ! وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال: (ثقب الأنف لا أذكر فيه لأهل العلم كلاما , ولكن فيه مثلة وتشويه للخلقة فيما نرى ولعل غيرنا لا يرى ذلك ,فإن كانت المرأة في بلد يعد تحلية الأنف فيها زينة وتجملا فلا بأس بثقب الأنف لتعليق الحلية عليه) (فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين /ج11/137).قلت: وممن يفعلن ذلك نساء الهند,والله أعلم.وعلى ذكر الهند فقد
قال ابن العماد في شذرات الذهب (2/189و190) في قصة فتح محمود بن سبكتكين للهندقال ابن الأهدل فتح ما لم يبلغه أحد في الإسلام وبنى فيها أي الهند مساجد وكسر الضنم المشهور بسر منات وهو عند كفرة الهند يحيى ويميت ويقصدونه لأنواع العلل ومن لم يشف منهم احتج بالذنب وعدم الإخلاص ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على مذهب أهل التناسخ ويتركها فيمن شاء وإن مد البحر وجزره عبادة له ويتحفه كل ملوك الهند والسند بخواص ما عندهم حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وخدمه من البراهمة ألف رجل وثلثمائة يحلقون رءوسهم ولحاهم عند الورود وثلثمائة امرأة يغنون ويضربون عند بابه وبين قلعة الصنم وبلاد المسلمين مسيرة شهر مفازة قليلة الماء صعبة المسلك لا تهتدي طرقها فأنفق محمود ما لا يحصى في طلبها حتى وصلها وفتحها في ثلاثة أيام ودخل بيت الصنم وحوله أصنام كثيرة من الذهب المرصع بالجوهر محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة فأحرق الصنم ووجد في أذنه نيفا وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن تلك الحلق فقالوا كل حلقة عبادة ألف سنة كلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة ولهم فيه أخبار طويلة انتهى)
والحمد لله رب العالمين