العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علامات تعجب!! في نسبة كتاب " الأحاديث والآثار المتزايدة في أن طلاق الثلاث واحدة" لابن رجب الحنبلي

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
علامات تعجب!!
في نسبة كتاب " الأحاديث والآثار المتزايدة في أن طلاق الثلاث واحدة" لابن رجب الحنبلي



شاع بين المعاصرين أن لابن رجب رحمه الله قولين في مسألة "الطلاق الثلاث" وأنه كان في مذهبه القديم يعتبر مذهب ابن تيمية رحمه الله في أن طلاق الثلاث طلقة واحدة، وأنه من أجل ذلك كتب رسالته: "الأحاديث والآثار المتزايدة في أن طلاق الثلاث واحدة"
ثم رجع بعد ذلك إلى قول الجمهور وقال: إن طلاق الثلاث ثلاث، وألف في ذلك رسالته: "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث وحدة"([1])
لكن لم يذكر المعاصرون - بحسب ما وقفت عليه - تفاصيل قوله القديم.
لكن يبدو والعلم عند الله:
1- أن ثمة وهماً أوجب هذه النسبة إلى ابن رجب رحمه الله.
2- أن ابن رجب رحمه الله ليس إلا قول واحد في هذه المسألة وهو ما يتفق مع قول الجمهور، على ما في رسالته "مشكل الأحاديث"، والتي نقل يوسف ابن عبد الهادي فصولاً منها في كتابه "سير الحاث".
وأبين الآن بحول الله وقوته سبب ما ادعيته:
منهج الإمام الحافظ ابن رجب –رحمه الله - في باب الإجماع والشذوذ، من الوضوح بمكان، وهو معروفٌ بكثرة الاستناد إلى الإجماع دليلاً، وكثرة النفرة من الشذوذ قولا؛ بل نجده لا يكتفي بالاحتجاج بالإجماع ولا بالحكم بالشذوذ على مخالف الإجماع، حتى يضم إلى ذلك احتجاجه بظهور الحق
يقول ابن رجب في خصوص هذه المسألة كما في رسالته مشكل الأحاديث:
ولا يعلم من الأمة أحدٌ خالف في هذه المسألة مخالفة ظاهرة، ولا حكما ولا قضاء ولا علماً ولا إفتاء، ولم يقع ذلك إلا من نفر يسير جدا، وقد أنكره عليهم من عاصرهم غاية الإنكار، وكان أكثرهم يستخفي بذلك ولا يظهره. فكيف يكون إجماع الأمة على إخفاء دين الله الذي شرعه على لسان رسوله واتباعهم اجتهاد من خالفه برأيه في ذلك؟ هذا لا يحل اعتقاده البتة.
وهذه الأمة كما أنها معصومة من الاجتماع على ضلالة، فهي معصومة من أن يظهر أهل الباطل منهم على أهل الحق، ولو كان ما قاله عمر في هذا ليس حقا للزم في هذه المسألة ظهور أهل الباطل على أهل الحق في كل زمان ومكان، وهذا باطلٌ قطعاً."

وهذا الكلام متكرر في كلام ابن رجب أعني قضية ظهور الحق على الباطل، أحسب أني وقفت على أربعة مواضع يقرر فيها ابن رجب هذا المعنى، هذا الموضع أحدها، والثاني في جامع العلوم والحكم والثالث في شرح البخاري والرابع في بعض رسائله.
وكنتُ قبل أن أقف على كلام ابن رجب السابق في "مشكل الأحاديث" أستشكل على نفسي كيف جاز لابن رجب رحمه الله أن يقول يوماً بعدم وقوع الطلاق الثلاث، مع أن القول بوقوعه من الشهرة بمكان، وعليه عمل عامة الأمة علمائها وعامتها، سوى نفر قليل، وإنما شاع خلافه بأخرة.
وابن رجب كثير التكرار والدوران على الإجماع وما حام في حماه من قول عامة أهل العلم.
فنسبة القول بطلاق الثلاث واحد إلى ابن رجب رحمه الله فيه بعد باعتبار النظر إلى خطوط منهجه الفقهي المفصَّل، فهو يمشي في هذا الباب على طريقة ابن عبد البر في اعتبار أقوال عامة أهل العلم والنفرة من الشذوذ عنهم، حتى ألف في ذلك رسالته "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة"
بل قد كان من جملة مآخذ ابن رجب رحمه الله على ابن تيمية مع ثنائه عليه وتعظيمه له ووصفه بشيخ الإسلام هو تفرده بالأقوال وشذوذه عن الناس فيها فساق نبذا منها في كتابه الذيل على طبقات الحنابلة.
فكيف يصح بعد ذلك نسبة هذا القول إلى ابن رجب ، بل إن ابن رجب يعتبر هذه المسألة بعينها من مسائل الإجماع.
ولا يقال إن هذا قول ابن رجب الجديد، فهذا مما لا يجري في العادة تبدل الأقوال فيه، لاسيما من كان على طراز ابن رجب، لاسيما وأن تحصيل هذا الإجماع منتظم تماماً مع أصول ابن رجب النظرية في هذا الباب، ومع تطبيقه لمسائل الإجماع والشذوذ، ومع خصوص هذه المسألة، فهو قولٌ باطلٌ قطعاً، ولا يحل اعتقاده، وهو مخالف للإجماع عملا واعتقاد وقضاء وإفتاء وأنه يلزم منه ظهور أهل الباطل على أهل الحق، وأن تكون الأمة قد أجمعت على إخفاء دين الله واتبعت اجتهاد من خالفه.
كل ذلك بحسب نفس أحرف ابن رجب التي سبق نقلها.
وهنا يرد السؤال:
إذن ما سبب هذا الوهم؟
فأقول وبالله التوفيق: سبب الوهم والعلم عند الله هو ما يلي:
السبب الأول:
مقالة لابن حجر فهمت على غير وجهها:
يقول ابن حجر في ترجمة ابن رجب:
"ونقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك، فنافره التيميون، فلم يكن مع هؤلاء، ولا مع هؤلاء."([2])
قلت:
فحُسِب أن من جملة إفتائه بمقالات ابن تيمية التي رجع عنها هو اعتباره لقوله في الطلاق؛ لأنه من أشهر أقوال ابن تيمية رحمه الله، فانقداح هذه المسألة في الذهن قريب.
وظاهرٌ أن هذا ليس بلازم، فيمكن أن يكون ابن رجب معتبراً جملة كثيرة من مقالات ابن تيمية ليس منها مسألة الطلاق، بل يمكن القول : ليس منها جملة ما اعتبر من شذوذات ابن تيمية لموقف ابن رجب الصارم والصريح في هذا الباب سواء كان في الشذوذ عموماً، أو في ما اعتبر من شذوذات ابن تيمية، رحم الله الجميع.
على أن اعتبار رجوعه عن مقالات ابن تيمية بينٌ للغاية أنها ليس على إطلاقه.

ولم أقف على مسألة واحدة قال بها ابن رجب رحمه الله مما يحسب أنها من الشذوذ، بما يخالف قول عامة أهل العلم، حاشا مسألة قضاء تارك الصلاة عامداً فقد انتصر للقول بعدم القضاء ودافع عنه وفند دعوى الإجماع، مع أن هذه المسألة كانت من جملة ما جمعه على ابن تيمية من نبذه وغرائبه!!
غير أنه يمكن يبرر لابن رجب رحمه الله أن القول بعدم القضاء هو قياس مذهب أحمد بكفر تارك الصلاة لاسيما وأنه قد اعترف جماعة من القائلين بالقضاء أن القياس هو عدم القضاء، وأنهم إنما تركوا هذا القياس إما احتياطا أو اعتباراً لإجماع الأمة.
فلما تحرر لابن رجب صحة القياس ، وعدم تحقق ما دُفِعَ به جَسَرَ على اعتباره.
----
ولابن رجب تصريحٌ في بعض المسائل أنه لم يسبق إلى هذا الجمع بين الآثار، أو أن هذا مما فتحه الله عليه، ولم يجد من سبقه إليه.
هذا أقصى ما يمكن أن يحسب على ابن رجب في الخروج عن قول عامة أهل العلم، وإن كان المحقق أن هذا القدر يكاد يكون مقداراً متفقاً على وقوعه بين الأئمة الكبار، وليس هو من الشذوذ في شيء.
السبب الثاني:
ما نقله ابن عبد الهادي بن المَبرِْد في الجوهر المنضَّد في ترجمة شمس الدين محمد بن خليل المنصفي الحريري المعروف بـ "ابن طوغان" أن ابن قاضي شهبة قال فيه:
"وصحب الإمام زين الدين بن رجب وأخذ عنه ثم نافره واعتزل عنه، وكان يفتي ويعتني بفتوى الطلاق الثلاث على اختيار ابن تيمية، فامتحن بسبب ذلك وأوذي وهو لا يرجع...."
فربما كان النقل السابق أوجب عند بعض الناس ظناً أن الذي كان على اختيار ابن تيمية رحمه الله هو ابن رجب، خصوصاً إذا ضم إليه أن ابن رجب كان يفتي بمقالات ابن تيمية أولاً.
وإن كان هذا ليس بظاهر في هذا النقل، لاسيما وأن ما لحقه من كلام يأباه، وليس من شك أن مفاد الكلام السابق هو أن المعتني بكلام ابن تيمية ابن طوغان وليس ابن رجب.
السبب الثالث:
نقل يوسف بن عبد الهادي عن جده جمال الدين كما في "السير الحاث":
"وأما ابن رجب فإنه كان زاهد ورعا أيضا، لكني بلغني أنه ما عمل كتابه إلا حمية، وذلك أنه كان متباغضا هو وأولاد مفلح، والحنابلة المقادسة، فعمل هذا الكتاب لأجلهم، وبلغني أنه كان شخص يقال له الحريري، وكان حنبليا وكان يفتي بهذا فأذاه ابن رجب وضربه، كما جرت للدواليبي على زماننا كما تقدم، والذي يظهر لي أن أولاد مفلح والحنابلة المراودة، والذين كانوا على زمانه كانوا يفتون بهذا. وهذا الذي فعله لا يجوز له فإن أحداً لا يجوز له أن يغلب في دين الله لأجل معادة الغير. والله أعلم."([3])
فلعل بعض الناس وهم أن كون ابن رجب ألف هذا الكتاب حمية في نفاره من أولاد مفلح والحنابلة والمراودة: يضع احتمالا على أن لابن رجب قول آخر في المسألة.
وهذا ليس بظاهر، لكن نحن هنا إنما نفسر سبب هذا الوهم، وقد تمرر بعض الأوهام بسبب أوهام أخرى، فتتحامل هذه الأوهام بعضها ببعض.
أما ما ذكره جمال الدين عن مخالِفه ابن رجب فهو مما يطوى، وهو قد شهد لابن رجب رحمه الله بالزهد والورع، وقد ذكر في ترجمة ابن رجب أنه كان فارغاً من أمور الدنيا منكباً على العلم والتدريس، وكان يدرس في المدرسة السكرية، فرحمهم الله وعفا عنهم.
السبب الرابع وهو أقواها:
ما نسب إليه من كتاب "الأحاديث والآثار المتزائدة في أن الطلاق الثلاث واحدة."([4])
ولعل أول من نسبه إليه هو ابن عبد الهادي في ترجمة ابن رجب في كتابه الجوهر المنضد.
وعنوان هذا الكتاب قريب جداً من عنوان كتاب جمال الدين جد يوسف ابن عبد الهادي واسمه: "التحفة والفائدة في الأدلة المتزايدة على أن الطلاق الثلاث واحدة"([5])
والذي كان موضوعه الرد على ابن رجب رحمه الله.
ولذا؛ فلا أستبعد أن يكون نسب خطأ إلى ابن رجب، والتغيير الطفيف في الكتاب ليس بذاك فالعنوانان على وزن واحد، ويمكن أن يكون عنوانه الكامل كما يلي: "التحفة والفائدة في الأحاديث والآثار المتزايدة في أن الطلاق الثلاث واحدة."
وهب أن الكتاب لابن رجب تنزلاً ثم انتقل ابن رجب إلى قوله الجديد فكيف يرد جمال الدين عل قول ابن رجب الجديد بنسق عنوان ابن رجب القديم!!
كما أن يوسف ابن عبد الهادي لم ينقل لا عن ابن رجب ولا عن جده ما يفيد رجوع ابن رجب عن قوله القديم، مع عنايته بهذه المسألة وحكايته ما دار بينهما، حتى ساق في ذلك غليظ الكلام، ولو كان لابن رجب قولان في المسألة لعرَّض به جمال الدين، ولحكاه عنه حفيده ابن عبد الهادي؛ أليس هو من استفدنا من كتابه أن لابن رجب كتاباً في وقوع الطلاق واحدة؟!
ويؤكد أيضا وهم هذه النسبة أن ابن عبد الهادي ذكر هذا الكتاب عن ابن رجب في ترجمته ولم يذكر الكتاب الآخر وهو "مشكل الأحاديث" والذي أكثر من النقل عنه في كتابه "سير الحاث" مما يدل على أنه ليس لابن رجب إلا كتاب واحد
وأخيراً، ومن حيث ما انتهينا؛ فيبدو والله أعلم أن ما وقع في كتاب ابن عبد الهادي "الجوهر المنضَّد" هو وهم أو ذهول وسبق قلم،
وإلا فإن ابن عبد الهادي هو أخبر الناس بما دار بين ابن رجب وجده في وقوع الطلاق ثلاث، وإنما منعنا من اعتبار صحة هذه النسبة هو إعراضه عن ذكر هذا الكتاب في الموضع الذي بسط فيه المسألة، فقد وجدناه في الموضع المبسوط لا يحكى عن ابن رجب إلا قولا واحدا في المسألة وإلا كتابا واحدا له، وإنما الكتاب الذي نسبه إليه في ترجمة ابن رجب يشبه كتاب جده في الرد على ابن رجب خلط فيه مع كتاب ابن رجب، ولو كان لابن رجب كتابان في المسألة في أحدهما قول قديم وفي الآخر قول جديد لذكرهما ابن عبد الهادي في ترجمته وفي سياق ذكر مصنفاته، فهي مظنته الأولى، وهو أخبر الناس بقوله في هذه المسألة؛ فكيف يذكر الكتاب المشتمل على قوله القديم، ويدع الكتاب الذي استقر عليه قوله واعترضه جده جمال الدين، ثم أتى هذا الحفيد وأدار النقاش بينهما!!
مما يؤكد أن لابن رجب رحمه الله كتابٌ واحدٌ فقط في وقوع الطلاق ثلاث، وما ذكره ابن عبد الهادي في ترجمته فهو وهم.

والآن إليكم بعض النقولات التي أوردها ابن عبد الهادي في كتابه "سير الحاث" عن كتاب ابن رجب المفقود "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة" والذي ساق من أقواله فيه ما يؤكد جزم ابن رجب بهذه المسألة، بتفاصيل دقيقة تنساب من منهجه المعروف، مما يجعل اعتبار قولين له في المسألة هو أمر مستبعد جداً، لاسيما مع ما سبق ذكره من قرائن ومرجحات.
يقول ابن رجب في معرض جوابه عن حديث ابن عباس المشهور:
فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان:
أحدهما: وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه ويرجع إلى الكلام في إسناد الحديث بشذوذه، وانفراد طاووس به، وأنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقة هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذا ومنكرا إذا لم يرو معناه من وجه يصح.
وهذه طريقة أئمة الحديث المتقدمين: كالإمام أحمد، ويحيى القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم، وهذا الحديث لا يرويه عن ابن عباس غير طاووس.
قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: كل أصحاب ابن عباس يعني روى خلاف ما روى طاووس.
وقال الجوزجاني: هو حديث شاذ قال: وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر فلم أجد له أصلا.
قال المصنف:
ومتى أجمع الأمة على اطِّراح العمل بحديث وجب اطراحه، وترك العمل به.
وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من عمل بالشاذ.
وقال النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي الحبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة فإن عرف وإلا فدعه.
وعن مالك: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس.
وفي هذا الباب شيء كثير لعدم جواز العمل بالغريب وغير المشهور.
قال ابن رجب:
وقد صح عن ابن عباس – وهو راوي الحديث – أنه أفتى بخلاف هذا الحديث ولزوم الثلاث المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره في المغني.
وهذه أيضا علة في الحديث بانفرادها، فكيف وقد ضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة؟
وقال القاضي إسماعيل في كتاب "أحكام القرآن": طاووس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة، منها هذا الحديث.
وعن أيوب: أنه كان يعطب من كثرة خطأ طاووس.
وقال ابن عبد البر: شذ طاووس في هذا الحديث.
قال ابن رجب: وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاووس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل.
المسلك الثاني: وهو مسلك ابن راهويه ومن تابعه، وهو الكلام في معنى الحديث، وهو أن يحمل على غير المدخول بها، نقله ابن منصور عن إسحاق. وأشار إليه إسحاق في كتاب الجامع،وبوب عليه أبو بكر بن الأثرم في سننه، وأبو بكر الخلال يدل عليه.....([6])
ثم قال ابن رجب:
"فصل:اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول يحسب واحدة، ذا سيق بلفظ واحد.([7])

وأذكر الآن أسماء الكتب الثلاثة التي أثيرت في هذه المسألة مضموماً إليها الكتاب المنسوب إلى ابن رجب، حتى تكون الصورة واضحة، فبعض المترجمين لكتب ابن رجب حصل منهم خلط في هذه المسألة، حتى جعل بعضهم ثلاثة منها كتباً لابن رجب لكنها بأسماء مختلفة حتى كتاب ابن عبد الهادي "سير الحاث"!.
أسماء الرسائل:
1- كتاب ابن رجب الذي قرر فيه وقوع الطلاق ثلاث: "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث وحدة"وهو كتاب مفقود.

2- نُسِب إلى ابن رجب رسالة "الأحاديث والآثار المتزائدة في أن الطلاق الثلاث واحدة.([8])، وعنوانها يفيد عدم وقوع الطلاق الثلاث، وهذا الكتاب ساقه ابن عبد الهادي في جملة تصانيف ابن رجب في ترجمته، وقد طرحنا في هذا الموضوع بعض السؤالات التي تستبعد صحة هذه النسبة.


3- كتاب جمال الدين جد يوسف ابن عبد الهادي، والذي رد فيه على ابن رجب واسمه:"التحفة والفائدة في الأدلة المتزايدة على أن الطلاق الثلاث واحدة"([9])

4- كتاب ابن عبد الهادي: "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث"، نقل فيه كلام ابن رجب من كتابه "مشكل الأحاديث" ونقل فيه أيضا رد جده على ابن رجب من كتابه "التحفة الزائدة"
ولم يتعرض ابن عبد الهادي البتة إلى ما نسبه هو إلى ابن رجب في ترجمته في الجوهر المنضَّد، فإنه نسب إليه هناك كتاب "الأحاديث والآثار المتزائدة.."المفيد كما هو ظاهر هذا العنوان إلى عدم وقوع الطلاق الثلاث إلا واحدا.
كما لم يتعرض ابن عبد الهادي في "السير الحاث" إلى نسبة هذا القول إلى ابن رجب ولا نقل شيئا يمكن أن يكون قد عرض به جده على ابن رجب بانتحاله قولين اثنين.
هذا والله أعلم.
------------------------------

([1]) انظر مثلاً مقدمة د. عبد الرحمن العثيمين على الذيل على طبقات الحنابلة ص40-43، تسمية المفتين بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة لـ د. سليمان العُمير ص71، مقدمة محمد بن ناصر العجمي لدى تحقيقه "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث " ص6

([2])إنباء الغمر بأبناء العمر (1/460).


([3]) ص58

([4]) مقدمة محقق كتاب السير الحاث ص5، 6

([5]) السير الحاث ص 40، 58

([6]) سير الحاث 27-29

([7]) سير الحاث ص31

([8]) مقدمة محقق كتاب السير الحاث ص5، 6

([9]) السير الحاث ص 40، 58
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بقي أن يقال:

لو كان لابن رجب كتابان في المسألة في أحدهما قول قديم وفي الآخر قول جديد لذكرهما ابن عبد الهادي في ترجمته وفي سياق ذكر مصنفاته فهي مظنته الأولى، وهو أخبر الناس بقوله في هذه المسألة

وإلا
فكيف يذكر الكتاب المشتمل على قوله القديم، ويدع الكتاب الذي استقر عليه قوله واعترضه جده جمال الدين، ثم أتى هذا الحفيد وأدار النقاش بينهما!!

مما يؤكد أن لابن رجب رحمه الله كتاباً واحداً فقط في وقوع الطلاق ثلاث، وما ذكره ابن عبد الهادي في ترجمته فهو وهم والله أعلم.

الخلاصة:
يبدو لي والعلم عند الله أنه ليس لابن رجب إلا كتابٌ واحد وهو "مشكل الأحاديث" وأن الكتاب الآخر نسب إليه خطأ
كما أن ابن رجب ليس له في المسألة إلا قولٌ واحد، وهو ما يتفق مع قول الجمهور ومع أصوله المفصلة في الباب، أما القول الآخر المنسوب إليه إنما هو وهم أوجبه نسبة الكتاب السابق إليه.
هذا والله أعلم.
 

أبو بيان

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
7 فبراير 2008
المشاركات
1
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
فقه الدليل
زادك الله فقها ونور دربك ونفع بك ومزيدا مزيدا من الإبداع يا أبا فراس
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
153
التخصص
شريعة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
حنبلي
زادك الله فقها ونور دربك ونفع بك ومزيدا مزيدا من الإبداع أبا فراس

تحليل بديع.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
شكر الله لكما وجزاكما الله خيرا
 

حامد الحاتمي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
7 سبتمبر 2008
المشاركات
100
التخصص
طالب
المدينة
مدريد
المذهب الفقهي
مقارن
شكر الله لكم أبـــــ فراس ــــــا
 

ابي حفص المسندي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
1 يناير 2008
المشاركات
77
التخصص
علوم الحديث
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
أهل الحديث والأثر
أحسن الله إليكم شيخنا ونفع بكم


قد أستفدنا كثيرا ولله الحمد
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله في الإخوة جميعا، وشكر الله لهم تشجيعهم لأخيهم.
 

أنس عبدالله محمد

:: مطـًـلع ::
إنضم
5 يوليو 2009
المشاركات
101
التخصص
شريعة - أصول فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
أخي فؤاد
كل ماذكرت لا يعدو كونه تساءلات لا ترقى إلى حد التوهيم

فحكاية ابن حجر القصة في الخلاف وليس القول فقط داعم لمعرفته بالحال
وأيضا كون ابن رجب ليس له أقوال شاذة كما تقول هذا قد يدل على منهجه الذي أختطه بآخر ولايعني أنه ليس له منهج سابق ، خصوصا أن أمثال ابن رجب ومن في مرتبته لا يكاد يذكر جميع آراءه في القديم والحاضر
ولاداعي لذكرها في مجال الرد

عذرا هي وجهة نظر أعتقدها
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أخي فؤاد
كل ماذكرت لا يعدو كونه تساءلات لا ترقى إلى حد التوهيم

فحكاية ابن حجر القصة في الخلاف وليس القول فقط داعم لمعرفته بالحال
وأيضا كون ابن رجب ليس له أقوال شاذة كما تقول هذا قد يدل على منهجه الذي أختطه بآخر ولايعني أنه ليس له منهج سابق ، خصوصا أن أمثال ابن رجب ومن في مرتبته لا يكاد يذكر جميع آراءه في القديم والحاضر
ولاداعي لذكرها في مجال الرد

عذرا هي وجهة نظر أعتقدها
أحترم وجهة نظرك ، والكلام مفصل في المقال من زوايات كثيرة، وفيها تتبع سبب الوهم، وفيها نقل لكلام ابن رجب نفسه، وفي كلام من نقل الكلام عنه.
وفيها نظم لأصوله في الباب مع ذكر قوله في نفس هذه المسألة، وقد كتبتُ بحمد الله بحثاً كاملاً في الشذوذ عند ابن رجب، ووجدت أن هذه المسألة تتنافر تماماً مع أصوله في الباب، ولا يمكن أن يقول بها.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: علامات تعجب!! في نسبة كتاب " الأحاديث والآثار المتزايدة في أن طلاق الثلاث واحدة" لابن رجب الحنبلي

المقال في 2009، ونحن الآن في 2013، ولم أتلق أي اعتراض علمي بحمد الله، وإن كان الكل يتفاجأ بالنتيجة.
 
أعلى