العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم صيام الستة من شوال عند المالكية

إنضم
10 مارس 2020
المشاركات
5
التخصص
الخطاب الشرعي وقضايا العصر
المدينة
أكادير
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
صيام الستة أيام من شوال عند المالكية
ذهب مالك إلى إنكار صوم الستة أيام من شوال مخافة أن يلحق برمضان ماليس منه, وأنه لم ير أحدا من أهل العلم يفعله ولم يبلغه في ذلك شيء عن أحد من السلف ,جاء في الموطأ : (وقال يحيى: سمعت مالكا يقول، في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها. ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف. وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته. وأن يلحق برمضان ما ليس منه، أهل الجهالة والجفاء. لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم. ورأوهم يعملون ذلك.)[1]
قال ابن عبد البر : (ولم يعرف مالك صيام الأيام البيض ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر وأنكر صيام ست من صدر شوال إنكارا شديدا...)[2]
وقد اعتذر ابن عبد البر لمالك بأنه لم يبلغه الحديث أو أنه بلغه ولكنه لم يثبت عنده وقال في الاستذكار : (وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان - رضي الله عنه - فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى وهو عمل بر وخير وقد قال الله عز وجل (وافعلوا الخير) الحج 77 ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان وما أظن مالكا جهل الحديث والله أعلم لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت وقد قيل إنه روى عنه مالك ولولا علمه به ما أنكره وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه وقد يمكن أن يكون جهل الحديث ولو علمه لقال به والله أعلم)[3]
قال أبو الوليد الباجي : (وهذا كما قال إن صوم هذه الستة الأيام بعد الفطر لم تكن من الأيام التي كان السلف يتعمدون صومها.
وقد كره ذلك مالك وغيره من العلماء، وقد أباحه جماعة من الناس ولم يروا به بأسا، وإنما كره ذلك مالك لما خاف من إلحاق عوام الناس ذلك برمضان وأن لا يميزوا بينها وبينه حتى يعتقدوا جميع ذلك فرضا والأصل في صيام هذه الأيام الستة ما رواه سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» وسعد بن سعيد هذا ممن لا يحتمل الانفراد بمثل هذا فلما ورد الحديث على مثل هذا ووجد مالك علماء المدينة منكرين العمل بهذا احتاط بتركه لئلا يكون سببا لما قاله قال مطرف إنما كره مالك صيامها لئلا يلحق أهل الجهل ذلك برمضان، وأما من رغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه، والله أعلم وأحكم.
وقد قال الشيخ أبو إسحاق أفضل صيام التطوع ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام ستة أيام متوالية بعد الفطر ذلك كصيام الدهر.)[4]
وقد شدد ابن العربي في انكارها حتى أنه توعد من يصومها أول الشهر بالتأديب والتشريد معللا ذلك بأنه مضنة البدعة والتغيير مؤكدا تعليل مالك خوفه من الحاق جهلة الناس لتك الستة أيام من شوال برمضان ,وقال ابن العربي : (ستة أيام من شوال قد روى النسائي أن يصوم اليومين الاولين من شوال هذا الحديث ايضا كما رواه أبو عيسى ومن لم يفهم الشريعة لم يفهم هذا الحديث وصلة الصوم بأيام شوال مكروهة جدا لان الناس قد صاروا يقولون شيع رمضان وكما لا يتقدم له لا بشيع ومن صام رمضان وستة ايام من ايام الفطر له صوم الدهر قطعا بالقرآن من جاء بالحسنة فله عشرا امثالها شهر بعشر وستة ايام بشهرين فهذا صوم الدهر كان من شوال او غيره وربما كان من غيره افضل او من اوسطه افضل من اوله وهذا بين وهو احوى للشريعة واذهب للبدعة ورأى ابن المبارك والشافعي انها في اول الشهر ولست اراه ولو علمت من يصومها اول الشهر وملكت الامر ادبته وشردت به لان اهل الكتاب بمثل هذه الفعلة وامثالها غيروا دينهم وأبدوا رهبانيتهم...)[5]
بل واعتبر صيامها بعد العيد بدعة مخالفة للسنة فقال في أحكام القرآن : (ولذلك كره علماء الدين أن تصام الأيام الستة التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: «من صام رمضان وستا من شوال، فكأنما صام الدهر كله» متصلة برمضان مخافة أن يعتقد أهل الجهالة أنها من رمضان، ورأوا أن صومها من ذي القعدة إلى شعبان أفضل؛ لأن المقصود منها حاصل بتضعيف الحسنة بعشرة أمثالها متى فعلت؛ بل صومها في الأشهر الحرم وفي شعبان أفضل، ومن اعتقد أن صومها مخصوص بثاني يوم العيد فهو مبتدع سالك سنن أهل الكتاب في الزيادات، داخل في وعيد الشرع حيث قال: «لتركبن سنن من كان قبلكم» الحديث.)[6]
قال ابن رشد الجد : (وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله»، فكره مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذلك مخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء. وأما للرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها...)[7]
قال القاضي عياض : (وروى عن مالك وغيره كراهة ذلك لما ذكره فى موطئه: أنه لم ير أحدا من أهل الفقه والعلم يصومها، ولم يبلغنى ذلك عن أحد من السلف، وأهل العلم يكرهون [ذلك] (4)، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء (5). قال شيوخنا: ولعل مالكا إنما كره صومه على هذا، وأن يعتقد من يصومه أنه فرض، وأما من صامه على الوجه الذى أراد النبى - عليه السلام - فجائز، وقال بعضهم: لعل الحديث لم يبلغه أم لم يثبت عنده (6)، أو لما وجد العمل بخلافه.
قال القاضى: ويحتمل أن كراهة ما كره كل كره من ذلك، وأخبر أنه غير معمول به اتصال هذه الأيام برمضان إلا فضل يوم الفطر، فأما لو كان صومها فى شوال من غير تعيين ولا اتصال أو مبادرة ليوم الفطر فلا، وهو ظاهر كلامه بقوله فى صيام ستة أيام بعد الفطر.)[8]
واعتذر ابن رشد الحفيد لمالك في انكاره للستة أيام من شوال بنفس ما اعتذر به ابن عبد البر في الإستذكار وقال ابن رشد الحفيد : (وأما الست من شوال، فإنه ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» إلا أن مالكا كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث أو لم يصح عنده وهو الأظهر.)[9]
قال ابن الحاجب في جامع الأمهات : (وَكَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنْ وَرَدَ، لِلْعَمَلِ، وَأَجَازَ مَالِكٌ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ , مُنْفَرِداً، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ...)[10]
قال القرافي : (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كأنما صام الدهر كله واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال وإنما عينها الشرع من شوال للخفة على المكلف بسبب قربه من الصوم وإلا فالمقصود حاصل في غيره فيشرع التأخير جمعا بين مصلحتين....)[11]
قال خليل في مختصره : (وكره البيض: كستة من شوال)[12]
قال المواق في التاج والإكليل : (مُطَرِّفٌ: إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِذِي الْجَهْلِ لَا مَنْ رَغِبَ فِي صِيَامِهَا لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ. الْمَازِرِيُّ عَنْ بَعْضِ
الشُّيُوخِ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا وَمَالَ اللَّخْمِيِّ لِاسْتِحْبَابِ صَوْمِهَا.)[13]
قال الحطاب الرعيني المالكي في مواهب الجليل : (ص: (وصيام ثلاثة من كل شهر وكره كونها البيض كستة من شوال) ش: قال في المقدمات روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله» فكره مالك - رحمه الله - ذلك مخافة أن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها، وكذلك كره مالك - رحمه الله - أن يتعمد صيام الأيام البيض وهو يوم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، على ما روي فيها مخافة أن يجعل صيامها واجبا، وروي أن صيام الأيام الغر وهي أول يوم، ويوم عشر، ويوم عشرين صيام الدهر، وأن ذلك كان صوم مالك - رحمه الله -، انتهى.
وقال في فرض العين: المرغب فيه من الشهور المحرم ورجب وشعبان، ومن الأيام ست من شوال، ويستحب أن لا توصل بيوم الفطر، انتهى.
وقال في الذخيرة: وفي مسلم: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال» ، الحديث. واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها رمضان عند الجهال، وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف بقربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل من غيره فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين، ومعنى قوله: فكأنما صام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة أشهر والستة بستين كملت السنة، فإذا تكرر ذلك في السنين فكأنما صام الدهر، واستحب مالك صيام ثلاثة من كل شهر، وكان يصومها؛ أوله وعاشره، والعشرين، وهي الأيام الغر، واختار أبو الحسن تعجيلها أوله وهي صيام الدهر، انتهى.
وفي العمدة لابن عسكر: ويستحب صيام البيض وثلاثة أيام من كل شهر ويوم الاثنين والخميس، انتهى.
وقال الشبيبي: إنما كرهها مالك مخافة أن تلحق برمضان، وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها، واستحب صيامها في غير شوال لحصول المقصود من تضاعف أيامها وأيام رمضان حتى تبلغ عدة الأيام، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله» وصيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة، ومحل تعيينها في شوال على التخفيف في حق المكلف لاعتياده الصيام لا لتخصيص حكمها بذلك؛ إذ لو صامها في عشر ذي الحجة لكان ذلك أحسن لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة والسلامة مما اتقاه مالك، انتهى.
ونقل في التوضيح قوله: لو صامها في عشر ذي الحجة إلخ، عن الجواهر. وقال في العارضة: وصل الصوم بأوائل شوال مكروه جدا؛ لأن الناس صاروا يقولون تشييع رمضان، وكما لا يتقدم لا يشيع، ومن صام رمضان وستة أيام كمن صام الدهر قطعا لقوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] كان من شوال أو من غيره، وإنما كان من غيره أفضل ومن أوسطه أفضل من أوله وهذا بين، وهو أحوط للشريعة وأذهب للبدعة...)[14]
قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل : ((كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) خَوْفَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا، وَهَذَا إذَا صَامَهَا مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَوَالِيَةً مُظْهِرًا لَهَا مُعْتَقِدًا سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ....)[15]
قال الدردير : ((كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) فَتُكْرَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَتَابِعَةً وَأَظْهَرَهَا مُعْتَقِدًا سَنَةَ اتِّصَالِهَا...)[16]
قال في منح الجليل على مختصر خليل : (وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَ) صَوْمِ (سِتَّةٍ) مِنْ الْأَيَّامِ (مِنْ شَوَّالٍ) فَيُكْرَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مُتَّصِلَةً بِيَوْمِ الْعِيدِ مُتَتَابِعَةً مُظْهِرَةً مُعْتَقِدًا سُنِّيَّةَ وَصْلِهَا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ انْتَهَى. عبق الْعَدَوِيُّ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ وَلَوْ خِيفَ اعْتِقَادُهُ وُجُوبَهُ وَإِنَّهُ إنْ أَخْفَاهُ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الِاتِّصَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُكْرَهَ لِمُقْتَدًى بِهِ وَلِمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إنْ وَصَلَهَا وَتَابَعَهَا وَأَظْهَرَهَا وَلِمَنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا. الْبُنَانِيُّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ مَعَ مَا فِي الْحَطّ عَنْ مُطَرِّفٍ، إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَوْمَهَا لِذِي الْجَهْلِ خَوْفًا مِنْ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا.
وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا» . فَشَهْرُ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ تَمَامُ السَّنَةِ، مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا وَسُنِّيَّةِ اتِّصَالِهَا. وَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ السِّتَّةِ بِكَوْنِهَا مِنْ شَوَّالٍ لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ لِسُهُولَةِ الصِّيَامِ فِيهِ بِاعْتِيَادِهِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهَا فِي شَوَّالٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ...)[17]
جاء في العشماوية : (وَكَذَا كَرِهَ صِيَامَ سِتَّةٍ مِن شَوَّالٍ مَخَافَةَ أَنْ يُلْحِقَهَا الجَاهِلُ بِرَمَضَانَ.)[18]
قال الزرقاني : ((كستة من شوال) لمقتدى به متصلة برمضان متتابعة وأظهرها معتقدًا سنة اتصالها فإن انتفى قيد من هذه الأربع لم تكره...)[19]
وقد خالف اللخمي ما عليه المالكية وقال بأنها مرغب فيها مستدلا بالحديث الذي خرجه مسلم وهوحديث سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري ,قال اللخمي في التبصرة : (فصل الأشهر المرغب في صيامها
الأشهر المرغب في صيامها ثلاثة: المحرم، ورجب، وشعبان، ومن أيام السنة ستة من شوال، وعشر ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، ومن أيام الجمعة الاثنين والخميس...... وقال أبو أيوب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (2) أخرجه مسلم)[20]
يتلخص مما سبق أن مالكا أنكر صيام الستة أيام من شوال ولذلك قال المالكية بكراهة صيامها متصلة برمضان مخافة أن يلحقها الجهال برمضان , وقد اعتذر ابن عبد البر وابن رشد لمالك بأنه :

  • إما أنه لم يبلغه الحديث
  • أو أنه بلغه ولم يصح عنده
وقد رجح ابن عبد البر استحباب صيام الستة أيام أخذا بالحديث , وصرح اللخمي باستحبابها في التبصرة أخذا بدلالة الحديث وصحته .
وقد استدل البعض لمذهب مالك بعمل أهل المدينة, وأن من في الحديث للابتداء وليست للتبعيض , وليس هناك من المتقدمين من صرح بمثل هذلاابن عبد البر و لاابن العربي ولا الباجي ولا ابن رشد الجد ولا الحفيد ولا القرافي ولا شراح مختصر خليل إلا القاضي عياض فقد أومأ إلى ذلك.
وأما من احتج لمالك بعمل أهل المدينة فمردود قطعا لأن رواة حديث ( من صام رمضان وأتبعه بست من شوال ... ) الحديث , قد رواه مدنيون فسعد بن سعيد مدني , وصفوان بن سليم مدني , وزيد بن أسلم مدني , ويحيى ين سعيد مدني , وعبد ربه بن سعيد مدني ,وعمر بن ثابت مدني , فالإحتجاج بعمل أهل المدينة في هذا الموضع غير سديد البتة , لذلك لم يذكره ابن عبد البر ولا غيره ممن احتج واعتذر لمالك .
أما الإحتجاج بمن للإبتداء وليست للتبعيض فإن هذا القول من أسخف ما يمكن أن يحتج به لمالك لأنه عكس مذهب مالك , فإذا كانت للإبتداء فإن المعنى سيكون ( ثم أتبعه بست من شوال ) أي مبتدئا بشوال ومعلوم أن هذا اللفظ هكذا يحتمل آحاد الشهر التي هي أيامه والشهر جملة , فيكون المعنى مبتدئا بست التي في شوال أو مبتدئا بالصيام في شوال , وصيغة الإبتداء تشمل بداية الشهر وهو محرم صيامه فإن كان أوله محرما صيامه فلم يبق إلا بعد الأول وهو ما كرهه مالك واستنكره , فصيغة التبعيض هنا أولى من صيغة الابتداء , فيكون المعنى على قول المالكية يصام بعض في شوال وبعض في غيره , أو على قول الجمهور يصام ستة أيام التي هي بعض من شوال دون تحديد , فصيغة الإبتداء الإحتجاج بها سخافة وبله ومن نسبها لمالك فقد ظلم مالكا وجعله جاهلا بالعربية وهو المدني العربي القح .
وأولى شيء بحت جبه لمالك هو تعليله لنفسه حيث علل إنكاره بخوفه أن بلحق برمضان ماليس منه ,وأولى مايعتذر به له ما ذكر ابن عبد البر ووافقه عليه ابن رشد الجد والحفيد والقرافي كما مضى في النقولات عنهم .
وأولى الأقوال بالقبول قول ابن عبد البر واللخمي لموافقتهما الحديث وهو جديث صحيح ثابت .
والله أعلى وأعلم ونسبة العلم إليه أسلم
كتبه أبو أنس محمد حمو يومه الأحد 08شوال /الموافق ل 31 ماي 2020


[1] موطأ مالك من رواية يحيى بن يحيى الليثي , ج3 ص 447 , المحقق: محمد مصطفى الأعظمي الناشر: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبو ظبي – الإمارات ,الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م

[2] الكافي في فقه المدينة المالكي , ج1 ص 350 , المحقق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1400هـ/1980م

[3] الإستذكار ج 3 ص 380

[4] المنتقي للباجي , ج2 ص 76 , الناشر: مطبعة السعادة - بجوار محافظة مصر ,الطبعة: الأولى، 1332 هـ

[5] عارضة الأحوذي , ج3 , ص 289إلى 293,دار الكتب العلمية بيروت لبنان

[6] أحكام القرآن لابن العربي , ج1 ص 109, راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م

[7] المقدمات الممهدات , ج1 , ص 243 , تحقيق: الدكتور محمد حجي الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م

[8] إكمال المعلم بفوائد مسلم , ج 4, 139-140, المحقق: الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م

[9] بداية المجتهد ونهاية المقتصد , ج2 , ص 72 , الناشر: دار الحديث – القاهرة الطبعة: بدون طبعة ,تاريخ النشر: 1425هـ - 2004 م

[10] جامع الأمهات , ص 179 , المحقق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخضري الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الثانية، 1421هـ - 2000م

[11] الذخيرة للقرافي , ج2 ص 531 , الناشر: دار الغرب الإسلامي- بيروت الطبعة: الأولى، 1994 م

[12] مختصر خليل , ص 61 , المحقق: أحمد جاد الناشر: دار الحديث/القاهرة ,الطبعة: الأولى، 1426هـ/2005مـ

[13] التاج والإكليل لمخنصر خليل ,ج3 , 330 , الناشر: دار الكتب العلمية ,الطبعة: الأولى، 1416هـ-1994م

[14] مواهب الجليل في شرح مختصر خليل , ج2 , ص 414 , الناشر: دار الفكر الطبعة: الثالثة، 1412هـ - 1992م

[15] شرح الخرشي على مختصر خليل ,ج 2 , ص 243 , الناشر: دار الفكر للطباعة - بيروت

[16] الشرح الكبير للدردير ,ج1وص 517, الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ

[17] منح الجليل شرح مختصر خليل , ج 2 , ص 122, الناشر: دار الفكر – بيروت الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1409هـ/1989م

[18] العشماوية , ص 19 , المؤلف: عبد الباري بن أحمد بن عبد الغني بن عتيق بن الشيخ سعيد بن الشيخ حسن، أبو النجا العشماوي القاهري الأزهري المالكي (المتوفى: ق 10هـ) ,الناشر: شركة الشمرلي للطبع والنشر والأدوات الكتابية، مصر

[19] شرح الزرقاني على مختصر خليل ,ج 2 , ص 353 , ضبطه وصححه وخرج آياته: عبد السلام محمد أمينالناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م

[20] التبصرة ,ج2 , ص 816 , دراسة وتحقيق: الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر , الطبعة: الأولى، 1432 هـ - 2011 م
 
أعلى