محمد بن فائد السعيدي
:: متخصص ::
- انضم
- 23 مارس 2008
- المشاركات
- 618
- التخصص
- الحديث وعلومه
- المدينة
- برمنجهام
- المذهب الفقهي
- شافعي
هذه الدرر الغوالي ملتقطة من بحث للعلامة جمال الدين القاسمي بعنوان" ميزان الجرح والتعديل"" وقد نشر هذا البحث في سلسة من المقالات في مجلة المنار التي كان يقوم عليها العلامة السيد محمد رشيد رضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمرة الرفق بالمخالفين
قال بعض علماء الاجتماع : يختلف فكر عن آخر باختلاف المنشأ والعادة
والعلم والغاية ، وهذا الاختلاف طبيعي في الناس ، وما كانوا قط متفقين في
مسائل الدين والدنيا ، ومن عادة صاحب كل فكر أن يحب تكثير سواد القائلين
بفكره ، ويعتقد أنه يعمل صالحًا ويسدي معروفًا وينقذ من جهالة ويزع
عن ضلالة ، ومن العدل أن لا يكون الاختلاف داعيًا للتنافر ما دام صاحب
الفكر يعتقد ما يدعو إليه ، ولو كان على خطأ في غيره ؛ لأن الاعتقاد في
شيء أثر الإخلاص ، والمخلص في فكر ما إذا أخلص فيه يناقش بالحسنى ؛
ليتغلب عليه بالبرهان ، لا بالطعن وإغلاظ القول وهجر الكلام ، وما ضر
صاحب الفكر لو رفق بمن لا يوافقه على فكره ريثما يهتدي إلى ما يراه صوابًا ،
ويراه غيره خطأً ، أو يقرب منه ، وفي ذلك من امتثال الأوامر الربانية ، والفوائد
الاجتماعية ما لا يحصى ، فإن أهل الوطن الواحد لا يحيون حياة طيبة إلا إذا
قل تعاديهم ، واتفقت على الخير كلمتهم ، وتناصفوا وتعاطفوا ، فكيف تريد مني أن
أكون شريكك ، ولا تعاملني معاملة الكفؤ على قدم المساواة ؟
دع مخالفك - إن كنت تحب الحق - يصرح بما يعتقد ، فإما أن يقنعك
وإما أن تقنعه ، ولا تعامله بالقسر ، فما قط انتشر فكر بالعنف ، أو تفاهم قوم
بالطيش والرعونة ، من خرج في معاملة مخالفه عن حد التي هي أحسن
يحرجه فيخرجه عن الأدب ويحوجه إليه ؛ لأن ذلك من طبع البشر مهما
تثقفت أخلاقهم وعلت في الآداب مراتبهم .
وبعدُ فإن اختلاف الآراء من سنن هذا الكون ، هو من أهم العوامل في
رقيّ البشر ، والأدب مع من يقول فكره باللطف قاعدة لا يجب التخلف عنها
في كل مجتمع ، والتعادي على المنازع الدينية وغيرها من شأن الجاهلين لا
العالمين ، والمهوسين لا المعتدلين . اهـ مع تلخيص وزيادة .
ولا يخفى أن الأصل في هذا الباب قوله تعالى : (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( العنكبوت : 46 ) وقوله سبحانه : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
( البقرة : 83 ) وقوله جل ذكره : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ) ( الحجرات : 11 ) ولا تنس ما أسلفنا عن السلف في تفسيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: (( مجلة المنار ـ المجلد [ 16 ] الجزء [ 1 ] صــ 30 المحرم 1331 ـ يناير 1913 ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمرة الرفق بالمخالفين
قال بعض علماء الاجتماع : يختلف فكر عن آخر باختلاف المنشأ والعادة
والعلم والغاية ، وهذا الاختلاف طبيعي في الناس ، وما كانوا قط متفقين في
مسائل الدين والدنيا ، ومن عادة صاحب كل فكر أن يحب تكثير سواد القائلين
بفكره ، ويعتقد أنه يعمل صالحًا ويسدي معروفًا وينقذ من جهالة ويزع
عن ضلالة ، ومن العدل أن لا يكون الاختلاف داعيًا للتنافر ما دام صاحب
الفكر يعتقد ما يدعو إليه ، ولو كان على خطأ في غيره ؛ لأن الاعتقاد في
شيء أثر الإخلاص ، والمخلص في فكر ما إذا أخلص فيه يناقش بالحسنى ؛
ليتغلب عليه بالبرهان ، لا بالطعن وإغلاظ القول وهجر الكلام ، وما ضر
صاحب الفكر لو رفق بمن لا يوافقه على فكره ريثما يهتدي إلى ما يراه صوابًا ،
ويراه غيره خطأً ، أو يقرب منه ، وفي ذلك من امتثال الأوامر الربانية ، والفوائد
الاجتماعية ما لا يحصى ، فإن أهل الوطن الواحد لا يحيون حياة طيبة إلا إذا
قل تعاديهم ، واتفقت على الخير كلمتهم ، وتناصفوا وتعاطفوا ، فكيف تريد مني أن
أكون شريكك ، ولا تعاملني معاملة الكفؤ على قدم المساواة ؟
دع مخالفك - إن كنت تحب الحق - يصرح بما يعتقد ، فإما أن يقنعك
وإما أن تقنعه ، ولا تعامله بالقسر ، فما قط انتشر فكر بالعنف ، أو تفاهم قوم
بالطيش والرعونة ، من خرج في معاملة مخالفه عن حد التي هي أحسن
يحرجه فيخرجه عن الأدب ويحوجه إليه ؛ لأن ذلك من طبع البشر مهما
تثقفت أخلاقهم وعلت في الآداب مراتبهم .
وبعدُ فإن اختلاف الآراء من سنن هذا الكون ، هو من أهم العوامل في
رقيّ البشر ، والأدب مع من يقول فكره باللطف قاعدة لا يجب التخلف عنها
في كل مجتمع ، والتعادي على المنازع الدينية وغيرها من شأن الجاهلين لا
العالمين ، والمهوسين لا المعتدلين . اهـ مع تلخيص وزيادة .
ولا يخفى أن الأصل في هذا الباب قوله تعالى : (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( العنكبوت : 46 ) وقوله سبحانه : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)
( البقرة : 83 ) وقوله جل ذكره : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ
عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ) ( الحجرات : 11 ) ولا تنس ما أسلفنا عن السلف في تفسيرها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: (( مجلة المنار ـ المجلد [ 16 ] الجزء [ 1 ] صــ 30 المحرم 1331 ـ يناير 1913 ))